خبير استخبارات بريطاني: هكذا خططت اميركا واوروبا والسعودية وقطر لـ"اللعبة السورية الكبرى"


القدس : 5 تشرين الثاني 2011

لندن – –
يقول رجل الاستخبارات البريطاني سابقاً مؤسس ومدير "منتدى الصراعات" اليستر كروك في تعليق نشرته صحيفة "ذي غارديان" البريطانية اليوم السبت تحت عنوان "اللعبة السورية الكبرى" ان "المؤامرة للتخلص من الاسد" تنطوي على مجازفات مماثلة للمجازفات المتصلة بأفغانستان في ثمانينات القرن الماضي وان "من حسن الحظ انها تفشل". وهنا نص تعليقه:

"في صيف هذا العام قال مسؤول سعودي رفيع المستوى لرئيس موظفي ديك تشيني نائب الرئيس الاميركي السابق جون حنا ان الملك يعتقد بان تغيير نظام الحكم سيكون مفيداً جداً للمصالح السعودية: "الملك يعلم انه عدا عن انهيار الجمهورية الاسلامية نفسها، لا شيء سيضعف ايران اكثر من فقدان سوريا".

هذه هي "اللعبة الكبرى" اليوم- فقدان سوريا. وهي تلعب على النحو التالي: شكل على عجل مجلساً انتقالياً كممثل وحيد للشعب السوري، بغض النظر عما اذا كانت له اي ارجل حقيقية داخل سوريا، ثم ادخل متمردين مسلحين من الدول المجاورة، وافرض عقوبات تؤذي الطبقات الوسطى، وشن حملةً اعلامية للتقليل من شأن اي جهود اصلاح سورية، وحاول ان تحرض على انقسامات ضمن الجيش والنخبة، وسيسقط الرئيس الاسد في نهاية الامر – كما يصر البادئون باللعبة.

قد ينظر الاوروبيون والاميركيون وبعض دول الخليج الى "اللعبة" السورية على اساس انها التالية منطقياً للعبة الليبية التي يفترض انها ناجحة في توجيه اليقظة العربية نحو نسق ثقافي غربي. غير ان سوريا اكثر قيمة من الناحية الاستراتيجية في الميزان السياسي الاقليمي، وايران تعلم ذلك. وقالت ايران انها سترد على اي تدخل خارجي في سوريا.

ولم تعد المسألة "لعبة"، كما يشهد العدد الكبير من القتلى بايدي الجانبين. وتتعارض العناصر الراديكالية المسلحة التي يجري استخدامها في سوريا كقوات لاطاحة الاسد مع امكانية بروز اي نتيجة ضمن المثال الغربي. ومن الممكن ان تكون لهذه المجموعات اجندة دموية وغير ديموقراطية خاصة بها. وقد حذرت انا من هذا الخطر في ثمانينات القرن الماضي: لقد كان لبعض المجاهدين جذور حقيقية في المجتمع، لكن اخرين ظهروا كخطر شديد. ونصحني سياسي اميركي طيب بان لا اقلق: هؤلاء الناس "يركلون السوفييت على قفاهم". وقد اخترنا ان ننظر في الاتجاه الاخر لأن ركل السوفييت كان مناسبا جداً لحاجات الولايات المتحدة. واليوم تنظر اوروبا في الاتجاه الاخر رافضةً النظر في من هم في الحقيقة المتمردون ذوي الخبرة القتالية في سوريا، وذلك لان فقدان الاسد ومواجهة ايران يشكلان لعبة جديدة.

غير ان التخطيط الافتراضي لم يتحول الى اجراء متماسك الا هذا العام، مع الاطاحة بحكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك. اذ بدت اسرائيل فجأة مهزوزة، وصار لسوريا ضعيفة تعمها اضطرابات جاذبية قوية. وعلى خط مواز، برزت قطر في الخط الامامي. وحسب ما جاء في بعض التقارير المحلية في قطر فان الدكتور عزمي بشارة وهو قومي عربي استقال من عضوية البرلمان الاسرائيلي ولجأ بمحض اختياره الى الدوحة، متورط في مشروع لا تقوم "الجزيرة" فيه بمجرد نشر انباء الثورة، بل في عرض احداثها في المنطقة – او على الاقل فان هذا هو الاعتقاد الذي ساد في الدوحة عشية الانتفاضة في كل من تونس ومصر. ومع ذلك فان قطر لم تكن تحاول مجرد تحويل قضية المعاناة الانسانية الى تدخل دولي، وانما القيام ايضا – مثلما حدث في ليبيا – بدور رئيس مباشر كراع عملاني للمعارضة.

وكانت المراحل اللاحقة تقضي باستدراج الرئيس الفرنسي ساركوزي وضمه الى الفريق، بالنظر الى انه كان المروج الاول لنموذج المجلس الانتقالي في بنغازي الذين احال حلف الـ"ناتو" الى وسيلة لتغيير النظام. وسار باراك اوباما على الدرب ذاته بالمساعدة في اقناع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، الذي يشعر بالانزعاج من الاسد، ليقوم بدور المجلس الانتقالي على حدود سوريا، واضفاء الشرعية من جانبه على "المقاومة". وهذان العنصران الاخيران كلاهما ليسا خلوا من تحديات من اجهزتهما الامنية الخاصة، التي تنتابها بالشكوك تجاه فاعلية نموذج المجلس الانتقالي، وتعارض التدخل العسكري.

