الزمان والمكان // موضوع أنشره لأول مرة وحصريا في منتديات عراق المحية والخير

إهداء // إلى إدارة وأعضاء وزوار منتدى عراق المحية والخير


الزمان والمكان في البحث عن الأنساب
الزمان والمكان متلازمان ومتكاملان ، فلا زمان بلا مكان ولا مكان بلا زمان .
فأما الرابط بينهما فهو الحدث ، والحدث يتكون من القول والفعل ، فالقول يشمل :
النطق بكلمة نعم أو لا ، أو قصة ، أو رواية ، أو بيت شعر ، أو اسم لأي شيء فلابد لكل قول من فاعل ولا بد لذلك من زمان ومكان ، والفعل يشمل الحركة والنقل والسلوك وكل ذي صلة ، ولا بد أيضا لذلك من زمان ومكان .
فالزمان هو الوقت أو التاريخ ، والمكان هو الموضع ، وما بينهما الحدث
ولهذه الأركان الثلاثة قواعد دعنا نسميها عقلانية ، فمثلا لا يمكن أن نقول سقط شخص من أسفل الجبل إلى أعلاه ونأتي بزمان ومكان .. فهذا الحدث لا يمكن قبوله فهو مخالف للقواعد العامة لأن السقوط من الأعلى إلى الأسفل ..
إذا :
للحدث أياً كان مضمونه مساندات إما واقعية وعقلانية وإما مساندات مادية محسوسة ، مثال :
(قبيلة فلان هاجرت من المدينة إلى الصحراء) هذا الحدث يمكن وقوعه إذا تبين أسباب هذه الهجرة فالعقل يقول وقبل معرفة المساندات المادية بأن هناك أمرا قاهرا ، فإذا أبلغنا أن سبب هذه الهجرة قوة ضغط طاردة كاحتلال أو ارتكاب جرائم لتحقيق ذلك ، فنقول أن هذا يمكن وقوعه ..
ولكن عندما نقول قبيلة فلان هاجرت من الصحراء إلى المدينة فهذا لا يحتاج إلى مساندات لان مثل هذا الحدث كثير الوقوع ، ولكن هذا يحتاج إلى الزمان والمكان نقول :
قبيلة فلان هاجرت سنة كذا أو شهر كذا من موضع كذا إلى الموضع الفلاني .. وفهذه العبارة متكاملة منطقيا فهي تحوي الحدث وزمانه ومكانه ، وعندما أكمل العبارة السابقة بقولي رآهم فلان فهذا زيادة في الإثبات وليس عيبا في الإثبات فالعبارة صحيحة إن كان التركيب منطقيا أو عقلانيا ..
ولذا ، فإن أي حدث يحتاج إلى مساندات له مثال :
أولا :شهود عيان : وهم مؤرخين كتبوا عن الحدث ، أو رواة شاهدوا الحدث بأم أعينهم أو نقلا عنهم ..
1- كتابة المؤرخ على عدة أنواع وهي :
- مؤرخ شاهد الحدث والدليل الزمان ، أي زمان وجوده يطابق زمان الحدث ومكانه
- مؤرخ نقل الحدث عن شخص آخر وهنا لا بد له من ذكر الراوي وفحص الزمان والمكان
- مؤرخ نقل الحدث من رواية مكتوبة كتبها شخص قبله ، وهنا يجب التأكد عند نقل الخبر أو الحدث من هذا المؤرخ فحص الرواية المكتوبة (الرواية الأصلية ) فهل تنطبق عليها معايير المصداقية أم لا ..
- مؤرخ كتب نقلا عن مؤرخ آخر وهذا كتب عن مؤرخ قبله ، وهي حالة تشبه الحالة السابقة فيجب الرجوع إلى الأصل للتأكد من صحة ذلك مع ملاحظة المعايير آنفة الذكر ..
