د.باسل حسين … اثار انتباهي وبالتاكيد عدد كبير من المهتمين بالشأن العراقي الانباء التي تداولت ان هناك دراسة قام بها المؤرخ والباحث الأمريكي في القضايا المعاصرة في تاريخ الشرق الأوسط وجنوب آسيا، واستاذ التاريخ في جامعة مشيغن جون ريكاردو كول ومفادها إنه يعتقد ارتفاع نسبة الملحدين في العراق. وذهبت عدة صحف ومواقع وكالات انباء عراقية وعربية وعالمية الى القول ان كول أظهر أن نسبة الإلحاد في العراق تصل إلى نحو 32% لعدة عوامل ومنها التطرف الديني والصراع السياسي والمذهبي.مضيفا انه”على الرغم من المخاطر والمحرمات في البلاد التي تمزقها الصراعات، فان شبانا عراقيين يتجهون نحو الإلحاد”. وقد اشارت الانباء الى ان الدراسة اعتمدت على استبيان قامت به وكالة الأنباء الكردية في العراق ” نيوز أجانسي أي كي نيوز” في أبريل 2011جاء تحت سؤال: هل تؤمن بوجود الله؟ جاءت النتائج على النحو الاتي: حيث أن67% فقط من قالوا نعم، بينما 25% قالوا ربما يوجد وربما لا، و7% قالو غير موجود، بينما 1% رفض الإجابة. وبالتالي فان النسبة الحقيقية التي خرج بها الاستبيان هي 7% وليس كما روج البعض بانها 32%، لانه علميا لايمكن اضافة الـ ( 25%) الى نسبة (7%) وعليه فليس صحيحا القول ان (32%) من الشعب العراقي هو لايؤمن بوجود الله، لان في ذلك تدليسا وتضليلا للنتائج التي وصل اليها الاستبيان. فضلا عن ذلك ان الدراسة هذه جاءت مغايرة للدراسة التي قام بها معهد غالوب عام،2012 وهو المعهد الذي عد من اكثر المؤسسات الدولية الموثوق بها ويتسم بالموضوعية لقياس الرأي العام واستطلاعاته، اشار فيه الى ان العراق يحتل المرتبة السابعة عالميا من حيث انتشار التدين. ولا شك أن ثمة اضطرابا واضحا ين الاستطلاعين، وان كانت الكفة تميل الى الدراسة التي قام بها معهد غالوب نظرا لاعتماده المعايير العلمية الدقيقية التي اشتهر بها، في حين لايعرف للوكالة الكردية التي اعتمدت عليها الدراسة دراسات استطلاعية سابقة. لكن ينبغي التمييز بين صفة اساسية يمكن ان تفك الاضطراب، ان هناك فرقا بين التدين والطائفية التي يبدو ان معهد غالوب قد فاتته في دراسته للمشهد العراقي، إذ ان الشعب العراقي شعب يزاداد نزوعا نحو الطائفية بيد انه شعب غير متدين، وهناك فرق كبير بين ان تكون طائفيا وبين ان تكون متدينا، ومعظم من يتمسكون الان في شعائرهم الدينية هم واقعون تحت ضغط العصبية الطائفية، ولذلك نجد في الفترة التي اعقبت الاحتلال عام 2003 انتشارا للممارسات والسلوكيات الطائفية التي امتدت حتى لدى العلمانيين ( على الرغم انه منهجيا لايصح ان نطلق على امثال هؤلاء انهم علمانيون طالما اتخذوا هكذا مواقف ) لذا لا غرابة ان وجدنا ان هؤلاء يمتلكون رؤية نقدية عميقة لجميع الاحداث لكن حين يتم الاقتراب من الحدث الديني نراهم يتمترسون خلف العصبية الطائفية ويتناسون الحداثة والمدنية والرؤية النقدية. يشير العلامة علي الوردي ان الطائفيين بلا دين، وبالفعل ما يحدث في العراق ليس له علاقة بالتدين والرسالة النبوية بل له علاقة بالعصبيات الطائفية التي تحولت الى هويات “كرونيكية ” تغذي نفسها بالصراع مع الاخر لتبني لها مجتمعات وغيتوات مستقلة عن الاخر ولتنتج في داخلها انماطا اجتماعية مغلقة ذات شبكة مصالح غاية في الدقة والتدفق المستمر كي يكون هناك ترابط صلد بين النزعة الطائفية والمصلحة. هذا البناء الطائفي المتنامي هو الذي دفع معهد غالوب الى القول بانتشار التدين دون معرفة عميقة باشتراطات التدين الصحيح الذي قام بالاساس على هدم العصبيات بكافة انواعها. ولاشك ان مخرجات الصراع بين الهويات الطائفية لابد وان تخلق ردة فعل من جيل يزداد ارتباطا بالعالم الخارجي المنفتح وبالتالي فان حركة الالحاد ان وجدت هي حركة اجتماعية احتجاجية على انتشار العصبية الطائفية وما تنتجه من مأسي والآم وقبح، اكثر مما هو احتجاج على حركة التدين والدين، سرعان ما تضمحل حينما تبدأ العصبية الطائفية بالتراجع والانكفاء.

أكثر...