كانت ساحة الحي هي تلك البقعة التي ضمت طفلين

ترعرعا , وصغيرين عاشا , أشبه بمنبع نهر عذب يستسقى

كل أطفال الحي من مائه العذب السلسبيل فعلا كانت المتنفس

الوحيد لهؤلاء الأطفال صديقين وأخوين أكثر مما يتصوره المرء ,

كانت جدران المنازل الشبه المتصدعة كمحطة استراحة بها

جميع أطفال الحي بعد الجري واللعب والشقاوة .. وكان

بجانب ذلك البحر الذي يعد الملجأ الوحيد الذي يزوره هؤلاء

الأطفال لكي يزيلوا حرارة أجسادهم في أيام القيلولة ,

وبجانب ذلك كانت الأنقاض البعيدة عن هذا الحي

مكانا لصيد الطيور .


كانت هذه حياة الجميع , لكن الطفلين اللذين هما بطلا هذه

القصة تعلقا ببعض أكثر وأكثر وأصبحا كروحين في جسد واحد

نعم لقد أختار كل منهما الآخر ليكون رفيق درب الطفولة البريئة

دون هم ولا غم ولا شرود ولا تفكير ...

وكبر الصديقان , وشب الصغيران , وكبرت مشاعرهما وعظمت

أحاسيسهما ، وفوق ذلك كله فلقد كبر عقلاهما وبدأ الصديقان

يرسمان الآمال البنفسجية والأماني الغالية , ويحيكون لها

خيوطا ذهبية براقة ودخل الصديقان المدرسة لكي ينهلا من

معين العلم الذي لاينضب أعذب آيات الدرب لطويل ..


وكان هذا منعطفا في حياتهما فلقد افترقا بعد إن ذهب

كل ضالة حال سبيلها ....

وتعاقبت الأيام وتوالت السنون ...




وبقيت الذكرى ... بدون موعد ولا لقاء منتظر التقى الصديقان

ثانية

وحدق كل منهما في ملامح الآخر ... ودقق كل واحد منهما في

ملامح الآخر .. ودقق كل واحد في قسمات وجه صديقه ..

وأصبحت الدمعة سيد الموقف , وبقيت العبرة مدادا للشوق

والوله حتى تسطر على صفحة بيضاء صافية وتعانق الحبيبان

، لكن هناك فارق كبير مع أن السن واحد ، فالأول سفير

والأخر صاحب معاملة ، وكان هذا اللقااااء ليس على نفس

الأرض بل في الخارج ... وشتان البعد بين الاثنين ..

وقص كل منهما قصته للآخر وأيضا شتان ، فالقصة الأولى

كفاح ووصول ، والثانية قصة تخاذل وتقصير ، القصة الأولى

مقوماتها الصبر ووصول المراد ، والثانية التهاون واستعجال

الأمور ، وجنت كل قصه ثمارها ، وبعد سرد القصتان أصبح

الصمت القاتل ملاذا للهرووووووووب

وكان ختام اللقااااء الخضوع للواقع والاعتراف به

والاستسلام له ....




الحياة في يومنا هذا وقبل ذاك لاتقبل المتهاون الضعيف

، بل تستضيف المكافح الجريء ، نعم هي سنة الكون ...

وهي حقيقة الوجووووود ...