بسم الله الرحمن الرحيم



***

مصاهرة عمر بن الخطاب لعلي بن ابي طالب رضي الله عنهما

***

سأحدثكم عن زيجة من أجمل الزيجات التي يذكرها التاريخ ويخلدها
وأما عن أطراف هذه القصة فأحسب والله أن الكتابة عنهم بماء الذهب قليل عليهم
ولو أن أغلى الدرر من الياقوت وأنفسه من الزبرجد الأحمر والأخضر ارتضت معادنهم
أن تسيح وتذوب ليكونوا مداداً من النور لما رضوا إلا بان يكتب فيهم سيرة هؤلاء
الذين سنعطر صفحات الوطن والساحة بأخبارهم ونطرز زاويتنا بقصصهم ونكحل أعين
المؤمنين السالكين درب الهدى والنور بذكرهم أولئك الذين يحبون الرسول وآل بيته
ويعرفون لأمهات المؤمنين قدرهم وأصحابه الكرام مكانتهم رضي الله عنهم وأرضاهم
فيا ويح قلمي أي عبارات سيسطر ويا ويح مدادي أي لوحة اليوم سيرسم ..!؟

• تبدأ قصتنا عندما خطب نفر من الصحابة سيدة النساء فاطمة الزهراء من أبيها
سيد ولد آدم رسولنا عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم .. حباً في رسول الله وقرابته
فرفض عليه السلام وقال إنها لصغيرة ثم أنه تقدم بعد مدة إمامنا الشهيد علي بن أبي طالب
رضى الله عنه فوافق رسول الله وزوجها له وكان مهر بنت رسول الله درع فقط !
فيا لعظمة هذا الرسول ..ثم أنه كان أكرم زواج عرفه الإسلام ومن ثمراته سيدا شباب
اهل الجنة السبطان الشهيدان الحسن والحسين ثم زينب وشقيقتهم الصغرى أم كلثوم

ولكننا اليوم لن نتحدث عن ذلك الزواج المبارك فذلك له مداد آخر ونغم أجمل
ومقام أزكى وأرفع ولكننا سنتحدث اليوم عن قصة زواج سيدنا وخليفتنا الفاروق
حبيب رسول الله وصاحبه في المحيا ورفيقه في القبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه
بإبنة سيدنا وإمامنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشقيقة السبطين وإبنة فاطمة الزهراء
وحفيدة الرسول الأعظم إنها ( أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ) رضي الله عنها

• يحكي لنا الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في ج3 ص 500 وكذا الشيخ عمر
رضا كحالة في كتاب أعلام النساءج4 ص255 حكاية ذلك الزواج المبارك الذي فرح به
سيدنا علي وفاروقنا عمر أشد الفرح فيقول :

* جاء الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الإمام علي بن أبي طالب
وكان حينها أميراً للمؤمنين وخليفة للمسلمين فقال يا أبا الحسن
إني أطلب منك ابنتك أم كلثوم فقال له الإمام علي ما تريد إليها ؟
فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(( كلُ سَببٍ ونَسَبٍ منقطعٌ إلي يوم القيامةِ إلا سَببي ونًسبي )) وإني يا ابا الحسن
أرصد من كرامتها ما لايرصده أحد .. فوافق الإمام علي على زواجه منها

وخرج سيدنا عمر فرحاً ورجلاه تسابق الريح حتى وصل إلى مجلس المهاجرين
من الصحب الكريم وكان مجلسهم بين القبر الشريف والمنبر ــ وجاء في الحديث
مَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَبَيْتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ
يا الله أي مجلس هذا الذي يرتعون برياض الجنة فيه .!؟

يقول الراوي : فوجد هناك سيدنا عثمان بن عفان ذا النور ين ممن زوجه الرسول
بابنتيه والزبير بن العوام وطلحة .. رضي الله عنهم وما هي إلا لحظات
حتى جاء سيدنا علي بن أبي طالب فقال أمير المؤمنين الفاروق عمر ( هنئوني .. رفئوني )
فقالوا بمن يا أمير المؤمنين ؟ قال بحفيدة رسول الله وابنة صهر رسول الله
علي بن أبي طالب ..فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(كل نسب منقطع إلا نسبي وسببي وصهري ) فكان لي به عليه السلام النسب
فتزوج بابنتي حفصة فصارت أم المؤمنين .. واردت أن أجمع إليه الصهر

