العباسيون في فارس
خضعت إي ا رن )بلاد فارس( للحكم العربي لأكثر من ستة قرون منذ بداية القرن الأول
واستمر الحكم العربي ، الهجري حيث فتحت في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
الإسلامي لها في العهد الأموي ثم العباسي الذي كان له النصيب الأوفى من المدة الزمنية في
السيطرة على تلك البلاد إذ تجاوز حكمهم لها أكثر من خمسة قرون.
وقد أولى العباسيون بلاد فارس منذ توليهم الخلافة أهمية قصوى، حيث كانت القبائل
العربية القاطنة بها من أهم القبائل التي ناصرت الدعوة العباسية منذ نشأتها كما شاركت في قتال
الأمويين عند قيام الثورة بشكل فاعل ومؤثر) 1(. وكانت تلك القبائل تعد العصب القوي للدولة
ويمثل أف ا ردها غالبية قادة وجنود الجيش العباسي، هذا من جانب، ومن جانب آخر ما يمثله
الموقع الجغ ا رفي لفارس بالنسبة للدولة الإسلامية حيث كانت تعد إحدى خطوط المواجهة الأولى
آنذاك في الدفاع عن الدولة من هجمات الروم على حدودها الشمالية والخط الثاني بعد خ ا رسان
بإ ا زء الهنود والصينيين المتاخمين لحدودها الشرقية، والمسألة الثالثة لكثرة ما كان يحدث فيها من
قلاقل وفتن وحركات تمرد من بعض الأقليات والجماعات التي لم تدخل الإسلام بعد وحتى من
بعض الجماعات الحديثة عهد بالإسلام إذ أنه لم تكن بعد قد ترسخت لديهم المفاهيم الإسلامية
الصحيحة فيما قبل قيام الخلافة العباسية، فكان لا بد للخلفاء العباسيين من تواجد قوي سياسياً
وعسكرياً بتلك البلاد، الأمر الذي دفع الخلفاء العباسيين منذ قيام دولتهم أن يو ل وا على بلاد فارس
أم ا رء من أكابر رجال البيت العباسي وأقربهم للبيت الحاكم، فنجد الخليفة أبا العباس السفاح يولي
عمه الأمير عيسى ابن الإمام علي السجاد إمرة فارس والذي استمر والياً عليها حتى عهد
المنصور، كما ول ي عليها كذلك الأمير إسماعيل بن علي السجاد في خلافة المنصور أيضاً،
وقلد إمرتها كذلك الخليفة محمد المهدي زمناً طويلاً عندما كان وليًّا للعهد في خلافة والده
1( يزعم بعض المؤرخين أن الثورة العباسية قد اعتمدت على الفرس وذلك بدافع التقليل من شأن العرب في قياام (
الدولاة العباساية وقياادة نهضاة الحضاارية الإسالامية ، ولتجييار الفضال للفارس علاى حسااب العارب، والحقيقاة
التاي يعلمهاا أقال مان لاه علام بالتاارين باأن العارب كاان لهام الادور الارئيس والكبيار فاي الادعوة العباساية فاي
طوريها السري والجهري إذ إن جميع نقباء الادعوة العباساية والادعاة ودعااة الادعاة بخ ا رساان والكوفاة كاانوا مان
رجال القبائل العربية بل من شيوخها ورؤسائها مثل قبيلة طيء، وخ ا زعة، وتميم، وغيرها والتي كانت جميعهاا
مستوطنة في )خ ا رسان( منذ القرن الإسلامي الأول، كما أنه من الملاحظ أن الكثير من المؤرخين يخلط بين
خ ا رساان، وفاارس، والحقيقاة أن خ ا رساان إقلايم مساتقل عان فاارس مناذ القادم وهاو الياوم يعار باا )أفغانساتان(،
وجازء بسايط مناه احتال مان قبال الفارس زمان الصافويين، وهاو يقاع الياوم فاي الأ ا رضاي الفارساية، والخلاصاة
فإنه لم يكن للفرس لا من قريب ولا بعيد أي صلة بالدعوة العباسية أو بعد قيام الدولاة ولاو كاان هنااك بعاض
مجهود من السكان المحليين في خ ا رسان فهي خارج حدود فارس الجغ ا رفية.
المنصور، وفي عهد أمير المؤمنين الرشيد قُلد ولايتها الأمير محمد بن سليمان ابن الإمام علي
السجاد.. واستمر العباسيون في هذه السياسة طيلة العصر العباسي الأول.
