تساءل الكاتب الصحفى الأمريكى، توماس فريدمان عما يمسك الفلسطينيين عن القيام بانتفاضة ثالثة فى الضفة الغربية وأشار - فى مقال له بعنوان "الانتفاضة الثالثة" نشرته صحيفة (نيويورك تايمز)- إلى ما أثمرت عنه الانتفاضة الأولى من الدفع صوب بناء اتفاقية سلام "أوسلو" والتى لم تلبث أن هدمتها الانتفاضة الثانية.

وقال فريدمان إن الجواب عن التساؤل موجود لدى الفلسطينيين؛ فهم فقراء جدا، ومقسمون جدا، ومتعبون جدا، أو ربما أدركوا أن الانتفاضات تجلب عليهم ضررا أكثر مما تعود بالخير، لاسيما الانتفاضة الثانية.

وأضاف: "ولكن يبدو أن انتفاضة ثالثة تجرى الاستعدادات لها، وهى الانتفاضة التى تخشاها إسرائيل أكثر من أى شىء آخر، وأسلحتها ليست الحجارة والانتحاريين، وإنما هى انتفاضة تحركها مقاومة سلمية ومقاطعة اقتصادية".
وتابع: "لكن هذه الانتفاضة الثالثة لن يمسك زمامها الفلسطينيون فى رام الله، وإنما الاتحاد الأوروبى فى بروكسل ومناهضون آخرون عبر العالم للاحتلال الإسرائيلى بالضفة .. إن هذه المعارضة العالمية باتت مصدرا حقيقيا من مصادر نفوذ الفلسطينيين فى مفاوضاتهم مع إسرائيل".

ورصد فريدمان تحذيرا أطلقه وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بأن إسرائيل ستواجه مزيدا من المقاطعة وتعزيزا لحملة نزع الشرعنة، حال فشل محادثات السلام الجارية، وأشار الكاتب إلى ما أفادته أنباء حول تقرير شركة هولندية سحب كافة استثماراتها من أكبر خمسة مصارف إسرائيلية، بسبب امتلاك تلك المصارف فروعا بالضفة الغربية أو مساهمتها فى تمويل بناء المستوطنات أو الإثنين معا.

وأشار إلى تحذير مشابه أطلقه وزير المالية الإسرائيلى يائير لابيد، عبر إذاعة الجيش الإسرائيلى أمس الأول الإثنين، بأن الإخفاق فى التوصل إلى حل الدولتين مع الفلسطينيين سيضر بالحالة الاقتصادية لكل مواطن إسرائيلى.

ونوه فريدمان عن اعتماد اقتصاد إسرائيل على الصادرات التكنولوجية والزراعية إلى أوروبا وعلى الاستثمارات الأوروبية فى صناعاتها فى مجال التكنولوجيا الفائقة.

ويرى فريدمان أن هذه الانتفاضة الثالثة تمتلك من القوة ما يؤهلها لأن تكون ذات أثر بعيد المدى، بخلاف سابقتيها، لاسيما أنها تتزامن مع عرض الرئيس الفلسطينى محمود عباس - كجزء من اتفاق حل الدولتين- السماح لقوات إسرائيلية بالبقاء لمدة خمس سنوات فى إطار انسحابها مرحليا من الضفة الغربية إلى حدود عام 1967 ثم السماح لقوات حلف شمال الأطلسى "ناتو" بقيادة أمريكية بملء أى فراغ إستراتيجى لطمأنة إسرائيل، بعبارة أخرى، يرى فريدمان أن الانتفاضة الثالثة قائمة على إستراتيجية هدفها دفع الإسرائيليين إلى الشعور بأمان إستراتيجى ولكن فى غيبة الأمان المعنوى.

ويعزو الكاتب الأمريكى فشل الانتفاضتين الأولى والثانية إلى أن أيا منهما لم تتضمن خارطة بحل الدولتين وترتيبات أمنية، ويقول إنه لا يمكن تحريك الأغلبية الإسرائيلية الصامتة عن طريق إشعارهم بعدم الأمان إستراتيجيا، حتى وإن كانوا آمنين معنويا.

ويرى فريدمان أن هذه الانتفاضة الثالثة تكتسب زخما فى ظل خروج وجهين أساسيين من صورة المشهد العالمى: الرئيس الجنوب أفريقى السابق نيلسون مانديللا، ونظيره الإيرانى محمود أحمدى نجاد الذى كان بمثابة هدية لإسرائيل؛ نظرا لإنكاره الهولوكوست ورفضه الجهود الدولية لإثناء إيران عن المضى قدما فى برنامجها النووى .. لقد كان نجاد شخصية يصعب حبها على خلاف الرئيس الإيرانى الحالى حسن روحانى الذى يجيد التفاوض ويعترف بالهولوكوست على نحو يترك إسرائيل فى مأزق.

أما بالنسبة لمانديللا، فإن موته ترك العديد من تابعيه يتطلعون إلى إيجاد طرق لإحياء سنته وإكمال رسالته، وقد وجدوا الطريق، عبر مقاطعة إسرائيل حتى تنهى احتلالها للضفة الغربية.

وأردف فريدمان قائلا: إن إسرائيل إذا أرادت حقا تهدئة حملة المقاطعة التى تواجهها فإن عليها الإعلان عن تجميد كافة الأنشطة الاستيطانية لإعطاء السلام فرصته، لاسيما فى ظل سعى كيرى الحثيث إلى إبرام اتفاق سلام.

ورجح فى ختام مقاله استمرار مقاومة مساعى كيرى من قبل وزراء إسرائيليين واستمرارهم فى المطالبة بتوقف الفلسطينيين عن كافة أعمال "التحريض" فى الوقت الذى يطالبون فيه بالسماح لهم بالاستمرار فى بناء المستوطنات بحرية.

وأكد الكاتب الأمريكى على أن إسرائيل بذلك تخسر أصدقاء فى أوروبا أو أمريكا وتحرّض على مزيد من المقاطعة الاقتصادية التى تعانى منها بالفعل.



أكثر...