فرفؤوه وبارك الصحابة له زواجه رضي الله عنه
وأمهر سيدنا عمر الفاروق أم كلثوم رضي الله عنها بأربعين ألفاً ودخل بها
في ذي القعدة سنة السابع عشر من الهجرة .. وأنجبت له مولودين كالقمرين رقية .. وزيد
رضي الله عنهم .. وظلت زوجته المحبة حتى قتل بمحراب رسول الله شهيداً
بيد الكافر الملعون أبو لؤلؤة المجوسي .. فرضي الله عنك يا عمر
وجمعنا معك بالجنة .. آمين يا رب العالمين

• ولقد وُلِـد للإمام علي بن أبي طالب بعد وفاة الزهراء رضي الله ولداً
من زواجه الجديد في عهد خلافة عمر وبعد تزويجه إياه ابنته أم كلثوم
ولداً فسماه ( عمر ) حباً في صهره وإكراماً له رضي الله عنه
فصار أولاد سيدنا علي من الذكور الحسن والحسين ومحمد المشهور بابن الحنفية
وعمر وأبو بكر وأما الإبن عثمان بن علي بن أبي طالب وإخوته العباس وجعفر
وعبد الله فقد قتلوا مع أخيهم الشهيد الحسين في فاجعة كربلاء
على يد جند يزيد بن معاوية عليه من الله ما يستحق

• ومن الطرائف الجميلة ما جاء في بعض الروايات أنه بعد أن تزوج عمر بأم كلثوم
كان الإمام علي يدخل إلى مجلس سيدنا عمر فيقول له السلام على أمير المؤمنين
فيمازحه رضي الله عنه ويرد عليه قائلا وعليك السلام يا عماه ..!
وهو يكبر سيدنا علي بخمس عشرة سنة
وكان الصحابة يضحكون من مزاحهم رضي الله عنهم وأرضاهم

• وأما عن حفيد الإمام علي من ابنته أم كلثوم وهو زيـد بن عمر الخطاب
فيروى عنه أنه لما كبر وشب كان من أجمل الناس وجهاً وخلقاً

ولقد أُثِـر عنه يحدث أصحابه قائلاً : السبطان الحسن والحسين أخوالي
فليرني أحدكم أخواله .. وكان يردد دوماً أنا ابن الخليفيتين ..فرضي الله عنه وأرضاه

• ولقد بكى سيدنا الإمام علي بن أبي طالب عندما قُـتِل سيدنا عمر الفاروق بالمحراب
وهو ساجد يصلي بالمسلمين وتأثر تأثراً عظيماً على فراق صهره وصاحبه
وحبيبه وخليفته من بعد صديقنا الصديق أبو بكر رضي الله عنه
ويروي الإمام أحمد بمسنده أن علياً جاء إلى عمر وهو مسجىً بثوبه وقد قضى نحبه
فجاء عليٌ وكشف وجهه ثم بكى وقال ( رحمة الله عليك يا ابا حفص
فوالله ما بقى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أحب إليّ أن ألقى بصحيفته منك )

وجاء في كتاب الفتوحات الإسلامية ج2 ص429 أن علياً بكى بكاء مراً لفراق صاحبه الفاروق عمر
فقيل له فيما ذلك البكاء الشديد فقال
( كيف لا ابكي على موت عمر ؟ إن موت عمر ثُلمة في الإسلام لا ترتقِ إلى يوم القيامة )


معاشر السادة القراء قال الحق تبارك وتعالي في سورة الحشر

(( والذين جاءوا من بعدِهِم يَقُولُونَ ربنا اغفر لَنَا ولِإخوَانِنَا الذِينَ سبَقُونَا بِالإِيمانِ
وَلاَ تَجعَل في قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلذينَ آمَنُوا ربنا إِنَّكَ رءُوفٌ رحِيم ))


اللهم طهر قلوبنا من الغلِ والزيغ والضلال