نقلا عن اليومى..

يستحق الكثير مما نعيشه فى حياتنا اليوم أن نسبقه بكلمة «لا مؤاخذة»، تلك الكلمة التى يرددها المصريون للاعتذار، أو فى حالة الخجل من وضع قد يراه الناس مذريا، أو فى حالة الاستشهاد بكلمة، أو فعل، قد يحمل قدرا من العيب، تلك الكلمة الشعبية البسيطة والمعبرة، كانت هى مفتاح الفكرة الأكبر والأعمق للمخرج عمرو سلامة فى فيلمه «لا مؤاخذة» الذى عرض فى حفل افتتاح وداخل مسابقة مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، كما طرح بالسينمات.

الفيلم الذى يبدو للكثيرين يحمل قدرا كبيرا من المبالغة والسخرية من رفض الآخر، والقهر الذى يمارسه المجتمع على الأقليات والفئات الأقل اجتماعيا، ومحاولة التغلب على ذلك بالعنف، وفى ظنى أن عمرو سلامة اختار عن عمد ذلك الشكل الكاريكاتورى، والمبالغات، بهدف كشف الزيف المجتمعى والقهر والظلم الاجتماعى وفشل النظام التعليمى.

تبدأ الأحداث مع تعليق بصوت النجم أحمد حلمى يقدم شخصيات العمل فنحن أمام أسرة مصرية مسيحية تنتمى لشريحة اجتماعية، متميزة فى الطبقة فوق المتوسطة، الأم تعمل عازفة كمان بدار الأوبرا المصرية تجسدها كندا علوش، والأب مدير بنك يجسده هانى عادل.

علا الشافعى تكتب.. "لا مؤاخذة".. كلنا حرف كامل.. كلنا ألف بهمزة.. الفيلم يكشف القهر المجتمعى.. والمخرج يطلق طفلا ليحوله إلى "مشروع نجم" 1 (1).jpg

وطفل «هانى» علاقته بوالديه متميزة، ويدرس فى مدرسة خاصة ويجسده الطفل الموهوب «أحمد داش»، وفى لقطات واسعة تتوالى مشاهد تلك الأسرة التى تعيش فى سعادة، ويتبين أيضاً علاقة الأم بالدين من خلال رفضها الذهاب إلى الكنيسة، واكتفاء الأب باصطحاب ابنه هانى، وعلاقة هانى بالقس الذى يراه طفلا شديد الموهبة ويرغب فى ضمه إلى كورال الكنيسة كل شىء يبدو مرتبا ومنمقا، حتى ألوان المنزل والديكور تعكس تلك الحالة من الهدوء الأسرى، حيث تتداخل ألوان الأبيض مع البنى واللبنى والبيج، ولكن فجأة تنقلب تلك الحياة بوفاة الأب على مائدة الطعام تدخل الزوجة لأول مرة الكنيسة، فى جنازة زوجها ويجلس الطفل هانى غير مدرك تماماً لفكرة الموت، خصوصا وأن والدته كانت قد جمدت له السلحفاة صديقته والتى توفيت، ويسأل الطفل ببراءة، لماذا لا يتم تجميد جثة من نحب لنتمكن من رؤيته، عندما نفتقده؟

وسرعان ما تكتشف الأم محدودة الدخل أن زوجها توفى تاركا بعض الديون، وأن شقيقيه يبلغانها بذلك، وعليها أن تدبر أمورها فى إطار ما هو متاح، وتصر على ألا تحتاج شيئا من أحد، خصوصا بعد أن يبادرها أحد الأشقاء باقتراح أن تنقل ابنها هانى من المدرسة البريطانية الغالية، قائلاً: مالها مدارس الحكومة؟ وتكون هى المرة الأولى التى يسمع فيها الطفل هانى ذلك التعبير، فيسأل ابن البواب الذى تربطه به صداقة رغم فارق العمر بينهما، إنت اتعلمت فين يقول له «مدرسة حكومة»، وفى محاولة للتخفيف عن والدته يبادر هانى ويطلب منها أن تنقله إلى إحدى المدارس الحكومية، وهو ما يحدث لتبدأ التحولات الكثيرة فى أحداث الفيلم خصوصا بعد جملة الأم لابنها ماتتكلمش مع حد فى الدين! ولأن بطلنا طفل فى المرحلة الابتدائية، فهو يقرر من الأساس ألا يخبر أحدا عن ديانته خصوصا وأن اسمه هانى عبدالله.