وتطبيقاً لمبدأ العدل الإسلامي والمساواة بين فئات المجتمع الواحد مهما اختل لونه أو
جنسه، فقد عمل العباسيون على صهر المجتمع الفارسي في بوتقة المجتمع العربي المسلم،
فأدخلوا الكثير منهم في الخدمة بالدولة حتى نال العديد منهم المناصب الرفيعة، وقدموا إلى بغداد
وغيرها من العواصم العربية على شكل موجات لتلقي العلم والأدب إلى جانب الكسب، حتى أبدع
منهم الكثير في العلوم العربية واللغة وغيرها من العلوم السائرة عند الع رب، وأنتج ذلك التمازج
الكثير من المفكرين والأدباء في شتى المعار .
كما كان العكس أيضاً فقد ازدادت الهجرة العربية إلى إقليم فارس بسبب قربه القريب من
العاصمة العباسية بغداد، وأقام به الكثير من المحدثين الأعلام وكبار الفقهاء، والأدباء العرب،
الذين استوطنوه وجعلوه دار مقام لهم، كما عملت الدولة العباسية على تعيين الكثير من القضاة
من رجال البيت العباسي لإقليم فارس، بل وشجعت العلماء والفقهاء والمحدثين على الاستق ا رر في
ذلك الإقليم لنشر العلم والمعرفة والدعوة إلى الله حيث أن السواد الأعظم من الفرس كما ذكرنا
آنف اً لم يكونوا قد دخلوا في الإسلام فيما قبل قيام الدولة العباسية، كما أن الحديثين عهداً بالإسلام
منهم كانوا يحتاجون إلى تصحيح مفاهيمهم إذ أن غالبيتهم قد اتبعت المذهب الشيعي المخال
لمذهب الدولة الرسمي وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
وفي ظل هذا التمازج بين المجتمعين العربي والفارسي حققت الدولة الإسلامية نقلة علمية
حضارية عظيمة في شتى المجالات لم يشهد لها التارين مثيلاً من قبل، بفضل السياسة التي
اتبعها الخلفاء العباسي ون، كما حقق هذا التمازج على المستوى الاجتماعي قوة ت ا ربط بين أف ا رد
المجتمع المسلم الواحد وصلت حد المصاهرة بين العرب والفرس، فنجد أن الكثير من الخلفاء
العباسيين أنفسهم تزوجوا بفارسيات، وأنجبوا منهن وكن أمهات ومرضعات لبعض الخلفاء أيضاً..
وقد كان الكثير من خلفاء بني العباس يقيمون مدة طويلة خلال فت ا رت حكمهم ببلاد فارس، إما
بسبب م ا ربطتهم بها استعداداً لشن الغزوات الجهادية على الروم أو لإدارة المعارك منها لقربها
إلى بعض جبهات القتال حتى أن أمير المؤمنين هارون الرشيد أكثر الخلفاء العباسيين شهرة قد
ولد بمدينة )بالري( وهي مكان )طه ا رن( اليوم أو على مقربة منها، وتوفي ببلاد فارس أيضاً وقبره
لا ي ا زل معروف اً هناك بمدينة )مشهد(، وهي من نواحي )طوس( والى جانبه دفن علي بن موسى
العلوي) 1(. وكان من الطبيعي أيضاً أن يسكن العديد من أبناء البيت العباسي وأم ا رؤهم في تلك
محباً ومقرباً لعلي بن موسى العلوي فلما توفي أمر المأمون بأن يدفن إلى  1( كان الخليفة عبد الله المأمون (
جانب أبيه الرشيد رضوان الله عليه تكرمة من المأمون له.