2- رواية الشهود على عدة أنواع
- رواية شفوية (شاهد عيان) شاهد الحدث مباشرة دون وسيط وهنا يجب أن روايته متطابقة للمعايير العقلانية
- رواية شفوية منقولة عن شاهد عيان ، وهي ممكن أن تنتقل من جيل إلى جيل وتبقى محفورة في الذاكرة ، وهنا يجب على الباحث أن يستمع لعدة أشخاص لمقارنة ترتيب الرواية بين الرواة إضافة للمعايير الآنفة ..وتسمى رواية موروثة
- رواية مكتوبة : وهي تروي قصة الحدث ومكانه وزمانه وتكون مكتوبة بخط يد شاهد العيان نفسه ، كأن يقول شاهدت كذا ووقع كذا ، فتسمى رواية مكتوبة أو وثيقة أو مخطوطة أو آثار
فوثيقة الميلاد هي رواية مكتوبة صادرة عن رواة عاينوا الولادة فكتبوا الحدث بالزمان والمكان وختمت من جهة المسئولة ، ووثيقة الأرض هي رواية مكتوبة لأنها صدرت عن جهة سبق لها وأن عاينت المكان بحدوده وقياساته ودونت ملاحظتها وختمت من جهة المصدر ، وقطعة النقود هي رواية مكتوبة لأنها صادرة عن جهة معينة موثقة بالزمان والمكان ، فلا يمكن لنا أن نسمي قطعة ليس عليها أي معلومات بأنها قطعة نقود مثلا إلا بوجود معايير وأدلة تدل على مصدرها
- رواية مجهولة : وهي تلك الرواية التي تكون مروية عن حدث معين موجود فعلا ولكن الراوي نفسه مجهول ، وهذه الرواية يمكن فحص صحتها بناءا على المعايير والمقارنة مع روايات تتحدث عن نفس الحدث فإن تتطابقت فيمكن الاستدلال بها مع بيان أن مصدرها مجهول .
ثانياً : الزمان والمكان في الآثار والماديات :
وهنا يمكن للباحث الاستدلال على النسب بربط الزمان والمكان بأي دليل أثري مادي ومن هذه الأدلة المادية والأثرية :
1- مباني وهي على أنواع مختلفة
2- نصوص مكتوبة على أضرحة أو مقامات أو حجارة أو ما شابه
3- نصوص محفوظة كالوثائق والمذكرات والمشجرات
4- أدوات وأواني وأثاث وما وقع تحتها
ثالثاً : الزمان والمكان في العادات والتقاليد (الخصوصيات الثقافية ) ومن المعروف أن أهل البادية يتشابهون في عموميات الثقافة ، من العادات والتقاليد المعروفة وعلى رأسها المسكن والملبس والأنماط الاجتماعية والاقتصادية ، ولكن هناك خصوصيات معينة تميز كل قبيلة عن غيرها أو تميز كل حلف عن غيره وهذه الأمور هي نفسها التي نود الإشارة إليها فيما يلي :
مثال :
إذا علمنا أن عائلة في الوقت الحالي لديها عادة معينة غير موجودة في المكان ذاته ، ووجدنا نفس العادة موجودة لدى عائلة أخرى وفي مكان آخر ، فنضع عنا علامة استفهام لمعرفة الصلة ، وهنا نبحث عن الزمان مثلا زمان ظهور هذه العادة ، ومكان انتشارها ، والاستماع لرواية أصحابها من العائلتين المختلفتين في التسمية ، فربما نخرج بنتيجة نسب مشترك بينهما ، أو أن هذه العادة خاصة بحلف معين من القبائل ثم نحاول الوصول إليها وسبب الحلف وغير ذلك ..
إذا فهناك العديد من الخصوصيات الثقافية أو الماديات والدلائل ومنها :
1- تقاليد معينة ، فربما نجد تقليد معين موجود عند فئة أو قبيلة معينة ليست موجودة عند غيرها هذا ما نسميه الخصوصية.
2- ملابس خاصة لها ألوان معينة مثل الحطة البيضاء والحمراء والأثواب المطرزة ، وهنا كلنا نتذكر مقولة قديمة كان يقولها الفلاحين " لماذا يحب البدو اللون الأحمر"
3- إشارة أو علامة مثل وسم الإبل عند القبائل .. وما إلى ذلك
4- كلمات (أمثال – حكم – قصة – حادثة – قصيدة – مصطلحات ولهجات...)
