تعاني نيجيريا من مشكلة الاندماج الوطني ويتمثل في التعارض بين الانتماءات الأولية للأفراد وانتمائهم إلى الدولة، بسبب مجموعة متداخلة من الاعتبارات المرتبطة بتوزيع الثروة والسلطة وبالتكوين الثقافي للجماعات المختلفة، إذ يوجد في حدود الدولة التي أنشأتها بريطانيا محمية لها العام 1914 حوالي (250) جماعة عرقية ولغوية مختلفة ناهيك عن انتماءات دينية متعددة (65 في المئة من السكان مسلمون، و25 في المئة مسيحيون، و10 في المئة احيائيون) .
ويرى محللون أن النزاعات القبلية التاريخية وتلك المرتبطة بالأراضي والاستياء السياسي هي أبرز العوامل المسببة للعنف الذي تشهده بانتظام منطقة جوس في وسط نيجيريا، معتبرين أن العامل الديني يحل عادة في المرتبة الثانية.
وهي صدامات تدور حول الموارد بين السكان الأقدم في المنطقة من قبائل البيروم، والسكان الأحدث عهدا من قبائل الهوسا والفولاني (الذين يعاملون كوافدين، على الرغم من أنهم يقيمون بالمنطقة منذ عشرات السنيين، وهم نيجيريون أصليون كذلك).و مما زاد الأمر ضراوة صادف أن البيروم في معظمهم مسيحيون، بينما الهوسا والفولاني مسلمون، مما أظهر الأمر وكأنه صراع بين طائفتين دينيتين مختلفتين. وربما بدأ الصراع على الموارد ثم تحول إلى صراع ديني بعد عمليات القتل الانتقامية التي قام بها المسلمون والمسيحيون ضد بعضهم بعضا في مناطق أخرى.
يعيش على أرض نيجيريا مجموعات قبائلية وعرقية تزيد عن 250 جماعة قومية.ومن أهم القبائل هناك قبيلة الهوسا والفولاني تتواجدان في الإقليم الشمالي ، وتشكلان حوالي 29 % من السكان ، وقبيلة اليوربا في الإقليم الغربي و تشكل حوالي 21% من السكان ، وقبيلة الإيبو في الإقليم الشرقي و تشكل 18% من عدد السكان .بالإضافة إلى عدد آخر من القبائل أبرزها : الإيجا ، والكانوري ، والإيبيو.
الهوسا: قببيلة الهوسا الضخمة كانت ولا تزال تهيمن على القبائل الأخرى التي تسكن ولاية كانو من قبائل (الفولاني) و(البرقُ) و(القرعان) و(الطوارق)، كلها قبائل من غرب وشمال غرب إفريقيا، وكلها تدين بالإسلام.
توجد قبيلة الهوسا في شمال نيجيريا أساسا ويمتد انتشارها من جبل الهواء بجمهورية النيجر شمالا إلى منطقة جوس بلاتو وسط نيجيريا جنوبا، ومن بحيرة تشاد شرقا إلى مدينة جني بجمهورية مالي غربا. والهوسا أكبر التجمعات العرقية النيجيرية إذ تبلغ نسبتهم حسب بعض التقديرات ربع سكان البلاد. وقد دخل أبناء هذه القبيلة الدين الإسلامي أفواجا منذ عهود قديمة، وتقدر نسبة المسلمين بينهم بـ98%..
مارس الهوسا الزراعة ويستقرون في حواضر من أبرزها مدينة كانو شمال نيجيريا والتي ظلت منذ عشرة قرون مركزا للإشعاع الإسلامي والثقافة العربية، وكذلك سوكوتو وكامينا وكادونا وعبادان. وقد تمازجت معهم عن طريق المصاهرات والمساكنات مجموعات عرقية أخرى مثل الفولاني المشهورة بممارسة نشاط الرعي والحل والترحال خلف قطعان البقر. ويقدر تعداد الهوسا بحوالي 20 مليون نسمة، أما قبيلة الفولاني المتصاهرة معها فيقدر أفرادها بخمسة ملايين.
وتنتشر اللغة العربية والدين الإسلامي بمناطق الهوسا بشكل ملفت للنظر، وتفتخر قبائل الهوسا بتاريخها الإسلامي وخاصة عندما أسس عثمان دان فوديو مملكة سوكوتو الإسلامية في القرن التاسع عشر الميلادي وورث عرشه ابنه محمد بلو وكلاهما كان -بالإضافة إلى دوره السياسي- فقيها مؤلفا ضليعا في اللغة العربية والشريعة الإسلامية. وقد انتشرت بمناطق الهوسا تقاليد معرفية قوامها الثقافة الإسلامية فهم يربون أبناءهم على التعاليم الإسلامية منذ الصغر بدءا بحفظ القرآن ثم تدرجا في أخذ علوم العربية والشريعة كما يكثر أتباع الطرق الصوفية وخاصة الطريقة القادرية والتيجانية.