البلاد التي كانت تعد ضمن حدود ملكهم، واقليماً من أقاليم دولتهم الشاسعة، لذا فقد أقام بها
الكثير من أبناء الخلفاء والأم ا رء العباسيين منذ القرن الهجري الثاني واستوطنوها بكثرة، وامتلكوا
بها القرى والبساتين الشاسعة وذلك لقربها القريب من بغداد عاصمتهم، وقد أعقبوا بها الكثير من
الذرية شكلت عبر العصور عشائر وقبائل كثيرة وبخاصة في المناطق المتاخمة للحدود الع ا رقية
الإي ا رنية مثل الأحواز، وغيرها، وكذلك على الساحل الشرقي للخليج العربي، كما انتشر منهم
الكثير من العشائر أيضاً بشرق إي ا رن في إقليم )خ ا رسان() 2(، وقد برز في بلاد فارس منذ صدر
الإسلام الأول وخلال فترة حكم الدولة العباسية وما بعدها أي لفترة تزيد على السبعة قرون الكثير
من العلماء الأعلام من رجال البيت العباسي، ومن يطلع على بعض كتب الت ا رجم، والسير يجد
أنها متضمنة لت ا رجم الكثير من أعيان العباسيين الذين اشتهروا في بلاد فارس كقضاة، ومحدثين،
وفقهاء، وأدباء، وشع ا رء، وقد ترجم لهم المؤرخون على أساس أنهم من أعلام تلك البلاد. بل تجد
ملحقاً بلقب البعض منهم على سبيل المثال فلان بن فلان العباسي الحويزي، أو فلان العباسي
الأهوازي وهكذا.
والجدير بالذكر أن جميع البيوتات العباسية التي استوطنت بلاد الفرس منذ العصر العباسي
الأول واستقرت به حتى زماننا هذا لم يجنح أي من أف ا ردها على الإطلاق عن مذهب أهل السنة
والجماعة، بل كانوا وما ا زلوا متشددين إلى أبعد الحدود بسنيتهم، وكانوا إلى عهد قريب يمثلون
الزعامة الروحية لأهل السنة رغم ما يتعرض له الكثير منهم من اضطهاد مذهبي بدأ مع حكم
إي ا رن من قبل الشيعة في زمن إسماعيل شاه الصفوي) 1(، ومن بعده في زمن نادر شاه الأفشاري
أيضاً، وما ا زلوا يتعرضون حتى زماننا هذا للاضطهاد الديني هناك، وجل العباسيين في تلك
البلاد يتبعون المذهب الشافعي وكذلك الحنبلي، وأما عاداتهم وتقاليدهم فهم متمسكون بقوة بلغتهم
العربية، وأيضاً بكل القيم والعادات والتقاليد العربية الأصيلة، وهم لا يختلطون كثي ا رً مع الأعاجم
كما أنهم ملتزمون بعدم الت ا زوج والمصاهرة من غير العباسيين.
وأما القبائل والعشائر العباسية التي ما ا زلت تقطن بلاد فارس في عهدنا هذا فهي كثيرة
جداً، وسو نأتي هنا على ذكر بعض منها
2( إقليم خ ا رسان عندما استوطنت بعض البيوتات العباسية هذا الإقليم، لم يكن يعد تابعاً لبلاد الفرس في ذلك (
الزمن، وهو جزء مستقطع من بلاد )خ ا رسان( التي تعر اليوم با )أفغانستان( وقد ضم الإي ا رنيون جزءاً منه
لأ ا رضيهم في العهود المتأخرة وأطلقوا عليه نفس التسمية التاريخية القديمة له.
1( إسماعيل شاه الصفوي هو أول من جعل مذهب أهل الرفض مذهباً رسمياً للدولة الفارسية، وحارب (
العثمانيين السنة من أجل رغبته في فرض المذهب الشيعي على بقية العالم الإسلامي.
أ بنو الأمير سليمان:
وهم ذرية والي البصرة والأهواز الأمير سليمان ابن التابعي الجليل الإمام علي السجاد ابن
الصحابي الجليل عبد الله حبر الأمة وترجمان الق آ رن ابن الصحابي الجليل أبو الفضل العباس ذي
وهم يتفرعون إلى عدة عشائر وبيوتات كثيرة منتشرة بمنطقة نهر العباس) 1(، وغيرها من ، ال أ ري
قرى ومدن إقليم الأحواز المعرو اليوم )بالمحمرة(، وقد برز منهم الكثير من العلماء والفقهاء
والمحدثين والأدباء، منهم العالم الفقيه الجليل وشاعر الزهد الشري أبو العباس أحمد المعرو
بالحويزي بن محمد بن محمد بن سليمان بن عبد الله العباسي) 2( ومنهم أيضاً الإمام المقرىء
والأديب الشري أبو علي الحسن المعرو بابن الحويزي ابن أحمد العباسي) 3( وكثيرون غيرهما.
