الاستاذ الباحث محمد الشاهد اللهم أنني أشهد أنك خير من شهد التاريخ وشاهده وشهد عليه ، لله درّك من شاهد . فقط المشكلة والمعضلة الكبرى يا استاذي الكريم ، هي في من ترجم للحجاج ، فإن أكثر من ترجم له لم يكونوا محايدين وخاصة خصومه من العلماء والمحدثين وذلك بسبب مقتل الحجاج لابن جبير سعيدٌ رحمه الله ، والحجاج لم يكن جاهلاً بالدين حتى يقتله بدون سبب فقهي وجيه ، والرسول الكريم يقول : (من خرج عليكم وأمركم جامع وأمامكم واحد فاضربوا عنقه كائن من كان) وقال عمر رضي الله عنه لأهل الشورى لا يأتي عليكم ثلاث الا وأقمتم خليفتكم فمن خالفكم فاضربوا عنقه ، فمسؤلية الأمة أكبر من العواطف وتسهيل الامور وتبسيطها ، فلابد فيها من الحزم والعزم وامتشاط الحسام وقلة في الكلام ، فقد ناقش الحجاج مع ابن جبير خروجه واستفسر منه في ذلك السبب لخروجه مع بن الاشعث ، قال سعيد خرجت معه لبيعة له في رقبتي ، فمن هنا وقع رحمه الله فيما يرىاه الحجاج في خطأ شرعيّ عقدي ، فقال له الحجاج فكيف نقضت بيعة ببيعتين ألم تبايعني لامير المؤمنين بالمدينة ومن ثم أيّدتها ثانية بالعراق ، فكيف تنقض بيعة ببيعتين ، وهذا تأويل للحجاج مستساغ عند الفقهاء المحايدين ، ولو كان بوسعه تركه وسجنه واعفائه من الاعدام ، فالحجاج لا يستطيع فهمه وفهم سياسته الا من فقه في الدين وفقه في ثقافة الاعراب ومعرفة طرق حياتهم واساليبهم ، فلقد جاء الحجاج للحكم والأمة جل شعبها من الأعراب المنافقين الذين يريدون العودة بالدين الى الجاهلية ، فشعب كهؤلاء لا يجمعهم على الكلمة وعلى رجل واحد الا رجل لديه ما لدى الحجاج من عقل عربي صريح وفقه ومعرفة بالدين يفقه القرآن وأسباب نزوله ، فأخذ الحجاج أولئك الاعراب في العزيمة بالقرآن الكريم ومن شذّ عن ذلك انزل عليه النصوص القرآنية الواضحة حتى سلك بهم السبيل والجادة البيضاء الواضحة ووحد الأمة على راية واحدة ، ولا تثريب في ذلك حتى لو هدمت الكعبة ونقضت لبنة لبنة ، فإن دم المسلم المعصوم الواحد عند الله أكرم من هدم الكعبة ، فما بالك بدم الأمة جمعاء وكان مسفوكاً فيما بينها ويتربص فيهم العدو وكل منهم قد اختص بملك لنفسه ولأهل بيته واصبح جابياً للزكاة وترك أمر الأمة والدين ، الا يهدم لذلك مئة كعبة ؟، فما الكعبة الا حجراً يجدد بنائه ولا يختفي الدين في اختفائه ، ألم يختفي الحجر الاسود من البيت الحرام 22 عاماً بيد القرامطة بهجر البحرين ، فهل تركت الناس الحج الى بيت ربهم ؟ فمصلحة الأمة وجمعها على رجل واحد لا بدّ منه عند الاستطاعة وهو الاصل والاساس ولو أدى ذلك الى قتل الثلث منهم وهدم الكعبة المشرفة ، فإنه كما أسلفت يجدد ما هدم من البناء ، ولكن كيف يجدد ما هدم من الامة ومن كرامتها ومن سيادتها وريادتها وسؤددها ، فالحجاج للرجل الفقيه فقيه وللمحدث محدث وللعالم عالم وللسياسي سياسي ، وللجاهل جاهل ، فمن حكم على الحجاج بشكل سطحي وبجهالة فمن الطبيعي أن يجعل منه ظالم قاسي سفّاك للدماء من أجل الامويين ، أليس الحجاج الذي مات عن ثلاث مائة درهم في خزينته الخاصة ، أليس الحجاج الذي كان يقدم في اليوم من الطعام 500 منسف وصحن وليمة من الطعام ، وفي رمضان ألف منها ولم يشارك الناس الأكل وانما يكون واقف عليهم خادم لهم ، أليس الحجاج من بعث بتركت أخيه أمير اليمن الى الوليد بن عبد الملك قائلاً لقد وجدنا في بيت ماله ثلاثمائة الف دينار فإن كانت من حرام لا رحمه الله وإن كانت من حلال رحمه ، وهو أخوه ابن أمه وابوه لم يجامله ولم يغضي على تهمته . فلنكن باحثين محايدين فقهاء بالسياسة والدين وفخورين بأعلام تاريخنا وامتنا أمثال الحجاج الذي أول من وضع عمل الاسعاف للجرحى ونقلهم للخطوط الخلفية بالحرب ، وأول من عرّب العملة والديوان العربي ، وأول من جند التجنيد الالزامي للخدمة وشق الطرق والقنوات المائية وكثير من الامور الحياتية الجديدة ـ انظر كتاب هزاع الشمري حول الحجاج والدولة الأموية ـ ففي ذلك الكثير من الحقيقة حول الحجاج وتاريخه النيّر العربي القح المشرف بعيداً عن كلام المغرضين وخصوصاً خصومه العلماء والمحدثين والعامة الجهلة .