ازمة الفكر العربى مع الموروث - بقلم الكاتب / طارق فايز العجاوى


* ـ فى الواقع أن هناك ازمة حقيقية فى التأليف الفلسفى لأن المشتغلين بهذا الصنف من أمة العرب دائماً يكررون دون أدنى اضافة جديده سواءً فيما يتعلق فى الذاهب أو فيما يتعلق من مستجدات متعلقة فى التقدم العلمى وسلفاً يدرك كل دارس لهم أنهم يقعون فى قضية غاية فى الخطورة ألا وهى الخلط بين العلم والمعلومة وشتان ما بينهما وهذا يعود لعدة اسباب اهمها على الاطلاق التخصص الذى بدوره يلغى التخبط والخلط وبالتالى يحدث هذه الازمة التى يعانى منها الفكر العربى تحديدا والشى بالشى يذكر (كتبت مقالاً عن الاعتزال فى احدى الصحف الأردنية منذ زمن وهذا موثق عن الاعتزال وتناولت فيه اصل التسمية ولم يرق للبعض ذلك مع العلم ان التجرد فى البحث قد يوصلك لذات النتيجة) هذا مثالاً سقته يدلل على ما اشرنا له انفا ليس فالتانى والقراءة للاراء بموضوعية وتجرد قد توصل الى الحقيقة التى يبغاها كل باحث لان البناء على خطاء حكما سيورث الخطاء وهذا اصل العلة ربما لا يستطيع احدا ان ينكر الغاية والهوى فى النفس أو تغليب رأى على اخر وهذا هو الاجرام بعينه لأنه يقلب الحقائق وشوه وجه التاريخ لذلك ترى التجبط وتعدد الاراء الغير محمود حكماً والذى يطمس الواقع ويشوه أيضاً فمفكرى الغرب يستندون على مثل هذه الدراسات لتشويه وجه التاريخ وهم يعلمون كنه من صاغوا فالحذر من الاعتماد على ما يخطون لذلك نشاءت تيارات الاستشراق والاستغراب وهذه لا تخفى على احد مقدمة كان لا بد منها لارتباطها الوثيق بموضوعنا ونرجو من الله ان نجانب الهوى والغاية التى تؤدى الى الجنوح عن جادة الحق والصواب ونساله جلت قدرته ان نضع الامور فى نصابها والنقاط على الحروف فغير المنقوط لا يقراء جيداً ويودى بالحقيقة دراسة فى الفكر العربى علماً بقلة المصادر التى يمكن الاعتماد عليها لدراسة هذه المرحلة والتى تناولت اوضاع العرب قبل رسالة الإسلام وبشكل تفصيلى ودقيق ليس امامنا الا الاعتماد على الكتب السماوية وهى القرآن الكريم والتوراة واعتماد ما رواه رواة الاسلام واشعار تلك الحقبة انفسهم فكما قيل الشاعر مؤرخ وفعلا كانت توثق ما كان سائد عندهم فى تلك المرحلة وما وصل الينا من كتب الرومان واليونان وأخيراً الاكتشافات الاثرية فى اليمن (الحميرية) وفى دمشق (موقع الصفا) تلك هى المصادر التى يعتمد عليها كل من يبحث بهذه الحقبة من تاريخ العرب والتى تمتد منذ الظهور الى الهجرة النبوية المباركة عام 622 - قطعاً لا تتناول أدق التفاصيل - على كل الاحوال أن استقراء النقوش واللقى الاثرية يفيد فى التدليل على انه كان لعرب الجاهيلة حضارة ذات قيمة فها هو (هومل) يقول فى كتابه مصادر الشعر الجاهلى وقيمتها التاريخية ان الحضارة العربية الجنوبية بالهتها ومذابحها ذات البخور ونقوشها وحصونها وقلاعها لا بد ان تكون مزدهرة متحضرة منذ الالف الأول قبل الميلاد .
على كل الاحوال بلاد العرب اقامة علاقات بحضارات العالم شاء من شاء وابى من ابى التى كانت موجودة انذاك وساعد على ذلك موقعها الجغرافى باعتبارها واسطة العقد بين امم العالم - لذلك كانت مطمع لأى غاز - فقامت الصلات بين الشرق والغرب وكانت الممر للقوافل التى تركت اثراً واضحاً بهذا المرور فى بلادنا سواءً على الصعيد الثقافى أو الحضارى وبالعادة كما يعلم الجميع ان الاختلاط يترك اثرا وعلى كافة الصعد، وعليه نجد ان عرب الجنوب اقاموا التجارة بين الهند ومصر ودول فيما كان يعرف ببحر الروم واقاموا فيها ايضا مستعمرات فى شمال الجزيرة العربية التى اصبحت فيما بعد دول ذات قيمة كعرب تدمر وانباط البتراء ولخمييى الحيرة وغساسنة بصرى ومن هؤلاء كان ايضا فى الحجاز ال يثرب وفى نجد ال كندة، فهذا الموقع الجغرافى الوسط جعل بلادنا هدف لكل طامع فمن الجنوب قصدها الاحباش والهنود ومن الشمال الروم والاراميون والمصريون وهذه كله يؤدى بالتالى الى التمازج المدنى والحضارى أذن سادت بلاد العرب تيارات فكرية عديدة لا بد من التعريج عليها فى معرض بحثنا فى نشاءة الفكر العربى كما اشرنا فى الجزء الثانى سادت بلاد العرب تيارات فكرية عديدة لابد من التعريج عليها فى معرض بحثنا فى نشاءة الفكر العربى .
