الشاعر الساخر أحمد الصافي النجفي
قال الصافي صادرات بلدتي مشائخ وواردات بلـدتي جنائز

حورب لمحاولته السماح بالتصفيق في الندوات الادبية في النجف
فشل فآثر التشرد لكنه كان نجم زمانه
لم يقم للصافي مهرجان فقال (كان ذاك السلام لـي مهرجاناً مهرجاني على الرصيف يُقـام)


حياة (الشاعر أحمد الصافي النجفي) (1897- 1977)، كماأرخها الشاعر والأكاديمي النجفي ألآخر (إبراهيمالعاتي) ولا ادري كيف يكون (العاني) نجفيا. (الشاعر أحمد الصافي النجفي) عانى في حياته ألوانامن المفارقات، بين غربة بعضها اختياري وبعضهاجبري، عاش (الصافي النجفي) بين شقاء اضفاه علىنفسه، خشيةً ان يحرم من البقاء في دمشق حيث كانيعيش في غرفة بالية، ليس بينها وبين القبر من فارقغير أنها فوق الأرض. رفض أكثر من مرة راتباًجارياً من العراق، أو من أهل اليسار، بعد ضغطالسنين، وإلحاح المرض المزمن استجاب لطلب سفيرالعراق ببيروت (ناصر الحاني)، أوائل الستينات قبلراتباً غير مشروط بتطويق حريته أو تحديد أسلوبحياته. (أحمد بن علي بن صافي النجفي) ولد عام 1897اي قبل القرن العشرين في النجف في أسرة دينية كانوالده (علي الصافي) قد ورث فقه الدين عن أجداده،أما جدّه لأُمه فهو (الإمام الشيخ محمد حسينالكاظمي) أكبر فقهاء عصره له عدد من المؤلفاتالدينية. تعلم(أحمد الصَافي النجفي) بعض اجزاءالقرآن على (شيخة)، ثم تعلم الكتابة وأكمل قراءةالقرآن في (مدرسة الملا) اي في (الملا) كما نقولنحن العراقيين. كان رغم صغر عمره ينوب عن المعلمفي تدريس الخط للتلاميذ. توفي والده بالكوليراالتي عمت العراق عام 1907 كان أحمد في العاشرة منعمره فتسلم شقيقه الأكبر (محمد رضى) إعالةالعائلة. بعد تخرجه من (الملا) اتقن الصرف والنحووالمنطق والمعاني والبيان وأصول الفقه من كبارالمعلمين منهم المجتهد الأكبر ( السيد أبو الحسنالأصفهاني) لثماني اعوام فأتقن هذه العلوم. كان(أحمد الصَافي النجفي) ضعيف البنية أرهقتهالدراسات فأصيب ببعض انواع العصاب اي الانهيارالعصبي الشديد فأشار الأطباء عليه التوقف عنمتابعة الدروس فاتجه إلى المطالعة في الأدب القديموالصحف والمجلات فاكتسب معلومات ثقافية واسعة. أخذينشر مقالاته في مجلة (المقتطف) و (الهلال) مجلتانصغيرتان الحجم مصورتان جامعتان تنشران مقالات لاتنشرها صحف ذاك الزمن تصدران في مصر، الكثير منهامما يحدث في اوربا، كانتان تثقافيتان يجد القراءفيهما كل ما هو جديد ذاك الزمن للانجازات العلميةالحادثة في اوربا. كانت المجلتانليس لهماضريب كانتا تصلان العراق حتى البصرة. لم يكن بوسعيشرائهما فكنت اقرأهما في المكتبة العامة فيالبصرة، كانتا تنشران في مصر من دار (الهلال), مؤسسها (جرجي زيدان) اللبناني الاصل. اما (المقتطف) فكان يصدرها فريق من المثقفين وهي اولواوحد مجلة علمية كانت تصدر في العالم وهي المجلةالوحيدة التي عرفت العالم العربي بـ (نظريةالتطور) لـ (جارلس داروين) كانت تصدر من مصر، كنتذلك في الثانوية اتابعها في المكتبة منحتني الكثيرمن العلوم كان يحررها مجموعة من مثقفي ذاك الزماناللبنانيين الاصل في العام خاصة كانت فريدةزمانها.
