جلست وحيدة فى دار العرض أشاهد فيلم أسرار عائلية، وكان ذلك مدعاة لأن أسأل نفسى لماذا يهجر الجمهور هذا الفيلم هل لأنه كما قدموه يتحدث عن حالة شذوذ جنسى، وهو موضوع قد يراه الكثيرون ليس مهما بالنسبة لهم وربما مقززا، وبالتالى فقد هجروا الفيلم، أم أن أفيش الفيلم ليس فيه ما يغرى الجمهور بالمتابعة لأنه يحوى صورة شاب مجهول الاسم لهم، ولا يوجد فيه اسم لنجم له محبين يدفع المشاهدين لمتابعته، ولكن كم من أفلام بلا نجوم تنجح فى جذب مشاهدين لمتابعتها، وبغض النظر عن البحث فى الأسباب فكم من أفلام مهمة فى تاريخ السينما هجرها الجمهور فى قاعات العرض ثم اكتشف أهميتها بعد، ربما شهور أو سنوات.. فيلم أسرار عائلية كتبه محمد عبدالقادر فى أولى تجاربه السينمائية كما أن مخرجه هو هانى فوزى الذى عرفناه كاتبا مبهرا لأهم وأفضل الأفلام الحديثة بل الجريئة فى تاريخ السينما مثل بحب السيما وأرض الأحلام وكرسى فى الكلوب، وربما إهداء المخرج لأستاذه داود عبدالسيد فيلمه الأول يشير لأى نوع من الفنانين هانى فوزى.

الفيلم هو الأول فى تاريخ السينما المصرية الذى يكون موضوعه كاملا بطولة شخص يعانى من المثلية الجنسية التى نتعرف على أسبابها وهى اعتداءات متكررة من أخيه الأكبر، وسوء تربية الأم الأنانية المتسلطة فى أسرة تبدو من الأسر المتيسرة المتعلمة مثل كثير من سواد هذا الشعب، فالفيلم لم يجنح لأن يجعل بطله من أسرة شديدة الثراء أو متفرنجة كما فى عمارة يعقوبيان، ولا فى أسرة من حضيض المجتمع جاهلة لا تجد مكانا لأبنائها ليناموا متراصين جوار بعضهم فيحدث ما يحدث، وكأن المسألة ترتبط بالثراء الفاحش أو الفقر المقدع، ولكن «أسرارا عائلية» يحكى عن أسرة من الطبقة الوسطى، وذلك جزء من أهمية الفيلم، إضافة لأن الفيلم يتعرض لقضية غياب الأب عن البيت بدعوى جمع المال من أجل حياة أفضل بينما هو لا يدرى كم يكلفه ويكلف أسرته غيابه، وهى قضية حقيقية فى مصر منذ الثمانينيات، الفيلم يبحث فى الأسباب والأهم فى العلاج لبعض حالات المثلية الجنسية التى تكون لأسباب ليست جينية، والمثير والصعب أن المخرج وكاتب السيناريو كانا من الممكن أن ينزلقا بسهولة فى مشاهد وتفاصيل مثيرة ولكنهما كانا جادين فى طرح موضوعهما وفى نفس الوقت مبدعين.. أعتقد أن جزءا من قيمة الفيلم أن بطله الشاب محمد مهران بلا تاريخ سابق فى عقل المشاهد مما جعل أداءه للدور مصدقا إضافة لأنه ممثل موهوب فعلا انتقل من مراحل الخوف من كشف سره إلى القوة بعد إدراكه لمشكلته وكأنه ممثل صاحب خبرة عريضة، وبالتأكيد للمخرج تحية على اختياره وتحريكه لممثليه، خاصة أنهم جميعا وجوه جديدة مثل بسنت شوقى التى قامت بدور الأخت، أما سلوى محمد على الاسم الأبرز فى هذا الفيلم فهى ممثلة كبيرة موهوبة تعدت مرحلة الإقرار بموهبتها منذ زمن.
فى أكثر من حديث أقر المخرج أنه داخ السبع دوخات لكى يجد منتجا يتحمس للفيلم وأخيرا وجد طبيبا تحمس فأنتجه، وبالتالى فإمكانيات الإنتاج كانت محدودة، ورغم هذا فإن المخرج استطاع أن يقدم لنا فيلما جيدا.

من السهل أن تجلس على كرسيك وتدين المخرج وتشير بأصبعك وتقول: «إيه قلة الأدب دى هو إحنا ناقصنا كمان الكلام عن الشواذ مش كفاية بلاوى فى المجتمع»، ومن السهل أيضا أن تدافع عن الفيلم وتقول أليس هذا يقع فى إطار حرية الإبداع، ولكنى لن أقف فى خندق الاتهام ولا الدفاع عن حرية الإبداع فى المطلق، لكن حماسى لهذا الفيلم أنه يدق ناقوس خطر ويشير لكل أم ولكل أب كيف يمكن أن يكون المسكوت عنه من اشياء تبدو صغيرة ومريحة فى حينها كوجود سائق للأولاد، أو أن يجلس الأطفال فى غرف مغلقة دون رقابة وعشرات من الأخطاء التى تؤدى إلى مآسٍ لو تنبه لها الأهل فى بدايتها لعالجوها، ولكن نحن مجتمع كل شىء تمام، وأننا متدينون بطبعنا، وأننا شعب، مسالم ومثل هذه المقولات غير الحقيقية لأننا نرفض أن نواجه عوراتنا، بينما أسرار عائلية قد فعل، فلا تلوموه وشاهدوه.



أكثر...