بقلم الباحث والمؤرخ علي بن إبراهيم الدرورة
عضو الجمعية التاريخيةالسعودية





قيام إمارة الجبور في الأحساء والبحرين

البحرينكان يطلق قديماً على مناطق الأحساء والقطيف وأرخبيل جزر البحرين بالإضافة لبقية شرقالجزيرة العربية، فقد كانت العرب تسمي الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية الممتدمن البصرة جنوب العراق إلى عُمان باسم (الخط)، ويطلق عليه أحيانا ((خط عبد القيسوالبحرين))، ويذكر الحموي أن ((البحرين أسم جامع لكل البلاد على ساحل بحر الهند بينالبصرة وعُمان وقيل (هَجُر) قصبة البحرين))(1)، وذكر كثير من المؤرخين على أن ساحلكاظمة امتداد حتى بينونة هي ساحل الخط.
واعتبر المؤرخون والمصنفون العرب الأوائلأن منطقة البحرين بالمعنى الجغرافي المذكور، منطقة مستقلة من مناطق شبه الجزيرةالعربية الخمس وهي (الحجاز، نجد، اليمن، عُمان، البحرين)(2). وظهرت القطيف كعاصمةلإقليم البحرين الغني بالزراعة والمياه العذبة، واستمرت كذلك لفترات تاريخيةمختلفة. ثم تقلص اسم البحرين تدريجياً حتى انحصر في الأرخبيل الذي يضم ((أوال)) والجزر المحيطة بها في العصور المتأخرة. ويتكون هذا الأرخبيل من ثلاثة وثلاثينجزيرة وسط الخليج، وتبلغ مساحتها حوالي 265 (مائتين وخمسة وستين) ميلاً مربعاً،وتبعد عن الساحل الإيراني بنحو (مائتين وخمسين ميلاً) وعن ساحل شبه الجزيرة العربيةبثمانية عشر ميلاً، وكان لها شأناً تجارياً كشأن سيراف وهرمز وقيس عبر فتراتتاريخية مختلفة.


وقد اكتسبت البحرين أهميتها الاقتصادية منذ القدم، فقدكانت تصدر اللؤلؤ إلى الممالك المجاورة لها. وقد اشتهرت هذه الجزيرة بجودة اللؤلؤووفرة المياه العذبة، وهذا بدوره مما جعلها محط أنظار القوى المجاورة بسبب الموردالاقتصادي المهم آنذاك، وهو اللؤلؤ. الطبيعي، الذي يتميز عن سواه من اللآلئ من حيثالمواصفات والوزن، لأنه كما يقول أحد الرحالة الأجانب: ((أنصع بياضاً وأكثر استدارةمن غيره، وهو يشكل جزءاً مهماً من تجارة هرمز))(3).


وبسبب تولي تجارهرمز أمر التعامل في اللؤلؤ البحريني عندما كانت تسيطر مملكتهم على واردات الخليجوصادراته في عصرها الذهبي، فقد وقع كثير من الخلاف والصدام بين حكام الأحساءوالبحرين في القرن الخامس عشر الميلادي وبين مملكة هرمز(4).
وبسبب الأهميةالاقتصادية والاستراتيجية للبحرين، فقد طمع فيها الغزاة من داخل الخليج وخارجه. وتوالت على حكم هذه الجزر عدة دول وأسر استمدت سلطتها ونفوذها من عشائرها وقبائلهافي شبه الجزيرة العربية. ومن تلك الأسر التي حكمت البحرين، العيونيون في القرنالثالث عشر، والعصفوريون بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر، ثم أعقبت دولةالعصفوريين، دولة آل جبور التي سوف يأتي الحديث عنها.



آل جبور فيالبحرين والأحساء:
ينتسب آل جبور قبلياً إلى مجموعة البطون التي جاء منها (العصافرة) أيضاً، وينحدرون من عقيل بن عامر بن عبدالقيس بن ربيعة، وعرفوا باسم (العمور أو العماير) وينتسبون إلى بني خالد. وحين تدهور نفوذ أبناء عمومتهمالعصافرة، صار الجبور يسيطرون على أفضل مصائد اللؤلؤ وبذلك تمكنوا من اقتصادياتالبحرين. وبفضل تلك السيطرة الاقتصادية ووجود الثروات بين أيديهم فقد أصبحوايتحكمون سياسياً بالمنطقة بعد ذلك لمدة تزيد على مائة وخمسين عاماً حتى مجئالبرتغاليين(5).
وعندما طرق الغزاة البرتغاليون بسفنهم لأول مرة المياه العربيةفي سواحل عُمان والخليج العربي في مطلع القرن السادس عشر، لفت انتباههم النفوذالواسع والقوة الضاربة التي حازها الجبور، فتحدثوا عنهم في تقاريرهم بكثير منالاحترام الممزوج بالرهبة والخوف. وحين اطلع (Miles) على بعض ما كتبه البرتغاليونــ أمثال البو كيرك ــ عن الجبور، علق على ذلك بقوله: ((إنه ليبدو حقاً بأن بني جبركانوا خطرين إلى حد كبير، وأن أمرهم قد بقي حتى الآن لغزاً لم يحل))(6).
وقد كتبالبرتغاليون في ذلك وهذا مما أثار دهشة هذا الكاتب لسبب مهم جدا، وهو أن إمارة أودولة الجبور كانت هي الوحيدة من بين الكيانات السياسية العربية في المنطقة التي لمتستسلم للبرتغاليين أو تخضع للبرتغاليين بل واجهتهم بتحدٍ واضح منذ وطأت أقدامهمأرض عُمان عام 1507م (7).
والجبور أو آل جبر بن زامل، يعود أصلهم إلى قبيلة منقبائل نجد نزحت إلى الأحساء سنة 821هـ/1418م. واستأثر بحكم الأحساء سيف بن زامل بنحسين العقيلي الجبري، وبعد أن انتصر على آخر ولاة الجراونة بقايا القرامطة فيالأحساء. ولما مات سيف بن زامل تولى الحكم في الأحساء بعده أخوه أجود بن زامل بنحسين الجبري الذي استنجد به السلطان سرغل بن نور شاه ملك هرمز ضد أخيه الذي نازعهالملك سنة 880هـ/ 1475م. ولما أعانه أجود بن زامل في استرداد ملكه وهبه حكم القطيفوالبحرين. وبعد وفاة أجود تولى ابنه سيف بن زامل الذي وسّع أطراف امارته على حسابجيرانه، فاستولى على عمان من أميرها سليمان بن سليمان بن نبهان سنة 893هـ/ 1487م،وولى عليها أميرا من قبله هو عمر بن الخطاب الأباضي أو الخروصي(8).
واما الابنالآخر لأجود بن زامل واسمه مقرن فقد حكم البحرين وعمان في النصف الأول من القرنالعاشر الهجري. وفي عهده استولى البرتغاليون على البحرين سنة 928هـ/ 1521م وقتلوهبعد عودته من الحج في تلك السنة(9).
وينتسب الجبور الذين أسسوا الإمارة إلى جدهمالأكبر (جبر العامري) الذي كان قد قضى على ملك بني جروان وانتزاع الأحساء من ملكهرمز، واتخذها قاعدة لتوسعاته في شرق شبه الجزيرة والبحرين وذلك في حدود عام 1417م(10). إلا أن المؤسس الحقيقي والفعلي لتلك الإمارة الكبيرة هو زامل بن حسين بنناصر بن جبر العامري بين عام 1439 ـ 1440م، وذلك بعد أن فرض سلطانه الفعلي علىالأحساء والقطيف وأجزاء واسعة من إقليم نجد(11). كما استطاعت قبائل بني عامر بقيادةالجبور في عهد زامل الجابري هذا، من التغلغل في مناطق عُمان الشمالية باعتبارهاأكثر الأجزاء انفتاحاً على البحرين والأحساء وأقرب المناطق إليها، وبذلك كان الجبورآخر مجموعة قبلية استقرت في عُمان في القرن الخامس عشر الميلادي(12).
وازدادالنشاط التجاري بين سواحل بلاد البحرين والجاز إثر تدهور الأوضاع الأمنية بسببانتشار الفوضى والاضطرابات والدمار في كل من العراق وإيران والأناضول وشمال الشامبعد حروب المغول ضد القوى القبلية في إيران وبينهم وبين الدولة العثمانية. وقد رفعهذا الوضع المضطرب من شأن ومركز إمارة الجبور الفتية في المنطقة وزاد بالتالي منقوتها وسيطرتها على طرق تجارة القوافل في شبه الجزيرة العربية فتطور مصدر رزقهموازدادت فوائده المادية الكبيرة لإمارتهم، وربما كانت حاجة الدول المتحاربة فيالشمال الشرقي حول الخليج العربي لوسائل المواصلات في الحرب آنذاك (الخيول العربيةوالجمال)(13) قد أدى إلى أن يجني بنو عامر فوائد مادية كبيرة من ذلك.

حكامإمارة الجبور:
شهد عهد الجبور مجموعة من الحكام قام على أكتافهم عملية تأسيسالدولة التي دامت حوالي قرن ونصف القرن من الزمن، وشهدت البلاد في عهد بعضهم تطوراًونماء ورخاء في أكثر من مجال، وأهم هؤلاء الحكام:
أجود بن زامل العامري: يعدالمؤسس الأول (زامل بن جبر العقيلي) الذي توفي على الأرجح في 866هـ/ (1460م)، حكمالإمارة الشيخ أجود بن زامل، ويمثل عصره مرحلة ازدهار وقوة واتساع لإمارة الجبورالتي بلغت إلى أقصى مداها في شبه الجزيرة العربية والخليج. وقد حمل أجود بن زامللقب ((السلطان)) بسبب هذا الملك العريض، كما حمله أيضا من جاء بعده من أمراءالجبور. وكان هذا اللقب يعني آنذاك أن حامله هو حاكم مستقل يتمتع بكامل السيادة فيبلاده(14).
قال شمس الدين السخاوي في ((الضوء اللامع))(15) عن هذا السلطان ((أجود بن زامل العقيلي الجبري النجدي الأصل المالكي، مولده ببادية الحساء في رمضانسنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وقام أخوه سيف بن زامل على آخر ولاة بني جروان حين رامقتله. وكان الظفر لسيف، ولما مات خلفه أخوه أجود واتسعت مملكته، بحيث ملك البحرينوعُمان، وانتزع مملكة هرمز من ابن أخ الصرغل، وكان رئيس نجد ذا أتباع يزيدون علىالوصف، مع فروسية، وقد تعددت في بدنه جراحات كثيرة، وله إلمام ببعض فروع المالكية،واعتناء بتحصيل كتبهم، استقرت في قضائه بعض أهل السنة منهم بعد أن كانوا شيعة،وأقام الجمعة والجماعات، وأكثر من الحج في أتباع كثيرين يبلغون آلافاً مصاحباًللتصدق والبذل)).
وقد وصف المؤرخ (السمهودي) السلطان أجود ـ وكانت له صلة قويةبه ـ بأنه ((رئيس أهل نجد ورأسها، سلطان البحرين والقطيف، فريد الوصف والنعت فيجنسه صلاحاً وأفضالاً وحسن عقيدة، أبو الجود أجود بن زامل بن جبر))(16).
وقد قامالسلطان أجود بتقوية صلاته التجارية مع ساحل المليبار بالهند، وذلك ما نستشفه منبين ثنايا الرسالة التي أرسلها له الوزير عماد الدين حمود بن أحمد الشهير (بخواجهجيهان) وهو من أشهر رجال السلطنة البهمنية في الهند حوالي عام 1470م(17).
وقدكانت فترة أجود البجري مليئة بالصراعات الداخلية القريبة من مملكته، كما حدث بينأفراد الأسرة الحاكمة في هرمز، واستعانة أحد الأخوة من أمراء هرمز بأجود لتثبيتحكمه، والصراع المستمر بين النباهنة والأئمة الأباضية في عهد ملكهم سليمان بنسليمان مما وفر للسلطان أجود الأجواء المناسبة لمد طموحه ونفوذه للخليج وعُمانالداخل، فأرسل قوات كبيرة إلى عُمان بقيادة ابنه سيف لمساندة الإمام عمر بن الخطابالخروصي، الذي فقد ملكه عام 1487م في صراعه مع النبهانيين. وقد نجحت قوات الجبور ـكما يذكر ابن ماجد ـ في طرد زعيمهم سليمان وتنصيب الخروصي مرة أخرى إماماً علىعُمان، وكان ذلك في نظير أن يقدم الأئمة جزءاً من حاصلات مناطقهم الزراعية إلىالجبور سنوياً(18).