صدرت كتب عديدة عن حياة (أحمد الصَافيالنجفي) وشعره النير بالاظافة لما أرخه الشاعروالأكاديمي النجفي الآخر (الدكتور إبراهيم العاتي) في كتابه (أحمد الصَافي النجفي.. غربة الروح ووهجالإبداع)، الصادر عن دار العلم للطباعة والنشر،بيروت 2007، سجل (العاتي) رصداً دقيقاً مكثفاًلحياة وشعر (أحمد الصَافي النجفي)، أحد أبرز شعراءالعربية المعاصرين، من الذين اختلط شعرهم بحياتهم،وكان بدايتهم ونهايتهم. قبل هذا، حظا (أحمدالصَافي النجفي) بأكثر من ترجمة حياته فلم تغيبهالغربته عن مؤرخي الأدب العراقيين، فحفل كتاب (شعراء الغري) للكاتب النجفي (علي الخاقاني) توفيعام 1979 عرفته في بغداد يوم تأسست جمعيةالصحفيين التي رأسها (محمد مهدي الجواهري) في عهد (عبد الكريم قاسم)، (علي الخاقاني) في كتابة ترجمحياة (أحمد الصَافي النجفي) في عرضه واحد من (شعراء الغري) اي النجف كانت وافية. اماكتاب (إبراهيم العاتي) في تأليفه اعتمد ترجمات عددمن الأدباء ومؤلفين عربا وعراقيين مما أثاراهتمامهم بـ (أحمد الصَافي النجفي). (إبراهيم عبدالستار) في طبعة (عبقرية الصافي) عن طرابلس- لبنان 1974، و (إبراهيم الكيلاني) في كتابه (الشاعر أحمدالصافي النجفي) من دمشق 1980، و (عبد اللطيفشرارة) في كتابه (الصافي) طبعة بيروت 1981،والطبيب الأديب (عبد السلام العجيلي) في (وجوهالراحلين) طبعة دمشق 1982، و (سلمان هادي طعمة) في (أحمد الصافي شاعر العصر) طبعة بغداد 1985. كانلمسقط رأس الشاعر النجف أو الغري خاصة قد لا تتكررفي المدن الدينية الأخرى لانها محافظة متزمتةمتشددة اشد المحافظة والتزمت والتشدد علىالتقاليد، رسخت في المتوارث لكنها أخذت قدسيتها منواقع المدينة، والرغبة في المحافظة على تراثها. إلى جانب ذلك البعض في النجف المدينة تواقونللانفتاح، واستيعاب الجديد، لكن وفق التقليدالمتوافر والظروف. في وقت عُدى التصفيق في الأماسيالأدبية، أو الاحتفالات التكريمية، وما أكثرهابالنجف، من المحرمات. ليس غريباً أن يكون (أحمدالصَافي النجفي) كبش الفداء،من الثائرينعلى تحريم التصفيق، رغم عدم أهمية الممارسة إلا أنمنعها يتبعه ممنوعات أخرى، يكرس الشعور بالضغطوالكبت. من مثل هذا الإجراء المتوارث.