5- أسماء مواضع قرى أودية سكنات وما شابه
6- موسيقى طحن القهوة في المهباش، فلكل قبيلة مثلاً إيقاعاً موسيقيا خاصا ليميزها عن غيرها ..
فهذه الماديات والدلائل تحتاج إلى روابط قوية من حيث الزمان والمكان ، فإن توفرت بالتطابق أو التقارب كان ذلك برهانا كبيرا لنسب ما ..
رابعا : الزمان والمكان في أسماء الأنساب :
مثال : شخص ما يعرف أن جده إسمه فلان ، والتقى بشخص آخر جده أيضا فلان ، وتشابهت الأسماء بينهما ، فهل هذا يكفي – طبعا لا- إذا فهما بحاجة للزمان والمكان ، كأن يقول أحدهما أن جدي فلان رحل سنة كذا من الموضع الفلاني ، وهنا يرد عليه زميله إما بالإثبات و إما بالنفي ، ففي حالة الإثبات – مثلا- ربما تظهر دلائل أخرى من الروايات والخصوصيات والآثار وغير ذلك وهذه عبارة عن مساندات إضافية من الدلائل تؤدي إلى البرهان ، وفي حالة النفي أيضا فربما تظهر لكليهما اتجاهات أخرى من طرق البحث .. فما هي تلك الاتجاهات :
1- تسلسل الأسماء وترتيبها : أو المشجرة العائلية كفلان بن علان بن كذا بن فلان بن كذا ، فربما يحفظها آخر بصورة مختلفة مثل : فلان بن علان بن فلان ، لاحظ لقد فقد " كذا" ، فيلتبس الأمر عليهما .. وهنا لا بد من وجود الزمان والمكان والمساندات الأخرى ، أي أنه لا يمكن الاعتماد على هذه الأسماء وحدها ..
2- الألقاب : مثال – فعندما يختتم الشخص في المثال السابق مشجرته بالقول أن فلان كان يلقب بالذيب ، واختتم الآخر حديثه بنفس اللقب ، فهنا دليل على وجود الصلة ولكن ليست قطعيا فربما هذا مصادفة فكثير هي الأسماء المتشابهة وألقابها نفس الشيء ، وكثير ما يكون اللقب فقط هو الذي يميز بين مشجرة عن أخرى ولولاه لاختلط هذا بذاك وظنوا أن نسبهم واحد .. وهنا نجد للزمان والمكان أهمية كبيرة للقول الفصل ..مع المعايير الأخرى.
3- الرواية الموروثة : قد تكون رواية موروثة لدى عائلة دليلا كبيرا على نسبها وصلتها بعائلة أخرى رغم اختلاف أسماء وألقاب كل منهما عن الآخر ، وهذه الرواية لا بد لها من وجود جميع أركانها مثل زمانها ومكانها ونصها وشخصياتها .. مثال ذلك : قال احمد الأدمي عن تاريخه: كان أجدانا في عكا قتلوا شخصا اسمه فلان بن علان ، فجرت بينهم حرب مع عائلة الفلانيين ، استمرت ثلاثة أشهر ، فقتل فيها الذيب ، ثم رحل الأجداد إلى قرية المعصرة قبل 200 سنة .. وقال شخص آخر مختلف لقبه واسمه ونفترض أنه يدعى بشار الزيتوني فروى تاريخ أجداده بنفس الصيغة السابقة زمانيا ومكانيا مع تطابق الأحداث وأسماء الشخصيات ، فهنا دليل على أن الشخصين من عائلة واحدة قد انفصلتا عن بعضهما ، فمن أجل ربطهما يجب البحث عن أمور أخرى مما سبق الحديث عنها للتأكيد على نسبهما .. وربما تكون الرواية المورثة دليلا على عدم وجود نسب مشترك ، مثال آخر :: التقى شخصان متطابقان من حيث أسماء عائلتيهما ومكان سكنهم وزمانه ، إلا أن كل عائلة لها رواية مختلفة عن جدهم تختلف كليا عن الثانية ، وهنا تكون الرواية قد فرقت بينهما في النسب .. وقد وقعت أمثلة عديدة من هذا القبيل ..
اكتفي حاليا بهذه الفقرات ، على أمل أن نواصل فيما بعد ، إن شاء الله