ولا أدلَ على قوة الجبور وانتشار نفوذهم مع مطلع القرنالسادس عشر الميلادي أكثر من مواجهتهم للبرتغاليين في أول دخولهم للمياه العربية فيالجنوب العُماني. مما يذكره ما يلزم (Miles) أنه عندما حاصر البوكيرك مسقط عام 1507م، سارع أحد زعماء الجبور على رأس قوة كبيرة لنجدة المدينة(19). وكذلك إرسالهمقوة أخرى لنجدة صحار لما لها من صلات وعلاقة قوية بالداخل العُماني الذي كانت أجزاءمنه تحت سيطرة الجبور فعلاً آنذاك. وكان لصحار أهمية في تجارة الخيول. ومما ساعدعلى امتداد نفوذ الجبور إلى عُمان الداخل وبعض أجزاء من الساحل هو نزاع الأئمةالأباضيين في عُمان في تلك الفترة. وتسجل لنا المصادر البرتغالية حينها انه وصلتلصحار قوة حربية قوامها سبعة آلاف مقاتل من قبيلة الجبور، انه لولا استسلام حاكمهاالمبكر للبرتغاليين لكان لوصول هذه القوة شأن آخر في تغيير وضعصحار(20).

وهاتان الحادثتان في مسقط وصحار تدلان بشكل واضح على أن الجبور ـرغم إمكاناتهم ـ كانوا أول القوى العربية في المنطقة التي بدأت تقاوم الغزوالبرتغالي منذ اللحظة التي وصل فيها للسواحل العربية لأول مرة. ولذا تحدثالبرتغاليون بتعظيم وأهمية عن هذه الدولة وهم في بداية مشروعاتهم العسكرية لضربتجارة العرب في الخليج العربي. ويذكر البوكيرك في مذكراته اليومية أثناء فترة غزوالجنوب العُماني ((أن مسقط كانت جزءاً من مملكة هرمز، أما الجزء الداخلي من البلادفيخضع لحاكم يدعى بن جابر (Ben Jabar) ولهذا الحاكم شقيقان لذا فقد قسمت السلطة بينجابر وأخويه. وتمتد سلطة ابن جابر إلى عدن، ومن الشمال تمتد إلى ساحل بحر الخليج،ومنه إلى حدود مكة))(21). وهذا ما يؤكده مؤرخون برتغاليون آخرون مثل باروس الذي يصفالشيخ ابن جبر بأنه كان يحكم المساحة التي تمتد من البحرين إلى ظفار في عُمان وهيفي حدود خمسمائة فرسخا(22). وربما كانت الحقيقة وراء هذا القول ـ خصوصاً وأنالبرتغاليين لا يعلمون الكثير عن داخل شبه الجزيرة العربية ـ مرده إلى أن الجبوركانوا يغيرون على هذه المناطق ومنها موانئ ساحل عُمان ويجبرونها على دفع نوع منالضريبة أو الأتاوة لهم(23).

وقد تزامن وصول الغزو البرتغالي للجنوب والخليجالعربي وانتشاره في تلك المناطق والبحار مع وجود السلطان (محمد بن أجود) على رأسالسلطة في إمارة الجبور. وكان لابد أن يترك اضطراب التجارة في المياه الشرقية أثرهعلى الوضع السياسي والاقتصادي لإمارة الجبور في أعقاب ذلك الغزو، إذ كانت الأحداثأكبر من أن تستطيع هذه الدولة أن تتغلب عليها وتصمد في وجهها، خصوصاً وقد أعدالبرتغاليون حملتين ضد هرمز بعد عام 1508م، كانتا على التوالي في عامي 1514 ــ 1515م، استطاعوا بعدها إحكام السيطرة على هذه المملكة وممتلكاتها وموانئها، وصاروايتحكمون في مداخل الخليج العربي وبعض أجزاء من سواحله. وبذا أصبح البرتغاليون فيصراع مباشر مع الجبور. وبما عرف عن البرتغاليين من تفوق في قوتهم البحرية،وباتباعهم حيل سياسية واضحة بالتخفي وراء ادعاءات مملكة هرمز بحقوقها في البحرينوالقطيف، تراجع الجبور وضعفت قوتهم(24).

أضف إلى ذلك، تلك المصاعب التيواجهت الدولة في عهد محمد بن أجود حيث أنها كانت تقع عند حدود القوى الإسلاميةالثلاث الكبرى المتصارعة آنذاك في المشرق الإسلامي في وقت ظهور الغزو البرتغالي،وهي (الصفويين ــ العثمانيين ــ المماليك). وكان لابد للجبور أن يحددوا موقفاً مماكان يدور حولهم بين هذه القوى من حروب وهزائم وانتصارات، حيث أن الحياد الإيجابي لميكن ينفع في ذلك الوقت. وغالباً فقد كان الجبور ــ مع عدم وجود معلومات مؤكدة حتىالآن ــ يميلون للتعاون والاتصال بالعثمانيين، خصوصاً بعد خضوع الحجاز للعثمانيينعام 1517م، بعد فتح مصر وسقوط الدولة المملوكية. هاك دليلان على ذلك:
1
ــ وجودعشرين جندياً تركياً (التفنكَجية) كما كان يطلق عليهم آنذاك، مع جيش السلطان (مقرنالجبري) حين تصديه للغزو البرتغالي على البحرين ولكن كما يبدو فأن دورهم اقتصر علىتدريب جيش الجبور على الأسلحة الحديثة من بنادق ومدافع(25).
2
ــ وجود ارتباط غيرمباشر بين العثمانيين والجبور في قيام علاقة المصاهرة بين شريف مكة الذي يدينبالولاء للعثمانيين وبين زعيم الجبور مقرن بن زامل حيث زوج الأخير إبنته لهذاالشريف(26).
وسوف نبدأ الحديث من عام 913هـ وهو العام الذي تلى حج أجود بن زاملالذي أرخه بعض أعلام التاريخ المعاصرين لهذا الحدث(27)، تبدأ أحداث جسام خيمت علىمياه الخليج كان أعظمها هو وصول الغزاة البرتغاليين حيث بدأ مرحلة عصيبة لم يشهدأبناء الخليج مثلها.

مقرن بن زامل الجبري: وهو الحاكم الخامس في سلالة أسرةالجبور الحاكمة في شرق الجزيرة العربية وعُمان الداخل، وقد صار مقرن سلطاناً علىالجبور في العقد الثاني من القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي. ويعتقد أنهربما لجأ إلى العنف في بعض الأحيان ليصحح وضع الإمارة المعوج في ظل وجود أعمامهالضعاف الذين اقتسموا بعض الأملاك، وخاله صالح بن سيف الجبري الطامع في الحكم. ويبدو أن صالحا كان قد استولى على الأحساء لفترة من الوقت بمساعدة بعض القبائلالمناهضة لمقرن، ولذا سمي (السلطان بن السلطان)(28).


ويبدو كذلك أنالسلطان مقرن استطاع بقوته وحنكته السياسية أن يحافظ على وحدة البلاد وعلى هيبةالجبور، فقد نجح في إخضاع قبائل كبيرة كانت متمردة(29).
وقد كان سبب ذيوع صيتمقرن وانتشار شهرته واسمه بين آفاق شبه الجزيرة العربية والخليج هو نجاحه في إفشالهجوم (خواجه عطار) وزير بلاط هرمز على البحرين في نفس عام تولي مقرن السلطة (1511م). وقد وصف ابن إياس مقرناً بأنه ((أمير عربان بن جبر، متملك جزيرة ما بينالنهرين (البحرين) إلى بلاد هرمز الأعلى،سيد عربان الشرق على الإطلاق))(30).
وقدقامت عدة حملات برتغالية في عهد مقرن لغزو البحرين منذ عام 1514م حين حاول بيروالبوكيرك ذلك وفشل، ثم الحملات اللاحقة حتى حملة عام 1521م التي أدت إلى سقوط إمارةالجبور في البحرين والى تدهورها في الأحساء بعد ذلك.


العلاقة بين دولةالجبور ومملكة هرمز:
كان للعلاقة ما بين البحرين أو إمارة الجبور تحديداً، وبينمملكة هرمز وحكامها في القرن الخامس عشر الميلادي، أثر كبير في الأوضاع السياسيةوالاقتصادية بمنطقة الخليج العربي وقد أدى تدهو تلك العلاقة ووصولها إلى قمة مراحلالتنافر، إلى احتلال البحرين من قبل البرتغاليين والهرامزة معاً عام 1521م.
لابدأن نشير هنا إلى أنه منذ بداية النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، الرابع عشرالميلادي، كانت كل من القطيف والأحساء تدينان بالتبعية لمملكة هرمز، في حين أصبحتجزيرة البحرين تُحكم من قبل حكام يعينون مباشرة من قبل ملوك هرمز(31). وظل ملك هرمز (قطب الدين فيروز شاه تهتمن) الذي حكم حتى 1417م، يلقب بملك ((هرمز والبحرينوالحساء والقطيف)). وهذا الحال استمر ما دام لملوك هرمز هيبتهم ونفوذهم في المنطقةوكان ذلك يساعد على تثبيت الأوضاع السياسية في بلاد البحرين أيضا(32).

آلشبيب يقصون آل جبر من الأحساء
تولى مقرن بن زامل زمام السلطة في إمارة الجبور فيحدود سنة 921هـ/ 1515م الذي تزامن مع بداية ظهور أطماع الصفويين والهرمزيينوالبرتغاليين في بلاده، والتي كانت تضم البحرين والأحساء والقطيف، إضافة إلى أجزاءواسعة من نجد وعمان، وقد تزايدت تلك الأطماع بعد أن رافقتها مخاوف عدة من تصاعد قوةمقرن واتساع نفوذه.

ولم يكن آل شبيب، وهم في البصرة، بمعزل عما يجري فيإمارة الجبور، بل لعلهم متورطين في بعض أحداثها. فبعد أن أطاح مقرن بن زامل بحكمخاله السلطان صالح، لجأ الأخير، على أرجح تقدير إلى البصرة كما يرى المؤرخالحميدان، وطلب مساعدتهم. ولعل المعارك التي خاضها السلطان المعزول ضد السلطانالجديد مقرن، كانت بدعم من آل شبيب، وذلك بالإيعاز إلى حلفائهم الأقوياء، كقبيلةبني خالد وبني لام (الفضول)، بتقديم المساعدة إليه, وإذا ما كان قد حدث هذا فعلاً،فلعله يفسر لنا سبب قيام أسطول السلطان مقرن بمهاجمة المراكب التجارية المترددة علىالبصرة، إن لم يكن هناك سببا آخر غير ذلك(33).
لم يقف آل شبيب في تآمرهم علىالسلطان مقرن عند هذا الحد، بل قاموا بمحاولة التقرب من البرتغاليين والتحالف معهمضده، حيث نجد أن الشيخ محمد بن مغامس الفضلي، سلطان البصرة يبعث برسالة إلى ديسكويرا De Sequeira حاكم الهند البرتغالية (1518 ـ 1522م) سنة 1519م (952هـ) تتضمناستعداده لدفع مبلغ 1200 لك أشرفي إذا ما ساندوه في الاستيلاء على البحرين والقطيف،واللتين سوف يعترف بتبعيتهما لملك البرتغال. وقد قام دي سكويرا بدوره بإرسال تلكالرسالة إلى العاصمة البرتغالية لشبونة للحصول على موافقة ملك البرتغالعليها.

ومما يجدر ذكره، أن الباحث يجد صعوبة في معرفة أهداف سلطان البصرةودوافعه من تلك الرسالة بشكل دقيق، إلا أنها لاتعدو أن تكون محاولة منه للرد على ماكان يقوم به السلطان مقرن من محاولات للإضرار بتجارة البصرة البرية والبحرية. أو أنيكون أوسع من هذا وهو الهيمنة بشكل مباشر على أهم موردي للثروة في تلك البلاد، وهماالخيول واللؤلؤ. يضاف إلى ذلك موارد طريق الحج الأحسائي. وإذا ما تحقق لآل شبيب ذلكفإنهم سيكونون، دون شك، من أكثر القوى ثراءاً في المنطقة.
على أن سلطان البصرةكان يدرك سلفا شدة طمع الهرموزيين في تلك البلاد وتكالبهم في الاستيلاء عليها، فهويريد، دون شك إحباط مساعيهم هذه بأن يسبقهم إليها.

