اثر ملحمة كلكامش في اداب العالم القديم sumers1.jpg
ملحمة كلكامش اول عمل في تاريخ الادب العالمي اعتمادا على ما توفر لدينا من حقائق تاريخية ودراسات علمية كما يعتبركلكامش اول بطل اسطوري في تاريخ الاداب العالمية او كما يشير الدكتور طه باقر (فانه من اشهر ابطال القصص والملاحم في تاريخ ادب وادي الرافدين وان اعماله ومغامراته اصبحت مادة لملاحم وقصص سومرية وبابلية عديدة).
كما ان الملحمة هي اولى الملاحم الاسطورية في كل تاريخ الحضارة البشرية والتي تناولت قضايا انسانية عامة استمر حضورها في الاداب العالمية حتى اليوم وعالجت مشاكل الموت والحياة وثنائيتهما المبهمة ومثلث الصراع الدائم بين الموت وارادة الانسان في التشبث بالوجود والسعي للخلود.
قالت صاحبة الحانة لكلكامش
الى اين تسعى يا كلكامش
فالحياة التي تبغي لن تجدها
حينما خلقت الالهة البشرية
قدرت الموت عليها
وتمسكت في الحياة بايديها
هذا الاثر الادبي لم تكن بصماته واضحة في الادب الرافديني القديم كما اشار الدكتور طه باقر فحسب بل تعداه الى اداب الحضارات الاخرى في العالم القديم سواء على مستوى المواضيع الانسانية والتساؤلات الفكرية التي تطرحها الملحمة او على مستوى الابداع الفني والتشخيص الاسطوري لابطال الملحمة وتأثير كلا المستويين على الابداع الادبي والموروث الاسطوري لحضارات العالم القديم.
ومن مراجعة للمظاهر المتعددة للتأثيرات السومرية على حضارات العالم القديم نجد انفسنا امام حقيقة مطلقة بأن كل ذلك قد حصل بأثر من صلات مباشرة بالحضارة السومرية بل وان الحضارة السومرية هي الحضارة الاولى في العالم ومنها تسرب الشيء الكثير الى باقي الحضارات العالمية. فهناك الكثير من الادلة التي تؤكد الاثر الذي تركته الحضارة السومرية على حضارة مصر القديمة ومن هذه الادلة قبضة سكين عاجية عثر عليها في مصر تعود الى حوالي 3100ق. م وقد حفر على احد جوانبها صورة بطل وهو يصارع اسدين وباسلوب سومري وفي نفس الجانب من القبضة صورة اسد ينقض على احد الحيوانات وهو ما يذكرنا ايضا بطبيعة التشكيل السومري وعلى الجانب الاخر من قبضة السكين العاجية صورة لمعركة وتحتها مشهد لزورقين احدهما كثير الشبه بالزوارق السومرية ذات المقدمات المقوسة ويعتقد انهما يمثلان مشهدا لمعركة كان للسومريين ان انتصروا فيها اعتمادا على نصوص ملحمة كلكامش.
كما نجد نماذج مماثلة لتأثير الحضارة السومرية وملحمة كلكامش في الهند تفصح عن مدى ما كان للسومريين من اثر في حضارة الهند التي نشأت بعد قرابة خمسمائة عام من حضارة سومر فقد وجدت صورا لكلكامش في عدد من الاختام التي عثر عليها في مناطق الهندوس ومنها ما صورته وهو يتوسط اسدين واقفين وشكله اي كلكامش يمزج بين الرجل والثور وفي ختم اخر نراه وهو يصارع حيوانا ذا قرنين يقف على ساقيه الخلفيتين وهو ما يرمز الى انكيدو الذي نراه على هذا الوضع في بعض الاختام السومرية وهو مااشار اليه واكده الباحث الهندي (راجي راز بهوي) في كتابه (انتشار الحضارات القديمة).
بالاضافة لذلك فان الادب الهندي المتأخر يشير في اكثر من عمل الى قصة متوارثة عن انكيدو الناسك الذي ولد لغزالة وعاش في الغابة على مقربة من حيواناتها ولم تكن له اي علاقة بامرأة الى ان غررت به احدى الزانيات وكل ذلك يذكرنا بحدث مماثل في ملحمة كلكامش السومرية.
اما انكيدو والذي كان مولده في التلال
والذي يأكل العشب مع الضباء ويرد الماء مع الحيوان
ويفرح لبه مع حيوان البر عند مسقى الماء
فان البغي رأته ، رأت الرجل الوحش
فأسر لها الصياد هذا هو ايتها البغي فاكشفي عن نهديك
اكشفي عن عورتك لينال من مفاتن جسدك
ومثل ذلك في قصة هندية اخرى تتحدث عن عملاق ضخم كان يهاجم الناس ويقضي عليهم اسمه (هيد يمبا) وهي قصة لا تختلف عن قصة الوحش (خمبابا) في ملحمة كلكامش ويمكن ملاحظة التقارب بين الاسمين امتد تأثير الحضارة السومرية وملحمة كلكامش بالتحديد الى الحضارة الصينية التي تعود صلتها بالشرق الادنى الى قرابة الفي سنة قبل الميلاد والذي برز تاثرها بحضارة ما بين النهرين في استخدام العربة والاقواس وانشاء المقابر المقببة والابنية المتدرجة . ولانه لا يمكن الجزم بانتقال وشيوع ملحمة كلكامش في الصين انذاك وليس بالامكان القطع برأي عما اذا كانت الصور التي ظهرت على نحاسيات تعود الى العام 1500ق. م في الصين والتي يظهر فيها البطل الاسطوري كلكامش وهو يصارع حيوانات مفترسة قد انتقلت عبر التبادل التجاري ام نتيجة التأثير الثقافي للملحمة على الابداع الثقافي الصيني الا ان هذا على العموم يؤكد الروابط التي يمكن ملاحظتها بين الحضارتين.
ولعل تأثير الملحمة لايبدو واضحا كما في تأثيره في الموروث التوراتي وبشكل خاص في قصة الطوفان التي وردت خلالها فكل تفاصيل الطوفان التوراتي نجدها في الملحمة بما يبرهن على ان القصة العبرية قد اقتبست من الملحمة التي هي اقدم منها بكثير.
انتقل تأثير ملحمة كلكامش الى الحضارة اليونانية وبالاستناد الى الكثير من المدونات التي تم العثور عليها في العديد من المواقع الاثارية وكذلك بالعودة الى الاوديسة لهوميروس والتي تعود الى القرن الثامن قبل الميلاد نستدل على ملامح متشابهة تؤكد هذا التأثير.
فالبطل كلكامش انتقل اسمه الى معظم الاداب القديمة او ان اعماله نسبت الى ابطال الامم الاخرى مثل هرقل واخيل والاسكندر ذو القرنين فاذا رجعنا الى هذ القصص وجدنا اكثر من موطن واحد لاوجه الشبه بحيث ذهب اكثر من باحث الى ان اسس قصص هرقل تستند بالدرجة الاولى الى اصول مستقاة من ملجمة كلكامش وصلت الى بلاد اليونان عن طريق الفينيقيين.
خلاصة القول اننا نتلمس وجودا لكلكامش البطل وملحمته حاضرا في كل الحضارات القديمة بدءا من الحضارة المصرية ومرورا بحضارتي الهند والصين وكذلك حضارة اليونان الفلسفية والفكر التلمودي التوراتي بما يجعلنا نقول ان ملحمة كلكامش هي الوحيدة التي كان لها ان ترحل اطول رحلة في تاريخ الكرة الارضية القديم.

موضوع منقول