- (العقائد) وهذه اخبرنا عنها القرآن الكريم وأيضاً الكتابات الجاهلية والإسلامية وكما هو معروف كانت ديانات العرب فى الجاهلية اليهودية والنصرانية والوثنية .
- (اليهودية) فهى موغلة القدم فى بلاد العرب ودخلتها فى زمن إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام وقد جاءها اليهود مهاجرين بعد دمار الدولة اليهودية وهذا دعاهم لانشاء جاليات فى اليمن والحجاز والشمال .
- (النصرانية) فقد دخلت بلاد العرب منذ عهد الرسل خلفاء المسيح وانتشرت انتشارا واسعا فى جميع انحاء الجزيرة ودان بها عددا ليس بقليل من ابناء القبائل .
- (الوثنية) فقد كانت السائدة فى بلاد العرب لذلك جاءت اليهودية والنصرانية وحاربتها والوثنية التى سادت فى جنوب شبه الجزيرة قامت على اساس فلكى تعبد القمر الاله ود وتعد الشمس زوجة له وعشتر اى الزهرة ابنا لهما .
ـ معارفهم : شمل الفلكى والطبيعى فعرفوا السيارات السبعة وابراج الشمس ومنازل القمر ولقد قسموا السنة إلى أثنى عشر شهراً قمرياً وقبل ظهور الإسلام بنحو مئتى سنة تعلموا كبس الشهور كل ثلاثة اعوام شهرا واحدا ولقد قسموا الشهر الى اسابيع والاسبوع الى ايام (اوهد، اهون، جبار، دبار، مؤنس، عروبة، شيار) .
ـ معارفهم الطبية : عرفوا التداوى بالاعشاب من خلال دراسة فوائدها وعرفوا أيضاً الكى والفصد اضافة الى الرقى والتمائم والعزائم ومصادر طبهم تجاربهم ونقلهم عن الهنود والفرس والسريان ونذكر من اشهر اطبائهم لقمان الحكيم وابن حذيم والحرث بن كلدة .
ـ المعتقدات والاساطير : (الميثولوجيا) فقد شاعت فى العصر الجاهلى وانتشرت كاعتقادهم بالجن والسعالى والغيلان والقرناء وعرفوا الكهانة والسحر وذكروا مواطن الجن عبقر وان للجن مطايا .
مع ظهور رسالة الإسلام ونزول القرآن الكريم الذي جاء بتشريعات ناظمة لكافة مناحي الحياة، وكما هو معلوم أن كتاب الله قسمان : المكي والمدني، أما المكي فجاء مبيناً اصول الدين والدعوة وحاضاً على مكارم الأخلاق اما القسم المدني فجاء بأصول الأحكام وتشمل التشريع الديني والسياسي والإجتماعي .
وعليه فقد نظم القرآن الكريم حياة المجتمع بشكل عام ونقلهم من النمط البدائي القبلي إلى مجتمع منظم كل ما فيه نابذاً كل العادات والتقاليد السيئة وحاضاص على فضائل الأخلاق الإسلامية، وبالتالي كان الضابط الإنساني السامي الذي نظم الحياة بقضها وقضيضها .
وتلته السنة الشريفة التي تعتبر من مصادر التشريع وهي المصدر الثاني بعد كتاب الله التي يلجأ لها في الوصول للأحكام والسنة هي (كل ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة) اما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وقد اتسعت رفعت الإسلام وامتدت ساحة انتشاره هذا بالضرورة ادى الى ظهور بعض المشاكل من سياسية واجتماعية وحتى شخصية عندها اخذ المسلمون يبحثون عن حلول وأول ما لجأوا له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اطلق على المتمسكين بالسنة النبوية بداية الأمر اهل السنة واطلق على من يخالفها أهل البدعة وفي هذه المرحلة نشأ علم الحديث وهدفه جمع كافة احاديث الرسول عليه الصلاة والسلام سواءاً كانت افعالاً أم اقولاً أم تقريراً إلى جانب اعمال الصحابة أيضاً، وجمع الحديث بداية عن السنة الصحابة ومن ثم عن السنة التابعين ثم السنة تابعى التابعين والمعروف ان الحديث يتكون من قسمين هما : المتن وهو موضوع الحديث، والاسناد وهو أن يقول المحدث حدثناً فلان عن فلان إلى وصوله للرسول عليه الصلاة والسلام .
