كانت أيام الأمير الشريف/ ثامرالسعدون خلال السنوات الست الأولى من إمارته ،
هادئة انشغل فيها المنتفقيون وأميرهم بتقوية تحالفهم القبائلي ،
وإجهاض كل المحاولات الهادفة لشق وحدتهم ،
مما دفعهم إلى الإكثار من شراء أدوات السلاح وعدة الحرب ،
تحسبا من خطط العثمانيين ومماليكهم العدوانية .
وبعد هذه الفترة ، تدفقت الجيوش الإيرانية على العراق من ثلاث جهات ..
وإحدى هذه الجهات كانت متجهة إلى البصرة
وكان اكبر جيشا و أضخمه قوة هو المتجه نحو البصرة
بقيادة صادق خان ..
وقد سبقت وصول هذا الجيش دعاية منظمه من قبل الإيرانيين ،
بان هدفهم البصرة ،
مما زرع في نفوس ساكنيها الخوف والهلع طيلة عام 1774م ،
دون تدخل فعلي من الدولة العثمانية وسلطاتها ،
في حين كان والي بغداد مشغولا بليالي الأنس ! ..
وكان الحاكم في إيران هو الوصي ( كريم خان الزند )
الذي جيش الجيوش وقسمها لاحتلال البصرة .
وكانت الدولة العثمانية تشهد تردي حاصل في مجمل إدارات الدولة ..
وكانت عاجزة عن تصحيح واقع الحال السيئ في ولاية العراق
وعاجزة من إرسال معونات عسكرية إزاء الغزو الفارسي ،
بسبب الضغوطات التي كانت تمارس عليها من قبل روسيا والنمسا والمجر .
وكان من حسن حظ البصرة أن يتواجد في ذلك الوقت رجلان..
كانا عنوانا لصمود البصرة .. الأول هو( سليمان اغا ) متسلم البصرة ..
والرجل الثاني الذي أعطى من الجهد والصمود أمام الحصار والفعالية ما يشار إليه البنان وهو الشريف / ثامر بن سعدون أمير المنتفق .. المحرر للبصرة من الاحتلال هو وقبائله .
لقد كانت أوضاع البصرة من الناحية العسكرية غير جيدة ..
إلا أن همة وشجاعة متسلمها سليمان اغا فعلت فعلها ..
وكان بنفس الوقت يرسل كتبه إلى سلطات بغداد يستنجد بإرسال المدد ..
بعد أن قدّر انه ليس باستطاعته ملاقاة خصمه في معركة مكشوفة ..
لذلك ارتأى أن يحتمي في داخل المدينة حتى وصول إمدادات بغداد
إلا أن تلك الإمدادات كانت وعود كاذبة .
في سنة 1775م ..
تقدمت القوة الفارسية حتى اطبقت على البصرة ..
بعد أن فرت القوات التي وضعها المتسلم بالقرب من مصب نهر السويب .
وقد أرسل صادق خان رسله إلى سلطات البصرة ،
عارضا عليها دفع اتاوة كبيرة مقابل سلامة المدينة ومن فيها ..
وطلب مائتين ألف روبية ,
لكن متسلم البصرة سليمان اغا رفض تلك العروض المهينة للاستسلام .
غير أن صادق خان قائد الجيش استطاع حصار البصرة بإحكام ..
بحيث أصبحت البصرة مطوقة من جميع الجهات
عدا المنطقة الغربية المفتوحة نحو الصحراء .
في هذا الظرف يصل الأمير الشريف/ ثامر بن سعدون البصرة ،
ومعه جمع كبير من قبائله قادما البادية بعد أن وصلته أنباء الحصار .
وقد شكروه متسلم البصرة سليمان اغا وقبطان شط العرب ..
واثنوا على موقفة ..
فأجابهم الشيخ ثامر قاصدا المتسلم بالذات لما بينهما من بغض وكراهية ..
حيث قال : " لقد جئنا ندافع عن البصرة العربية ، فلا حب بالروم ( يقصد المماليك وسلطاتها) ولا بغضا بالعجم " ..
وكانت علاقة الأمير ثامر ومتسلم البصرة سليمان اغا ، سيئة ولا توحي بالثقة ،
والسبب انه كانت مطالبات سليمان اغا اللجوجة لقبائل المنتفق ،
بضرورة تسديد الرسوم التي بذمتهم للسلطة المركزية ،
والتي أثقلت على رجال المنتفق بسبب سوء الموسم الزراعي .