بل ان بندر نفسه ليس في منجى من التحديات، اذ ليس لديه غطاء سياسي من الملك، كما ان اخرين في العائلة يلعبون اوراقاً اسلامية لاغراض مختلفة. فايران والعراق والجزائر، واحيانا مصر، تتعاون لاحباط المناورات الخليجية ضد سوريا في الجامعة العربية. ونموذج المجلس الانتقالي الذي كشف في ليبيا ضعف ترجيح كفة مجرد فصيل واحد باعتباره الحكومة المنتظرة، يبدو معطوبا بشكل اوضح بالنسبة الى سوريا. فمجلس المعارضة في سوريا الذي تشكل بدعم من تركيا وفرنسا وقطر يبدو عاجزا مكشوفاً بسبب حقيقة ان هياكل الامن السورية ظلت متماسكة كالصخر تقريبا طوال سبعة شهور، وبدت الانشقاقات محدوة النطاق والاثر، وظلت قاعدة الدعم الشعبي للاسد راسخة. وليس هناك ما يمكن ان يغير من هذه المعادلة الا التدخل الخارجي، الا ان قيام المعارضة بالدعوة له يعتبر انتحارا سياسيا، والمعارضة تدرك ذلك.

وقد طالبت المعارضة الداخلية التي تلتقي في اسطنبول ببيان يرفض التدخل الخارجي والعمل العسكري، الا انه اعلن عن قيام المجلس الوطني السوري حتى قبل ان تتوصل المحادثات بين فئات المعارضة الى اتفاق- وكان ذلك بسبب استعجال الاطراف الخارجية.

وتواصل المعارضة الخارجية المراوغة بشأن موقفها من التدخل الخارجي، ولها في ذلك سبب معقول: فالمعارضة الداخلية ترفضه. وهذا الامر يمثل القصور في النموذج- ذلك ان الغالبية في سوريا تعارض بقوة حصول تدخل خارجي، خشيةً من اندلاع صراع مدني. وبناء عليه فان السوريين يواجهون فترة طويلة من التمرد الخارجي، والحصار والانهاك الدولي. وستكون الدماء الثمن الذي يدفعه الطرفان.

واعرب حنا عن اعتقاده ان الخطر الحقيقي يكمن في احتمال قيام السعوديين "مرة اخرى باشعال شبكة الجهاديين السنة وتوجيهها في الاتجاه العام نحو ايران الشيعية"، الامر الذي يضع سوريا في الخط الاول. والواقع ان هذا بالضبط هو ما دامت المسرحية تروق لمواطني الدول الغربية.

وكان موقع "فورين افيرز" (الشؤون الخارجية) الاميركي قد ذكر الشهر الماضي ان السعودية وحلفاءها الخليجيين يحمسون السلفيين المتطرفين، ليس لاضعاف ايران فحسب، وانما لما يعتبرونه ضرورياً للبقاء، لتعطيل وانهاك النهضات التي تهدد انظمة الملكية المطلقة. وهذا هو ما يحدث في سوريا وليبيا ومصر ولبنان واليمن والعراق.

وقد ينظر الى هذا التوجه الاسلامي المحافظ والحرفي بصورة عامة على انه غير سياسي وغير مرن، غير ان التاريخ لا يوحي بذلك. واذا انت قلت للجماهير دائماً ان بامكانها ان تكون صانعة الملوك والقيت امامها باكوام من الاموال، فلا يستبدن بك العجب اذا تحولوا - مرة اخرى – الى شيء سياسي جداً. وقد يستغرق الامر بضعة اشهر، الا ان ثمار هذه المحاولة الجديدة لاستخدام قوات راديكالية لتحقيق اغراض غربية يمكن ان تسفر عن عكس المراد منها. وكان مايكل شوير، رئيس وحدة بن لادن في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية السابق، قد حذر اخيرا من ان الرد الذي صاغته هيلاري كلينتون تجاه اليقظة العربية بزرع نماذج غربية، بالقوة عند الضرورة، في الفراغ الذي خلفته الانظمة المنهارة، سينظر اليه على انه "حرب ثقافية ضد الاسلام"، وسيحصد بذور دورة اخرى من التطرف.

ومن المفارقات المحزنة التقليل من اهمية السنة المعتدلين، الذين يجدون انفسهم الان محصورين بين النظر اليهم على انهم عملاء غربيون، والموقع الصعب للسلفيين الذين ينتظرون الفرصة للحلول محلهم وتفكيك البلاد. انه عالم غريب حقا: فاوروبا والولايات المتحدة تعتقدان ان لا مانع من "استخدام" هؤلاء الاسلامييين (بمن فيهم "القاعدة") على وجه التحديد وان كانوا لا يؤمنون بشكل قاطع في الاسلوب الغربي للديمقراطية حتى يمكن تحقيق ذلك. وبناء على ذلك، لم لا نغض الطرف ونجني فوائد استمتاع الشعب بركل بالاسد؟