في عام 1920 أصدر الحاكم الإنكليزيأمراً بإلقاء القبض (أحمد الصَافي النجفي) لكونهمن المحرضين على ثورة العشرين فاضطر إلى مغادرةالعراق إلى إيران واستقر بولاية شيراز هناك تعلماللغة الفارسية وعمل مدرساً للآداب العربية فيثلاث مدارس. تابع نشر مقالاته في الصحف والمجلاتفلفت الأنظار إليه وانتخب عضواً في النادي الأدبيوبعدها عيّن عضواً في لجنة التأليف والترجمة، ثمكلفته وزارة المعارف في ايران ترجمة كتاب في (علمالنفس) لمؤلفيه (علي الجارم) و (أحمد أمين) منالعربية إلى الفارسية للتدرّس في دار المعلمينبطهران فترجمه بدقة الى الفارسية، ثم ترجم (رباعيات الخيام) من الفارسية إلى العربية اذتعتبر أفضل ترجمة لأنه نقلها عن الأصل الفارسي. طبعت للمرة الأولى في طهران. قضى ثماني سنوات فيطهران ثم عاد إلى العراق بطلب الحكومة العراقيةوأصدقائه ليخدم العراق فعيّن قاضياً في مدينةالناصرية شغلها لثلاث سنوات. في عام 1930 ذهب إلىسورية للاستشفاء. كان يتنقل بين دمشق وبيروتمتابعاً رسالته الأدبية. عندما اندلعت الحرب بينالحلفاء والمحور عام 1941 أدخل الصافي النجفيالسجن بأمر السلطات الإنكليزية، مكث في التوقيفأربعين يوماً تحت إدارة الأمن العام الفرنسي ثمأفرج عنه ونظم في السجن ديوانه (حصاد السجن) هذهبعض الأبيات االمنظومة في السجن: (لئن أسجنفما الأقفاص إلا لليث الغاب أو للعندليب) ثم (ألايا بلبلاً سجنوك ظلماًفنحت لفرقة الغصنالرطيب). أمضى الصافي 36 عاماً متنقلاً بين سوريةولبنان كانت المقاهي ضالتهفي دمشق كانيرتاد مقاهى (الهافانا) و (الكمال) و (الروضة) لانها كانت ملتقى الشعراء والأدباء والصحفيين. كان (أحمد الصَافي النجفي) قليل الدخل فاتخذ غرفةقديمة في (مدرسة الخياطين) كان من أصدقائه بدمشق (الدكتور عبد السلام العجيلي) و (فخري البارودي) و (بدوي الجبل) و (محمد الحريري) و (أحمد الجندي) و (عمر أبو ريشة) و (سعيد الجزائري). من أصدقائه فيلبنان( الشاعر القروي) و (ميخائيل نعيمة) و (مارونعبود) وغيرهم. في إقامته في لبنان كان يرتاد (مقهىالحاج داود) و (مقهى البحرين) و (مقهى فاروق) فيالليل كان يأوي إلى غرفة متواضعة قرب مستشفى (أوتيل ديو). كان في جميع هذه المقاهي يدخنالنركيلة وهي ممارسة شائعة في العراق ولبنانوسوريا وخاصة في مصر اذ كانت مواضعا للحشاشين.
(
أحمد الصَافي النجفي) تمرد منع التصفيق فيتقاليد المناسبات في النجف واستنكاره الزعامةالدينية، قيل أنه اتفق مع صديقه (صالح الجعفريكاشف الغطاء) ت 1979، وهو متمرد آخر وفق ما جائتبه قصائده، أن يبادر إلى التصفيق بعد قول (الجعفري) شعرا (فحيوا بالسلام مصفقينا)، حدث أنصفق لـ (أحمد الصَافي النجفي) تبعه الشباببالتصفيق، فشكاه القوم عند أخيه والقيم على أمره،عدّت تلك من البدع والضلال. مما سبب انحسار النجفعن النشاط الأدبي والفكري والفلسفي، من ضيقهبالتقاليد ووراثة القديم قال: (إن الغري بلدة تليقأنتقطنها الشيوخ والعجائز) ثم (فصادراتبلدتي مشائخوواردات بلـدتي جنائز). الجديربالذكر أن حوزة النجف