علي البلوي … ليس غريبا ان تبهت صورة حسن نصر الله، في الأوساط السياسية العربية، فقد كانت اندفاعته باتجاه الدفاع عن النظام السوري اخلالا بمبدأ المقاومة، وظهر نصر الله وكأنه معاد لثورة الشعب السوري، وانه طائفي بامتياز، وتابع لولاية الفقيه، ويعمل لخدمة مصالحها. هذا التراجع في شعبية نصر الله سببه انه استخدم سلاح المقاومة ضد الشعب اللبناني، وضد الشعب السوري، ولم يكن لمقاومة نصر الله علاقة تذكر بمقاومة الاحتلال الامريكي للعراق، لان ذلك لا يتفق والسياسة الايرانية في المنطقة. تراجع الرمزيات وأفولها، هو تراجع عام وأفول عام للإسلام السياسي برمتهلم تتراجع صورة نصر الله فقط، بل تراجعت صور الزعامات الشيعية في العراق، وبخاصة العربية منها، بسبب الضغوط الكبيرة التي مارستها ايران والأدوات الايرانية في العراق. واليوم يضطر الزعيم لإعلان اعتزاله السياسة، فيما استقال عدد من أعضاء الكتلة الصدرية من مجلس النواب العراقي، احتجاجا منهم على ممارسة الصدر الاعتزال السياسي. حيث يؤكد بعض المطلعين على الشأن العراقي، ان اعتزال الصدر سببه انه كان معارضا لحكومة المالكي، وايران ترغب في فرضه لولاية ثالثة في أغرب ديمقراطية، تتحكم ايران في مفاصلها السياسية، ولهذا آثر الصدر الاعتزال كي لا يكون في صدام مع ايران، ولانه يعرف ويدرك تبعات الاصرار. ايران -منذ الاحتلال الامريكي للعراق- كانت تعي ان أمنها واستقرارها يحتاجان لعراق ضعيف، ويحتاجان لقوى دينية وسياسية تابعة لها ليست بذات القوة، بحيث يمكنها ان تتخذ قرارات مستقلة. كما ان ايران تتلاعب بالقوى الدينية في جنوب العراق، فهي ترغب في موالاة كاملة لدرجة الذوبان، والغاء الاستقلالية. ولهذا كان الصدر -على ما فيه- مقلقا لها، كونه مازال شابا، وكونه من أصول عربية، ويقترب من مؤسسة المرجعية رغم إعلانه انه وكيل للمرجع الحائري، وكونه يملك مساحة تأثير كبيرة، لا يمكن تجاوزها بسهولة، اضافة الى ان خطابه الديني ليس فيه مسحة طائفية أو هوى فارسي. اللافت للانتباه ان تراجع الشخصيات الرمزية التي اقتربت من نار السياسة واضح ولا جدال فيه. فقد كشفت اللعبة السياسية ان رجال الدين ليس لهم في دروب السياسة القائمة على المنافع والمصالح والمساومات، وان قبلوا ممارسة دور سياسي فهم يخطئون كثيرا، ويخلطون بين الواقعية السياسية ومتطلباتها وضوابط وشرائط الدين. هذا التداخل، جعل الأحزاب والقوى الدينية تابعة دائما من ناحيتين سياسية ومالية، وفاقدة للاستقلالية، وتعيش تبعية تجعلها قاصرة في تبرير اخفاقاتها، وفي تراجع مكانتها، وهو الأمر الذي واجهته حركة حماس لتبعيتها لاخوان مصر، وتبعية حزب الله لايران، وكذلك الأحزاب الدينية في العراق. ضمن هذه الرؤية، يمور عالمنا العربي بمشكلات في الوعي والادراك السياسي، فقد ركب اخوان مصر رؤوسهم عندما رفضوا التفاوض، وعندما استعجلوا السيطرة على مفاصل الدولة. وكذلك حركة النهضة التونسية، التي حاولت السيطرة على