فاتح عبدالسلام … سيطرة الأمراض السياسية على المجتمع العراقي وثقافته تترسخ يوماً بعد يوم، وستحول دون كتابة تاريخ لمسيرة الإنجازات الفكرية والفنية والثقافية الإبداعية في خلال قرن من الزمان. مَن يجرؤ على كتابة تاريخ المنجز الفكري العراقي بكل ألوانه وميوله واتجاهاته من دون تحيز وبحيادية أمينة تقنع الأجيال المقبلة أن الإبداع لا يخضع لتصنيف الأحزاب ونزقهم؟ في مصر، ربما كانت هناك حالة إستثنائية بدأت تتقلص حالياً، حيث كنا نسمع أن الشاعر الفلاني عظيم وأن الفنانة الراحلة كانت عظيمة بالرغم من إختلاف المصريين على مواقف هذا الشاعر أو تلك الفنانة من أحداث سياسية وزعماء مروا في تاريخ البلاد. وضع العراق يبدو كحامل حقيبة يضع حاجياته الضرورية لقضاء حقبة زمنية وحين تنتهي الحقبة يرحل بحقيبته أو تصادر الحقيبة وتحرق ويقتل صاحبها فعلاً وإسماً وهناك من يهرب بالحقيبة. كل شيء يتردى في العراق شيئاً فشيئاً، والأحزاب الماضية والحالية سبب هذا الخراب الكبير. في بلدان عربية كثيرة توجد نفس المشكلة في التنكر لتاريخ ما جرى، حيث الشعوب تغير جلودها كالثعابين.لا أحد يفهم أن التاريخ بكل مافيه من سوء هو جزء من تكوين المجتمع الضارب في أعماق الزمن، وإن المجتمعات لا يمكن أن تكون بمستوى واحد من الميول والإتجاهات والتعامل مع الشأن السياسي أو الديني أو الفئوي. ثمة طبقات في الوعي وطبقات في المجتمع وفي التكوين العام للمدن والأرياف لابد أن تكون في صلب معيارية فهم التحولات التي تعني في أبرز وجوهها، التعددية المقبولة في النظريات والمرفوضة في الواقع. في كل حقبة ثمة مزورون يلتفون حول الحاكم ويكتبون التاريخ الذي يريد ويحب. العراق الآن في أتون مخاض داخلي كبير ودموي أحياناً سيشهد كتابة مزورة للتاريخ أيضاً. لكن الأجيال المقبلة قد تكون أكثر وعياً بما جرى بفعل وسائل الإتصال الحديثة، ولن ينجو المزورون بفعلتهم في كل مرة.

أكثر...