هذه العباره وردت لدى العلامه القسطلاني في لطائف الإشارات عن الامام مالك بن أنس صاحب المذهب الذي عرف بأسمه ؛ والذي دفعني الى ايرادها هنا ومناقشتها مالاحظته من مؤلفات صدرت مؤخرا ًمن محليين يدّعون الكتابه والتأليف والبحث مختارين لها عناويين رنانه منها تاريخيه وأخرى جغرافية وثالثه اجتماعيه ؛ وعند تصفحها والاطلاع عليها تجدها لاتحمل مادة العنوان وانما يحاول صاحبها مناقشة مواضيع نسبيه يجهلها دفعهُ لها مؤثر وعُقد خاصه تدور في خلده اخرجها على شكل سرطانات سوف تعدي الأخرين في المستقبل ساعدهُ بأظهارها الى الساحة متسرنطين قبله .
هذه العباره تعني وجوب العودة الى ذوي الاختصاص في العلوم المختلفه وتحاول وضع الحد لمن يتطاول ويتجاسر على غير تخصصه او فنه ؛ فكما ان الفقه لايؤخذ الا من رجل الدين الفقيه الذي افنى حياته بالدراسه والاستنباط فأن بحث النسب والتأريخ والمسالك والجغرافيه والاجتماع والطب وبقية العلوم لاتؤخذ الا من اهل الاختصاص والمشهود لهم بالنزاهه والصدق فعلم النسب وتأريخه عزيزي القاريء الباحث يعني في جانب من جوانبه الكشف عن وثائق الامس سوى كان منها القريب او البعيد وذلك عندما يحاول عرض تلك الوثائق وتصنيفها فهي الشاهد الصادق الذي يوصل صاحب البحث الى النتيجه المثاليه في موضوعه ؛ وتتيح لك فرصة الموازنه بعد التحليل والبحث والتدقيق ؛ اما من يضع اساس موضوعه البحثي على الاقوال الشفاهيه الغير مسنوده فأنه لربما يقف على جرف هار ؛ فمن الضعف ووهن الحيلة الا يجد الانسان من يستعين به في معرفة ركن هام من اركان وضعه الاجتماعي الا وهو نسبه ان يستعين بهؤلاء المرضى المصابين بداء العقد النفسيه والاجتماعيه الذين لم يكن هناك صالحا ً إلا افسدوه ؛ ولاحقا ً الا شوهوه ولازورا ً الا روجوا له ونشروه ولافاحشة الا اعلنوها وسردوها ؛ ولاسبيلاً الى كل رذيلة وجريمة ومنقصه الاسلكوها وأدوا ادوارها المخزية والنجسة ؛ وفي الحقيقة فأن اثنين او ثلاثه من هؤلاء المحليين اعرفهم عن قرب وأطلعت على كتاباتهم التي كتبت في فترة قياسيه لاتتجاوز الاشهر ؛ حاولت ان اضع ولو بشكل جزئي عقدهم وسرطاناتهم الذي دفعتهم للتطاول والتجرأ على فن واختصاص الأخرين فوجدت انهم يصنفون بخانة الاقزام لعدم اكتمال اطوالهم وهذا علميا ً يعني نقص بأفراز بعض الهرمونات في احد غدد الجسم ؛ ثم انهم ينتمون نسبيا ً الى اصل غير عربي وهم يعيشون بين العرب ويسمعونهم ؛ وبعد فأنهم لايملكون من خزين القرّاء أي مادة تسمح لهم بالبحث والتنقيب فلامصدر ولاكتاب ولامؤلف لهم يقتنونه ؛ وهم من الفاشلين دراسيا ً يحالون في نهايات اعمارهم الحصول على تحصيل علمي في زمن علمي هزيل ؛ وأحدهم يختلف مع من يشترك معه بالجد الثاني في الابوه النسبيه فينتسب الى قبيلة وابن عمه ينتسب الى قبيلة آخرى فالنسب ليس لباسا ً تستطيع ارتداءه متى شئت او حاجه تتغير مع المواسم ؛ فكما ان فصيلة الدم لايمكن استبدالها فالنسب كذلك لايمكن استبداله لانهُ حقيقه وليس بأستطاعة احد ان يدخل في الحقيقه حيله وتلاعب ؛ فالحقيقه مثبته بشكل صادق ؛ فما كان ثابتا ً بالحقيقه فنفيه او تغيره بحيله اوتلاعب باطل شرعا ً وقانوناً ؛ والعكس صحيح فمن كان منتفي بحقيقة فأثباته بحيله باطل قطعا ً ؛ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحذر الناس المتبرئين من انسابهم وإن صغرت ويحذرهم من الادعاء الى نسب لايعرف فقال : (( كفر بالله تبرؤ من نسب وان دق ؛ وكفر إدعاء الى نسب لايعرف )) اما الامام علي ( عليه السلام ) فقال في نهج البلاغه (( الناس اثنان : عالم ومتعلم وماعدا ذلك همج رعاع لايعبأ الله بهم )) .