الدولة وأركانها عبر صياغة دستور يتماشى وقناعاتها، لكنها استفادت من جملة الأخطاء التي ارتكبها اخوان مصر، واستفادت من النصائح الامريكية والتركية، ومع ذلك مازالت غير قادرة على تحقيق أي نجاح. مشكلة الأحزاب الدينية، انها لم تمتلك تجربة سياسية حقيقية، ولا تؤمن بعلو مكانة الدولة على الحزب، ولا تؤمن بالكيانية الوطنية، لتصبح مع الوقت كأنها جزء رئيس من مخططات الفوضى الخلاقة. حيث ترتفع قامة الاثنيات والعصبيات، فيما تتراجع مكانة الكليات الجامعة، وفي حال انطلاقة ما يحلم به الاخوان من الغاء للهوية والمواطنة، تحت دواعي الهوية الإسلامية، نكون قد فقدنا استقرارنا وسيادتنا وهويتنا، رغم ان الإسلام لا يتعارض والانتماءات الوطنية. تراجع الرمزيات وأفولها، هو تراجع عام وأفول عام للإسلام السياسي برمته، ولهذا سارعت طهران وأنقرة للحفاظ على ما تبقى من الإسلام السياسي، لان لعنة مصر هذه المرة ستصيب الجميع، جميع حركات الإسلام السياسي. ولهذا فان هذه المرحلة، مرحلة قلقة ومشتتة، وفيها انهيارات عديدة، لكن وبالمحصلة الحفاظ على الكيانات السياسية القائمة أصبح في ذروة الاهتمامات السياسية، وجزءا من واجب وطني وقومي وإسلامي. انهيار الزعامية الإسلامية، متوقع ليس لسبب في الدين، وإنما السبب موضوعي يتعلق بأن الدولة قد تحتاج لفترة من الوقت لشخصيات كارزمية أو لها بريق سياسي. لكن الزعامة بدأت تتلاشى في السنوات الأخيرة، لانها تخالف منطق المؤسسة ودولة القانون، وعدم احتكار السلطة. ولعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، قد حرفته الرمزية باتجاه مخالف لقيم الدولة المدنية، رغم انجازاته الكبيرة، ورغم البراغماتية الشديدة التي يتمتع بها، فهو يدفع ضريبة الأسلمة غير الطوعية، لصالح تيار الخدمة الطوعية غير الساعي الى السلطة بقدر التأثير فيها. ترى هل صعود الرمزيات والتيارات الإسلامية، وفشل العديد منها في غزة والقاهرة وتونس والخرطوم وطهران؟ يعني أفول هذه التيارات، ام انه -وكما يشير البعض- الى ان هذه الحركات تعيش مخاضا داخليا وثورة تصحيحية من الداخل، ستجعلها متصالحة مع الدولة والقانون وغير اقصائية. المؤشرات تفيد بأن هذا هو الاتجاه الطبيعي لحركات اصدمت بمعوقات اجتماعية وثقافية وفكرية، خاصة ان هذه الحركات حاولت التذاكي وبشيء من القصور، بأنها قادرة على التعبئة وادارة الناس عبر خطابها الديني، لتكتشف ان الدين ليس ملكية خاصة بها، وانها لا تملك حلولا واقعية لمشكلات الحياة اليومية، وانها بحاجة ماسة لمراجعات فكرية عميقة كي يتسنى لها ادراك الفروقات الكبيرة بين مهام الدولة ومهام التنظيم والحزب. واللافت للانتباه ان ضعف الامكانات الحوارية، وضعف الخبرة في الادارة الاستراتيجية، كشف هذه الحركات، فهي رغم إسلاميتها لا اتفاق فيما بينها، بل وتناصب بعضها العداء، واللقاءات التي تجمعها، على قاعدة «عدو عدوي صديقي» كما تجتمع طهران والاخوان، وطهران وتنظيم القاعدة.

أكثر...