الدينيةيمتد تاريخهاإلى القرن الخامس الهجري. تخرج سنوياً المئات منفقهاء الدين، فيها أيضاً مقبرة عظيمة، هي مقبرة (السلام) حيث مرقد ضريح (الإمام علي بن أبي طالب) تستقبل الآلاف من الجنائز في الشهر. كانت مهنةناعشة للمغسلين وحفاري القبور ومقاولي ارسالالجنائز من انحاء العالم الشيعي ووكلاء استلامالجنائز النجفيين. بعض الجنائز كانت تأتي من الهندوالباكستان. كان احد زملائي في المدرسة الابتدائيةوالده الايراني وكيلا لاستلام الجنائز من الهند ثمارسالها الى النجف. كان قيما على اقامة القراياتفي الشارع وتولى قيام السبايات في الشوارع فيعاشوراء. كان (أحمد الصَافي النجفي) معروفابالنقيضين بالظرف وبالجد، هواجس الهيام والاهتمالبالشعراء الأقدمين والمعاصرين، احب واجل (أبوالعلاء المعري) فيلسوف المعرة بشكل خاص لتوافقهالروحي اذ كان (أحمد الصَافي النجفي) يحمل تطلعاتفلسفية قال في شعره (مقامي بين فلسفة وشـعر فأيهماأتـابع لست أدري) ثم (فلي روح بظرف أبي نواس ولكنفـي وقاري كالمعري). (أحمد الصَافي النجفي) عشق (أبو الطيب المتنبي) ايضا، الواقع من لم يعشق (المتنبي) فهو ليس (عاشق شعر)، (المتنبي) قال (وماالشعر الا من رواة قصائدي اذا قلت شعرا اصبج الدهرمنشدا). في اقامة (أحمد الصَافي النجفي) في إيرانفي العشرينات، درس وهام بشعر وأدب (عمر الخيام) وشعراء إيران الفلاسفة كـ (الفردوسي) حيث انتهل منالشعر الفارسي باللغة الفارسية التي اتقنها. 00
(
أحمد الصَافي النجفي) وقف موقفا مغايرا منالشاعر أحمد شوقي ت 1932، اذ لم يكن مرتاحا منهلانه كان يطلق عليه لقب أمير الشعراء. اذ ليس فيالشعر امارات او سلاطين. كان الصافي يعطي الإمارةان كانت هناك امارة ـ (إيليا أبو ماضي) ت 1957بقوله: (سألتـني الشعراء أيـن أميرهمفأجبـتإيليـا بقـول مطلق) ثم (قالوا وأنت! فقلت ذاكأميركمفأنا الأمير لأمة لم تخلق). (أحمدالصَافي النجفي) يخلع الإمارة من (شوقي) لأنه كانفي حصر شعره في العزيز (الخديوي توفيق) في عصرالخديويين في مصر. إثر ذلك قال (أحمد الصَافيالنجفي) في شعره (وأميـر رام أن أمدحهقلتاحتاج لمن يمدحني) ثم (إن لي فوق معاليك عُلاًكنت لو تفهما تفهمني). (أحمد الصَافيالنجفي) كان منفعلا مما يقولة الشاعر (نزار قباني) الذيالتقي بـ (الصافي) في مقاهي دمشق. نقل (إبراهيم العاتي) عن (الصافي) قوله في (قباني)،أنه لم يقل الحقيقة في بيته التالي (وشعري مااشتراه الملوك والأمراء)، فقال (الصافي) أليس هوالقائل لأحد الرؤساء (ليتني أستطيع أن أصنع منأجفاني حمائلاً لسيفك)؟. اشمأز الصافي من قول نزارمع أنه قال متغزلاً (فصلت من جلد النساءعباءة..