اما الآخر ( مدعي التأليف الاخر ) فقد قام رئيسه بجمع اقربائه وعمومته في العقد التسعيني والتوجه بهم الى اكثر من قبيلة لينتسب اليها لضياع نسبه وعدم موافقه رئيس القبيلة التي حالفهم اجداده بأن يدخل نسبها باطلا ً ؛ وقد شعرت ان احدهم قد بصق بفم الاخر فقد كتب احدهم بعض الحقائق في بداية مسيرته معتمداً على صادقين في هذا المجال ؛ فجاءه الكلب اللاهث الاخر فأجبره على تغيير آرائه النسبيه الاولى في كتابه الاخر الذي لم يستغرق وقت تأليفه وطباعته الا اشهرا ً قلائل ؛ وشعرت بهذا الاخر ومن خلال متابعة ماكتبه ودونه وماتأثر به من كلبه اللاهث انه البس الحق بالباطل وكتم كثير من الحقائق وهو يعلم ؛ وقد حذر الله جل جلاله في سورة البقرة : ( ولاتلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون ) فهل يصح ان نعتمد على مثل هكذا نماذج في تنسيب الناس ونطئن لهم ولقرارتهم النسبيه ؛ فهم اساسا ً لايعرفون انفسهم من اي طينة على وجه الارض انحدروا ؛ ومن عجز عن معرفة نسبه وقومه المرتبطين معه بجد قريب فهو عن معرفة غيره اعجز ؛ قال اهل العقل الحكمه والرأي ( فاقد الشيء لايعطيه ) .
اخي القاريء والباحث ان كتابة التاريخ تحتاج الى ان يتوخى الباحث الدقه في بحثه ولاسيما عندما يتعرض الى العشائر والقبائل وانسابها في أي بلد من بلداننا العربية لما يترتب عليه طمس لكثير من الحقائق التي تترك أثرا ً في نفوس العشائر او البيوتات لان الضعف الذي اصاب انسابنا من بعض اسبابه عدم حقيقة ماينقله مثل هؤلاء الكتاب وذلك لان اغلب بحوثنا تعتمد على مصدرين : هما المدون أي ماتم تدوينه وبينا وهنه وضعفه ؛ ويحتاج اغلبها الى التحقيق والتثبت ؛ والمحفوظ في صدورالناس والذي لم يدون وهذا الأخير تعرض مؤخرا ً وخاصة في العراق الى الكثير من المؤثرات الذي تؤدي الى عدم صدقية المعلومة ؛ فقد اصبح للطائفه كالتسنن او التشيع أثر في اخفاء المعلومة او تبديلها والانتساب الى المواطن والحرف كالبغدادي او الهنداوي او النجار والصفار ؛ والنسب اخوتي الاعزاء ليس مسألة اجتهاد او تأويل ؛ بل نقل متوارث من الاب الى الابن وهكذا ؛ والكاتب والباحث الشريف الصادق مطالب بالبرهان ان كان صادقا ً (( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) ومن جاء يتعليلات مريضه وسقيمه بعيده عن الحقيقة والصدق فأني أراه قد أضاع وقتهُ عبثا ًبذكر مالاينبغي ذكره اصلا ً ؛ ومن تساهل في هذا وأخذ بالاقوال دون التحقق والبحث ولم يرجع الى اهل الاختصاص فهو كحاطب ليل وينتج عنه الكذب والاساءه وعدم الدقه ( وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ) وان العامه تأخذ منهم وتسمع ؛ وفي الحقيقه ان من يأخذ من اشباه هؤلاء وهو ماننبه منه ونحذر ويروي كل مايقرأ ويسمع لايميز بين الصالح والطالح لايجوز ان يكون مرجعا ً في هذا العلم الخطير شرعا ً وقانونا ً فالرجال تعرف بالحق ؛ لاالحق يعرف بالرجال ؛ ومن المعترف به ان النسب يفقد اهميته اذا لم يذكره من يحتفظ بمعرفته ولكن ليس من الواجب الشرعي ان يتكلم قوم عن نسب ابوة عشائرهم بما لايصح 0
