لم تكن الإعاقة يوماً حاجزاً أمام انتصار الإرادة البشرية على التحديات، وأكبر دليل على ذلك النجاحات التى يحققها فاقدو البصر بالعالم العربى فى المجالات العلمية والعملية، لكن أن يقوم المكفوفون بطباعة أغلب الكتب التى يقرأونها بطريقة "برايل"، فهو أمر يستحق التوقف، فرغم ما تحمله عملية الطباعة من تقنيات إلكترونية وميكانيكية معقدة، إلا أنهم يديرون العملية بتمكن وإتقان كاملين.

يقول مدير المطبعة "نبيل محمد"، أنشأت المطبعة عام 1953 تنفيذًا لاتفاقية بين مصر والأمم المتحدة، وتولى إدارة المطبعة منذ اليوم الأول "نيكولا باسيلى" أحد المكفوفين المشتغلين بالعمل العام، الذى حرص على أن يكون عمال المطبعة من المكفوفين.

ومع تقدم تكنولوجيات الطباعة تطور العمل بالمطبعة، لتحتل المرتبة الأولى من حيث الإنتاج، والآن تطبع أكثر من 150 ألف عنوان بطريقة "برايل"، ما بين الكتب الدراسية للمكفوفين والثقافية التى يتم انتقاؤها لكبار الأدباء العرب.

ويضيف، "قبل اكتشاف طريقة "برايل" فى العام 1835 كان الكفيف بين خيارين، إما أن يكتفى بحفظ القرآن أو يحترف التسول، ولكن بعد اكتشافها أصبحت أمامه آفاقًا رحبة للعلم بدون حدود".

وتابع، "الطريف أن طريقة "برايل" حتى عام 1951 كان تُقرأ فى الوطن العربى من اليمين إلى الشمال، لكن بعد اختراع ماكينات طباعة "برايل" كانت جميع الماكينات مستوردة، وتطبع من الشمال إلى اليمين، فتم عقد مؤتمرًا عامًا لمنظمات رعاية المكفوفين فى الوطن العربى، ليقرروا أن تُقرأ "برايل" من الشمال إلى اليمين".

وشهدت طريقة "برايل" على مدار السنوات الماضية العديد من التطورات، مثل طريقة "برايل آند سبيك" التى تمكن الكفيف من كتابة ما يريده فى أجندة رقمية، ثم طباعتها بسهولة، سواء بالطريقة العادية أو بطريقة "برايل".

ويوضح، تتفاوت استجابة المكفوفين تجاه تعليم طريقة "برايل" حسب الفروق الفردية وحاسة اللمس والرغبة فى التعلم، أما الذين يولدون مكفوفين فإن الفترة اللازمة لتعلمهم طريقة "برايل" هى نفس الفترة التى يتعلم فيها الطفل المبصر تقريباً الكتابة العادية، ولكن تبقى المشكلة فيمن يفقدون البصر فى الكبر".

ويكشف مدير المطبعة أن الموسيقار "عمار الشريعى" هو خريج مركز تدريب المكفوفين التابعة له المطبعة، ويضيف أنها تحتوى على ماكينات تعمل منذ 1953 حتى الآن، بالرغم من أن مثل هذه الماكينات تم وضعها فى المتاحف فى باقى دول العالم منذ زمن طويل، والمثير أن معظم التعديلات الميكانيكية التى ترفع من كفاءة الماكينات المستخدمة وتزيد إنتاجها تتم بناء على اقتراحات من المكفوفين العاملين على هذه الماكينات.

وأهم إنجازات المطبعة منذ إنشائها إلى اليوم إصدار مجلتين شهرياً، واحدة للكبار والأخرى للصغار ثمن اشتراكهما السنوى لا يتعدى الخمس جنيهات، بالإضافة إلى التقويم السنوى ودليل التليفون.

ووفق مدير المطبعة، فإنها الأولى التى طبعت القرآن الكريم بطريقة "برايل"، كما أنها أول مطبعة اهتمت بطباعة أمهات الكتب مثل "شرح ابن كثير"، "شرح ابن عقيل فى النحو"، "دواوين الشعر للشاعر أحمد شوقى"، كتاب "محمد رسول الله" للكاتب عبد الحميد جودة السحار، وقاموس المورد "عربى إنجليزى"، إضافة إلى ذلك تصدر المطبعة مجلتين، واحدة للكبار تسمى "المصباح" والأخرى للصغار تدعى "دنيا الأطفال" وتوزع على المشتركين شهرياً نظير اشتراكات رمزية.

أما عن طبيعة العمل داخل المطبعة يقول مديرها: "المرحلة الأولى هى الكتابة على الألواح المعدنية التى يتم تثبيتها بعد ذلك فى المطبعة التى تقوم بدورها بطباعة الكتاب، تأتى بعدها عملية التجليد والتغليف وجمع الملازم وجميعها عمليات يقوم بها المكفوفون المدربون بكفاءة عالية".

وأخيراً مرحلة المقص الإلكترونى الذى يستعمله الكفيف، والجدير الذكر أنه بعد استيراد هذا المقص الحديث من ألمانيا تم إدخال عليه بعض التعديلات، مثل استبدال الأرقام العادية بالأرقام المكتوبة بطريقة "برايل"، مع تعزيز وسائل الأمان لمستخدم المقص ليناسب عمل المكفوفين.


"مطبعة النور".. أول مطبعة بطريقة "برايل" فى مصر ويُديرها مكفوفون 1.jpg

"مطبعة النور".. أول مطبعة بطريقة "برايل" فى مصر ويُديرها مكفوفون 2.jpg

"مطبعة النور".. أول مطبعة بطريقة "برايل" فى مصر ويُديرها مكفوفون 3.jpg

"مطبعة النور".. أول مطبعة بطريقة "برايل" فى مصر ويُديرها مكفوفون 4.jpg

"مطبعة النور".. أول مطبعة بطريقة "برايل" فى مصر ويُديرها مكفوفون 5.jpg

"مطبعة النور".. أول مطبعة بطريقة "برايل" فى مصر ويُديرها مكفوفون 6.jpg

"مطبعة النور".. أول مطبعة بطريقة "برايل" فى مصر ويُديرها مكفوفون 7.jpg

"مطبعة النور".. أول مطبعة بطريقة "برايل" فى مصر ويُديرها مكفوفون 8.jpg

"مطبعة النور".. أول مطبعة بطريقة "برايل" فى مصر ويُديرها مكفوفون 9.jpg

"مطبعة النور".. أول مطبعة بطريقة "برايل" فى مصر ويُديرها مكفوفون 10.jpg



أكثر...