دولة الخلافةالعثمانية

موجز تاريخدولة الخلافة العثمانية
لقد كان القرن السابع الهجري، (الثالث عشرالميلادي) فترة سوداء في تاريخ العالم الإسلامي بأسره، ففي الوقت الذي تقدمتفيه جحافل المغول الوثنيين من الشرق، وقضت على الخلافة العباسية في بغدادكانت بقايا الجيوش الصليبية لا تزال تحتل أجزاء من شواطئ فلسطين! ومما زادالحالة سوءًا أن الدولة الأيوبية التي تولت حماية العالم الإسلامي من هجماتالصليبيين أخذت تضعف بعد وفاة منشئها صلاح الدين. وقد ترتب على هذا أن أخذتمناطق المسلمين تتقلص بين ضربات الوثنيين من الشرق، وحملات المسيحيين منالغرب. وراح بعض الناس يعتقد أن الإسلام لن تقوم له قائمة مرة أخري، إلا أنالكارثة لم تقع. تُرى ما سبب ذلك؟ يقول المؤرخون: هناك سببان:
أولهما:أنه بالرغم من انتصار المغول على المسلمين فيميدان الحرب فإن الإسلام انتصر عليهم في ميدان العقيدة، ففي أقل من نصف قرندخل المغول الإسلام، فأصبحوا يدافعون عنه، وينشرونه بين أهليهم في أواسطآسيا.
أما ثانيهمافهو أن دولة المماليك التيخلفت الأيوبيين على مصر في سنة 648هـ/1250م، كانت دولة عسكرية قوية يرأسهاقواد الجيش من المماليك.
وكان هؤلاء المماليك، وهم من الأتراك والأرمنوغيرهما، قد وصلوا إلى المناصب العالية في الجيش أثناء حكمالأيوبيين.
وأخيرًا، تولوا الحكم، وعينوا من بينهم السلاطين للدولة، وقدكان لهؤلاء المماليك الفضل في إيقاف زحف المغول عند "عين جالوت" سنة 658/1260م، كما انتزعوا من الصليبيين "عكا" وكانت آخر معقل لهم في الشرق سنة 692هـ/1292م.
أصل العثمانيين:
يقولالمؤرخون : إن الدولة العثمانية كانت أكبر وأبقى دولة أنشأها قوم يتكلموناللغة التركية في العهود الإسلامية. وهي إلى جانب ذلك أكبر دولة قامت في قرونالتاريخ الإسلامي المتأخرة. لقد كان مركزها الأصلي "آسيا الصغري" في أقصيالركن الشمالي الغربي من العالم الإسلامي، ثم امتدَّت فتوحاتها إلى ثلاثقارات هي : آسيا وأوربا وإفريقية. وتركت بصمات قوية في تاريخ العالم عامةوالإسلام خاصة، فكيف تم للأتراك العثمانيين ذلك؟ ومَنْ هم؟ ومن أينجاءوا؟
أسئلة كثيرة تخطر بالبال حين يذكر أولئك الأتراك العثمانيون،ويتساءل الكثيرون عن أصلهم، ولابد من طرح هذه الأسئلة قبل الحديث عن حكمهموفتوحاتهم.
يعتقد الكثيرون أن أصلهم من أواسط آسيا، وقد هاجروا في جماعاتنحو الغرب، حتي استقروا أخيرًا في القرن السادس الميلادي بالقرب من منطقة بحرقزوين والجهات الواقعة شمال وشرق بلاد فارس .
وفي أيام الدولة الأموية،تمكنت الجيوش الإسلامية من الوصول إلى منطقة سكناهم، إلا أنهم لم يعتنقواالإسلام جديّا إلا في أوائل العصر العباسي. وقد قربهم الخليفة المعتصم -كماعرفت- حين أراد أن يقضي علي سيطرة الفرس الذين كانوا يتمتعون بنفوذ كبير فيالدولة العباسية وبخاصة في عهد المأمون.