لاحظت مؤخرا ً ان بعض الاسر والبيوتات التايهه والجاهله في انسابها ذهبت بعيداً في او هامها والاعتماد على مثل هؤلاء وسجلوا لهم اباء ونسب بعيد عن الصدق ومؤخرا ً لاحظت ان بعضهم دون نسب احدهم من اسمه الحالي الى عدنان وانا سبق وان اتصلت بصاحب النسب المدون الذي كان لايعرف الا خمسة وسائط ؛ وعندما تساؤلت من اين لك هذا النسب الم تعد لي خمس وسائط وتوقفت انت ومجموعه من اعمامك ذوي الاعمار الكبيره ؛ رد عليّ : يمعود منهو يقرأ ومنهو يكتب ؛ وفي حقيقة هذا القول ان سببه راجع الى من دونه من اشكال هؤلاء الكتاب بدون تدقيق وبحث وجهد ولم يحمل نفسه مشاق البرهنه والبحث واخذ القول على عواهنه ودوّنه ؛ اما صاحب النسب فكان يتباهى بإهدار كرامة أسرته وعشيرته وحطم تاريخها وأطلق لغريزته بما لايصح من القول ؛ وينطبق على الطرفين المدون وصاحب النسب هذا القول الحكيم :
(( فإذا بليت بجاهل متحكم يرى الامور من المحال صوابا )
اخي الكاتب و صاحب النسب ماذا ترغب في ان تصل اذا وضعت اسماءا ً وهميه ليس لها صلة بتاريخ اسرتك او عشيرتك ؛ فالاسماء الوهميه ليس لها وجود بالتواريخ والمدونات التي سبقت وجود اسرتك او عشيرتك فأذا كنت تطلب المجد فمن اين تجد لاسمائك الوهميه صله بالمجد والقدمه والتاريخ الناصع ؛ ومثل هؤلاء من الهيهات ان يستجيبوا للافكار الصحيحه وعطلوا مواهبهم الفكريه وطمسوا ومضاتهم الروحية وعاشوا في نطاق الخيال والوهم وينطبق عليهم قول الجليل في صورة الاعراف (( لهم قلوب لايفقهون بها ولهم أعين لايبصرون بها ولهم آذان لايسمعون بها أولئك كالانعام بل هم اضل أولئك هم الغافلون )) 0
وفي الحقيقه ان تشبيه القرآن لهؤلاء ينطبق عليهم جملة وتفصيلا ً فالحيونات تعيش في نظام اجتماعي متساند ومتكامل ولكن هؤلاء الذين يشبهون البشر في شكلهم يعيشون فرادى هائمين على وجوههم منقادين لغرا ئزهم ؛ فلايضرون انفسهم فقط بل يدمرون عشائرهم وتاريخها ويجب على اعمدة القوم ( من الشيوخ الاتقياء الاشراف والمثقفين ورجال الدين الملتزمين ) مهمة ايقاف مثل هؤلاء واذا اقتضت الضرورة عزلهم وفسخهم عن العشيرة هم ومن ورائهم ؛ فقد صوّر القرآن في انحرافهم ليكون فيها موعظة وعبرة لكل صاحب فطره سليمه وعقل رشيد فقال في صورة الاعراف ( أخلد الى الارض وأتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث ) ؛ واستمر القرآن في تنبيهه عن مثل هؤلاء وذلك لان انحرافهم هذا وانانيتهم الحمقاء تقطع اوصال المجتمع وتفسد نظامه الاجتماعي فتقضي على الامم والشعوب والقبائل ؛ قال تعالى في سورة المؤمنين (( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والارض ومن فيهن )) وتعجب القرآن في سورة الجاثيه التي تقول (( افرأيت من أتحذ الهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله افلا تذكرون )) ممن الغى عقله وحجب حواسه عن ادراك ماخلقت من اجله وآثر ان يعيش ويحيا في نطاق شهواته .
قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ( الناس امناء على انسابهم ) تشدق كثير من مثل هؤلاء بهذا القول حتى يعضدوا بعض اقوالهم الواهيه وفي الحقيقه ومن خلال فهم المعنى لهذا القول وماتعنيه الامانه : ان احدهم ائتمنك امانه لوقت معلوم ولشخص معلوم فعلى سبيل المثال ؛ انك ائتمنت مبلغ قدره خمسون دينار ووصيه واوراق ارثيه وملكيه هامه عند زيد على ان يسلمها الى ولدك الكبير بعد وفاتك ؛ فالواجب الشرعي ان يقوم زيد بعد حصول الوفاة بتسليم هذه الامانه الى ولدك الاكبر بكاملها ؛ والمعنى الذي افهمه ان الامانه النسبيه التي يمتلكها اباك او جدك او عالم النسب يجب ان تصل اليك لتعلق الامر بالمواريث والحقوق الشرعيه ؛ فالسعيد من يبرىء ذمته ويصون نفسه من المهالك ويرد ماليس له الى اهله سواء كانوا اولاده ام احفاده ام ابناء عشيرته ؛ وعند الاطلاع والبحث وجدنا ان الاسلام نهى ان يكون للانسان لسانين ( بمفهومنا الحالي صاحب وجهين ) يظهر لكل طائفه بما يرضيها وانه مخالف لغيرها ؛ هذا السلوك سلوك المنافقين الذي اكد عليهم القرآن الكريم في سورة النساء ( مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) ورى ابن داود عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (( من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامه لسانان من نار )) وعن البحاري قال عليه افصل الصلام واتم التبريك (( تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه )) .
وقال الامام علي عليه السلام ورضى الله عنه وكرم الله وجهه : (( ان لسان المؤمن من وراء قلبه وان قلب المنافق من وراء لسانه )) وفي نفس المعنى قال رسولنا الكريمن لس (( لايستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولايستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه )) أي ان لسان الانسان تابع لاعتقاده فأن كان مؤمنا ً نطق بالصدق والحقيقه ؛ وان كان منافقا ً كهؤلاء الذي نتكلم عنهم قال ماينال به غرضه الخبيث اللعين لانه لسانه تابع لقلبه المريض المصاب بالسرطان المملوء نفاقا ً وكذبا ً وخداعا ً وحقدا ً وقبحا ً وعقداً ومااحسن من قول الامام علي ( عليه السلام ) في هذا الباب :
لاخير في ود امرىء متلون إذا الريح مالت مال حيث تميل ُ
واخيرا ً فأن الامانه العلمية تقتضي ان نعترف بأن الباحث الحقيقي في النسب والتاريخ وكافة العلوم الاخرى ذات العلاقة لايجوز له ان يأخذ الوثائق والاقوال على علاتها بل يجب بذل الجهد والاعتماد على التحليل الموضوعي والالتزام بالمنهج العلمي الدقيق في مقارنة الحقائق على اساس رصين ومتوازن على ان يكون الغرض هو الامانه العلميه وحقيقة حفظ التاريخ بشكل لايقبل التأويل ؛ وعلى هذا فالاجدر بنا ان نأخذ الحقائق من اهل الحقائق الذين نذروا وقتهم واموالهم على البحث والتدقيق والاطلاع على المصادر والمراجع الرصينه ونبتعد عن هؤلاء المنافقين الكذابين المرضى الذين دخلوا معتركات هذا العلم المبني على الصدق والامانه من الشباك متجنين طريقهُ الصحيح 0
منقول من تاريخ الهنديه - للكاتب عليوي الحسناوي .