رواية لم يحدد لها عنوان 8

[د. عواد الخالدي]

رواية لم يحدد لها عنوان 8

كما ينتفض الطائر, حين يبتل ريشه بالمطر, اقشعرت افئدة الرجال وهي تنصت الى الاحاديث التي تروي وقائع الايام الاولى للحرب. المزارعون البسطاء يغيرون اسلوب حياتهم, ونمطيتها. الدعوات الى خدمة الاحتياط مستمرة, وتيرة الخطاب الاعلامي تؤثر كثيرا في الذات الانسانية.
اتسعت الجلسات التي تتحدث عن هذا القادم الجديد, فهناك من يرى ضرورتها, والبعض الاخر يرى وجوبها, وقلة تلك التي تعبر عن رفضها, لا يعرف الكثيرون كيف بدأت الحرب, ومن اشعل فتيلها, هل كان ذلك فعلا صراع الحضارات؟ ام صراع الاديان, ام تراه صراعا اقتصاديا بحتا؟ هل كان هناك من هو اسير النظرة المتعالية, الذي يطمح الى قيادة المنطقة؟ وهل كان لأطراف خارجية ايد خفية تؤجج لهذه المحرقة؟
ما حقيقة ما يجري؟ وكيف استثمرت المشاعر الدينية في تلميع صورة الحرب لادامتها؟ او للتعبير عن رفضها؟
ما هي الاحطاء التي رافقتها؟ وهل حقا كانت هناك اخطاء قاتلة لا يمكن معالجتها او تجاوزها؟
رمى اكرم عقب سيجارته بعصبية واضحة وهو يجيل النظر في الوجوه الوجومة. فلم يعد هناك مجال لتدارك الامر , لقد استعرت الحرب ودارت على اقطابها الرحى.
يستنفر ابو همام كل الجهود لاتمام مراسم عرس همام, يريد ان يقدم شيئا يليق بزواج ابنه البكر. تدارس ابو همام الامر مع علية القوم, اشار اغلبهم عليه ان لا يبالغ بهذه المراسم. انهم مزارعون بسطاء, وامكاناتهم الاقتصادية محدودة , ومن الافضل ان يتم تاثيث البيت بما يليق بالابن البكر همام وزوجته اسماء, بدلا من انفاق مبالغ كبيرة على فرقة موسيقية ووليمة تذهب ويبقى ذكرها بين الناس غير متفق عليه.
زفت اسماء بسيارة تزينت بالزهور, واكبتها ثلاث او اربع سيارات من بيتها الى بيت همام الذي استقبلها على صهوة جواد ابيض, كان يعشقه كثيرا, ولطالما امتطاه في مثل هذه الايام.تقدم ابو همام من ابنه وتكلم معه بنبرة توحي بالغلظة, طلب منه ان يظهر بمظهر الرجل الواثق من نفسه وهو يتقبل التهاني من رجال القرية وشبانها.
تعالت زغاريد النسوة, وابتنى همام باسماء بيت الزوجية. في هدأة الليل جلست ام همام , ابحرت مليا في وجه ابي همام الذي غط في نوم عميق وكأن سيماء وحهه الباسم قد اعطاها انطباعا بالطمأنينة. ارتسمت على محياها ابتسامة حزينة وعادت الى نومها.
كان لآذان الفجر هذا اليوم معنى , وطعم خاص, فقد احتضن هذا البيت عروسا جميلة, نشرت السعادة بين افراد الاسرة. استيقظت العائلة عن بكرة ابيها, وبعد انتهاء الصلاة , علت الزغاريد , حضر الجيران تسبقهم النسوة بالهلاهل, انها اشارة الى دخول الرجل بزوجته, وانها كانت باكرا.
كانت لظى الحرب تزداد سعيرا, مضى على زواج همام اربعة اشهر, الحبور يفيض على ارجاء البيت وساكنيه, افراح تتلوها افراح, فقد تأكد لأسماء انها حامل. بادرت الى عمها ابي همام باستحياء وهي تزف له البشرى, انه الحفيد القادم. عقدت الفرحة لسان ابي همام , او هكذا تخيل لزوجته التي علمت بالخبر قبله, وفجأة اخذ اسماء بيديه , احتضنها , قبل رأسها, رفع رأسه الى السماء , امسكت اسماء بكف عمها تقبله. كان لوقع الخبر على ابي همام تأثيرا هستيريا, اخذ يتلفت يمينا وشمالا, سقطت دمعة من عينه المتألقة كأنها اللؤلؤ في صفائها " الحمد لك يا الهي ... الحمد لك ... الحمد لله.." ان كان ولدا اسميه " جهاد" وان كانت بنتا اسميها خنساء, الحمد لك يا رب ... الحمد لله.
كم كان للحرب تأثيرا على تصرف ابناء القرية؟
سلاما, نلتقيكم مجددا ان شاء الله

المصدر: منتديات عراق الخير والمحبة - من قسم: منتدى الادب الروائي والقصصي