الفولاني:رعاة بقر ذات غالبية مسلمة هاجروا إلى نيجيريا منذ قديم الزمان، وكانوا قبل ذلك يسكنون منطقة (فوتاتورى) أو (فوتاجلو) ثم استقروا في الأراضي التي تقطنها وتسيطر عليها قبيلة الهوسا منذ القدم، كان كثير من أبناء قبيلة (الفولاي) من المتعلمين، والمتفقهين في أصول الدين الإسلامي واللغة العربية لذا فقد كانوا تاريخياً يُمنحون وظائف في القصور الحاكمة،وهم اليوم مربي ماشية يطالبون للحصول على وضعية “أبناء البلد”- والذي عززته الحكومات المتعاقبة منذ استقلال نيجيريا عن بريطانيا في 1 تشرين الاول عام 1960 – حيث مازالوا يصنفون باعتبارهم وافدة أو مستوطنة ولكن بلا جدوى، بسبب رفض أتنية البيروم، التي تريد المحافظة على امتيازاتها.
اليوروبا:يطلق لفظ اليوروبا على القبيلة كما يطلق على المنطقة التي تسكنها وعلى لغتها أيضا. وتوجد قبيلة اليوروبا بالجنوب الغربي النيجيري وتنقسم إلى سبع مجموعات هي: الأيو والأجبا والإيكيتي والإيف والأجبو والأندو والكبة، ولكل منها زعيمها الخاص ومدينتها الخاصة. وتتولى مجموعة الأويو –تقليديا- السلطة الزمنية بينما تناط مجموعة الإيف بالسلطة الروحية لليوروبا. ولا تخلو قبيلة اليوروبا من تنافس بين فروعها السبعة. والنشاط الغالب على هذه القبيلة هو الزراعة والتجارة. ويوجد ضمن قبيلة اليوروبا مسيحيون بروتستانت إلا أن هنالك أتباعا للدين الإسلامي يعدون بالملايين فضلا عن بعض الوثنيين. واليوروبا عكس قبائل جنوب نيجيريا الأخرى تتميز بانفتاح وتسامح في موضوع الدين لا تقبله القبائل الأخرى.
الإيبو:تدعى هذه القبيلة أحيانا باسم الإغبو وهي تعيش في الجنوب الشرقي النيجيري تحت إمرة زعيم تقليدي واحد تنتخبه الجماعة القبلية. وتشتهر الإيبو بأنها مجتمع طبقي لكل فرد منها منزلة تحددها مكانته الاجتماعية. ويوجد بمنطقتها أغلب احتياطي النفط النيجيري.
بيروم: مزارعون مسيحيون محليون يشكلون إحدى أبرز المجموعات الاتنية في ولاية بلاتو، إلا أن رعاة الماشية في الشمال الباحثين عن أراض للمراعي نزحوا على مر السنوات من هذه المنطقة، والتي تقع بين شمال البلاد ذات الغالبية المسلمة والجنوب حيث تقيم غالبية مسيحية، وهذا النزوح أدى إلى نزاعات مرتبطة بالأراضي الخصبة جداً في هذه المنطقة.
في عام 2010 أعلنت منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان “هيومن رايتس ووتش” أن أكثر من 13 ألفاً و500 شخص قتلوا في أعمال عنف قبلية أو دينية في نيجيريا منذ انتهاء النظام العسكري في عام 1999.
يشار إلى أن مدينة جوس، التي تعد نحو 500 ألف نسمة، تقع جنوب شرق العاصمة الفيدرالية أبوجا. ،حيث شهدت في تشرين الثاني/نوفمبر 2008، مقتل مئات الأشخاص في جوس في مواجهات طائفية بعد شائعة بان حزب “جميع النيجيريين” الذي يهيمن عليه المسلمون خسر الانتخابات المحلية لصالح حزب الشعب الديموقراطي الذي يهيمن عليه المسيحيون.
وشهدت نيجيريا في شهر مارس/آذار 2010 اشتباكات طائفية دامية أودت بحياة ما لا يقل عن 500 شخص. ووقعت الاشتباكات بالقرب من مدينة جوس أيضا . وسببها هو خلاف بين المسلمين والمسيحيين المحليين. كما شهدت البلاد في يناير/كانون الثاني 2009 اشتباكات مماثلة أسفرت عن سقوط 326 شخصا.
———
المصادر
-العربية نت (9 مارس 2010)
- نيجيريا وتجدد الصراع الطائفي (توفيق المديني/ العربية نت 24 مارس 2010 نقلا عن “المستقبل” اللبنانية)
-الجزيرة نت (برنامج الملف الأسبوعي 3/10/2004)
- قبيلة اليوروبا وقبيلة الإيبو / الجزيرة نت 3/11/2004)
-العوامل الداخلية للأزمة النيجيرية /الخضر عبد الباقي محمد / الجزيرة نت 3/11/2004)
-الجزيرة نت/ برنامج تحت المجهر :نيجيريا (10/1/2005)
-قبيلة الهوسا (الجزيرة نت 4/11/2004)
-نيجيريا في عنق الزجاجة (علي العبد الله/الوسط البحرينية 19 مارس 2003)
-جريدة الشرق الأوسط (10 مارس 2010)

منقول