الشرطة فى اللغة – كما عرفها مجمع اللغة العربية – تطلق على حفظة الأمن فى البلاد، ويطلق على الواحد منهم شرطى – بضم الشين وسكون الراء أو فتحها – وصاحب الشرطة هو رئيسها، وأصل الكلمة من شرط الشىء شرطا، أى شقه أو علمه أو التزمه.

والشرطة عند أهل الاصطلاح – كما جاء تعريفها فى الموسوعة العربية العالمية – جهاز حكومى يتكون من موظفين تتمثل مهمتهم فى تنفيذ اللوائح والمحافظة على النظام، وهم يعملون على منع وقوع الجرائم وحماية الأرواح والأفراد فى المجتمعات، وفى معظم الحضارات القديمة كان الجيش يقوم بخدمات الشرطة.
وفى الشأن العربى والإسلامى يعد عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – هو أول من وضع نظام الشرطة فيه، وكان يعس – أى يطوف – ليلا يحرس الناس ويطارد شاربى الخمر ولاعبى القمار حتى إنه سمى بالخليفة الشرطى، واستمر بعده نظام الشرطة حتى نظم فى عهد على بن أبى طالب – رضى الله عنه – وأطلق على رئيسها «صاحب الشرطة». وبقى الأمر كذلك فى عهد بنى أمية (41 -132 هـ = 661 – 750 م) التى قسمت الشرطة إلى نظامين شرطة كبرى وتختص بأصحاب الشأن العالى من الوزراء والأمراء ونحوهم ويرأسها قيادى فى مقر السلطان مثل ما كان فى الأندلس ومصر، وشرطة صغرى والتى تختص بعوام الناس وكان من مهامها إقامة الحدود الشرعية والسياسية. ثم جاءت الدولة العباسية (132 - 656هـ = 750 – 1258م) وأضافت تطورا لنظام الشرطة فى طريق التكامل، وكان فى عهد عبدالرحمن الناصر – وهو أعظم أمراء بنى أمية فى الأندلس والتى بلغت عصرها الذهبى فى حكمه الذى استمر خمسين سنة وستة أشهر ومات سنة 350هـ – قد ظهر نظام ثالث من الشرطة وهى الشرطة الوسطى التى تنظر فى قضايا الطبقة الوسطى من التجار وأصحاب المهن الراقية.

والمتأمل فى وظيفة جهاز الشرطة عند المسلمين يراها تطورا لوظيفة رجال الضبط الذين يساعدون الحاكم على إقامة العدل بين المحكومين ومقاومة أعمال البغى – وهو خروج بعض المسلمين على النظام الحاكم بقصد إسقاطه أو حمله على رفع الظلم من وجهه نظر الخارجين – وأعمال الحرابة – وهى خروج بعض المسلمين على الآمنين بقصد الترويع أو القتل أو السلب أو انتهاك العرض أو غير ذلك فيما يعرف بقطع الطريق أو البلطجة – وهى وظيفة تحتاج إلى تأهيل قتالى من نوع خاص يتفق مع مقصدها من تأديب المجرمين فى داخل الديار الإسلامية وتقويمهم.

وقد اختلف الفقهاء المسلمون قديما فى حكم استعانة المسلمين بغيرهم فى مقاومة البغاة والمحاربين ونحوهم التى يقوم بها رجال الشرطة، ويمكن إجمال أقوال الفقهاء فى حكم استعانة المسلمين بغيرهم فى مقاومة بغاة المسلمين ونحوهم فى مذهبين.

المذهب الأول: يرى تحريم استعانة المسلمين بغيرهم فى مقاومة البغاة ونحوهم، وهو مذهب جمهور الفقهاء ذهب إليه المالكية والشافعية والحنالة والظاهرية، وحجتهم: (1) القياس الأولوى على تحريم الاستعانة بغير المسلمين فى قتال أعداء المسلمين من خارجهم، حيث ذهب أكثر المالكية وبعض الشافعية والحنابلة إلى تحريم استعانة المسلمين بغيرهم فى العمليات القتالية التى يقوم بها جيش المسلمين فى مهامه الشرعية، فكان الأولى تحريم تلك الاستعانة فى قتال البغاة من المسلمين، ويدل على ذلك عموم ما أخرجه مسلم عن عائشة – رضى الله عنها – أن رجلا كان يذكر منه جرأة ونجدة لحق بالنبى – صلى الله عليه وسلم – عندما خرج فى بدر، وقال: جئت لأتبعك وأصيب معك. فقال له النبى – صلى الله عليه وسلم: «تؤمن بالله ورسوله ؟». قال: لا. قال: «فارجع فلن أستعين بمشرك». فأعاد عليه ثلاثا حتى أعلن الرجل إيمانه فقال النبى – صلى الله عليه وسلم: «فانطلق». وأخرج الطبرانى من حديث أبى حميد أن النبى – صلى الله عليه وسلم – خرج يوم أحد حتى جاوز ثنية الوداع إذا هو بكتيبة جيش فقال: «من هؤلاء؟» قالوا: هذا عبدالله بن أبى فى ستمائة من مواليه من اليهود من بنى قينقاع. قال: «وقد أسلموا؟» قالوا: لا يا رسول الله. قال: «مروهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين».

