تتهادى اسماء وسط الحقول الفسيحة تميل بقامتها الممشوقة ، تمسح بيدها على سنابل القمح ، تطير الفراشات متراقصة فوق هامتها الشامخة ... اقتربت ايام الحصاد وباقترابها تتسابق ارهاصات الاهل وتبدا الزيارات المتبادلة بالازدياد ، كبرت اسماء .. بدأت تثير فضول الاخريات ، حيثما تمر ترمقها عيون النسوة اللاهثة للبحث عن زوجة لأحد ابناءها ..
بشكل فطري ، وكأي فتاة في هذا العمر .. يجد الطيب طريقه الى اردانها وهو ما يثير فحولة الرجال .
تعرف اسماء ان العيون الجامحة ترمقها وان حضورها في مخيلة شباب القرية وافرا .. فلابد لها ان تحسن الاختيار وتحسن المسير .
سنابل القمح تحني رؤوسها وتلبس لونا اصفرا داكنا يضفي على الحقول ابجدية الفرح الابدي " الحصاد "
تعالت اهازيج الرجال وهم يلوحون بالمناجل ارتفعت اكفهم ضارعة الى الله سبحانه وتعالى تشكر نعمته عليهم ، اطلق الكثير منهم العنان لنفسه ، تعليقات ذكية ونكت ذات معنى .. امتزجت الدموع بالابتسامة تقدم كبيرهم ليحصد بيمينه اول قبضة من السنابل وكبر الجميع وتقدموا في عمق الحقول .
بين الحين والاخر نسمع اهزوجة جميلة تقول " ارضنا تدوم بالخير نزرعها حنطة وشعير " كم هي جميلة على السن المزارعين تهيأ النسوة مكانا لجمع حزم السنابل التي يسميها الفلاحون "الباثات" وكانهم اخذوا الكلمة الانكليزية " path" وكونوا منها مايعرف بالملحق بجمع المؤنث السالم تنضد الحزم بشكل دائري وتكدس فوق بعضها البعض ويسمونها الكدس وجمعها اكداس ويلفظونها "الجديس" تحمل الاكداس وتجمع مرة اخرى مكونة ما يعرف ب"المحلة"
تلوث اسماء عباءتها على خصرها المياس ، تحمل حزم السنابل التي قطفها والدها واخوتها الصغار وتنقلها الى حيث المحلة .
بين الحين والحين ترشف جرعة من الماء تروي به ظمأها وتجيل عينيها يمينا وشمالا لابد ان لها من الفراسة ما تميز به بين ادق التفاصيل الصغيرة في سلوكيات الشباب .
لم تبخل اسماء بأداء التحية او ردها على ابناء القرية الذين يصادفونها في الطريق .
يراقب الاب سلوك ابنته الجميلة اليافعة ينظرها كنبتة يانعة يضعها امام عينيه حيثما صارت وحلت .
دأب ابو اسماء على تعليم ابناءه ، يريد ان يراهم في المراكز المتقدمة في المدرسة ، لم يدخر جهدا ولا مالا .. كان جل وقته ينصب على متابعة تعليمهم في المدرسة اما الذكور منهم فكانوا على رغم صغر سنهم كأصدقاء ينتقلون معه في حله وترحاله يحرص ان يراهم في ديوانية المضيف حيث يتعلم الجميع ابجدية الحياة القبلية .
يكاد ان لا يمر يوم دون ان يستمع الى قصة جميلة فيها حكمة رائعة يرويها احد رجالات القرية ومشايخها يداوم كثيرا على الاستماع الى الاشعار العامية والدارمي والابوذية والزهيري ، يستذكرها كثيرا وكانه يحتفظ بها الى يوم مدلهم لينير بها الطريق لمن فتح عينيه واغمض قلبه
ســـــــــلاما تلتقــــــي غــــــــدا