وفي أواخر القرن الخامس الهجري،الحادي عشر الميلادي جاءت موجة أخري من الأتراك (المعروفين بالسلاجقة) وعليرأسهم "طغرل بك"، وقضوا علي نفوذ البويهيين في بغداد، وخلصوا الخليفة العباسيمن استبدادهم، وتقدموا حتى هددوا القسطنطينية، فتكتل المسيحيون في أوربا،وكان ذلك بسبب هزيمتهم أمام السلاجقة في ملاذكرد، وقاموا بتلك الحروبالصليبية التي أمدَّت في عمر القسطنطينية أربعة قرون.
كيف تكونت دولة الأتراك العثمانيين؟
في حوالي سنة 622هـ/1224م كانت جيوش التتار بقيادة جنكيز خان تتقدم إلي الغرب في اتجاهالدولة العباسية.
ومن بين الذين فروا أمام الزحف التتري مجموعة من الترككانت تسكن منطقة "خُوارزم"، فتحركوا غربًا حتي وصلوا إلي آسيا الصغري بالقربمن دولة "سلاجقة الروم" سنة 1250م تقريبًا. وهناك اتصل قائدهم "أرطغرل" بالسلطان علاء الدين زعيم دولة سلاجقة الروم (وهم فرع آخر من نفس الجنسالتركي)، فوافق علاء الدين علي وجودهم، ومنحهم منطقة حول أنقرة ليستقروا فيهاعلي الحدود بين دولته ودولة البيزنطيين. فلما وصلت جيوش المغول إلى "دولةالسلاجقة" وقف "أرطغرل" إلي جانب "علاء الدين"، حيث تمكنا من هزيمة المغولوإنقاذ دولة السلاجقة.
بعد وفاة "أرطغرل" سنة 688هـ/1288م، عُيّن ابنه "عثمان" خلفًا له، فكان قويّا محبوبًا بين أهله، ذا مكانة في بلاط السلطانعلاء الدين؛ مما أثار حسد وزرائه.
فلما مات علاء الدين كثرت المؤامرات،وضعفت الدولة، فاغتنم عثمان الفرصة، واستقل عن السلاجقة، وأخذ يضيف بعض أجزاءدولتهم إلى سلطانه، وهكذا تأسست الدولة العثمانية، وكان ذلك في سنة 700هـ/1300م.
وبذا فقد نسبت تلك المجموعة من الأتراك إلى هذا الرجل العظيم "عثمان" فسموا الأتراك العثمانيين؟ وكان الإسلام هدف العثمانيين وشعارهم، لهيعملون، وفي سبيله يجاهدون ويحاربون.
فتوحاتهمالمباركة:
كان الطريق مفتوحًا أمام هذه الدولة الناشئة ؛ فلم يكنهناك ما يقف في طريق توسعها؛ حيث إن الإمبراطورية البيزنطية خرجت بعد الحروبالصليبية وهي أسوأ حالا مما كانت عليه من قبل.
ويذكر المؤرخون أَنَّ حملةمن الحملات الصليبية قد احتلت القسطنطينية نفسها سنة 602هـ/1204م ، ولم تتخلصعاصمة البيزنطيين منهم إلا بعد أكثر من ستين عامًا، فلما شرع عثمان في التقدمنحو الأقاليم التابعة للدولة البيزنطية وجد الطريق مفتوحًا أمامه.
وقدواصل ابنه "أورخان" هذه الفتوحات حتى بلغ "نيقية" وخضعت له آسيا الصغرى (تركيا)، كما تمكن من عبور "الدردنيل"، والوصول إلى "مقدونيا" غير أنه لميتقدم نحو أوربا.
وكان لابد أن يتفرغ بعد هذا لتنظيم دولته، فأنشأ جيشًانظاميّا عُرف بالانكشارية (أى الجنود الجدد) .وكان هذا الجيش مكونًا من أبناءالبلاد المفتوحة.