(2) سد باب التخوين فى حال الاستعانة بغير المسلمين فى مقاومة المسلمين الخارجين عن القانون؛ إذ قد يتهم غير المسلمين فى عملهم الشرطى بتصفية حسابات مع المسلمين لمظنة العداوة الدينية.

(3) أن رجال الشرطة من غير المسلمين لا يستوعبون مقصود عمل الشرطى فى الإسلام من التأديب وتمكين الخارجين عن القانون من العود إليه دون تذفيف الجريح وملاحقة الفارين قبل ارتكاب الجريمة. فكان منع غير المسلمين من الالتحاق بشرطة المسلمين للحيلولة دون خروج جهاز الشرطة عن مقصوده الشرعى بارتكاب جرائم التعذيب والإجهاز على الجريح من المجرمين بغير حصانة قضائية. ولذلك نص فقهاء الشافعية والحنابلة على أنه لا يجوز الاستعانة بالمسلمين من أهل المذهب الحنفى فى قتال البغاة لأنهم يقولون بجواز قتل المدبرين منهم.

(4) أن الاستعانة بغير المسلمين فى قتال البغاة من المسلمين فيها فساد من جهتين. الجهة الأولى هى ما نص عليها الإمام الشافعى من أن تلك الاستعانة تجعل سبيلا للكافر على المسلم. والله تعالى يقول: «ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا» (النساء:141). الجهة الثانية نص عليها الشوكانى فى «السيل الجرار» أن فى تلك الاستعانة تعاضد الكفر والإسلام على الإسلام، وقبح ذلك معلوم ودفعه بأدلة الشرع لا يخفى.

المذهب الثانى: يرى جواز استعانة المسلمين بغيرهم فى مقاومة البغاة ونحوهم بالضوابط العامة من المصلحة وأمن الخيانة. وهو مذهب الحنفية. وحجتهم: (1) القياس على جواز الاستعانة بغير المسلمين فى قتال الأعداء من الخارج، بجامع الإعانة على رد الظلم. حيث ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية إلى جواز استعانة المسلمين بغيرهم فى العمليات القتالية التى يقوم بها جيش المسلمين؛ لما أخرجه عبدالرزاق وابن أبى شيبة من طرق صحاح أن النبى – صلى الله عليه وسلم – كان يغزو باليهود فيسهم لهم كسهام المسلمين. كما روى أن النبى – صلى الله عليه وسلم – استعان بصفوان بن أمية يوم حنين واستعار منه مائة درع بأداتها وهو مشرك.

(2) الأمر بالتعاون على البر والتقوى ولو من غير المسلمين فى عموم قوله تعالى: «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» (المائدة:2). وهذا التعاون يفيد المسلمين بخبرة غيرهم، ويمكن تفادى التخوين وجهل مقصود عمل الشرطة الذى قد يتهم فيه بعضهم برسم الضوابط ووضع نظام للمراقبة تحول دون ممارسة الفساد والظلم.

(3) القياس على جواز الاستعانة بأدوات وأسلحة غير المسلمين، التى هى محل اتفاق فى الجملة، فكان الاستعانة بعدد من غير المسلمين فى شرطة المسلمين لقتال البغاة منهم كالأداة فى يد المسلمين، فلم يكن هناك وجه للتعقيب بتعاضد الكفر والإسلام على الإسلام، أو بجعل يد غير المسلم على المسلم.

وقد اختار المصريون مذهب الحنفية الذين قالوا بجواز استعانة المسلمين بغيرهم ممن يقيم معهم فى ديارهم وذلك لمقاومة بغاة المسلمين ونحوهم، فلم يجدوا حرجا شرعيا فى التحاق المصريين غير المسلمين بشرطة المسلمين وتولى قيادات فيها؛ لدخول ذلك فى الجملة فى معنى الاستعانة، وكان اختيار المصريين لمذهب الحنفية فى هذه المسألة بحثا عن المذهب الفقهى صحيح طريق الاستنباط الذى يرفع الحرج عن المسلمين المصريين فى تعاملهم مع غيرهم من أبناء وطنهم؛ إيمانا بأن الإسلام جاء لتيسير حياة الناس ورفع الحرج عنهم كما قال سبحانه: «وما جعل عليكم فى الدين من حرج» (الحج:78).

وترك المصريون مذهب الجمهور فى هذه المسألة الذى يرى تحريم استعانة المسلمين بغيرهم فى مقاومة بغاة المسلمين ونحوهم مما يمنعهم من الالتحاق بشرطة المسلمين؛ لما فى هذا القول من التشكيك فى الضمائر، وتأصيل مبدأ فقدان الثقة وغير ذلك من أسباب بث الفتنة بين أبناء الوطن الواحد المختلفين دينا والمتصالحين وطنا وجوارا.

ولم يكن ترك المصريين لمذهب الجمهور فى هذه المسألة خروجا عن الدين – معاذ الله – فالجمهور لم يمتلك الحقيقة المغيبة وإنما سيظل قوله فى الدنيا فقها يحتمل الخطأ، كما سيظل قول مخالفيه من أهل العلم فقها يحتمل الصواب.
أكثر...