شارون .. الغنيمة الوردية النافقة !! تم نشره على وكالة الصحافة المستقلة - اخبار العراق.

 محمد رفعت الدومي  قدراتي الخارقة ، قدراتي العجيبة ، هي أن أغرف الماء ، وأن أحمل الخشب !! بيت من الهايكو لـ”بانج يون” ، الشاعر اليابانيِّ وراهب “الزن”  ، والزن هو البوذية علي الطريقة اليابانية ، وهو بيت يظنه المبتدئون لأول وهلة بيتاً ساخراً ، وهذا ظنٌّ خاطئ ، فهو أعمق بكثير مما يبدو ، بل ينخفض إلي عمق ليس من الصعب أن نجد فيه تأويلاً للحياة ، وللإنسان ، وما كان الشاعر الراهب ليقوله لولا إحساسه الممتلئ بالانسجام التام بين ظاهره وباطنه ، وبينه وبين كل شئ في الطبيعة ، وإيمانه التام بأن الحياة أبسط مما يتصور أصحاب الحد الأدني من كل شئ ، وهذه مرحلة شاهقة البياض لا يمكن الوصول إليها قبل أن يتخلص الإنسان من كل مظاهر البهيمية في روحه !! غريب أن أفتتح نصاً عن ملوث مثل “شارون” ببيتٍ من الشعر لشاعر مسالم ، فالمسافة شاسعة جداً بين شاعر آثر بإرادته الانسحاب إلي ركنه في ظلال المدينة الفاضلة التي ليس لها وجود إلا في مخيلته ، وبين محترف في إبداع القتل والبشاعات ، بذَّر حياته في حراسة جذور الإخلاص للماضي ، والولاء المطلق له ، لذلك ، فشل أن يجد تعريفاً للحياة إلا في متون التوراة !! والأغرب هو العنوان الذي يندرج تحته هذا النص ، مع ذلك ، فهذا العنوان تحديداً هو الباب الملكيُّ للدخول إلي عقيدة ذلك المجاهد في سبيل “يهوه” ، الذي نفق مؤخراً ، فلهذا العنوان قصة كاشفة !! لقد حدث لدي زيارة “شارون” كينيا أن اصطحبه الكينيون إلي بحيرة “ناكورو” ، موطن طيور الفلامنجو الوردية ، فلم ير في هذه الطيور التي تقتل الرخويات لتتغذي عليها إلا نفسه ، حيث وصفها ، ووصف نفسه متضمناً فيها ، بالغنيمة الوردية التي تتحرك بلا انقطاع ، فهي تقتل لكي تعيش ، وهو يقتل فقط ليصنع قيمة جهمة !! ويكفي عملٌ واحد يلخص كلَّ الشهوة التي نصادفها في مذابح “شارون” المعتني بها تماماً ، هذا العمل هو اجتياح لبنان ، أحب أن أنوه هنا أنني عصفت عن عمد بمذبحة أبشع من اجتياح لبنان ، وهي أيضاً من إبداع “شارون” ، وهي مذبحة “صابرا وشاتيلا” ، لأن اجتياح لبنان أفقدني بشكل خاص ، وأفقد كل الناطقين بلغة تميم ، عزيزاً ، أقصد الشاعر الجلل “خليل حاوي” الذي انتحر ، كما يقال ، احتجاجاً علي هذا الاجتياح !! وقد يتصور الغافلون أن غابة من الأفكار السوداء كانت تلتحق بنوم “شارون” عقب كل مذبحة يقوم بها ، وهذا تصور يجري في يقين الخطأ ، ولو تجرأ سائل وسأله عن مذبحة “صابرا و شاتيلا” مثلاً لأجابه : لقد كتبت هذه القصيدة بحروف من المرح !! وهو قد اعترف مراراً بأنه بعد كل معركة خاضها وجد نفسه فريسة لمشاعر وافرة من الإحباط والخيبة ، وبأنه أضاع الكثير من الفرص ، وهو في هذا شأنه شأن المبدعين العظام الذين لا يرضون أبداً عن أعمالهم بعد الفراغ منها ، ويرون نقصاً ما فيها لا يدركون