لكن رسالة سلطان البصرةهذه ربما كشفت للبرتغاليين أطماعه في البحرين والقطيف، والتي تمثل في الواقع، خطورةشديدة عليهم، إضافة إلى خطورة السلطان مقرن نفسه، مما دفع بهم إلى الإسراع في قطعالطريق عليه بضرب الاثنين معاً، وذلك بغزو تلك البلاد بالتعاون والتنسيق معالهرموزيين والتي انتهت بالاستيلاء عليها سنة 927هـ/1521م وقتل سلطانها مقرن(34). لذا فإن رد ملك البرتغال الذي نقله القبطان دي ميرا De Meirat إلى سلطان البصرة، لميصل إلا في شهر آب (أغسطس) سنة 1521م/ 927هـ(35). ويبدو أن الرد قد تضمن إبلاغسلطان البصرة بقرب القيام بحملة عسكرية هرموزية ــ برتغالية مشتركة ضد السلطان مقرنالجبري، وهو ما كان قد تم فعلاً في الشهر المذكور أعلاه.

لقد كان لتلكالحملة آثاراً عميقة على كيان الجبور. فبعد قتل سلطانهم القوي مقرن وانتزاع أغنىممتلكاتهم، جزيرة البحرين وميناء القطيف، الأمر الذي أربك أوضاعهم على الأصعدةكافة، خاصة بعد أن أظهر سلاطينهم الذين تولوا حكم الأحساء، عقب هذا الحدث الخطير،عجزهم وعدم جدارتهم على انتشال البلاد من وهدتها التي هي فيه، مما أفقد إمارتهم تلكالمكانة البارزة التي كانت عليها في السابق.
وكان طبيعياً أن تبرز الخلافاتوالإنقسامات داخل البيت الحاكم(36)، وأخيراً لابد أن نشير إلى أن النزاع بين آلشبيب وابن عليان الطائي، والذي كان قائماً منذ عدة سنوات(37)، ليس هو بالخطر الداهمالذي قد يحدق بالبصرة.

إن آل شبيب حزموا أمرهم وقاموا بالتدخل عسكرياً فيشؤون الأحساء بقيادة راشد بن مغامس، في أوائل عام 931هـ/ أواخر عام 1524م أو أوائلالعام الذي تلاه(38)، مما يحمل على الاعتقاد بأنَّ توقيته كان مرتبطا أشد الارتباطبالأوضاع السائدة في المنطقة، والتي أشرنا إليها، إضافة إلى أوضاع الجبور أنفسهم. إلا أننا لا نملك معلومات كافية، مع الأسف، عن خطط هذا التدخل، ولا عن الكيفية التيتم بها، فمصدرنا الوحيد هو الجزيري وما علينا سوى التأمل جيداً في ألفاظهومراميه.

إن خطط التدخل قد أعدت بتكتم شديد، ومسيرتها لم تكن توحي بمقصدهاوهدفها لحين وصولها إلى الأحساء، وانضمام جميع المشاركين بها والمتحمسين لفكرتها. وهنا يقتضي القول، أنه من المستبعد أن يكون زعماء الجبور قد فكروا فيما سوف يقدمعليه الشيخ راشد عقب ذلك، حيث يحتمل أن كرههم الشديد لحاكمهم ولهفتهم إلى رؤيته وقدأطيح به، حجبت عنهم تصور ما سيحدث لبلادهم مستقبلاً. في حين كان الشيخ راشد منجهته، قد حزم أمره وبيَّت ما كان ينويه وأعد الوسيلة التي يعتزم اتباعها، وهو مانفذه فعلاً، ونجح فيه.

ولعل كريستوفاو دي مندوزا Cristovao de Mendoca،قبطان هرموز، أي حاكمها البرتغالي، (1527 ــ 1530م)، كان يشير إلى سلوك راشدالسياسي حينما تحدث عنه في رسالته لملك البرتغال واصفاً إياه بقوله: ((إنه قد تمكنبدهائه من الاستيلاء على كل البلاد التي هي بحوزته الآن))(39).


زوالإمارة الجبور سنة 931هـ ــ 24/1525م:
يعتبر عام 931هجرية أي عامي 24/1525م هوالعام الفعلي لزوال إمارة الجبور كما ورد في أحداث ومجريات قتل الشيخ مقرن ودفنه فيالقطيف سنة 927هجرية، ولقد أفل نجم الجبور في سلطنتهم بالبحرين والقطيف(40) حيث حلمحلهم آل فضل وصار شيخهم راشد حاكماً على البصرة والقطيف والأحساء في آنواحد.
بدأ من عام 931هـ ــ 1525م حيث حكم الأحساء، ثم الأحساء والبصرة عام 934هـــ 1528م ثم البصرة والأحساء والقطيف سنة 944هـ ــ 1537م حتى وفاته 946هـ ــ 1539م.

يرى الحميدان معلقاً على الجزيري: بأن القطيف لم تكن تحت حكم راشدسنة 931هـ ــ 24/1525م.
يرى الحميدان معلقا على الجزيري: بأن القطيف لم تكن تحتحكم راشد سنة 931هـ 24/1525م إذ إن مقتل مقرن كان سنة 927هـ وهذا يعني ان راشداًاستولى على القطيف بعد عشر سنوات كما يرى الحميدان مما يدل على أن استيلاءه علىالقطيف كان سنة 936هـ على أقل تقدير ــ بتحليل الحميدان ــ ويقول في عبارته: (وهنايقتضي تصحيح خطأ تاريخي وقع فيه الجزيري نفسه حينما أقحم القطيف ضمن ما استولى عليهالشيخ راشد في أثناء حملته هذه، فالقطيف كانت في الواقع قد خرجت من أيدي الجبور قبلذلك بمدة من الوقت (يقصد سنة 927هـ) إذ هي في تلك الأثناء كانت تحت حكم الهرمزيين (يقصد إدارة هرمزية من البرتغاليين) ولم يتسن لراشد الاستيلاء عليها إلا بعد مضيأكثر من عشر سنوات من استيلائه على الأحساء(41).
وقد قال الحميدان معلقاً علىقول الجزيري: (قوي عليهم وأخذ منهم الحسا والقطيف وأعمالها)(42).
وفي هذا العاموصل إبراهيم باشا الصدر الأعظم إلى مصر في أوائل عام 931هـ ــ 1525م على رأس قوةعثمانية كبيرة إثر عصيان واليها أحمد باشا، وبقي هناك فترة طويلة نسبياً، الأمرالذي جعل البرتغاليين يتوجسون من احتمال خروجه على رأس حملة بحرية من هناك تستهدفهمفي بحر العرب(43) والخليج وهو ما يحتاط له البرتغاليون دائماً(44).


راشدبن مغامس سلطاناً على الأحساء
يحلل عبد اللطيف الحميدان مسألة السلطنة تحليلاًجيداً، فقال:
في البداية يجدر بنا الوقوف عند نقطة هامة تتعلق بما أثاره المؤرخالجزيري من إشكال تاريخي حينما وصف راشد بن مغامس بأنه سلطان البصرة، عندما قامبحملته على الأحساء. ويدخل في هذا الصدد قوله أيضاً: بأن الشيخ راشد، بعد إكمالمهمته بنجاح في الأحساء.. عقد ولاية البصرة لأخيه محمد وأقام هو بالحساوالقطيف(45).
إن استقراء الوقائع والأحداث والتدقيق في المصادر القريبة منها،يتضح خطأ التصور الذي ذهب إليه الجزيري. فراشد لم يكن في الواقع سلطاناً على البصرةأثناءها بل أخوه الأكبر محمد كان هو سلطانها(46)، أما راشد فلم يكن سوى ساعدهالأيمن والمشارك النشط في إقامة إمارة آل شبيب، والمتميز بشجاعته وحنكته بين أبناءمغامس. أما توليه قيادة حملة الأحساء فلأنه الرجل الكفء لهذه المهمة بما اشتهر عنهكقائد قدير للمنتفق، بل وقد يكون إسناد قيادتها له قد تم برغبة شخصية منه، وباتفاقمع زعماء الأحساء، أنفسهم والذين هم على اتصال معه. ويدخل في هذا التعليل أيضاًاحتمال أن تكون العلاقة بين الأخوين محمد وراشد قد أصابها توتر، وفتور خلال هذهالفترة، كما سوف نشير إليها بعد بضعة اسطر، الأمر الذي دعا راشد إلى أن يبتعد عنالبصرة برغبته الشخصية، أو أن أخيه محمد هو الذي رغب بذلك.

ويلاحظ أن أقوالالجزيري تفتقر إلى الدقة أيضاً، في جانب آخر غير ما ذكرنا، فهو قد جعل استيلاءالشيخ راشد بن مغامس على القطيف قد تم جنباً إلى جنب مع استيلاءه على الأحساء(47). فالوقائع تناقض ذلك،إذ أن القطيف، وكما سبق أن مر بنا، كان قد تم استيلاءالهرموزيون عليها بمشاركة البرتغاليين سنة 927هـ/ 1521م، وأنها بقيت تحت حكمهم،فترة طويلة نسبياً إلى أن انتزعها الشيخ راشد منهم في سنة 945هـ/1538م.
إنالسلطان راشداً كان قد تعرف جيداً على احوال الخليج العربي وعلى الأهمية الاقتصاديةللبحرين، وذلك أثناء إقامته الطويلة في تلك الجهات، وأدرك حاجته للقوة البحرية أكثرمن ذي قبل. لذا فإنه حذا حذو السلطان الشهيد مقرن الجبري، وباشر بإنشاء تلك القوةمستفيداً من الكفاءات في ميدان البحرية التي بقيت في بلاد البحرين بدون عمل إثرتدمير البرتغاليين لأسطول السلطان مقرن إضافة لخبرة أهل الحساء، بأمور البحر،واستخدام الحرفيين من الترك في ميدان النجارة وسلاح المدفعية والبنادق(48)، والذينجاءَ بهم، على الأغلب من الحجاز. لكن هذا العمل من جانب السلطان راشد، أكد مخاوفالهرامزة والبرتغاليين على حد سواء مما يضمره راشد من نوايا وأهداف. فسياسةالبرتغاليين في الخليج لاتختلف عن مثيلاتها من دول الاستعمار الأوربي التي أعقبتها،فهي تسعى بشكل دائم إلى إبقاء سكان المنطقة في حالة ضعف، وذلك بمنعهم من بناء قواهمالذاتية على الأصعدة كافة، وخاصة في ميدان القوة البحرية وامتلاك السلاح الناري،والذي أخذ في الظهور والانتشار في تلك الفترة. ومن هذا المنطلق بادر مندوزا قبطانهرموز، في أواخر صيف 1528م بإرسال رسالة تهديد إلى السلطان راشد بن مغامس، مطالباًإياه بتسليم ما بحوزته من سفن وأسلحة نارية، إضافة إلى الجنود الروك (الترك)، الذينكان يستخدمهم. فحاول السلطان راشد من جانبه تهدئة مخاوف البرتغاليين وكسب ثقتهم،لكنه فشل أمام إصرارهم وغطرستهم، ألأمر الذي أدى إلى إثارة نزاع فيما بينهما، استمربضع سنوات، من دون أن يخضع سلطان آل شبيب للضغوط العسكرية، والاقتصادية البرتغاليةالتي مارسوها ضده بل وقف بصلابة في مواجهتها(49).
أن فشل البرتغاليين في إخضاعالسلطان راشد لمشيئتهم، رافقه فشل آخر أكبر من سابقه، وشكل كارثةعليهم، وذلك حينماعجزوا عن انتزاع البحرين من الرئيس بدر الدين الفالي وإحلال حاكم آخر بدلا عنه(50)،وذلك في أعقاب اعتقالهم لابن عمه وصهره الرئيسشرف الدين لطف الله الفالي. ولابد أنتكون هذه النكسات التي أصابت البرتغاليين سنة 1529م، هي فرصة مناسبة عسكريا لكييتحرك السلطان راشد أو ولده مانع حاكم الأحساء، نحو القطيف التي كانوا يتطلعون ــولا شك ــ إلى انتزاعها مع البحرين، لكنهما، فيما يبدو، فضلا التريّث لوقت آخر أكثرملائمة. على أنه من المحتمل أن الضغط المتواصل الذي كان يمارسه آل صبيح، من بينخالد، على القطيف، وهجماتهم المتكررة عليها(51) كان يتم بتحريض غير مباشرمنهما.

