بقلم اخي الحبيب الدكتور يوسف حميتو - المغرب



كان للمرأة المغربية المسلمة عبر التاريخ إسهام فاعل في مختلف مناحي الحياة، فإلى جانب رسالتها الأصيلة داخل البيت والأسرة، زوجةً وأُماًّ مُرَبية، وما أثبتته من حضور لافت في ميادين أخرى كالسياسة وتدبير شؤون الدولة، و ما سَطرته من بطولات في ساحات الجهاد، و ما سجلته من سبق في المَبَرات والنشاط الإحساني، فقد أكدت المرأة المغربية كذلك وجودها المتميز في حقول المعرفة والعلم..



وتستوعب مظان التراجم، قدرًا هامًّا من الأخبار عن نساء شاعرات، وأديبات، وصالحات، وواعظات، وعالمات مُبَرزات في العلوم الإسلامية ممن كانت لهن مشاركات، وعطاءات علمية، ساهمت في إثراء الحياة العلمية والأدبية بالغرب الإسلامي عبر القرون .

وفي مقابل هذا الكَمِّ الضخم من الشخصيات النسائية اللامعة، فإننا نَكاد لا نجد مِن بينهن مَن خاضت غمار التأليف، وسَلكت مسار التصنيف، إلا اللائي أنبأت بهن المصادر على استحياء.
ولئن كانت المصادر تَضِن علينا في هذا الباب بالتفاصيل الوافية، والبيانات الشافية، فإن محاولة تسليط الضوء على ما وصلنا حول النساء المُؤَلِّفات -على قلتهن-، وما بلغنا عن نَفَثات أقلامهن، هي محاولة لاستحضار جانب شبه منسي من عطاء المرأة بالغرب الإسلامي، وقد تكون في السياق ذاته باعثا على مزيد من الاهتمام بالمشاركة العلمية للنساء بمختلف صورها.


ومن خلال التتبع والبحث، أفضى حَصادُ الكتب إلى الوقوف على هذه النخبة من النساء المُؤَلِّفات:


- أم الهناء بنت المفسر القاضي عبد الحق بن عطية من أهل القرن 6 هـ :

قال ابن الزبير في صلة الصلة: (أَمَةُ الرحمن بنت أبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية المحاربي، ذكرها الملاحي وقال: "كانت تحت أبي علي الحسن بن حسان القضاعي، روت عن أبيها، وقرأت وتأدبت، وأَلَّفَتْ كتابًا في القبور والمُحْتَضَرين، أجادت فيه وأتقنت، وكانت كاملة في النساء، لها خط حسن، ومعرفة جيدة، قال: وقفت على تأليفها بخطها، والإصلاح فيه بخط أبيها، قال: ورأيت تأليفها هذا عند ابنها الفقيه الحاج الطبيب الفاضل، الأديب الماهر، أبي جعفر أحمد بن الحسن بن الحسن) (1) .



ومنهن:

- فتحونة بنت جعفر المرسية:

قال ابن الأبار: (فتحونة بنت جعفر بن جعفر من أهل مرسية، تُكنى أم الفتح، لها في قيان الأندلس تأليف عارضت به كتاب أبي الفرج الأصفهاني) (2).

ومنهن:

- عزيزة بنت عبد الملك الأندلسية (ت 634 هـ) (3):
عزيزة بنت عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القرشية الهاشمية الأندلسية المرأة الصالحة، الزاهدة، تكنى أم أبي العباس.

ولدت بمرسية، سنة 546هـ ونشأت بقرطبة، وقدمت ديار مصر، وصحبت الشيخ الزاهد أبا إسحاق إبراهيم بن طريف مُدةً، وخدمته، وحَجَّت.

وكان الشيخ عتيقٌ وأبو العباس الرأسُ يثنون عليها كثيراً. قال الحافظ المنذري: (عَلقتُ عنها: "فوائد"). عمرت بضعاً وثمانين سنة، وتوفيت بمصر في رجب سنة 634 هـ.