موطنه !! فهو إذاً قاتلٌ خاص لقتل ٍ خاص ، ذلك القاتل الذي لا يستريح حتي يقتل فريسته حتي العظام وجذور الأعصاب .. وهو أحد القلائل .. القلائل جداً ، الذين لا يثير الدم في أعماقهم الحنين إلي تعبير الهمجية الأولي عن نفسها ، بل الحنين إلي مرحلة الهمجية نفسها !! فالقتل عنده إذاً شهوة ، وشهوة القتل لا تكون أبداً شهوة مجردة ، وهي لا تولد في النفس من فراغ ،  فشهوة القتل الأصيلة يجب أن تنخفض جذورها إلي ثقافة الماضي إلي مدي بعيد ، وإلي مدي أبعد ، ثقافة الأسرة التي ينتمي إليها القاتل المطبوع !! وثقافة اليهود عبر العصور ، بحكم شهرتها في تبجيل العنصرية ، وتضخيم الأنا وذلك الإحساس الفاحش بالتفوق عند سكان هذه العقيدة تحديداً ، لا تحتاج إلي إضاءة  ، مع ذلك ، فإن اليقين الطليق لدي اليهود بحتمية الانتصار النهائي في المعركة لا يمكن أن يولد من تعاليم المعبد وحدها ، وإنما يولد من التركيب العام لهذه القومية الانفصالية !! ولكي أكون منصفاً ، وأضئ الرجل من الأمام ، ومن الخلف ، ومن الجانب الآخر ، سوف لا أستسلم لمشاعري الشخصية حياله ، فأنا لا أحب الرؤية في ضوء واحد فهي مضللة ، ولا أحب الطيور التي تغني من داخل السرب الوطنيِّ علي إيقاعات العواطف المبتذلة .. كما أن التقييم السليم للأمور يتمنع إلا علي أولئك الذين يتأملون الهدف من خارج إطار نفوسهم تماماً ، لذلك ، ينبغي هنا أن أشير إلي أن “شارون” مثله مثل أيِّ يهوديٍّ آخر ليس مريضاً ، وليس لديه مشكلة في التعايش السلميِّ مع الآخر شريطة أن يكون الإحساس بالندية لدي الآخر منعدماً ، وأن تكون الثوابت التي تحكم العلاقة بين الطرفين مبنية علي أساس منح اليهوديِّ الحقَّ في السيادة !! أؤكد ، اليهود ليسوا مرضى ، ولكن أمراضهم ما هي إلا صدي ضروري لأمراض الفكرة الموسوية في إطارها ، وليس أدل علي ذلك من أن “شارون” كان يتعامل كأيِّ إنسان طبيعيِّ مع خادمه العربيِّ “أبو رشيد” !! وما من شك في أن أمراض التراث اليهوديِّ تلمع بتصرفات مرتفعة في شخصية “شارون ” ، لكن الأثر الغنيَّ في شخصيته العدوانية ينسحب مباشرة إلي أسرته ، هنا يجب أن نقتفي أثر الأسرة التي انحدر منها ذلك القاتل المطبوع “شارون” !! أبٌ وأم يقول هو عنهما : “لم أعرف المودة في ظل عائلتي ، أبي “صمويل” وأمي “فيرا” لم يفصحا عن مشاعرهما أبداً” وليس وحده ، فالعظيم “كافكا” ، كذلك كان أبوه قاسياً أيضاً ، وانعكست هذه القسوة علي كل أعماله تقريباً ، ولعل قسوة العائلة اليهودية علي صغار العائلة تقليد ناجم إلي حد بعيد عن العيش في “الجيتو” ، فأي حنان يولد في العزلة ؟ ، كما أنها انعكاس لقسوة الآخرين عليهم ، وسياسة النبذ التي مورست عليهم غابة من الأعوام المهينة ، وثقل ذكريات الماضي التي تتسلل للنفوس من جيل إلي جيل كالمكيدة .. […]

شارون .. الغنيمة الوردية النافقة !! تم نشره على وكالة الصحافة المستقلة - اخبار العراق.



أكثر...