بلكت الله تسمع البلدية
حيدر محمد الوائلي
ينبغي التنبيه في البدء على أن التصدي للمسؤولية ليس بالأمر الهين والسهل فمسؤولية كالحكم والإدارة والتصدي للمناصب يتطلب العمل الكثير والجهد الجهيد ووجع الرأس والخوض بمخاطر ومصاعب، طبعاً هذا لمن همه حفظ الأمانة وتقديم الخدمة والعمل بإخلاص ونزاهة ومهنية وحرقة قلب على شعبه ووطنه...
وبعد...
فمن لا يهتم بمشاريع البلدية من المسؤولين المحليين والمركز ويجعلها في خانة سلم الأولويات ويخصص أكبر جانب من الاهتمام بها ويصنف مشاريعها ضمن مشاريع الأهمية القصوى ففي مسؤوليتهم وإدارتهم خلل كبير وخطأ فادح ومشكلة يومية كبيرة يتحملها المواطن العراقي بسبب هذا الخلل والخطأ الذي يصر بعض المسؤولون على ارتكابه...
ومن لا يدق ناقوس الطوارئ في البلدية لإنقاذ المدينة من بشاعة الواقع البلدي المتردي ففي إدارته ذات الخلل والخطأ...
بما أن النظافة من الأيمان فتصبح الوساخة من عدمه، وبما أن ظاهرنا مؤمن، والله عليمٌ بذات الصدور، فينبغي أن يكون ظاهر مدينتنا وشوارعنا وبيوتنا نظيف، وبالتالي يصبح دلالة من دلالات المؤمن.
تقاس عظمة المدن وشعوبها بإنجازاتها وأثرها الفكري والحضاري وبالحرية التي يتمتع بها شعبها وبالعدالة في توزيع الثروات وبالرفاهية التي تعود عليهم من جراء حكمة تصرف المسؤولين وتوزيعهم للثروات بمؤسسات ومشاريع تعود بخدمات جليلة وكبيرة للمواطنين وكذلك باهتمام القادة والسياسيين بشعبهم ومداراتهم في داخل وخارجه وجعلهم يشعرون بأهميتهم لأوطانهم وكذلك باهتمام المواطنين أنفسهم بمدنهم.
تعد النظافة من أهم ملامح هذا الاهتمام فيعكس الداخل لها نظرة إجلال وإكبار لشعب تلك المدينة، ويصبح العكس صحيحاً عندما تكون المدينة وسخة فيعكس نظرة عن شعبها بأنه وسخ ومتخلف حتى لو كانت مليئة بالأدباء والفنانين والمثقفين، وحتى لو كان تاريخها أعظم تاريخ...!!
في صورة قديمة لمدن عراقية رصدت جمال الشوارع والزهور التي غطت الحدائق الكثيرة لدى تشييد مفاخر المشاريع الكبرى من جسورٍ وطرقٍ وبناياتٍ شامخة وشوارع جميلة منذ عشرات السنين...
ساهمت حروب النظام السابق مع إيران والغزو الصدامي للكويت والحصار الاقتصادي من جراء ذلك بدمار شبه كامل للبنية التحتية وحصول انخفاض كبير بمستوى البنية البلدية على الوجه الأعم والنظافة على الوجه الأخص وللأسف لم يغير النظام الديمقراطي الجديد الكثير بسبب الإرهاب والصراعات السياسية الداخلية وتدخلات دول الجوار...
هي صورة نراها ونعيشها كل يوم لشوارع بنفس تلك البنايات والمشاريع السابقة التي بنيت أيام كان التعداد السكاني في العراق بضع ملايين معدودة وهي ذاتها تلك المشاريع مع إضافات قليلة وغير متناسبة بالمرة مع تعداد سكاني سيجتاز حاجز الخمسين مليون قريباَ...
وياليت المشاريع السابقة يعملون لها صيانة ويديموها وحدائقها والنظافة فيها فذات تلك المشاريع القديمة اليوم ولكنها خلت من مساحات خضراء حيث النباتات ميتة وأراضٍ بور وشوارع تداعبها الرياح لتتطاير الأتربة والنفايات لا الطيور...!!
