طرد المسلمين من إسبانيا

بقلم: روجر بواس[1]
Roger Boase
يلقي روجر بوس في مقاله هذا نظرة على النموذج الإسباني للتطهير العرقي والديني.
لكل شيء إذا ما تم نقصان * فلا يغر بطيب العيش إنسان
وهذه الدار لا تبقي على أحد * ولا يدوم على حال لها شانُ
تبكي الحنيفيةَ البيضاءَ من أسفٍ* كما بكىلفراق الإلف هيمانُ
حتى المحاريبُتبكي وهي جامدةٌ * حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ
حتى المساجدُ قد اضحتْ كنائسَ ما * فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصلبانُ
يا من لذلةِ قومٍ بعدَعزِّهُمُ* أحال حالهمْ جورُ وطغيانُ
بالأمسكانوا ملوكًا في منازلهم *واليومَ هم في بلاد الضدِّ عبدانُ
ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ* لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ
يا ربَّأمٍّ وطفلٍ حيلَ بينهما* كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ
وطفلةٍ مثل حسنِ الشمسِ * إذ طلعتكأنماياقوتٌ ومرجانُ
يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً* والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ
لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ* إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ
هذه كانت الكلمات التي كتبها الشاعر " أبو البقاء الرندي" بعد وقوع إشبيلية في يد ملك كاستيل "فردناند الثالث"، وذلك في ديسمبر عام 1248.
فقد تم في ذلك الوقت الاستيلاء على العديد من المدن الأخرى ومن ضمنها بلنسية، مرسية،جيان، وقرطبة.وقد بدا أن نهاية إسبانيا المسلمة على وشك الحدوث.
ومع ذلك، فلم تقع مملكة غرناطة التي كان يحكمها المغاربة في يد "فردناند" و "إيزابيلا" إلا في عام 1492، ولم يتم طرد المسلمين الأخير إلا في القرن التالي ما بين عامي 1609 و 1610 .وهذا يعني أنه كان هناك عدد كبير من المغاربة المسلمين يقطنون في إسبانيا بعد بلوغ الثقافة الأندلسية أوجها والتي استمرت خمسمائة عام وذلك في القرن الحادي عشر.
وقد يكون الشاعر أبو البقاء قد تأثر كثيراً لمعاناة إخوانه في الدين، وذلك بعد سقوط غرناطة ، أو خلال فترة طرد المسلمين حيث ارتكب بحقهم كثير من الأعمال الوحشية: دمرت المنازل وهُجرت، وتحولت المساجد إلى كنائس، وأبعدت الأمهات عن أطفالهن، وسلبت ثروات الناس وتم إذلالهم، وتحول الثائرون المسلحون إلى عبيد.
وبحلول القرن السادس عشر أصبح المغاربة مواطنين إسبانيين، وكان بعضهم مسيحيين بالأصل، وكان العديد منهم مثل شخصية "ريكوت" وهو جار "سانشو بازا" في رواية "الدونكيشوت" (1605-1615) وطنيون لدرجة كبيرة، وكانوا يعتبرون أنفسهم مثل ذلك المغربي في تلك الرواية. إلا أنهم كانوا جميعاً ضحايا سياسة الدولة التي كانت مبنية على النزاعات العنصرية الدينية، والتي كانت يدعمها المجلس الملكي، والكنيسة، حيث كان طرد اليهود عام 1492 يمثل حادثة مماثلة شرعية في ذلك الوقت.
وحسب بنود المعاهدة التي أبرمت عام 1492، والتي نصت على السماح لرعايا الملك على الاحتفاظ بمساجدهم ومعاهدهم الدينية، ولهم حق استخدام لغتهم والاستمرار بالالتزام بقوانينهم وعاداتهم، إلا أن بنود تلك المعاهدة قد نقضت خلال السنوات السبع التالية. وقد حدث ذلك عندما جرى استبدال النهج التبشيري المعتدل لرئيس أساقفة غرناطة "هيرناندو دو تالفيرا" (1428-1507)، بالنهج التعصبي للكاردينال "سيزيزوس" (1518-1436) الذي قام بتنظيم اعتناقات جماعية للدين المسيحي، وقام بحرق جميع الكتب الدينية باللغة العربية، وجرى ذلك أثناء التمرد الأول للبوجراسيين[2] (1500-1499) وعقب اغتيال أحد نواب الكاردينال.
وهذا بالتالي منح العذر للملوك الكاثوليك لأن ينكثوا بوعودهم. وفي عام 1499 أجبر قادة الدين الإسلاميين في غرناطة على تسليم أكثر من 5000 كتاب تتميز بتجليدات زخرفية لا تقدر بثمن، فقد تمّ حرقها وبقي منها بعض الكتب الطبية فقط.