فتم تدريبهم منذ الصغر على الإسلام والعسكرية، وأعدت لهممعسكرات وثكنات يعيشون فيها حتى لا يختلطون بغيرهم، مهمتهم التي أعدوا لها هيالدفاع عن الإسلام مع الفرسان من العثمانيين، فيشبون أقوياء الجسم، مطيعينلقوادهم الذين لايعرفون غير الطاعة الكاملة.. أتدري مَنْ أول من استخدم هذاالجيش استخدامًا فعالا؟
السلطان مرادالأول:
إنه السلطان "مراد الأول" ابن "أورخان" وكان مراد نفسهجنديّا شجاعًا قرر أن يشن حربًا على أوربا بأسرها.
لقد أراد أن ينتقم منالأوربيين لاعتدائهم على الإسلام والشرق أثناء الحروب الصليبية.هذا بالإضافةإلى حماسه للإسلام، وحبه له وللدفاع عنه ضد أعدائه، ورغبته في نشر الإسلام فيبلاد الكفر، وتبليغ دعوة الله إلى العالمين، فمن المعروف أن الأتراك من أقوىالشعوب حماسة، ومن أقواهم عاطفة تجاه الإسلام والمسلمين، وكان سمتهم فيتعاملهم مع الأسرى سمتًا إسلاميّا يدل على فهمهم للإسلام ولمبادئ الحربوالقتال في الإسلام، وهذا ما شهد به أعداؤهم.
لقد عبرت جيوشه الدردنيل (كما فعل والده من قبل)، واحتل مدينة "أدرنة"، وجعلها عاصمته سنة 765هـ/1362مبدلا من العاصمة القديمة "بروسّة"، وبذلك يكون قد نقل مقر قيادته إلى أوربااستعدادًا لتأديب وإخضاع تلك القارة المعتدية!
شملت فتوحات "مراد": مقدونيا، وبلغاريا، وجزءًا من اليونان والصرب، كما هدد القسطنطينية، وأجبرإمبراطورها على دفع الجزية.
لكن واأسفاه، قتل مراد في ميدان القتال سنة 793هـ/1389م، في الوقت الذي كانت فيه جيوش المسلمين الظافرة تحتل صوفيا عاصمةبلغاريا.
السلطان بايزيد:
فمن يا تُرىيخلفه؟ لقد خلفه ابنه "بايزيد" ومن شابه أباه فما ظلم.كانوا يلقبونه (بالصاعقة)، وذلك لسرعة تحركاته في ميادين القتال وانتصاراته الخاطفة.أتدريماذا حقق من انتصارات بعد أبيه؟ لقد أتم فتح اليونان. أما الدولة البيزنطيةفقد جردها من كل ممتلكاتها ماعدا القسطنطينية وحدها.
لقد بلغ "بايزيد" منالقوة ما جعله يمنع إمبراطور القسطنطينية من إصلاح أحد حصون المدينة فيذعنالإمبراطور لأمره، وينزل عند رأيه. وكانت نتيجة هذا الجهاد المقدس انتشارالذعر في جميع أنحاء أوربا، فقام البابوات في روما ينادون بالجهاد ضدالمسلمين كما فعلوا سنة 489هـ/1095م، وتجمعت فرق المتطوعين من فرنسا وألمانياوبولندا وغيرها وقادهم سِجِسْمُنْد المجري.
وفي سنة 799هـ/1396م اشتبكمعهم "بايزيد" في معركة "نيقوبولس" وهزمهم هزيمة نكراء، فدقَّت أجراس الكنائسفي جميع أوربا حدادًا على تلك الكارثة، وانتابها الذعر والقلق. وراحت أورباتخشى مصيرها الأسود القاتم إذا تقدم ذلك القائد المظفر نحو الغرب.
أماالقسطنطينية فقد أوشكت على السقوط أمام جيوش بايزيد!

يتبع