ب بنو الأمير صالح:
وهم ذرية الإمام الفقيه الجليل والمحدث الثبت الثقة القاضي الشري محمد ابن أحمد بن
يعقوب بن أحمد بن محمد بن عبد الملك بن صالح ابن التابعي الجليل الإمام علي السجاد
العباسي، وكان القاضي محمد بن أحمد الموما إليه أول من سكن بلاد فارس من بني الأمير
صالح في أواخر القرن ال ا ربع الهجري حيث قلد القضاء با )دسكرة الملك( الواقعة على طريق
خ ا رسان، وهي اليوم بين مدينة الطالقان، وطوس، وتعر ذريته هناك بآل العباسي، وهم كثيرون
جداً ويتفرعون إلى عدة عشائر، ويقطن قسم منهم بمدينة الطالقان وجلهم حنابلة متزمتون.
ج بنو إسماعيل:
وهاام أصااحاب )دولااة العباساايين() 1( التااي قاماات علااى السااحل الشا رقي للخلاايج العربااي فااي
القرون المتأخرة، وهم عقاب الأميار إساماعيل بان حمازة بان محماد بان أحماد بان هاارون بان مهادي
بان مرشاد بان محماود بان أحمااد بان علاي بان مباارك بان عبااد السالام السالام بان ساعيد بان عبااد
الرحمن بن طلحة بن أحماد بان إساماعيل العباساي الهاشامي، ويتصال نسابه الشاري بالإماام علاي
. السجاد بن الصحابي الجليل عبد الله حبر الأمة بن العباس
1( نهر العباس منسوب إلى الأمير أبي العباس أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان العباسي الحويزي. (
2( توفي بالأحواز، ودفن بمنطقة نهر العباس في حدود سنة ) 555 ها(، انظر ترجمته في الفصل الثاني من (
هذا الكتاب، وكذلك في كتاب الوافي بالوفيات للصفدي. ج 7، وكتاب شع ا رء بغداد للخاقاني ج 1. ص
.55
3( توفي رحمه الله بواسط بالع ا رق في سنة 573 ها، انظر ترجمته في الفصل الثاني وكذلك في المستفاد لابن (
. الدمياطي رقم الترجمة 55 . ص 99
1( انظر عن نشأة دولة العباسيين بالساحل الشرقي للخليج العربي التي كانت في الفترة من ) 1505 ها ا (
1307 ها( في الفصل الأول.
وكان الأمير إسماعيل بن حمزة قد قدم إلى بلاد فارس في منتص القرن السابع الهجري،
متخذاً مدينة )خنج( بالمنطقة الجنوبية لفارس والمطلة على الخليج العربي مق ا رً له، وبعد أن
استقر به المقام بها قام بواجبه كأسلافه العباسيين بتصدر التدريس وتعليم الناس أمور دينهم إلى
أن توفاه الله، ولم يزل بنوه وأحفاده من بعده على ذلك حتى برز من عقبه الإمام العلامة عبد
القادر بن حسن بن محمد العباسي الذي أسس دولة العباسيين على طول الساحل الشرقي للخليج
العربي في سنة ) 1505 ها(، والذي يقع الآن تحت الإحتلال الفارسي.
وينقسم بنو الأمير إسماعيل إلى عدة أفرع وأفخاذ منتشرة في المدن والقرى والجزر على
طول الساحل الشرقي للخليج العربي من مضيق هرمز إلى الحدود الع ا رقية، وخاصة في مدن
)بستك، وخنج، ولنجة، ولار، وكوهج، وأنجيرة، وعوض( وغيرها، ومن أشهر أفرعهم اليوم في
فارس
أ آل عبد القادر:
وهم عقب الإمام العلامة الأمير عبد القادر بن حسن بن محمد الأصغر بن محمد الأكبر
بن أحمد ناصر الدين بن محمد بن جابر بن إسماعيل بن عبد الغني ابن إسماعيل بن عبد
الرحيم بن عبد السلام بن العباس بن إسماعيل بن حمزة العباسي، وهم يتفرعون إلى عدة أفخاذ
منهم )آل محمد ا وآل محمد سعيد ا وآل عبد السلام ا وآل عبد الله(.
ب آل إسماعيل:
وهم ذرية إسماعيل بن حسن بن محمد الأصغر، ومنهم يتفرع )آل محمد ا وآل عبد الواحد ا
وآل حسن(.
ج آل أحمد:
وهم عقب أحمد بن حسن بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد الأصغر. وقد عاد الكثير
من أفرع بني الأمير إسماعيل العباسي إلى الجزيرة العربية بالمملكة العربية السعودية، كما ولهم
أفرع عديدة منتشرة في البحرين، ودولة الإما ا رت العربية، وقطر.
القبائل والبيوتات العباسية في العالم