ومنهن:
- نُضَار بنت المفسر أبي حيان الأندلسي ت 730 هـ: (4)

وهي نُضَار- بنت الأمير أثير الدين أبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي المتوفى سنة 745هـ ، كنيتها أم العز. أُمُّها زمرد بنت أَيْرق زوج أبي حيان حدثت، سمع منها البرزالي وغيره، وماتت سنة 726 هـ، وكانت تكنى أم حيان(5). ولدت نُضَار في جمادى الآخرة سنة 702هـ . حجت، وسمعت بقراءة العَلَم البرزالي على بعض الشيوخ، وحدثت بشيء من مروياتها، أجاز لها بالمغرب أبو جعفر ابن الزبير، وأُحْضرَت على الدمياطي، وسمعت من شيوخ مصر، وحفظت مقدمة في النحو. وكانت تكتب وتقرأ وخَرَّجَتْ لنفسها جُزءاً، ونظمت شعراً، وكانت تُعرب جيداً، وكان أبوها يقول: ليت أخاها حيان مثلها، ثم ماتت في جمادى الآخرة سنة 730 هـ، فحزن والدها عليها، وجمع في ذلك جزءاً سماه: [النضار في المسلاة عن نضار]. قال الحافظ ابن حجر:(6)(وقفت عليه بخطه وهو كثير الفوائد).

كتب عنها البدر النابلسي فقال: (الفاضلة، الكاتبة، الفصيحة، الخاشعة، الناسكة، قال: وكانت تفوق كثيراً من الرجال في العبادة والفقه، مع الجمال التام والظرف).

قال الصفدي: وكنت بالرحبة لما توفيت، فكتبت لوالدها بقصيدة أولها:

بكينا باللّجين علـى نـضـار**** فسيل الدمع في الخدين جاري

فيا لـلـه جـاريةٌ تـولّــت**** فنبكيها بأدمعنـا الـجـواري

ومنهن:

- عائشة بنت أحمد المديوني، من أهل القرن الثامن الهجري:

وهي عائشة بنت أحمد المديوني والدة ابن مرزوق الحفيد المتوفى سنة 842 هـ.

قال المقري:( ومولده- يعني ابن مرزوق الحفيد- كما ذكر في شرحه على البردة ليلة الاثنين رابع عشر ربيع الأول عام ستة وستين وسبعمائة، قال: حدثتني أمي عائشة بنت الفقيه الصالح القاضي أحمد بن الحسن المديوني، وكانت من الصالحات أَلَّفَتْ مجموعاً من أدعية اختارتها، وكانت لها قوة في تعبير الرؤيا اكتسبتها من كثرة مطالعتها لكتب الفن، إنه أصابني مرض شديد أشرفت منه على الموت، ومن شأنها وأبيها أنهما لا يعيش لهم ولد إلا نادراً، وكانوا أسموني أبا الفضل أول الأمر، فدخل عليها أبوها أحمد المذكور، فلما رأى مرضي وما بلغ بي، غضب، وقال: ألم أقل لكم لا تسموه أبا الفضل، ما الذي رأيتم له من الفضل حتى تسموه أبا الفضل؟ سموه محمداً، لا أسمع أحداً يناديه بغيره إلا فعلت به وفعلت، -يتوعد بالأدب-، قالت: فسميناك محمداً، ففرج الله عنك)(7).


ومنهن :

-رحمة بنت محمد بن سعيد المرغيثي من أهل القرن الثاني عشر تقديراً: وهي ابنة الإمام محمد بن سعيد المرغيثي الأخصاصي السوسي دفين مراكش ت 1089هـ . كانت عالمة فقيهة. أَلَّفَتْ مُخْتَصَرًا فقهيا مُبسطا(8) .