لكن هذه العلاقة المتوترة لم تعطل أهل المنتفق في أن يكونوا على راس المدافعين عن البصرة ،
لأنها أرضهم حتى وان كانوا ليسوا حكامها .
في سنة 1775م هاجم الفرس القسم الشمالي من البصرة في ليلة حالكة ،
و أبلى البصريون ولا سيما المنتفقيون اتباع الشيخ ثامر بلاءا حسنا في الذود عن المدينة ،
خاصة وانهم كانوا يسمعون هلاهل نسائهم وصرخاتهن داعيات لم بالتشجيع ،
وقد كان رجال البلد كافة مشاركين في الدفاع .
بعد ما قدّّّّموا البصريين وقبائل المنتفق كل ما لديهم من قوة وشجاعة
لم يكن الحظ حليفهم ، ..
حيث تعرض المدافعون عن البصرة إلى جوع لم يقاسه أحد ،
وقد ترافق مع الجوع تكاسل متعمد عن نجدتها من قبل السلطة المركزية .
أمام هذا الوضع قرر متسلم البصرة سليمان اغا هو واعيان ووجهاء البصرة
بان يفاوضوا قائد الجيش الفارسي صادق خان بتسليم البصرة
واخذ الأمان لها ولساكنيها بعد أن يأسوا من وصول أي
معونة حقيقية لنجدتهم ، و بناءا على كتاب والي بغداد
الذي أرسله للمتسلم حيث بين الوالي أن الإمدادات
بعيدة عنكم والأفضل أن تصطلحوا على أي شيء .
وهذا ما حصل حيث دخلت الجيوش الغازية البصرة في عام 1776م .
أما المنتفقيون فقد استغلوا فترة الهدوء التي سبقت دخول قائد الجيوش
الفارسية للبصرة ، وتسللوا خارجها بعد أن اتضح لديهم
أن أهل البصرة ومتسلمهم قد قبلوا شروط المنتصرين
الفرس .
أما الشريف ثامر ، فقد أشاع اتباعه انه قتل ،
لكي يتمكن من التخلص من الأسر ،
فاستطاع الخروج من المدينة قبل تسلم الفرس البصرة بقليل
مع ثلة من المنتفق ، متجها صوب دياره .
لقد كان احتلال البصرة امتحانا ومحنة للدولة العثمانية ،
حيث ظهر عجزها وتقاعسها على طرد المحتل ،
وهذا الأمر استوجب اجتماع المجلس العام للدولة العثمانية ،
والذي لا يعقد إلا في الأوقات العصيبة ،
لكن كل هذه الاجتماعات والحماسة كانت
حبر على ورق ودون أي جدوى .
وهذا الأمر جعل ثقل الاحتلال يقع على المنتفق لوحدها ،
حيث انشغل الأمير ثامر بوضع الخطط لتحرير البصرة .
كذلك كان المحتل يفكر ويخطط بالقضاء على
المنتفق لكي تكون يدهم طليقة في كامل العراق الجنوبي ،
ولان المنتفقيين فرسان تلك الناحية وحماة تلك البراري ،
وهم القوة الوحيدة المعادلة للجيش الفارسي .
لذلك انذر صادق خان ، أمير المنتفق وطلب منه أن ينزل على طاعته
ويذعن لأوامره ، لكن المنتفق رفضت هذه الطلبات واستعدت للمنازلة ،
الأمر الذي دفع صادق خان لتجييش قوة بقيادة علي محمد خان
متألفة من ستة آلاف فارس وثلاثة آلاف من المشاة
مع ثمانية عشر زورقا نهريا تحمل المدافع .
بعد أن قررت المنتفق تصدي ذلك العدوان ،
اختار الأمير ثامر ، منطقة ( الفضلية ) ساحة لميدان المعركة
وهي اقرب ما تكون لشبه جزيرة ، كما انه رتب مكيدة ناجحة ،
حينما اغرق منطقة المعركة بالماء ، ثم عاد فبزلها ،
فأصبحت الأرض رخوة طينية ومعيقة للحركة العسكرية ،
أما قوات الأمير ثامر البالغة ستة آلاف مقاتل ،
فقسمها إلى أربعة أقسام ،
واضعا في مقدمتها خيرة قادته وشجعانه
من أمثال ابن عمه الامير الشريف " ثويني بن عبد الله السعدون (قائد الجيش في المعركتين مع الفرس: معركة الفضلية ومعركة ابي حلانه)
و محمد العبد العزيز ، و الامير الشريف حمود الثامر السعدون " .