وبنيت أهراماً من الحلمات). الحقيقة ان هذاالبيت يثير الاشمئزاز والتقزز اذ كيف يبني أهراماًمن حلمات النساء هل يذبح مليون امرأة . (أحمدالصَافي النجفي) أحب معروف (الرصافي) و (بدويالجبل) و (العقاد) وغيرهم من معاصريه، واحب زوارهفي مقاهي دمشق وبيروت. عاش الصافي النجفي حياةالفقر اذ لم يمدح امير الكويت ولا ملك السعوديةللحصول على الدولارات المنفوطة كانت ايامهبائسة بين غرفة بائسة بسوق الحميدية بدمشقمساءً وبالمقاهي نهاراً. في الغرفة كان يتدفأبرؤية المصباح، في المقهى يلتحف بالجرائد حول صدرهإن مسه البرد، وهي قراطيسه أيضاً، كان يدون قصائدهعلى ورقها، كان يحرر ما كتبه على حواشي الجريدة أوأغلفة عُلب السكائر، ثم يحررها بعد عودته إلىغرفته في دفاتر أشعاره. كان حضوره أو تردده علىالمقهى يأتي بالرزق على صاحب المقهى. نقل (العاتي) عن ما كتبه (فؤاد الشايب) عام 1943: أن صاحب مقهىانقطع عنه الصافي إلى مقهى آخر، فأتاه باكياًمتوسلاً: (قل ماذا تريد... مر بما تشاء وعد إلىالمقهى، الله يستر عرضك، أنا وأولادي تحت أمرك،وإذا أردت أن لا يتناول أحد مجالسيك مشروباًفاغمزني عليه). اذ كان حضور (أحمد الصَافي النجفي) في المقهى ينتج عنه حضور الشعراء والأدباء الذينيجالسوه لوقت أطول، على هذا يحسب صاحب المقهىرزقه. ممن زاروه فيها (بدر شاكر السياب)، الذي كتبعنه مقالاً بعد عودته إلى العراق في مجلة (أهلالنفط) البغدادية. من أعجب العجب إنه لم يقم (أحمد الصَافي النجفي) اي مهرجان تكريمي في حياته،رغم كثرة المعجبين وعظم مراتبهم، بل ولا أمسيةتكريمية في حياته، تحايل عليه الكثيرون، لكن بلاطائل، لأنه لم يألف المجاملة. همس بأذنه أحدالمعجبين، من الذين لا يعرفهم، قائلاً (أنت الطائرالمحكي والآخر الصدى) فاعتبر هذا مهرجانه، لخلوهمن المجاملة والمحاباة وما إليهما، وعندها قال: (جاء مَنْ لم أعرفه، قال سـلام قلت مََنْ؟ قال (مَنْ بشعرك هاموا) ثم (كان ذاك السلام لـيمهرجاناً مهرجاني على الرصيف يُقـام) هام (أحمدالصَافي النجفي) حباً كبيراً بدمشق ونظم فيهاالقصيدة التالية: (أتيت جلق مجتازاً على عجلفأعجبتني حتى اخترتها وطنا) ثم (يكاد ينسى غريبالدار موطنهفي ربعها، ويعاف الأهلوالسكنا).

كشف مؤلف كتاب حياة الشاعر (أحمدالصَافي النجفي) وأسلوب عيشه وأخلاقه وشجونه، منشعره، يرى فيه شاعراً صادقاً، لا علاقة له، كمايبدو، بما شاع حول العديد من كبار الشعراء بأنشعرهم غيّر حياتهم، لم يمارس العشق ويظهر في شعرهعاشقاً، وصف (أحمد الصَافي النجفي) عوزه وغربتهوغرفته، وعلى حد قول مؤلف الكتاب (داخله مفقودوالخارج منه مولود). لذا عُرف(أحمد الصَافيالنجفي) بشاعر المعاني. (إن أول تلك المميزاتوأهمها هي البساطة في طرح الأفكار، وتناولالأشياء، والمعالجة الفنية للموضوعات، وهو يعبر عنذلك أصدق تعبير). اختار العروبة واظهر اعتدادهبها، ليس عقيدة او حزبية، (أحمد الصَافي النجفي) بقي يعنمر الكوفية والعقال والدشداشة لباسا عربيامن الصنف البسيط. ليست ككوفيات وعقل السعوديينودشاديشهم المستوردة من هونك كونك، عزف المؤلف عنوصف ملابس الصافي بالرثة تجنبا لاي مس بالمشاعر. مات (أحمد الصَافي النجفي) كما مات (الجاحظ) و (أبو العلاء المعري) أعزبَا ربما لم يمس امرأة. لميرث أحداً ولم يرثه أحد، أحب فتاة نجفية لميقترنها، عاش ومات مستأنساً بالخيال. في لبنان شهد (أحمد الصَافي النجفي) الأحداث الدامية فكان يسيرفي جوار