يشير المؤرخ الحميدان إلى إستنتاج جيد بقوله :
((
ومن الجديربالذكر أن الذين كانوا يتولون أمر الدفاع عن القطيف بشكل رئيسي، في هذه الأثناء،ويتصدون لهجمات بني خالد (آل صبيح)، هم بنو جبر أنفسهم بقيادة الشيخ فضيل الزاملالجبري. على أن هذا الحدث ذاته يمثل أقدم إشارة وجدناها تخص استقرار بني خالد فيالمنقطة، إضافة إلى استمرار الجبور أيضاً، كقيادة مستقلة وقوة نشطة، تمارس دوراًسياسياً وعسكرياً مؤثراً في المنطقة)).

إن السلطان راشد وولده الشيخ مانعشغلا عن أمر القطيف لفترة طويلة نسبياً بما هو أدهى وأمر، ذلكم أن حلفاء الأمس، وهمبنو خالد وبنو لام، قد توترت العلاقات معهما، وقد إنتهي الأمر إلى صدامات متكررةبينهما.
ولعل الوثيقة الهرمزية كانت تشير إلى بعض وقائع هذا الصدام، حينما ذكرتأن هاتين القبيلتين قامتا في أوائل سنة 941هـ/ أوائل صيف 1534م، بمهاجمة قافلة الحجالأحسائي. ولعل هذا قد حدث بعد انفصالها عن قافلة الحج البصري، فنهبوا منها أموالاًطائلة، مما حمل السلطان راشد وولده الشيخ مانع على القيام بمحاربتهما من دون أننعرف نتائج هذا الغزو(52).
ثم أن هناك هاجساً أكبر شغل به آل شبيب، عن أي أمرآخر، ذلكم هو استيلاء السلطان العثماني سليمان القانوني على بغداد في شتاء عام 941هـ ــ 1534م وطرده.


الاحساء سنة 933هـ / 1527م:
يبدو أن الأمور فيالأحساء قد استقرت تماماً وأن تجارتها قد انتعشت في ظل الشيخ راشد بن مغامس ويرويالجزيري بأن الشيخ راشد بن مغامس قاد ــ شخصياً ــ سنة 933 هجرية إحدى قوافل الحجيجوكانت تضم خمسة آلاف حاج وقد وصفهم الجزيري بأنهم (من بلدان شتى) ولاشك بأن قافلةالحاج القطيفي ضمن الركب كما هو المتبع وهي عادة سكان السواحل في الخليج، ولاشك أناجتياز هذه القوافل لمناطق نجد المختلفة دليل على هيبة حاكم الأحساء وصلاته الحسنةمع تلك الزعامات التي تمر بديارهم ويرى الحميدان بأن ذلك يعني أن نفوذ آل شبيب بدايحل محل الجبور في أجزاء واسعة من نجد، بل إن بعضاً من تلك المناطق قد خضعت لحكمهمالمباشر(53).

ويبدو أن الشيخ راشد قد عاد إلى البصرة بعد الحج مع قافلة حجاجالبصرة في أخريات عام 933 هجرية وتولى الحكم فعلاً بعد وفاة أخيهمحمد.


السلطان راشد في حجه سنة 933هـ كما يرويه الجزيري بقوله :
ونضعهنا نصاً أورده الجزيري عن السلطان راشد بقوله(54): ((سلطان الشرق: الشيخ راشد بنمغامس بن صقر بن محمد بن فضل، سلطان البصرة والحسا والقطيف، حج في سنة ثلاث وثلاثينوتسع مئة (هجرية) في ولاية الأمير تنم بن مغلباي على الحج، في نحو خمسة آلاف نفسعلى رواحل، ونزل الأبطح. وكانت ولايته على الشرق في سنة إحدى وثلاثين وتسع مئةهجرية، فاستقل بالبصرة واستعان به بنو جبر لضعف حالهم، فقوي عليهم، وأخذ منهم الحساوالقطيف وأعمالهما. وذلك لما استولى الأعداء من الفرنج المخذولين (يقصدالبرتغاليين) على بلادهما(55)، وقتلوا سلطانهم الشيخ مقرن بن زامل بن حسين بن ناصرالجبري في سنة سبع وعشرين وتسع مئة هجرية ثم وليها بعده عمه علي بن أجود نحو شهرين،فأخذها منها بن أخيه ناصر بن محمد بن أجود، فأقام ثلاث سنين، وأعطاها بيعاً لقطن بنعلي بن هلال بن زامل، فأقام فيها نحو سنة، ثم مات فخلف ولده، ثم عجز عنها، ودفعهالغصيب (قضيب) بن زامل بن هلال فأقام بها نحواً من سبعة أشهر، فأخذها منه بالحربالشيخ راشد بن مغامس وولى البصرة أخاه محمداً، وأقام هو بالحساء والقطيف، وخرج للحجمنها صحبة الشيخ يحيى بن أخيه محمد، والشيخ مهنا، وقاضيهم الشيخ العلامة جمال الدينمحمد بن عبدالعزيز الشهير برفرف (زقزاق) المكي البصري، الشافعي. ولحقهم السلطانالشيخ راشد بالطريق بعد نصف شهر، ورافقهم قوم كثير من بلدان شتى.

مانع حاكماللاحساء سنة 934هـ ــ 27/1528م:
عاد الشيخ راشد إلى البصرة وذلك لأسباب كثيرةمنها أن وفداً أقنعه بالعودة لكبر سن أخيه حاكم البصرة، وهذا يعني أنه ولى حاكماًفي الأحساء ينوب عنه، إنه ابنه مانع(56).


السلطان راشد بن مغامس يتلقىرسالة برتغالية سنة 935هـ / 1528م:.
إن مخاوف البرتغاليين تكمن في امتلاك العربالأسلحة النارية التي انتشرت بين العرب منذ أكثر من قرن من الزمان وبدأوا يصنعونها،وفي ظل هذه المخاوف بادر القبطان مندوزا (قبطان هرمز) في أواخر صيف 1528م بإرسالرسالة تهديد إلى السلطان راشد بن مغامس، مطالباً إياه بتسليم ما بحوزته من سفنوأسلحة نارية، إضافة إلى الجنود الروم (الأتراك) الذين كان يستخدمهم، فحاول السلطانتهدئة مخاوف البرتغاليين وكسب ثقتهم، ولكنه فشل أمام إصرارهم وغطرستهم، الأمر الذيأدى إلى إثارة نزاع فيما بينهما، استمر بضع سنوات دون أن يخضع سلطان ال شبيب للضغوطالعسكرية والاقتصادية البرتغالية التي مارسوها ضده بل وقف بصلابة فيمواجهتها(57).

يشير الحميدان إلى: أن فشل البرتغاليين في إخضاع السلطان راشدلمشيئتهم، رافقه فشل آخر أكبر من سابقه، وشكل كارثة عليهم، وذلك حينما عجزوا عنانتزاع البحرين من الرئيس بدر الدين الغالي وإحلال حاكم آخر بدلاً عنه، وذلك فيأعقاب اعتقالهم لابن عمه وصهره الرئيس شرف الدين لطف الله الفالي(58).
ولابد أنتكون هذه النكسات التي أصابت البرتغاليين سنتي 1528 و1529م فرصة مناسبة عسكرياً لكييتحرك السلطان راشد حاكم البصرة أو ولده حاكم الأحساء نحو القطيف التي كانوايتطلعون ــ ولاشك في ذلك لانتزاعها ــ هي والبحرين من سيطرة الهرامزة، لكنهما فضلاالتريُّث، فيما يبدو لوقت آخر يكون أكثر ملاءمة، على أنه من المحتمل أن الضغطالمتواصل الذي كان يمارسه آل صبيح من بني خالد على القطيف وهجماتهم المتكررة عليهاكان يتم بتحريض غير مباشر منهما(59).



ملك الأحساء يتوجه إلى القطيفسنة 935هـ/ 1529م :
في عام 1529 ميلادية تواترت الأصداء بأن هناك محاولات من ملكالأحساء للسيطرة على القسم الشمالي من الخليج وذلك من خلال رسالة بعث بها وزير هرمزركن الدين إلى الوزير المعزول شرف الدين والرسالة لاتحمل تاريخاً. ولقد عرفتالرسالة بأنها تعود للعام المذكور من خلال وجود شرف الدين بالمنفى ووجود القبطان (مرتين أفونصو دوميلو) على رأس إدارة هرمز حيث خص الوزير جل رسالته لأحوال الخليجوعلى رأسها البحرين والقطيف والبصرة، وأهم ما يتجلى في قراءتها المحاولات الجادةالتي بذلها ملك الأحساء ابن راشد للسيطرة على تلك المواقع المهمة، فقد أكد الوزيرفي رسالته على: (أن ملك الأحساء مقبل على القطيف وعازم على الاستيلاء على البحرين) وقد كان هناك تدخل لأعيان الأحساء والقطيف، إلا أن إبن راشد استمر في عناده واستقربالقطيف(60) ليسهل عليه الانقضاض على البحرين، وقد استاء أهالي الأحساء لذلك فعندماعلموا بذلك وخصوصاً رجاله وباقي مرافقيه من سكان الأحساء حتى فر عنه أغلبهم بصحبةأبنائهم وزوجاتهم وكان من بين الأحسائيين الفارين إلى البحرين الشيخ محمد بن مسلميرافقه صحبة من قومه. ومحمد بن رحال مع ذويه يرافقه كثير من الأحسائيين وطلبواالحماية من والي البحرين وقد أجبرت هذه الهجرة ملك الأحساء إلى الالتحاق بالبصرةالتي كان يطمع في حكمها، إلا أن سكانها هزموه حتى أنه لم يستطع الفرار إلا بصعوبة،وفي هذه الأثناء مات ملك البصرة وهذا الحدث جعل أهلها يغيرون موقفهم ويفتحون لهالأبواب ويبايعونه ملكاً عليهم(61).
فتوسعت مملكته، وهذا يعني أن البصرة قدانضمت إلى مناطق حكمه، وقد جاء في مصطلح (شمال الخليج) أن (البصرة والقطيف والأحساءوالبحرين) كانت تحت حكومة واحدة. وتشير أحداث عام 1529م إلى أن أهالي البحرين ثاروالنفي المستشار الأول لشيخ هرمز إلى البرتغال، حيث أرسل الملك حملة لقمع هذه الثورةغير أنها فشلت نتيجة نقص استعداداتها، وكان السبب في ذلك نونو دي كونها حاكمالمستعمرات البرتغالية في الهند(62).
ربما كان السلطان مانع يفكر في السيطرة علىالبحرين ولكنه أرجأ ذلك ولهذا هرب بعض الأحسائيين إلى البحرين(63).

ويضيفالحميدان قائلاً: ((فالهاجس المسيطر على الشيخ مانع في هذه الأثناء لم يكن البحرين،بل هو الاستيلاء على البصرة،إذ قد يكون قد خطط لذلك لكي يفاجئها بهجوم من جهة لاتتوقعه وهو طريق البحر والنهر. ولربما كان توقيته لمثل تلك العملية قد حسب بدقة لكيتحقق نجاحاً في أسلوب المباغتة، وهو أن يتزامن إبحار سفنه مع دخول عداد كبيرة منالسفن إلى شط العرب لنقل تمور البصرة)).

ويمكن أن يضاف إلى ذلك أن من مزاياتلك الحملة على البحرين ــ إذا ما نفذت ــ، هو تحاشيها المقاومة البرية القويةإضافة إلى متاعب الطريق الصحراوي. وعلى وفق هذا التصور فإن الشيخ مانعاً سعى لكييزج بسفن بلاده في تلك الحملة، دون الكشف عن نواياه واتجاهاته، الأمر الذي أثارالتكهنات حول مقاصده. وبما أن البحرين هي الأقرب إليه، لذا فإن ورودها كهدف لذلكالحشد هو أمر متوقع، بل قد يكون الشيخ مانع نفسه هو الذي أشاع ذلك الخبر إبعادالأنظار عن هدفه الحقيقي.



الشيخ مانع سلطاناً على البصرة والأحساءوالقطيف سنة 949هـ ــ 1542م:
إن الوقائع والأحداث التي واجهها الشيخ مانع، تمثلدون شك فشلاً ذريعاً لسياسته ونياته، وكان يفترض فيه أن يعيد النظر فيها، لكنه أدارظهره وصمم على تنفيذ ما كان قد اعتزمه، فظعن من القطيف ويمم شطر البصرة، عله يحظىبالفوز بآماله كافة.