ومنهن:

- خناثة بنت بكار بن علي المغافرية ت1155هـ(9) : وهي الفقيهة، العالمة خناثة بنت الشيخ بكار بن علي بن عبد الله المغافري الشنقيطي، زوج السلطان المولى إسماعيل و مستشارته، وجدة السلطان العالم سيدي محمد بن عبد الله العلوي ت1204هـ وأستاذته، والمشرفة على تربيته. كانت قارئة تحسن القراءات السبع، وعالمة بالحديث، من أهل التصوف، تَغَارُ على العلماء، وكانت سببا في نجاة الفقيه المفسر عمر لوقش التطواني ت 1149 هـ من عقاب ابنها السلطان المولى عبد الله إثر وشاية بعض المكناسيين. رافقها سنة 1143 هـ حفيدها الأمير-وقتئذ- سيدي محمد بن عبد الله في رحلتها للديار المقدسة وعمره لا يتجاوز عشرة أعوام، وضم موكبها لفيفا من العلماء. كانت لها مراسلات مع ملوك فرنسا وهولندا وإسبانيا، أورد منها الأستاذ عبد الهادي التازي أزيد من عشرين في كتابه " جولة في تاريخ المغرب الدبلوماسي "(10) . لها: " تعليقات على كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر " (11) .

ومنهن:

- خديجة بنت محمد العاقل الشنقيطية: حفيدة الشيخ محنض بن الماحي بن المختار بن عثمان، عالمة جليلة كانت شيخة المحضرة، روت عن والدها، وتخرج عليها علماء أجلاء، منهم: أخواها أحمد، والمامي عبد القادر، والمختار بن بونة المتوفى في حدود 1230هـ . وكانت تقول إذا أرادت أن تبالغ في سهولة أمر ما بساطته: "ذلك كالمنطق عندنا " أي كدراسة المنطق، ونحن نعلم سلفا صعوبة تناول هذا العلم. لها: شرح على السلم المرونق في المنطق، وشرح على أم البراهين في العقيدة(12).

ومنهن:

- خديجة بنت محمد الكتانية ت 1351هـ: جاء في ترجمتها الواردة في "منطق الأواني"(13) : (خديجة بنت محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع ابن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع، عالمة، فقيهة، مطلعة. ولدت بفاس سنة 1294 هـ، وأخذت العلم عن والدها وكبار آل بيتها، وهاجرت إلى المدينة المنورة سنة1331 هـ، ثم منها إلى دمشق سنة 1336هـ ، وعادت إلى المغرب سنة 1345هـ . كانت عالمة، مطلعة، مُؤَلِّفة، ناسخة لعدة كتب، حفظت القرآن الكريم وضبطته على والدها، وحفظت مهمات المتون، وتحصلت على الإجازة من والدها وجدها وبعض كبار علماء المشرق، وأخذ عنها جملة من أعلام بيتها كابن أخيها الشيخ محمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي الكتاني وغيره، وكانت النساء ترجع إليها في مختلف المسائل الفقهية، وبينها وبين مختلف أهل بيتها مراسلات محفوظة.

وقد اضطرتها الحرب العالمية الأولى إلى الابتعاد عن زوجها العلامة مولاي الفاطمي العراقي الذي عاد للمغرب من الحجاز عام 1332هـ ، وذلك بين عامي 1332هـ و1345هـ ، فكانت بينهما مراسلات طويلة رائعة تعكس بلاغتها ورقتها، وهي محفوظة بمكتبة شقيقها الشيخ محمد الزمزمي الكتاني.
كما كانت رحمها الله أديبة، حافظة للشعر، وقصص الأدباء، مفيدة المجالسة، إضافة إلى معرفتها لأخبار الوقت وتاريخ رجالات أسرتها، واستقامتها الدينية والأخلاقية التي لا مثيل لها، وملازمتها للذكر والتذكير، والصلوات الخمس في جماعة، كما تركت عدة كنانيش بخط يدها لا تخلو من فوائد وإجازات وكتب منتسخة. توفيت بفاس عام 1351 هـ، ودفنت في ضريح والدها، وكانت لها جنازة حافلة حضرها أعيان فاس).

فهؤلاء إذًا، بعض النسوة العالمات من اللائي أسعفتنا المصادر في الوقوف على خبرهن، وأفصحت لنا عن إسهاماتهن في مجال التأليف، ومهما يكن من قِلتهن فذلك لا يلغي دور المرأة المغربية المشهود في بث العلم، ونشر الثقافة، على أن نُدرة المُؤلِّفات ظاهرة تشترك فيها أقطار العالم الإسلامي بِرُمتها، وليس المشرق بأحسن حال من المغرب.