علا الشافعى تكتب.. "لا مؤاخذة".. كلنا حرف كامل.. كلنا ألف بهمزة.. الفيلم يكشف القهر المجتمعى.. والمخرج يطلق طفلا ليحوله إلى "مشروع نجم" 1 (2).jpg

وأجمل ما فى السيناريو الذى صاغه عمرو سلامة أنه تعامل مع منطق الدراما فى الفيلم من وجهة نظر ذلك الطفل وبعقليته التى تميل إلى البراءة والمبالغة وتضخيم الأشياء، لذلك اتخذت الأحداث والأنماط المختلفة من الشخصيات التى ظهرت فى الفيلم، ذلك الشكل الكاريكاتورى بدءا من لحظة دخول هانى المدرسة الحكومية نماذج الطلبة والتلاميذ، والبلطجية وفيهم من يفرض سطوته، بمنطق أنه الأقوى فى البنيان، أو من يستند إلى سطوة أخيه البلطجى فى المنطقة، أو مدير المدرسة المغلوب على أمره، والمدرس الذى لا هم له سوى معرفة وظيفة أولياء الأمور ليعرف عدد من سيأخذون دروسا خصوصية، وهو من أجمل مشاهد الفيلم وأكثرها خفة -خصوصا عندما يبدأ الأطفال فى التعريف بأنفسهم ويقول كل منهم عن وظيفة والده، فيقول واحد منهم «لا مؤاخذة صراماتى» وآخر «لا مؤاخذة حلاق»، ويردد هانى ببراءة «لا مؤاخذة مدير بنك»، ويضحك الأطفال ويطلقون عليه اسم لا مؤاخذة، وبالطبع تتغير الصورة تماماً وإيقاع الفيلم مونتاجيا من ذلك الإيقاع الهادئ والحياة المنظمة والراقية إلى حالة من الصراع، والعنف، فى ظل قيام المخرج بكشف ذلك النظام الأخلاقى والقيمى والتعليمى المتداعى، ليبدأ هانى فى التأقلم مع البيئة الجديدة ومحاولا إخفاء ديانته ومحاولا كسب رضا زملائه ومدرسيه.

وتدور القصة بشكل كوميدى خفيف من خلال فقط اقتباس مشاهد شبه واقعية من بعض المدارس الحكومية التى وحدها تثير الضحك، ومشاهد ولقطات دخول مدرسة العلوم نيللى الجميلة، وكيف كان ينظر إليها التلاميذ وهو ضحك أقرب إلى البكاء على الحالة التى وصلنا إليها.

وما بين محاولات هانى التقرب من زملائه ولفت أنظارهم بتفوقه مرة، أو بالعنف المقابل مرة أخرى، عندما يصر على تغيير تدريبه فى النادى من التنس إلى الجودو، نجد تطور شخصية هانى وانفعالاته، حيث يرفض رغبة والدته فى الهجرة من مصر، فى محاولة منها للهروب من واقعها الاجتماعى الصعب وليس وضعها الدينى، وهو ما يتأكد فى جملة على لسانها لناظر المدرسة عندما تذهب له بعد أن تعرض هانى للضرب عندما تقول له «إحنا مش هنسمح لحد يضطهدنا».

علا الشافعى تكتب.. "لا مؤاخذة".. كلنا حرف كامل.. كلنا ألف بهمزة.. الفيلم يكشف القهر المجتمعى.. والمخرج يطلق طفلا ليحوله إلى "مشروع نجم" 1 (3).jpg

«لا مؤاخذة» لعمرو سلامة فيلم بسيط وعميق فى نفس الوقت ويكشف الكثير من عورات المجتمع وتناقضاته، خصوصا بعد التحول الثانى فى حياة بطل الفيلم عندما اكتشف أصدقاؤه ديانته الحقيقية وأنه مسيحى، ويحسب لعمرو ذلك الشكل الكاريكاتورى والذى يفجر الكوميديا السوداء فى كثير من مشاهده حتى الساذج والمتصالح منها، إضافة إلى إدارته المميزة للممثلين وتحديدا الأطفال الواعدين سواء من جسد دور البطل، والمراهق الذى جسد دور «على» ابن حارس الأمن زميل هانى فى الفصل والذى قام بضربه مع موسيقى هانى عادل المميزة وأغنيته «ألف من غير همزة».

فى النهاية.. كلنا مواطنون نعيش فى نفس الوطن وعلى نفس الأرض وجميعا نستحق أن نكون ألف بهمزة وليس منقوصة.

علا الشافعى تكتب.. "لا مؤاخذة".. كلنا حرف كامل.. كلنا ألف بهمزة.. الفيلم يكشف القهر المجتمعى.. والمخرج يطلق طفلا ليحوله إلى "مشروع نجم" 1 (4).jpg

علا الشافعى تكتب.. "لا مؤاخذة".. كلنا حرف كامل.. كلنا ألف بهمزة.. الفيلم يكشف القهر المجتمعى.. والمخرج يطلق طفلا ليحوله إلى "مشروع نجم" 1 (5).jpg
لمزيد من أخبار الفن..

سانجاى دات يصلى أمام العدسات من أجل شفاء زوجته

نشوى مصطفى: لن يتم تغيير سيناريو "أنا وبابا وماما"

بالصور.. عدوية وحماقى فى عزاء والد محمد محيى وغياب كامل لجيل المطرب



أكثر...