إن حملته التي كان يريد لها أن تكون مباغتة هي التيفقدت ذلك العنصر، فتعرضت لهجوم مباغت جوار البصرة، مما أدى إلى تمزيقها وإصابةالشيخ مانع نفسه بجروح بليغة حيث لم ينج إلا بشق الأنفس(64). ومن غرائب الأقدار أنهلم يمض على اندحار الشيخ مانع وعودته خائباً إلى الأحساء، سوى فترة قصيرة حتى وافتهالأنباء في أواخر سنة 949هـ ــ 1542م بوفاة الشيخ عثمان بن محمد الفضلي حاكم البصرةوتنصيب أبنه محمد خلفاً له، رغم صغر سنه. فما كان من راشد إلا أن انتفض مجدداً ونسيكل ما عاناه من نكسات وما تحمله من متاعب، وأخذ في حشد أتباعه، وتنظيم صفوفهم بصورةأفضل من سابقها، ثم سار بهم يحث الخطا نحو البصرة. وقد حالفه الحظ هذه المرة وفتحتله البصرة أبوابها فور وصوله، فدخلها دون أدنى مقاومة. بل لقي استقبالاً حاراً منأعيانها وكأنهم يقرون بأحقيته في حكمها الآن، حيث نصب فوراً حاكماًعليها(65).
نجح الشيخ مانع بن راشد الفضلي في تحقيق حلم طالما راوده وأمضى زهاءثلاث سنوات وهو يكافح لكي يتوج على البصرة والأحساء والقطيف معاً، مثلما كان والدهمن قبل. لكن فرح السلطان مانع بفوزه هذا لم يدم طويلاً إذ لم يهنأ بمنصبه الجديد ماكان يأمل. فتوحد إمارة آل شبيب تحت قيادته أثار حسد خصومه في الداخل مثلما أثارمخاوفهم في الخارج، وعلى الأخص أثرياء الأحساء والقطيف الذين لجأوا إلى البحرين حيثلم يعد يشغلهم شاغل سوى التفكير بالانتقام منه، لذا وضعوا كل إمكاناتهم تحت تصرفحاكم البحرين محمود الفالي لكي يلحق الأذى بالشيخ مانع، الذي اختار أن تكون القطيفهدفاً له فقام بهجوم مباغت استهدف السفن الراسيةفي القطيف، فأحرق منها ما يقاربالمئةوالخمسين سفينة ما بين كبيرة وصغيرة(66) مما ألحق ضرراً كبيراً بأصحابهاوبالنشاط التجاري لميناء القطيف.

ومن الطبيعي أن يثير هذا العدوان المبيتثائرة الشيخ مانع، ويسارع إلى الرد عليه، فأمر بالاستيلاء فوراً على سفن أهلالبحرين الراسية بالبصرة وشط العرب ومصادرة حمولتها(67)،مما يعني أن ميدان الصراعبين محمود الفالي ومانع الفضلي قد امتد إلى البصرة.

على أن المهم في الأمرهو أن الإجراءات التي اتخذها الشيخ مانع ضد تجار البحرين لم تقابل فيما يبدوبارتياح في البصرة نفسها، وخاصة بين أوساط تجارها، حيث من المحتمل أن يكون بينهمعدد مؤثر من أصول أحسائية وقطيفية، فرأوا أن تلك التدابير سوف ينتج عنها ضرر بتجارةالبصرة نفسها، فضلاً عن أن معارضيه استغلوها واتخذوها ذريعة لإثارة السخط والاستياءضده(68).


وتعزو الوثيقة التي نستند إليها بهذا الخصوص سبب الإطاحة بحكمالشيخ مانع إلى تلك التدابير التي كان قد اتخذها بحق تجار البحرين، إلا أن هذاالسبب الذي ذكر لا يكفي لتفسير ما وقع للشيخ مانع لاحقاً، إنما التأثير الضار لتلكالتدابير على النشاط التجاري بالبصرة وعلى مصالح تجارها بالذات إضافة إلى أنه يكشفبوضوح عن الثقل السياسي الذي يتمتع به التجار في البصرة، وخاصة من ذوي الأصولالأحسائية والقطيفية، والدور الكبير الذي استطاعوا ان يلعبوه في الأوساط المختلفة،وفي خلق الأجواء التي ساعدت على الإطاحة بحكم الشيخ مانع(69).

ويقولعبداللطيف الحميدان: يفترض أن يكون أشد المتربصين بالشيخ مانع، هم أكثرهم قرباًوطمعاً بالسلطة، مما يحتم أن يكون أبناء عمومته على رأس المتآمرين عليه، وأن أخطاءالشيخ مانع وهفواته ساعدتهم على الاقتراب من مبتغاهم (70).
إن المعارضين نجحواسريعاً في إرغام الشيخ مانع بن راشد على التخلي عن الحكم في البصرة، وذلك سنة 951هـــ 1544م وهو لم يكمل عامه الأول فيه، وأن يقبل اقتسام المملكة مع أبناء عمه، حيثتكون الأحساء والقطيف من نصيبه، أما البصرة فتكون من نصيب ابن عمه يحيى بن محمد بنمغامس، والذي تم تنصيبه سلطاناً عليها إثر ذلك، في حين عاد الشيخ مانع إلىالأحساء(71).


الشيخ مانع يستعين بالبرتغاليين :
لم ينته التآمر علىالشيخ مانع عند هذا الحد، بل لاحقه حتى وهو في الأحساء أيضاً. فما أن تولى ابن عمهيحيى بن محمد الفضلي، حكم البصرة، والذي وصف بأنه متحمس جداً لكسب صداقةالبرتغاليين(72)، حتى بادر إلى إعادة سفن البحرينيين المصادرة إلى أصحابها وعوضهمعما فقدوه من مال وأضرار(73)، وكأن مبادرة أمير البصرة الجديد هي رسالة غير مباشرةلحاكم البحرين خاصة وللهرموزيين عامة، يعلن فيها تبرؤ أهل البصرة من أعمال أميرهمالسابق الشيخ مانع، ومن تصرفاته، والذي لايزال وهو مقيم في الأحساء يمثل خطرا عليهمجميعا، مما يستوجب التعاون معها لمحاصرته هناك وفرض عزلة عليه.

وقد فهم حاكمالبحرين سريعا تلك الرسالة، وحرص أمير البصرة الجديد على صداقته، فتجاوب معها وأجرىاتصالا بهذا الشأن مع قريبه الرئيس ركن الدين بهاء الدين الفالي، الوزير الأوللمملكة هرموز، ونقل اليه مخاوفه من احتمال تعرض بلاده للمخاطر نتيجة لعودة الشيخمانع، الحاقد عليه، إلى الأحساء(74). وكان طبيعي ان يتجاوب الرئيس الفالي مع قريبهحاكم البحرين، خاصة وأن البحرين نفسه قد غدت، في واقع الأمر، إقطاعية لأسرةالرؤوساء الفالية يتقامسون منافعها وإيراداتها فيما بينهم، حيث يمتلكون قسما كبيرامن نخيلها ويسيطرون على معظم تجارتها(75). كما أن الرئيس الفالي نفسه وجد في الخطرالمزعوم الذي يمثله مانع، فرصة لكي يزج بالبرتغاليين في عمل قد ينتهي إلى إضعافقبضتهم على مملكة هرموز، مما يتيح له الفرصة لكي يتدبر مصالحه ومصالح أسرته وامرالمملكة بعيدا عن ضغوطهم الشديدة.

ومن هذا المنطلق، بادر ركن الدين إلىالتداول مع مرتينيو دي ميلو Martinho A. de Milo قبطان هرموز (1541 ــ 1544م)، بشأنالبحرين، واقترح عليه إرسال أسطول برتغالي ليرابط هناك أو القيام باحتلال القطيفوبناء قلعة فيها لتكون دعامة لأمن البحرين. لكن دي ميلو رفض ذلك، محتجا بأن الأعباءالكبيرة التي تثقل كاهل حكومته بالهند تحول دون ذلك، واقترح بدلا من ذلك أن يقوموزير البحرين نفسه بتجهيز مثل ذلك الأسطول، معتمداً على إمكاناته الذاتية وليستخدمهفي احتلال القطيف، والتي سيكون حكمها بعدئذ خالصا على إمكاناته الذاتية وليستخدمهفي احتلال القطيف، والتي سيكون حكمها بعدئذ خالصا له، ومن دون أن يطالب بالتزاماتمالية تجاه سلطان هرموز. وقد تم تبني هذا الاقتراح في هرموز، وبعث كل من سلطانهاوقبطانها برسائل إلى حاكم البحرين، كل على انفراد، يحثانه على العمل بهذا الاقتراح. لكن الحاكم المذكور محمود الفالي لم يتجاوب مع ما طلب منه، بالرغم من مغرياتهالمادية وحماس كل من محمد بن الرحال والشيخ محمد بن سلطان بن مسلم لتنفيذه، وذلكبوضع إمكاناتهم المادية الكبيرة تحت تصرفه(76). ويبدو أن وزير البحرين نظر إلىالأمر من زاوية بعيدة، في ضوء تجارب تاريخية سابقة، وهي ضخامة المخاطر والخسائرالجسيمة التي يتوقع أن يواجهها في القطيف على المدى البعيد، إن لم تكن في حينه، بلوالأكثر من ذلك أن يكون خلف ذلك الاقتراح نوايا برتغالية لانتزاع حكم البحرين منهالأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة حكمه إن لم يكن إلى زواله.
إن سلطان الأحساءوالقطيف لم يكن يغافل، فيما يبدو عما يدور حوله ويحاك ضده، من أطراف عدة، فمراهناتهؤلاء الخصوم كانت على القوة البرتغالية، بعد أن أخذت معظم القيادات في الخليجتتنافس حول كسبهم إلى جانبها، فما عليه إلا أن يحذو حذوهم ويحمى كيانه، خاصة وأنالقوة العثمانية، والتي كان يأمل منها الكثير، قد وقفت موقف المتفرج، منه في وقتكان يواجه فيه أصعب المواقف ويتجرع مرارة الهزائم والنكسات. وإذا ما كان هدفالمتآمرين عليه، هو الاستيلاء على القطيف، فإن بإمكانه أن يستخدمها هو نفسه ورقةلخلط أوراقهم وقلب خططهم. بل وقد يصل الأمر إلى أبعد من هذا، وهو استفزازالعثمانيين أنفسهم ودفعهم إلى خضم المعركة في الخليج العربي.

وفي ضوء هذاالتوجه، بعث الشيخ مانع الفضلي برسالة مثيرة في شعبان سنة 951هـ تشرين الثاني (نوفمبر 1544م) إلى لويس فلكاو بريرا Luis Falcao Pereira، قبطان هرموز الجديد (1544 ــ 1547م) يعبر فيها عن رغبته في صداقة ملك البرتغال، وحرصه على توثيقها،واستعداده لتسليم القطيف إليه، على أن يأمل في المقابل أن يمده ملك البرتغال بالدعمالعسكري المؤثر لكي يستطيع استرجاع عرشه الذي اغتصب منه بالبصرة(77).

أثارتتلك الرسالة وما انطوت عليه من أمر غير متوقع تماماً ردود فعل متباين في هرموز، حيثراوحت بين الحماس لعرضها والتردد في قبولها. ففي الوقت الذي استقبلها الحاكمون فيهرموز بفرح غامر، إذ جاءت متطابقة مع تطلعاتهم في استعادة القطيف، نجد من الجهةالأخرى أن القادة البرتغاليين يصابون بالإرباك الشديد والحيرة. فاتفاقياتهم مع ملوكهرموز تلزمهم في الواقع بالدفاع عنها والمحافظة على أراضيها، وتعطي لزعماءها حق طلبتلك المساعدة. (78) إلا ان هذا الطلب قد جاء في وقت لم يكن في حوزة البرتغاليين سوىقوة عسكرية صغيرة لا يمكن الزّج بها في مثل هذه المغامرة التي قد تكلفهم الكثيروتعرضهم لمساءلة رؤسائهم في الهند، إن لم يكن معاقبتهم. لذا فإن قبطان هرموز رأى أنأفضل طريق يمكن أن يسلكه للتعامل مع هذا الموقف المحرج هو بالتريث والمماطلة. ومنهذا المنطلق فإنه قام بإرسال مبعوث برتغالي إلى الشيخ مانع، حاملاً إليه رد القبطانعلى رسالته، إضافة إلى تكليفه بجمع المعلومات العسكرية عن المنطقة. فقام ذلكالمبعوث البرتغالي بالتوجه نحو الأحساء وقابل الشيخ مانع هناك، حيث عرض عليه شخصياًالشروط التي يراها القبطان لدعمه عسكرياً من أجل استعادة عرشه. وكانت تلك الشروطتتلخص في فقرتين رئيستين. أولاهما: ضرورة تسليم القطيف قبل الشروع بتقديم الدعمالعسكري المطلوب، وثانيهما: أن يتعهد الشيخ مانع بدفع مبلغ معين من المال في كل عامإلى خزانة مملكة هرموز، بعد استعادة عرشه(79). ومن الواضح أن الشروط التعجيزية التيتضمنها رد القبطان أريد بها التملص من الموقف الذي وضعه فيه الشيخ مانع عندما بعثإليه بتلك الرسالة، لأنه يدرك سلفاً بأن مانع سوف لن يقبل بها. كما قد يكون القبطاناستهدف من إرسال مبعوث برتغالي هو لغرض استكشاف دوافع الشيخ مانع الحقيقية منرسالته تلك. على أن ما نجهله هو رد الشيخ مانع على تلك الشروط، لكن من المتوقع أنهااتسمت بالحذر لإخفاء حقيقة ما كان يضمره.