وغير خاف على احد ان الخلافات بشتى صنوفها فى الاسلام ادت الى دس الالاف من الاحاديث المنتحلة وهى بالقطع الهدف من وضعها الاساءة الى الاسلام ورسوله وهذا الأمر شغل بال علماء الحديث بخصوص الصحيح والمنحول .. وكان جمع الحديث فى البداية فى اتجاهين المستندات وهى بيان من اسندت اليهم المصنفات .. وهى تتم وفق موضوع الحديث اما علم الفقه فغايته وهدفه الاسمى هو شرح النص القرآنى حقيقة لا بد من التعريج عليها .
ادى اتساع رقعة ارض الاسلام وترامى اطرافها الى اختلاط وتفاعل وامتزاج المسلمين مع غيرهم من الشعوب وخصوصاً اولئك الذين اعتنقوا الاسلام وأيضاً اتساع مساحة العلاقة بين المسلمين وغيرهم هذا جعل القواعد التى بنيت عليها الاحكام بطبيعتها غير كافية مما ادى الى ايجاد معايير جديدة واسس تضاف الى الاسس التقليدية .. فدولة بنى العباس مثلاً قامت على اكتاف الفرس - البعض يرفض هذا الطرح - ولكن هذه هى الحقيقة وكان اعتمادهم على غير العرب فى ادارة شؤونهم ووضعوا شعار (لا فضل لمسلم على مسلم إلا بالتقوى) وجمعوا بين السلطة الدينية والمدنية بعكس خلفاء بنى امية وقربوا منهم رجال الدين بهدف جمع النصوص الفقهية وتصنيفها وبذلك ظهرت المصنفات الفقهية كما ظهرت المذاهب وعلى اثر ذلك برزت الاتجاهات الفكرية فكان التقليدى المحافظ وكان التيار الداعى الى اعمال العقل واستخدام القياس واعتماد الراى واتباع الاصول الدينية، وخلال هذه الفترة ظهرت المذاهب الفقهية فمنها ما ثبت ومنها ما زال وتلاشى وكان سبب ذلك يعود اما لتشددها فى التزام حرفية النص ورفضها التاويل أو الاخذ بالراى كالظاهرية وأما يعزى سبب الزوال والتلاشى لعدم وجود الشخصية الفذة التى تنافح عن هذا المذهب أو ذاك .
ونذكر من المذاهب التى تلاشت مذهب الإمام الاوزاعى وسفيان الثورى وابن جرير الطبرى وغيرهم اما المذاهب التى صمدت وثبتت وما زالت الى يومنا هذا فهى المالكى والشافعى والحنبلى والحنفى .
(الفرق الإسلامية) وعلى اثر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم نشأت ازمة شديدة على اعتبار لم يعين الرسول خليفة له قبل وفاته فتدارك الأمر عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" وبايع أبو بكر الصديق وتبعه الكثير من الناس إلى أن الإمام علي "رضي الله عنه" كان يرى انه الاحق بالخلافة على اعتبار انه ابن عم الرسول وزوج ابنته وهو أيضاً أول من امن بالرسالة ومع ذلك قبل بخلافة أبو بكر الصديق دفعاً للإنقسام والإنشقاق وكان حكم ابو بكر سنتين واوصى بالخلافة من بعده عشر سنوات وفي هذه الفترة وتض اركان الدولة ومن بعده عثمان ولم يكن بقوة عمر وبالتالي نشأت الفتن والحركات وظهرت خلال هذه الفترة فكرة حق آل البيت بالخلافة إلى أن هذه الفتن اودت بعثمان فقتل في منزله وبويع بعد ذلك الإمام بن علي كرم الله وجهه وثار عليه طلحة بن عبيدالله ومعاوية بن ابي سفيان وانضمت فيما بعد عائشة "رضي الله عنها" إلى معارضي علي بجوار البصرة فهاجمهم الإمام وكانت معركة الجمل سنة 656 وقتل طلحة والزبير واما معاوية فكان عندها واتهم علي بمقتل عثمان وهذا ألب الكثيرين واشتدت بينهم الخصومة بين الكوفة ودمشق وعلى اثر ذلك وقعت معركة صفين عام 657 على ضفاف الفرات شمال مدينة الرقة وكاد أن يكون النصر لعلي واشار عمر بن العاص على معاوية برفع المصاحف على الرماح وعندها توقف القتال ورضي الإمام بالتحكيم وناب أبو موسى الأشعري عن علي وعمرو بن العاص عن معاوية وكان ان خسر الإمام في هذا التحكيم وعلى اثر ذلك خرجت عليه فئة من اعوانه عرفوا بـ (الخوارج) وهكذا برزت فرقتان قويتان هما فرقة (الخوارج) وفرقة انصار علي وهم (الشيعة) وتتالت بعد ذلك ظهور فرق كثيرة ومتعددة كالمعتزلة وإخوان الصفا .. الخ .
فتعددت الاراء و المواقف وهذا باعتقادي كان البداية الحقيقية لبزوغ فجر الإسلامي الحق والصحيح إذن حملت رسالة الإسلام الفكر الفلسفي الصحيح لأمة العرب .
وللبحث بقية بعونه تعالى