تتغطى الشوارع بكثبان رملية فما يوجد على جوانب الرصيف الذي كلف الدولة المليارات (قد ولّى زمن الملايين) مجرد ساحات ترابية لم يلتفت لها لا المقاول ولا المسؤول ولا إدارة البلدية بأن ينفقوا عليها بخس ملايين معدودة من الدنانير ليحولها لمساحات خضراء...!!
سيلتفتون لذلك لو كان التنفيذ يخص مشروع خاص بهم أو ملكهم ولكن المشاريع العامة تعاني من سوء التنفيذ والتخطيط كما سوء الاهتمام بها...
المواطنين أنفسهم أيضاً سبب رئيسي للوساخة فهم يتصرفون بأنانية قل نظيرها...!!
يلتزمون لحدٍ جيد بالنظافة داخل بيوتهم ويرمون نفاياتهم في سلة مهملات البيت ولا يعبثون بنظافة غرفة الاستقبال ويدمروا أثاثها ولا يرمون علب فارغة في أرضية غرفة النوم، ولا يكتب أولادهم على جدران البيت، بل على الأغلب كل شيء مرتب، ولكن ما إن يخرجوا للشارع حتى تراهم يرمون النفايات في كل مكان يمشون ويجلسون فيه...!!
وفي المدارس يكسر الطلاب زجاج النوافذ ويحطمون الأبواب ويكتبون ذكرياتهم وغشهم على حائط الصف...!!
ليتغير هذا الإنسان من كان نظيفٌ داخل بيته إلى وسخ...!!
لا يوجد ما يشجعهم على النظافة لأنه داخل بيته سيد نفسه ويحس بأن بيته ملكه وهو له وهناك من يحاسبه بحرقة قلب، وأن بيته نظيف وستبان الوساخة التي يرميها، ولكن لا الشارع ولا المدينة تهمه في شيء سوى السكن وتواجد الأصدقاء فيها، وأنها وسخة أصلاً فلا يضر إضافة القليل من الوساخة عليها.
لقد ضعف كثيراً الحس الوطني وصار (لا حس ولا خبر)، ولقد ضاع وسط غياهب ظلمات الأزمات السياسية الضمير الغيور.
إن ضعف دور مديرية البلدية في تعزيز روح النظافة وعدم استنفار جهودها وطاقاتها لتحقيق أكبر قدر من النظافة ساهم في تردي واقع النظافة كثيراً أيضاً.
لماذا لا تساهم البلدية بحملة كبرى (يومية) للنظافة ولجميع الأحياء السكنية لا حي بعينه دون آخر، يساهم بتلك الحملة أعلى هرم السلطة (مدير البلدية) وإلى أقل عامل أجراً كلهم جميعاً في الشوارع ينظفون ويبنون ويزرعون، وتأكدوا من أن الناس ستدعو لكم بكل خير وتساعدكم كلما تراكم تفعلون ذلك.
ستساهم مساهمة المسؤولون عندما يمسكون المكانس ويشرفون على الآليات التي تنظف الشوارع بإعطاء دفعة معنوية كبيرة للمواطنين ولعمال النظافة لتحقيق النظافة وسيكون تعامل الناس ودعائهم عليكم بالعكس لو حصل العكس.
بإنتظار همتكم ونهضتكم (وأنتم لا تحتاجون أن توصوا على ذلك ربما لفت الانتباه ليس إلا) لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وأن توصف مدينتنا ولو بعد حين وسنوات من التخطيط المستقبلي والعمل المجد المجتهد أن توصف بمدينة (نظيفة)...!!
أرجو أن لا تكون النظافة حلم صعب المنال، فلقد سئمنا الوساخة العامة في كل شيء، فمتى تكون (النظافة العامة) سائدة وصفة توصف بها المدينة...؟!
وبلكت الله تسمع البلدية...