ولعل من المفيد إيراد بعض مماانطوت عليه رسالة القبطان إلى ملك البرتغال، خاصة وأن تلك الرسالة لاتزال مخطوطة،إذ لم تظهر في المجموعات الوثائقية البرتغالية المنشورة، وهي مؤرخة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1544م (ذو القعدة: 951هـ). إذ يقول قبطان هرموز فيها:
((..
وصلتني قبلبضعة أيام رسالة من ملك الأحساء (الشيخ مانع) يعبر فيها عن رغبته في صداقة مولاي،ويبين بأنه لم يقم بالاستيلاء على القطيف إلا من أجل تسليمها إليه، ويطلب أن يحظىمن مولاي بالدعم والمساعدة ضد البصرة لأنه كان ملكها الشرعي، إلا أنها انتزعت منهبالقوة. فقمت بالرد على رسالته، والتي حملها إليه مبعوث برتغالي، حيث تضمنتالاشتراط عليه بتسليم القطيف قبل كل شيء، لكونها دوماً تابعة لمملكة هرموز، وإذا مافعل ذلك عندها سوف ينال مساعدة مولاي ضد ملك البصرة لأنه أحق منه بالملك. ثم إذا تمتحقيق ذلك فعليه الالتزام بدفع مبلغ من المال كل عام لخزينة مولاي، لأن من يدفعلملكنا أكثر سينال صداقته، خاصة وأن جلالته لايستفيد أبداً الآن من ملكالبصرة))(80).

وهناك أمر مهم تضمنتها رسالة القبطان، إذ تشير إلى حرصهالشديد في الحصول على أكبر قدر ممكن من إيرادات خزينة هرمز، الأمر الذي يقتضي السعيمن اجل الحصول على جزء من ايرادات البحرين. فوزيرها لا يدفع شيئاً لخزينة هرموز منذأكثر من عشرة سنوات، بالرغم من عقد اتفاق معه بهذا الخصوص. لذا فمن المحتمل أنرسالة الشيخ مانع قد أوحت له إمكانية اتخاذ القطيف، فيما لو استرجعت من الشيخ مانع،كقاعدة يمارس منها الضغط لضمان الحصول بانتظام على جزء من إيرادات البحرين، بل وحتىإمكانية رفع يد أسرة الفالي عنها، خصوصا أن هناك العديد من الأشخاص الذين أبدوااستعدادهم لذلك فيما لو أعطيت لهم وزارة البحرين.

يبرز أمامنا سؤال حول مدىجدية الشيخ مانع في تنفيذ وعده بتسليم القطيف للبرتغاليين؟
ويرى المؤرخالحميدان: أن الأمر مستبعد جداً ولا يعدو ن يكون الهدف من وراء تحقيقه أمور ثلاثة،أولاها: منع حاكم البحرين من معاودة التعرض للقطيف أثناء انشغاله في حملة البصرةالمزمع أن يقوم بها بدعم برتغالي، بل والأكثر من ذلك إثارة مخاوف ذلك الحاكم من أنيهيأ ذلك فرصة للبرتغاليين وملك هرموز من انتزاع البحرين منه.
وثانيها: دق إسفينفي العلاقة بين البرتغاليين والشيخ يحيى أمير البصرة، والذي راهن على صداقتهللبرتغاليين.
وثالثها: استفزاز العثمانيين، مما قد يدفع بهم إلى الحضور بثقلهمإلى البصرة، وهو ما سوف يخلق بالتالي وضعا جديداً في الخليج سيكون الشيخ يحيى هوالخاسر فيه بالتأكيد، في حين أن القوتين الكبريين البرتغالية والعثمانية سوفتتنافسان على كسبه شخصياً إلى جانبها.
وأخيراً لابد أن الشيخ مانع قد فكر فيإمكان التنصل من الاتفاق مع البرتغاليين حول تسليمهم القطيف، مثلما تنصل والده مناتفاقه معهم حول تسليم سفنه إليهم، قبل ما يزيد على خمسة عشر عاماً(81).
إن هذهالأفكار والتطلعات، التي إن صح أنها راودت مخيلة أمير الاحساء والقطيف فانها تحملفي طياتها،دون شك، درجة كبيرة من المغامرة والمراهنة والتي قد تنتهي إلى خسارته هونفسه أكثر من غيره فتكون سيرته عندئد سلسلة متصلة من الفشلوالإحباط.



العثمانيون يقصون آل شبيب عن القطيف والأحساء:
كماأقصى أل شبيب آل جبر جاء الدور على آل شبيب في الإقصاء فمن الطبيعي ان يبحثالعثمانيون عن وسائل وطرق تؤدي إلى تعزيز موقفهم الدفاعي، بل وممارسة الضغط علىالبرتغاليين لرفع حصارهم التجاري على البصرة. لذا فمن المحتمل جداً أنهم وجدوا ذلكفي حكام الأحساء من آل شبيب الذين أبدوا استعدادا لدعمهم ومؤازرتهم منذ وصولهم إلىالبصرة. ويبدو أن الشيخ عبدالله ((عبيد الله)) بن مانع الفضلي، والذي خلف والده(82) في حكم الأحساء، كان قد أجرى حواراً مباشراً مع بلال محمد باشا، أول ولاةالعثمانيين بالبصرة (953 ـ 956هـ/ 1547 ــ 1549م). حول سبل التعاون بينهما، ولايستبعد أن يكون موضوع استرجاع القطيف أحد الموضوعات التي تناولها الطرفان والتقتأهدافهما حول أهمية تحقيقها.

ويتضح من رسالة مانوئيل دى ليما Dom Manuel de Lima، قبطان هرموز (1547 ــ 1551م)، المؤرخة في حزيران 1547م (جمادى الثاني 954هـ) إلى دي كاسترو، نائب ملك البرتغال في الهند، بأن هذا هو ما تم بينهما فعلاً. فقدحصل دي ليما على معلومات تتعلق بأوضاع العثمانيين بالبصرة من الحاج فياض العقيراويأحد كبار تجار البصرة. (83) الذي قال له: بأن محمد باشا قرر الاستيلاء على القطيفوتسليم حكمها لأمير عربي Rey(84)، والذي قد يكون المقصود به هو الشيخ عبدالله ((عبيدالله)) بن مانع بعينه. على أن ما نقل على لسان الحاج فياض العقيراوين يجب أنلا يفهم، على أنه أمر قد تم تنفيذه فعلاً، بل لا يعدو الأمر سوى كونه خطط ونوايا لميقدر لها أن ترى النور إى بعد مضي ثلاث سنوات على ذلك التاريخ، أي في ولاية قبادباشا آل رمضان على البصرة، (956 ــ 961هـ/ 1549 ــ 1554م)، الذي هو ثانيولاتها.

أن تعيين قباد باشا والياً على البصرة يمكن أن يفسر على أنه اهتمامخاص بها م نقبل قادة اسطنبول، ومثله ذلك بمنطقة الخليج. فالوالي الجديد يحمل معهتطلعات العثمانيين وخططهم في الخليج العربي، ومن بينها الاستيلاء على القطيف وبسطنفوذهم على الأحساء. فكان أن بوشر أولاً بتنفيذ خطة للاستيلاء على القطيف وبسطنفوذهم على الأحساء. فكان أن بوشر أولاً بتنفيذ خطة للاستيلاء على القطيف، والتينفذت في أواخر سنة 957هـ/ 1550م، حيث تضمنت بأن يتولى الشيخ عبدالله بن مانع أميرالأحساء مهاجمتها ومحاصرتها براً، في حين يقوم العثمانيون بإمداده برماة البنادقوإسناده بقوة بحرية. وقد تكللت تلك الخطة بنجاح غير متوقع، نظراً لقيام وزير القطيفبتسليمها إلى المهاجمين من دون أدنى مقاومة. وقد أعقب ذلك قيام الرئيس مراد، قائدالقوة البحرية العثمانية، بتولي مقاليد السلطة في المدينة مباشرة(85). إن تصرفالرئيس مراد يعني تجاهلاً للشيخ عبدالله (عبيد الله) بن مانع الفضلي واحقيته في حكمالقطيف، خاصة وأنه بذل جهداً كبيراً ورئيساً من أجل الاستيلاء عليها، إضافة إلىتجاهله للاتفاق المبرم بينه وبين والي البصرة السابق بلال محمد باشا، كما يفهم منأقوال فياض العقيراوي السابقة، والتي تتضمن تسليم القطيف اليه.

إن استحواذالرئيس مراد على السلطة في القطيف بهذه الصورة، والذي اعتمد، فيما يبدو، على دعمقبلي (الجبور وبني خالد)، قد ولد استياءً شديداً لدى الشيخ عبدالله بن مانع الفضلي،خاصة بعد أن أدرك أن تصرف مراد هذا ما هو إلا أمر ((قد بيت بليل))، وأن الآمالالعريضة التي كان قد علقها على العثمانيين لمساعدته في استرجاع ملكة في القطيف، ماهي سوى أضغات أحلام، فكان طبيعيا أن ينسحب إلى الأحساء بقواته ويقطع صلاتهبهم.
إن التوسع العثماني جعلهم يقتربون من معقل البرتغاليين الرئيس في هرموز،ويجاورون جزيرة البحرين الغنية باللؤلؤ، والتي سوف تكون هدفهمالقادم(86).

لقد أثار ما حدث فزع كل من البرتغاليين والهرموزيين على حدسواء، وأن يحفزهم للتصدي له. لذا فإنهم سرعان ما قاموا بحملة عسكرية مشتركة فيأواخر صيف 958هـ/ 1551م. نجحت في انتزاع القطيف من أيدي العثمانيين، الذين اضطرواللانسحاب منها متروكة تواجه مصيرها لوحدها. لكن الغزاة ادركوا سريعاً صعوبةالاحتفاظ بها بعد أن رأوا بوادر المقاومة العربية بارزة للعيان. ولعل قيام شيخقبيلة بني جبر، الذي تصفه المصادر البرتغالية بأنه كان مشهور بشجاعته، بحشد أتباعهاستعداداً للقيام بهجوم معاكس(87)، هو إنذار بما سيواجههم مستقبلاً من متاعبوصعوبات، ليس في القطيف فحسب، بل في مناطق أخرى من الخليج، حيث لمسوا أن مشاعرسكانها متوجهة نحو العثمانيين ومعادية لهم.

وقد عبر الفونسو دي البوكيرك Afonso de Albuquerque، أحد كبار موظفي حكومة الهند، في رسالته المؤرخة في شهركانون الثاني (يناير) 1552م، عن مناخ الكراهية الشديدة السائدة في الخليج تجاهالوجود البرتغالي، بقوله ((... إن الطغيان الذي مارسه قباطنة هرموز ضد ملوك البلدانالمطلة على الخليج، وكذلك ضد زعماء المسلمين فيه، قد جعلهم يرغبون في تسليم بلدانهمللترك، مثلما سلموا القطيف إليهم، وإنهم ينوون الآن تسليم البحرين إليهمأيضاً))(88).