فبقدر ما نعجب لكثرة العالمات المتفوقات في مختلف العلوم الإسلامية، نُفاجأ بغياب شبه تام للمُؤلِّفات من بينهن.

وهذه الحقيقة لا مجال لدفعها، حتى أن أحد الباحثين المشارقة حاول إفراد المؤلِّفات من النساء بالتقصي والجمع في دراسة له نشرت بمجلة: "عالم الكتب" السعودية(14) تحت عنوان:" المُؤَلِّفات من النساء ومُؤَلَّفاتهن في التاريخ الإسلامي"، فلم يتجاوز عددهن الثلاثين، بعد جولة واسعة في كتب التراجم والطبقات والأعلام، غطت فترة زمنية تمتد خمسة قرون، بدءا من القرن السادس أو قبله، وحتى نهاية القرن الحادي عشر، هذا مع توسع في شرط البحث.

و العجيب أن حظ الغرب الإسلامي من هذا الاستقصاء لم يتعد مؤلفتين(15).

ولعل هذا الأمر يمثل حافزًا للبحث الجاد في أسباب غياب المُصَنِّفات، وباعثًا-كما سبقت الإشارة- على إعادة قراءة التاريخ الإسلامي، نحو الكشف عن عطاءات النساء في المجالات المختلفة، وإحياء المغمور منها.



الهوامش
(1)- قال محقق صلة الصلة القسم 5 ص 312:كتب بالهامش في النسخة (ك ) من الذيل والتكملة بخط مغاير: "قلت: رأيت هذا التأليف بسوق الكتبيين بفاس –حرسها الله".
(2)- التكملة ج 4 ص254، طبعة دار الفكر-بيروت 1995بتحقيق عبد السلام الهراس.
(3)- ترجمتها في التكملة لوفيات النقلة 3/454، تاريخ الإسلام للذهبي ص205 /حوادث ووفيات 631هـ-640هـ دار الكتاب العربي تحقيق عمر عبد السلام التدمري، أعلام النساء لعمر رضا كحالة 3/281، ط3، 1977-1397.
(4) - ترجمتها في الدرر الكامنة لابن حجر ج 6 ص 161، طبعة حيدر أباد 1972 بتحقيق محمد عبد المعيد خان.
(5) - الدرر الكامنة لابن حجر ج 2ص 246.
(6) - الدرر الكامنة ج 6ص 161.
(7) - نفح الطيب ج5 ص 431 ، دار صادر بيروت 1968 بتحقيق إحسان عباس.
(8) - إبراهيم أعراب : شهيرات نساء بادية سوس، أعمال الدورة الرابعة لجمعية الجامعة الصيفية بأكادير 1991.
انظر كذلك المدارس العلمية العتيقة وخصائصها بسوس للحسين وجاج 2003-1427 هـ .
(9)- انظر ترجمتها ومصادرها في: الحركة الفقهية في عهد السلطان محمد بن عبد الله العلوي للأستاذ أحمد العمراني ج 1ص 80-81.
(10)- "المرأة الأمازيغية عبر التاريخ " مقال منشور بجريدة بيان اليوم 9/23/2005.
(11) - النسخة المخطوطة من كتاب الإصابة التي تتضمن تعليقاتها توجد بالخزانة الحسنية تحت رقم 5932.
(12)- انظر عنها: بلاد شنقيط المنارة والرباط للخليل النحوي ص617، تونس 1987، (المنظمة العربية للتربية والثقافة و العلوم ) .
(13)- منطق الأواني بفيض تراجم عيون أعيان آل الكتاني لمحمد حمزة بن علي بن المنتصر الكتاني ص 159-160 دار الكتب العلمية.
(14)- في المجلد 14 العدد 5 الربيعان 1414هـ/سبتمبر أكتوبر 1993، وصاحب الدراسة: هو محمد خير رمضان يوسف، وقد صدرت في نفس السنة في كتيب عن دار طويق.
(15)- و لكاتب هذه السطور دراسة غير منشورة في الموضوع وصل فيها إلى ما يقارب الستين مؤلفة من مشرق العالم الإسلامي وغربه. [/size]]يونس بوعلام
باحث في قضايا التراث الإسلامي
منتديات التاريخ الاسلامي