وبعد عام 1502 تم تخيير المغاربة في جنوب الأندلس، وبلنسية، وكاتالونيا، وأراغون بعد عام 1526 بين التعميد أو النفي. فكان التعميد بالنسبة للأغلبية هو الخيار الشكلي. وأصبح المسلمون الإسبان فيما بعد المسيحيين الجدد (نظريا) وهم بذلك أضحوا خاضعين للسلطة القضائية للمحكمة الكاثوليكية التي يترأسها البابا "سكستوس" السادس في عام 1478.
إلا أن معظم هذا الاعتناق الديني كان بالاسم فقط: إذ كان المسلمون يمارسون الطقوس الدينية المسيحية التي لا وزن لها، إلا أنهم استمروا في تطبيق الدين الإسلامي سراً. فمثلاً، بعد أن يتم تعميد الطفل، كان يؤخذ إلى البيت ويتم تغسيله بالماء الحار لإبطال قدسية التعميد.
كان المسلمون الأوائل قادرين على أن يحيوا حياة مزدوجة بضمير حي، نظرا لوجود بعض الأحكام الدينية الإسلامية التي تجيز للمسلمين الرازخين تحت وطأة الإكراه أو من كانت حياتهم في خطر، التظاهر بالتقية حفاظاً على حياتهم.
واستجابة لطلب من المسلمين الإسبان، أصدر المفتي الأكبر لمدينة وهران[3] أحمد بن أبو جمعة حكما بجواز احتساء المسلمين الخمر، وتناول لحم الخنزير، أو القيام بأي فعل محرم إذا أجبروا على القيام بذلك ولم يكن في نيتهم فعل هذا العمل الآثم. كما أفتى أيضا بجواز إنكار الرسول محمد بألسنتهم شريطة أن يكنوا له في الوقت نفسه المحبة في قلوبهم، إلا أنه لم يوافق جميع العلماء المسلمين على هذا الإفتاء.
وبذلك، فإن سقوط غرناطة كان بمثابة المرحلة الجديدة في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين .
لقد كان حال المسلمين تحت الحكم المسيحي وخلال فترة القرون الوسطى، يشابه حال المسيحيين الذين كانوا تحت حكم المسلمين[4]: حيث كانوا ينتمون إلى أغلبية محمية تحافظ على قوانينها، وعاداتها مقابل دفع الجزية. وبالنسبة للوضع القانوني لليهود والمسلمين تحت الحكم المسيحي، فلم يكن على أساس كتبهم المقدسة بل كانوا يخضعون إلى نزوات الحكام، وإلى تحيزات عامة الناس ومعارضة الرهبان.
وقبل اكتمال فترة إعادة الاستيلاء، كان من مصلحة ملكي "أراغون" و "كاستيل" احترام تلك القوانين والاتفاقيات.
ومع ذلك ، نرى الآن أن إسبانيا لم تصبح نظريا على الأقل أمة مسيحية بصورة كاملة، وإنما هناك تماثل أيضا من حيث نقاء الإيمان مع صفاء الدماء ، بحيث صنف جميع المسيحيين الجدد أو المتحولين عن دينهم ، سواء أكانوا من أصل إسلامي أم يهودي، صنف هؤلاء بالمارقين المتسترين.
وبما أن المغربي عضو في الأقلية المقهورة ذات البيئة الثقافية الأجنبية، فقد أصبح هذا المغربي "مغربيا ضعيفا"، وأضحى كل مظهر من مظاهر حياته : لغته، ملبسه، وعاداته الاجتماعية يحكم عليها بأنها غير حضارية و وثنية. فالفرد الذي يرفض احتساء الخمر ، أو تناول لحم الخنزير قد تتهمه المحكمة الكاثوليكية بأنه مسلم، وتعتبر المحكمة الكاثوليكية والرأي العام أن تصرفات مثل تناول "الكوسكس"، واستخدام الحناء ، و رمي الحلوى خلال حفلات الزفاف، والرقص على إبقاع الموسيقى البربرية، كل ذلك يعتبر حسب نظرهم عادات غير مسيحية، وعلى الفرد أن يعاقب نفسه تكفيراً عن خطيئته.
وبالنسبة للمغاربة الذين كانوا مسيحيين أصليين، فقد كانوا يعتبرون كمواطنين من الدرجة الثانية، وكانوا يتعرضون للنقد من قبل المسلمين والمسيحيين على حد سواء. وعلى الرغم من أن إطلاق اسم Morisco على المغربي يعتبر لفظا ينتقص من قدره، إلا أن المؤرخين يرون أن هذا الاسم مناسباً لتمييز العرب أو المغاربة الذين بقوا في إسبانيا بعد سقوط غرناطة.
قام "فيليب الثاني" في عام 1567 بتجديد مرسوم لم يتم تنفيذه
يتبع