انتهى هؤلاء الغزاة أخيراً إلى قرار بالانسحاب السريع منالقطيف، مكتفين بنسف أجزاء من أسوارها وأقسام هامة من قلعتها(89)، وهي تعود لأيديالعرب، والذين قاموا بدورهم بتسليمها للعثمانيين، مقدمين لهم الدعم وللمرة الثانيةفي الاستيلاء على القطيف.
تنبه العثمانيون، بعد المهانة العسكرية التي لحقت بهمفي القطيف إلى ضرورة إعطاء مزيد من الاهتمام للخليج العربي وتدعيم مركزهم فيه. لذافإنهم قاموا بتحويل القطيف إلى وحدة إدارية هي اللواء (السنجق)، وأن تكون تابعةلولاية البصرة، وتعيين محمد بك، أخو إياس باشا، والي بغداد وفاتح البصرة، لكي يكونأميراً على اللواء المذكور(90).

تم الإيعاز إلى الرئيس بيري بك، قبطانالاسطول العثماني بمصر، بالإبحار بأسطوله من السويس لضرب المواقع البرتغالية فيالخليج العربي والاستيلاء على البحرين، إن أمكن ذلك(91)، رداً على ما قاموا به نحوالقطيف، ولإظهار القدرة العسكرية العثمانية على مجابهة التحدي بمثله، إضافة إلىاستعادة الهيبة العثمانية المثلومة في المنطقة.

من الواضح أن المهمة الموكلةإلى محمد بك، لم تكن تهدف إلى تعزيز النفوذ العثماني في القطيف فحسب، بل إنهاتتجاوز ذلك إلى العمل على مد نفوذهم إلى كافة أنحاء المنطقة، وضم الأحساء نفسهاللدولة العثمانية(92). لذا فإن محمد بك ((باشا)) باشر منذ وصوله إلى هناك باتخاذكافة التدابير والاستعدادات العسكرية لإنجاز تلك المهمة، حتى تهيأ له الظرفالمناسب، بعد مرور حوالي عام تقريباً، فقاد حملة عسكرية نجحت في احتلال الأحساء فيأواخر سنة 960هـ/ 1553م، على أرجح تقدير(93).
يشير المؤرخ عبداللطيف الحميدانبقوله: أنه لا يوجد حتى الآن أي معلومات بخصوص الحملة العثمانية التي فتحت الأحساءأو تاريخها والأحداث التي رافقتها(94)، إضافة إلى موقف حاكمها الشيخ عبدالله ((عبيدالله)) بن مانع بن راشد الفضلي، وكيف انتهى به المصير، لكن من المرجح أنه اتجه إلىاليمامة حيث ممتلكاتهم في معكال.
إن صفحات من تاريخ الأحساء والقطيف قد طويتبزوال إمارة عربية فيها وحلول الأتراك العثمانيين محلهم، وليصبح محمد باشا أولولاتها، حيث استمر في حكمها إلى أن توفي في الأحساء في أواخر سنة 963هـ/ 1556م(95).

أن سلطة العثمانيين في الخليج العربي بقيت مقتصرة على الأحساءوالقطيف، إضافة إلى البصرة، ولم يقوموا بمحاولة تذكر لمدة نفوذهم إلى أبعد من ذلك،أو لتحجيم الوجود البرتغالي فيه، باستثناء محاولتين فاشلتين، الولى كانت في سنة 1552م(96) وهدفها الاستيلاء على هرمز، والثانية كان هدفها احتلال البحرين سنة 966هـ/ 1559م(97). وكأن القوتين العثمانية والبرتغالية قد اعتزمتا على إقامة سلامهش بينهما، حيث يتقاسما فيه النفوذ ويراعي كل منهما مصالح الطرف الآخر إلى حد ما معالتيقظ لما يحيكه كل منهما للآخر خفية.

مصطفى باشا :
محافظ الاحساء يغزوالبحرين في رمضان سنة 966هـ ــ 1558م:
مازال العثمانيون في جهودهم في تحريرالأراضي العربية من نير الاستعمار البرتغالي وكان الوالي في الأحساء يريد أن يضمالبحرين لقربها، لكنه فشل وطرد من منصبه وقد ورد أمر أو فرمان سلطاني إلى مراد شاهحاكم البحرين: أنك أرسلت أشخاصاً مرات عديدة إلى بلادنا السامي وعرضت علينا طاعتكلنا ومنحنا لك شهادة إثباتاً بأننا أعطيناك البحرين كولاية وأخطرنا بذلك جميعالمحافظين المجاورين وسمعنا الآن بأن مصطفى باشا محافظ الأحساء قام بغزو البحريندون إذن منا وإنك اتخذت بعض الإجراءات ضده وكذلك حجز البرتغاليين بعض السفنالعثمانية وقد طردنا مصطفى باشا من منصبه بسبب هذه الاعتداءات وعينا محافظاً جديداًيحل محله. وعليك أن ترد الجنود إلى المحافظ في الأراضي العثمانية وتعاقبهم بمايستحقونه وهكذا يكون محافظونا في الأحساء والأقاليم الأخرى مجمعين على تنفيذإرادتنا حتى لا يتمكن العدو (البرتغاليين) من إلحاق أضرار بتلك الأقاليم، ويقصدبالأقاليم الأخرى القطيف والبصرة، وقد حررت في 28 ذي الحجة 966هـ(98).


بعد حملة مصطفى باشا الفاشلة :
البرتغاليون يعيدونالعثمانيين إلى القطيف سنة 967هـ ــ 1559م :
يبدو أن الأمور انعكست علىالعثمانيين فقد تغلب عليهم البرتغاليون في سنة 967هـ ــ 1559م، ففي أثناء قتالالعثمانيين (القطيفيين والاحسائيين) في البحرين ضد مراد شاه الموالي لهرمز إذ جاءتهالإمدادات من هرمز (400 جندي) والوثائق التركية تشير إلى أنه أمكن الوصول إلى اتفاقبين الطرفين وإيقاف القتال، فقد انسحب الجيش العثماني بعد أن دفع علي بك أمير لواءالقطيف للبرتغاليين 10 أقجات دراهم عثمانية وكل أقجة تحتوي على مئة ألف درهم (مليوندرهم) وبعض الخيول وذلك في شهر صفر 967هـ نوفمبر 1559م وعاد بقية الجيش العثمانيإلى القطيف وهذه المرة من العجب العجاب!!! أن يكون على متن السفن البرتغالية علىخمس دفعات بعد أن كابدو الجوع والحصار نحو أربعة أشهر وبلغ عدد الجنود العائدين 200جندي من أصل 1200 جندي توجهوا مع والي الأحساء مصطفى فروخ باشا في بداية الحملةالتي يفهم من سياق الوثيقة أنها استمرت ستة أشهر(99)، كما هو مدون في أحداث العامالسابق 966هـ حيث بدأت الأمور في 13 من شهر رمضان. لقد كانت هزيمة نكراء ضد الأتراكفي القطيف والأحساء!! لقد خسروا مليون درهم و1000 جندي وعدداً غير معروف من السفنبما فيها من أسلحة إلى جانب الخيول!!.

ويورد فالح حنظل تفاصيل أخرى حول هذاالحدث فيقول: إن عام 1559م شهد تحركاً عثمانياً عسكرياً جديداً في الخليج، إذ قامكل من حاكم الأحساء و(بكلربي) البصرة مصطفى باشا بإعداد حملة عسكرية هاجما فيهاحاكم البحرين المدعو (ريس مراد)، ويسود الغموض تفسير الدافع الرئيسي لهذه الحملةبين قائل إنها كانت رغبة شخصية من مصطفى باشا لتوسيع نفوذه إلى البحرين، وبين قائلآخر إنها قامت لنجدة أهالي البحرين من تعسف ريس مراد أو مراد ريس، كما تختلطالتعريفات في شخصية مراد ريس، أهو ممثل حكومة هرمز البرتغالية، أم هو فارسي، أم والتركي ؟

إن المصادر البرتغالية تقول : إنه فارسي ويمثل حكومة هرمز فيالبحرين، بينما تقول المصادر التركية إنه والي الأتراك على البحرين واسمه الأميرجلال الدين مراد خان ويسمى أيضاً (مراد شاه) وأن سبب الحملة العثمانية كانت بدافعشخصي من مصطفى باشا وبدون موافقة الباب العالي(100).

وعلى كل حال فقد تشكلتالحملة من سفينتين مدمرتين كبيرتين و70 سفينة خفيفة من سفن تقل الجنود والمدمراتالخفيفة على متنها 1200 جندي يشكل الانكشارية عدداً كبيراً منهم إضافة إلى المؤنوالذخيرة بكميات كبيرة، وتقول المصادر التركية إن الحملة وصلت أمام قلعة البحرين في 13/9/966هـ الموافق 2/7/1559م، وحاصرتها، كما تقول المصادر البرتغالية إن (الريسمراد) أرسل نداء مستعجلاً إلى أنطونيو دي نورونها الحاكم العسكري البرتغالي في هرمزيخبره بأمر محاصرته من قبل قوات مصطفى باشا، فقام دي نورونها بتجهيز حملة بقيادةأخيه جوادي نورونها مكونة من عشر سفن هرع بها إلى البحرين، إلا أن البحرية التركيةتصدت له في مشارف الجزيرة وقاتلته وأجبرته على الانسحاب إلى الشاطئ المقابلوالاختفاء في الأخوار المائية هناك، ثم لم يلبث حاكم هرمز أن أوفد حملة أخرى بقيادةالفارو دي سلفيرا ومعه عدد من السفن بحيث بلغ تعداد الحملتين 22 سفينة، وتمكنالاثنان من دحر المقاومة التركية وتوجها نحو سواحل البحرين التي كانت مطوقة ببقيةالأسطول التركي(101).

اشتبك الطرفان بالحرب وقام محمد بك وهو قائد سنجقالأحساء بقيادة عدد من الفرسان الانكشارية جيء بهم من بغداد، فهاجم بشدة من حاولالنزول براً من البرتغاليين، أما مصطفى باشا فقد كان يدير المعركة من منطقةالمنامة، وبعد سلسلة من المعارك شارك فيها مراد ريس بثلاثمئة جندي إيراني لنجدةالبرتغاليين يعاونه قائد محلي عرف باسم (ابن رحال) فإن البرتغاليين أوشكوا علىالانكسار، وقد قتل في إحدى المعارك جوادي نورونها، وهو الأمر الذي لم يشعر بهالعثمانيون لأنه غير موجود في تقاريرهم، لذلك فقد قام حاكم هرمز بإيفاد القائد بيروبيتشو ليحل محله، ثم لم يلبث أن تبعه بنفسه، وبذلك فقد تم تطويق القوة العثمانيةبين دفاعات البحرين الأرضية والأسطول البرتغالي، كما أن مصطفى باشا قتل في أثناءالمعارك فانهارت معنويات الجيش العثماني ودبت المجاعة بين صفوفه، لذلك فقد قرر قادةالجيش إجراء مفاوضات مع البرتغاليين للانسحاب إلى البصرة، وعليه فقد جرت المفاوضاتالتي اشترك فيها محمد بك وسلطان علي بك قائدالقطيف.