وما إن بدأت المعركة بين الطرفين ، رغم فارق العدد والعدة ،
حتى شبك المنتفقيون أيديهم مع أيدي أميرهم
دفاعا عن الأرض والعرض ،
مظهرين من الشجاعة السخية والثبات البطولي ،
ما تغنت به الأجيال ، واوضحوا بإجلاء ، أن الإيرانيين اقل ثباتا
على سروجهم حينما يلتقون بالرجال الفرسان ،
حيث أثار الأمير ثامر النخوة والحماسة في نفوس الرجال
الذين أقسموا له بالقتال حتى النفس الأخير ،
كما أظهرت هذه المعركة براعة أهل المنتفق
بوضع الخطط الحربية المتكاملة ،
حينما قاتلوا الفرس وأنزلوا بهم الضربة القاصمة .
وقد كان لاختيار ميدان المعركة ، أثرة في إنزال الهزيمة بالجيش الغازي ،
ثم اكملوا فيهم القتل حتى أبادوهم عن أخرهم ،
وكان بين القتلى علي محمد خان نفسه قائد الجيش الغازي ،
لقد أبيد الجيش الفارسي بكاملة
سوى أفراد قلائل عادوا للبصرة يشرحون برعب ما حدث لهم
على أيدي رجال المنتفق .
كما غنموا أسلحة وأدوات الجيش الغازي وامواله وثيابه .
ولقد ظلت هذه الموقعة وأثارها ،
موضع فخر للجميع على مدار جيل كامل .
إن نتائج هذه المعركة جمدت طموح الفرس ونيتهم بالتوسع في الاحتلال .
وأخذت تفكر بالاحتفاظ بما في يدها ،
بعد أن لمست حجم وفعالية القوة المقابلة لها .
بنفس الوقت فان هذه المعركة
قد عززت من معنويات و آمال المنتفقيين لتحرير البصرة ،
بعد أن اتضح لهم حجم المبالغة بقوة وشجاعة الجيش الفارسي ،
وبعد أن تيقنوا أن الدولة العثمانية عاجزة عن إخراج الفرس من البصرة ،
بعدها عزز صادق خان حماية البصرة بقوات كثيرة
جلبها من شيراز بعد أن سلحها تسليحا جيدا
واسندها بقوات من " بني كعب " وعشائر " الكثير " .
أما الأمير ثامر فقد استعد لقتالهم مرة أخرى ،
بعد أن زوده النصر السابق بشحنة من المعنويات والأفكار ،
لذلك حشد قواته نحو البصرة طالبا من محتليها مغادرتها ،
ولان الارادتين متقاطعتان ، فكان لا بد من الاصطدام ،
خصوصا أن البصريين قد ظلت آمالهم معلقة على
ما تحققه المنتفق من إنجازات من اجل التحرير .
ولذلك وقع الاصطدام مره اخرى في الموقع المعروف بـ "أبى حلانة " 1779م ،
ومن جديد قدمت المنتفق ألوانا جديدة من الشجاعة والإقدام ،
وكانت هذه الواقعة هي السبب في تقصير همة الفرس بعد هزيمتهم للمره الثانيه
عن التوغل في العراق ،
والتفكير الجدي بالانسحاب من البصرة بأقل الخسائر الممكنة .
بعد النصر ضيقت قوات المنتفق الحصار على البصرة ،
بحيث كانت القوات الفارسية في ضيق شديد من هذا الحصار ،
كما أنها رفضت أي مفاوضة أو مساومة مع المحتل قبل انسحابه من البصرة .
لذلك فما أن وصلت أنباء المعركة الأخيرة لمدينة لشيراز الايرانية ،
حتى يتوفى الوصي ( كريم خان الزند) حاكم إيران ،
فيجمع صادق خان ما تبقى من قواته ،
وينسحب فرارا وخوفا من أن تجتاحه المنتفق
في داخل البصرة والتي غادرها مرعوبا دون أن يولى على شيء .
بعد هروب الجيش الفارسي من البصرة ،
تدخلها المنتفق محررةً آخر مواقع الاحتلال البغيظ منها ،
بعد أن وقفت له سدا محكما وجرعته علقم الهزائم
التي دفعت به للهروب ،
وقد ترافق مع إنجاز التحرير الذي حققته المنتفق ،
أنها أمنت الناس والسبل وبدأت بنشر القانون .