الحيطان والمباني المتهدمة خوفاً منالرصاص. اشتد إطلاق الرصاص عشوائياً في منتصفكانون الثاني 1976 فآوى إلى غرفته القريبة منمستشفى (أوتيل ديو) مكث خمسة أيام دون طعام وأصيبجدار غرفته بخمس رصاصات. عند توقف إطلاق الرصاصخرج ليفتش عن رغيف خبز يسد به جوعه، سار قليلاً عنمنزله فأحس بحرارة تسري في جسمه ظنّ في بادئ أنحمّى شديدة قد انتابته إلا أنه لم يتمالك نفسهفسقط أرضاً عند باب جاره وإذا به مصاب بعدةرصاصات. اتصل جاره بالسفارة العراقية وأعلمها بماجرى فأرسلت له سيارة إسعاف ونقلته إلى مستشفىالمقاصد لإسعافه وبعدها نقل الصافي إلى بغداد في 1976 وأدخل مدينة الطب للمعالجة وقال في هذاالحادث هذين البيتين: (بين الرصاص نفدت ضمن معاركفبرغم أنف الموت ها أنا سالم) بقي (أحمد الصَافيالنجفي) عليلا تحت المعالجة إلى أن وافته المنيةيوم 27 - 7 - 1977 بعد وفاته أقامت له وزارةالإعلام ووزارة الثقافة والفنون مهرجاناً تأبينياًشارك فيه كبار الشخصيات الأدبية والشعرية فيالعراق والوطن العربي ومما جاء في كلمة سعيد فرحا (ومهما تكن آراء النقاد في شعر أحمد الصافيالنجفي، فهو بحق ظاهرة قوية منفردة في شعرناالعربي، له شخصيته التي لم تتأثر بأحد، وله قوتهاللغوية والشعرية الخاصة وملأ مكانه بجدارة فيأدبنا العربي الحديث. عاش فارساً رحالة ومات شهيدأحداث أمته التي أحب صحاريها وجبالها الخضراءالشامخة). دواوينه الشعرية هي (الأمواج) 1932 ـ (أشعة ملعونة) 1938 ـ (الأغوار) 1944 ـ (إيثار) 1946 ـ (ألحان اللهيب) 1948 ـ (الهواجس) 1949 ـ (شرر) 1952 ـ (الشلال) ـ (حصادالسجن) ـ (اللفحات) – (هزل وجد) ـ (شباب السبعيننثرا).
النجف في تاريخها المتقارب اولدتشاعران لامعان، الشاعر (محمد سعيد الحبوبي النجفي) شاعر الحب والهيام وبنت الدنان حيث قال (اسقنيكأسا وخذ كأسا اليك فلذيذ العيش ان نشتركا) كانهاعاد عصر الشاعر ابو نؤاس الذي قال (اترك الربعوسلمى جانبا واحتسي كرخية مثل القبس) و (قصتي اعظمقصة صارت الظبية لصة – خبأته في مكان للخليفة فيهحصة) الفارق بين الشاعر (ابو نؤاس) والشاعر (محمدسعيد الحبوبي) كان الشاعر (ابو نؤاس) يعيش حياةالمجون في عصر عباسي منطلق اما الشاعرمحمد سعيدالحبوبي) فقد كان معمما سليل ائمة لكنه انطلق خارجالتقليد فاحسن التشبيب بالملاح من النساء وكؤوسالراح في الليالي حتى الصباح في سراديب النجف. رغمانه عاش عصر العراق المعثمن ثم الملكية. الشاعراللامع الثاني الذي اولدنه النجف (أحمد الصَافيالنجفي) عام 1897 عاش وعاصر العديد من الاحداثبعضها حسن واغلبها سيئ التي مر بها العراق حيث رحلعام 1977 الذي قال (إن الغري بلدة تليق أنتقطنها الشيوخ والعجائز) ثم (فصادرات بلدتيمشائخوواردات بلـدتي جنائز). مات (أحمدالصَافي النجفي) مخلدا كاقرانه (معروف الرصافي) و (بدوي الجبل) و (جبران خليل جبران) و (ميخائيلنعيمة) و (ايليا ابو ماضي) مخلدون في تاريخ الشعرالعربي الحديث. تحية لـ (نزار قباني) الذي قال (انكحوا جواريكم كما تشاؤون) فهي انزلاقة بعضهاسيئ اكثرها حسن.