--------------------------------------------------------------------------------

المراجعوالهوامش
(1)
ياقوت الحموي، معجم البلدان، مج4، ص412.
(2)
السلمان، محمد: الغزو البرتغالي ص115.
(3)
طارق الحمداني، ((الرحالة البرتغاليون في الخليجالعربي))، مجلة الوثيقة، العدد 15، السنة 7 (البحرين، 1989م)، ص163.
(4)
الغزوالبرتغالي، المرجع السابق، ص116.
(5)
علي أبا حسين، ((الجبور عرب البحرين أوعربان الشرق))، مجلة الوثيقة، العدد 3، السنة 23 ((البحرين، 1983))، ص80، فضلالعماري، ابن مقرب وتاريخ الإمارة العيونية في بلاد البحرين، (الرياض، د. ت) ص، 108، 1131.
(6) Miles, Op. Cit. p. 155.
(7)
الغزو البرتغالي ص 117.
(8)
عبدالله السالمي، نهضة الأعيان، ورقة 79، السخاوي، الضوء اللامع، ج1، ص190، ابنماجد، كتاب الفوائد ص302، الاحسائي، تحفة المستفيد، ج1، ص120.
(9)
الصيرفي،نوال: النفوذ البرتغالي ص54.
(10)
عبدالرحمن آل ملا، تاريخ هجر، ص187 .
(11)
عبداللطيف ناصر الحميدان، ((التاريخ السياسي لإمارة الجبور في شرق الجزيرةالعربية))، مجلة كلية الآداب. العدد 16، السنة 14، (جامعة البصرة، 1980)،ص40.
(12)
المرجع السابق، ص54.
(13).
المرجع السابق، ص118
(14)
الغزوالبرتغالي ص119.
(15)
الإمام شمس الدين محمد بن عبدالرحمن السخاوي، الضوء اللامعلأهل القرن التاسع، (القاهرة، 1355هـ)، ج19.
(16)
نور الدين علي السمهودي، وفاءالوفاء بأخبار دار المصطفى، (بيروت، د. ت)، ج2، ص228.
(17)
عبداللطيف الحميدان، ((مكانة السلطان أجود بن زامل الجبري في الجزيرة العربية))، مجلة الدارة، العد 4،السنة 7، (الرياض، 1982)، ص64.
(18)
شهاب الدين أحمد بن ماجد، كتاب الفوائد فيأصول علم البحر والقواعد، تحقيق إبراهيم خوري وعزة حسن، (دمشق، 1971)، ص302، ولكنليس هناك في المصادر العُمانية المعاصرة للحدث ما يشير إلى ذلك، وذلك لما عُرف عنالإمامة الأباضية وعدم قبولها بمساعدة خارجية لتنصيب الأئمة، وربما الإمام تلقىالمساعدة بعد تنصيبه.
(19) iles, op. Cit. p, 155 M.
(20)
صادق حسن عبدواني،الدولة العُمانية، نشأتها وازدهارها، حاصد ندوة الدراسات العُمانية، (عُمان، 1980)،المجلد الثاني، ص20.
(21) The Commentaries of the Great Afonso D'LBoqucerquce, Op. Cit. Vol. 1. p. 66 .
(22)
س. بكنجهام، بعض الملاحظات عن البرتغاليين فيعُمان، حصاد ندوة الدراسات العُمانية (عُمان، 1980م)، ص192.
(23)
الغزوالبرتغالي ص122.
(24)
الغزو البرتغالي ص123.
(25)
عبداللطيف الحميدان، (التاريخ السياسي لإمارة الجبور)، ص107.
(26)
الحميدان، ص73 و74.
(27)
أمثالالشيخ المؤرخ عبدالملك العصامي المكي في تاريخه، وأنظر، منطقة الأحساء عبر أطوارالتاريخ، ص148، ط1، س1407هـ.
(28)
عبدالرحمن آل ملا، مرجع سابق، ص190.
(29)
الغزو البرتغالي ص124.
(30)
الحنفي، إبن إياس: مصدر سابق، الجزء الخامس (1516 ـ 1522م) ص431.
(31)
الحميدان، عبد اللطيف: (إمارة العصفوريين ودورها السياسي فيتاريخ شرق الجزيرة العربية)، مجلة كلية الآداب، العدد 15، السنة 13، (جامعة البصرة، 1979)، ص106 ــ 113.
(32)
الغزو البرتغالي ص125.
(33)
الحميدان، ذات المرجعالسابق، ص43.
(34)
الحميدان، عبداللطيف، التاريخ السياسي لدولة الجبور، مرجعسابق، 51 .
(35) Smith, Joao ale Meira.
(36)
الجزيري السابق، 3/1728 .
(37) Barros,Joãode, Da Asia, Lls boa, Ed. 1979,. IV Liv. III cap. XIII p. 334 .
(38)
الجزيري ذات المرجع السابق، ذات الصفحة .
(39)
الحميدان، إمارة آل شبيب، ذات المرجع السابق، ص46.
(40)
تحفة المستفيد، ج1، ص121وانظر الغزو البرتغالي للجنوب والخليج العربي، ص208 و209، وانظر أيضاً إمارة آلشبيب ص128 .
(41)
إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب ص47، وانظر ايضاً تاريخالاحتلال البرتغالي للقطيف ص222 .
(42)
السابق الصفحة نفسها. الحميدان، ذاتالمرجع السابق، ذات الصفحة.
(43)
إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب،ص45.
(44)
الدرورة، علي: تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف ص223.
(45)
الجزيري، 3/1728.
(46)
ابن عراق، ص37 ويحيى بن ابراهيم البصري، تمائم الدرر،ص74.
(47)
الحميدان، ص48.
(48)
الحميدان، الصراع على السلطة في دولةالجبور..
(49)
الوثيقة، 1983م، ص12 و129، صالح اوزبران، ص35.
(50)
الوثيقة، 1986م، 4/128.
(51)
الحميدان، ص63.
(52)
ذات المرجع السابق، ذاتالصفحة.
(53)
إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب، ص49.
(54)
الدرر الفرائدالمنظمة، ج3، ص1728 نسخة دار الكتب المصرية، ص326 الرقم 926 تاريخ تيمور، نقلاً عنإمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب، ص130. وانظر أيضاً: مجلة العرب ص2035، ج11، س2،في ج1، س 1388هـ.
(55)
تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، ص224.
(56)
إمارة آلشبيب في شرق جزيرة العرب، ص52.
(57)
ذات المرجع السابق، ص62، وانظر أيضا: تاريخالاحتلال البرتغالي للقطيف، ص225.
(58)
المصدر نفسه.
(59)
إمارة آل شبيب فيشرق جزيرة العرب، ص62 و63.
(60)
تشير الوثائق أنه أمر بهدم قلعة قديمة وبناءأخرى جديدة ولم تحدد الوثيقة اسم القلعة ومكانها، انظر تاريخ الاحتلال البرتغاليللقطيف، ص226.
(61)
الوثيقة العدد 4س 2 ربيع الآخر 1404هـ، ص125 و 126.
(62)
الخليج العربي (تط. حد. مع) ص65. وانظر ايضاً تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف،ص227.
(63)
إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب، ص82 .
(64)
تاريخ الاحتلالالبرتغالي للقطيف، ص247.
(65)
إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب ص83 (نصاً).
(66)
انظر تفصيلاً أوفى في كتابنا: تاريخ الإحتلال البرتغالي للقطيف،ضمن أحداث سنة 1529م.
(67)
إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب، ص84، وانظر أيضاً: تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، ص248.
(68)
المصدر السابق.
(69)
تاريخالاحتلال البرتغالي للقطيف، ص249.
(70)
إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العربص85.
(71)
ذات المصدر السابق (نصاً) من الصفحة ذاتها.
(72)
الحميدان: امارةآل شبيب ص43.
(73)
ذات المرجع السابق، ذات الصحفة.
(74)
بوشرب، (رسالة الرئيسركن الدين إلى الرئيس شرف الدين)، مرجع سابق.
(75)
لرؤوساء الفاليون نسبة لمدينةفال (بال في كرامسيرات من بلاد فارس والتي في مواجهة ساحل بلاد البحرين، وترتبط فالوالتي هي في الداخل بساحل الخليج العربي عن طريق ميناء شيلاو، الذي أخذ يطلق علىميناء سيراف القديم. ويسلك طريق شيلاو ــ فال ــ خنج القادمون من القطيف والمتجهيننحو شيراز أو بالعكس. وقد ازدهرت الثقافة العربية وآدابها في فال منذ القرن السادس/ الثاني عشر إضافة إلى كونها مركزاً لدراسة الفقه الشافعي في الخليج كما وأن عائلةالرؤساء كانت من أقوى البيوتات فيها منذ نهاية القرن التاسع/ الخامس عشر، حيث تزعمتالجاليات الفارسية السنية في الخليج، ومدت نفوذها السياسي والاقتصادي إلى مملكةهرموز حتى غدت صاحبة السلطة الحقيقية فيه قبيل الفترة البرتغالية وخلالها. ومنالطبيعي أن مصالحها تتقاطع مع مصالح السلطة الصفوية في داخل إيران، (نقلاً عنالحميدان).
(76)Jean Aubin, "La Survie de Shilau et la Route du khunj – o – Fal" in Iran, (1969) VII; PP. 21 – 37
وكان للفاليين مصالح اقتصادية ضخمة فيالبحرين، كنتيجة طبيعة للعلاقة المتينة بين ميناء شيلاو والساحل العربي المقابللها، إضافة إلى حركة النزوح المتبادل بين الساحلين. انظر: Joao De Barros, Da Asia, Decada,IV,LIV,111,Cap.XV11,366.
كانت أوضاع البرتغاليين في الهند مرتبكة بعدالحملة التي قام بها العثمانيون والحملة المضادة والفاشلة التي قادها (داغاما) حاكمالهند في البحر الأحمر سنة 1541، راجع حولها. E.Sanceu, "Uma Narrativ da Expedicao de 1541 ao Mar Roxo" in Stvadia, 9(1962) p. 199 – 234.. (نصاً منالحميدان).
(77)
إمارة آل شبيب (مرجع سابق) الوثائق رقم 44/44/82/82،ص44.
(78)
الأرشيف الوطني البرتغالي في لشبونة.
Arquivo Nacional da Torre do Tombo, Lisboa, parte Moco 75 Doc 104. N. 9813.
(79)
راجع، تعليقة البوكيرك. The Commentaries of The Great Afonso Dalboquerque;.
(80)Barros, Da Asia, Dec. IV Liv. 111. Cap XIII, 331 – 334, Cap. XV. 346;.
(81)
الحميدان، السابق، ذاتالصفحة.
(82)Salih Ozbaran, The Ottoman Turks in the Persian Gulf, p. 1534 – 1581. In Journal of Asian History. (Wisbaden, 1972) Vol. 6/1 p. 45 - 87 esp. p. 54 - 56..
(83)Salih 'O'zbaran, "Two letters of Dom Alvaro do Noroha from Hormus," In Tarih Enstitusi Dergisi (Istanbul), Sayi: IX, (1978), P 257 - 60; Do Couto, Op. Cit, Decada, VI. Liv. 1X - Cap: IV, 243 - 44..
(84) Ibid, 260 - 61; do Couto, Ibid, Cap. Xiv, p. 330 - 32.
(85) Do Couto, Ibid, Decada, VI. Liv. IX. Cap. Xiv. P. 325 - 32.
(86) Ibid.
(87) As Gavetas da Torre do Tombo, Lisboa, 1965, vol. v. p. 325 - 29.
(88)
اوزبران، الاتراك العثمانيونوالبرتغاليون، 43 ـ 47.
(89)
راجع، سيد. لقمان العاشوري، مجمل الطومار، مخطوطةالمتحف البريطاني تحت عنوان: AL-Ashuri, Lugman, Mucmal Utumar. Turkish MS. Or. 1135 fol. 80a.
(90) G. Orhunlu, Hint kaptanligi ve Piri Reis, in Bellet – en, 134 (1970), s. 235 - 54.
(91)
العاشوري، سيد لقمان، زبدة التواريخ، مخطوطة Turk ve Islam Eserleri Muzesi Ktb. Nu, 1973 (مكتبة متحف الآثار التركيةوالإسلامية).
(92)
راجع سيد لقمان العاشوري، المصدر السابق؛ كذلك، حكمنامةمجموعة سي، رقم 888 ورقة 103، 113 طوبقبو سراي، مكتبة قوشلر..
(93) Jon E. Mandaville. The Ottoman province of al-Hasa, in Journal of The American Oriental Society (1970), 90/3. p. 486 - 513.
(94)
انظر حول بداية ولاية محمد باشاونهايتها في اورهنلو، (تقرير حول الحملة العثمانية على البحرين سنة 1559)، المرجعالسابق، كذلك راجع، تحفة المستفيد، 121 ـ 122.
(95)
جنكيز أوهورنللو، المرجعالسابق.
(96) S. Ozbaran, "Bahrian in 1559" In, Osmanli Arastirmalari, (1982), III p. 91 - 104.
(97)
تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، المرجع السابق،ص112.
(98)
منطقة الأحساء عبر أطوار التاريخ، ص154 و155، وأنظر أيضاً: تاريخالخليج العربي ص87. وانظر أيضاً: تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف ص289..
(99)
هذا الأمر السلطاني صادر في 28 ذي الحجة 966 هجرية وهي مثبتة في دفاتر الشؤونالعامة، المجلد 3، ص139 من الأرشيف الرسمي، وانظر مجلة الوثيقة في العدد 1، س1،وانظر أيضاً ص411 و412 من كتاب: العرب والبرتغال في التاريخ، وانظر كذلك: تاريخ هجرج2، ص218.
(100)
الوثيقة، ع 15، س8، 12/1419هـ ــ 7/1989م، ص79، وانظر أيضاًً: تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، ص290.
(101)
تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف،ص291