سلطت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية الضوء على الأحداث الدامية التى شهدتها شبه جزيرة القرم، التى تتمتع بحكم ذاتى، خلال الأيام الماضية، والأوضاع المتوترة التى تعيد إلى الأذهان الماضى الدامى لشبه الجزيرة الإستراتيجية.

وذكرت الصحيفة فى نسختها الإلكترونية أن مسلحين ملثمين موالين لروسيا سيطروا على مبانٍ حكومية ومطارات ومواقع إستراتيجية أخرى فى شبه جزيرة القرم، وذلك بعد أن أطاحت احتجاجات شعبية استمرت ثلاثة شهور بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش المدعوم من قبل روسيا.

ولفتت الصحيفة إلى أن شبه جزيرة القرم – وهى منطقة سكنية "متعددة الأعراق" - كانت مركزا للنزاعات الإقليمية على مدى القرون الماضية وأصبحت فى العقود الأخيرة مصدرا للتوتر بين أوكرانيا وروسيا.

ووفقا لإحصائيات السكان الأوكرانية الأخيرة، تعد شبه جزيرة القرم موطنا لحوالى مليونى شخص، مع ما يقرب من 60 بالمائة منهم من الروس، وما يقرب من 25 بالمائة من الأوكرانيين، وحوالى 12 بالمائة من التتار، وهو ما يعطى شبه الجزيرة عدد سكان مسلمين لا بأس به.

وأعادت الصحيفة إلى الأذهان، النزاعات التى وقعت فى شهر مايو من العام 1992 بعد وقت قصير من انهيار الاتحاد السوفيتى عندما أعلن برلمان القرم الاستقلال عن أوكرانيا..مشيرة إلى أنه منذ ذلك الحين ويسود توقع بأنه عندما تصبح الأمور متوترة بين روسيا وأوكرانيا فمن المرجح أن يشعر بالأثر الحاد لهذا التوتر فى شبه جزيرة القرم، وتمت تسوية النزاع فى العام 1992 بموجب اتفاق منح القرم حكما ذاتيا داخل أوكرانيا.

وذكرت (نيويورك تايمز) بما سبق أن كتبه فيكتور زابورسكى خبير فى شئون المنطقة فى وثيقة لمركز العلوم والشئون الدولية فى جامعة هارفارد عام 1995 "لقد أصبحت شبه جزيرة القرم ساحة للمبارزة بين كييف وموسكو على الخلافات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإقليمية".

وأشارت الصحيفة إلى أنه بقراءة التاريخ نعلم أن شبه جزيرة القرم كانت نقطة محورية للإمبراطوريات المتنافسة وقد احتلت أو اجتيحت من قبل الإغريق، والمغول، والروس، والبيزنطيين، والعثمانيين، والحشد التتارى وغيرهم.

وأصبحت القرم جزءا من أوكرانيا فى عام 1954 عندما منحها الحاكم السوفيتى نيكيتا خروتشوف إلى أوكرانيا، التى كانت جزءا من الاتحاد السوفيتى فى ذلك الحين، كهدية لتعزيز الإخاء والود بين أوكرانيا وروسيا.

ولفتت الصحيفة إلى أن شبه جزيرة القرم هى موطن لمقر الأسطول البحرى الروسى فى البحر الأسود، وأيضا المنتجعات الشاطئية التى طالما فضلها الحكام الروس والأوكرانيون.

وتستأجر روسيا الآن المنشآت البحرية، بموجب اتفاق مثير للجدل وافق عليه يانوكوفيتش فى عام 2010 على تمديده لمدة 25 عاما، أى حتى عام 2042 فى اتفاق يتضمن تخفيضات لأوكرانيا على الغاز الطبيعى الروسى.

وكانت روسيا وأوكرانيا قد وقعتا فى 21 أبريل 2010، اتفاقية خاصة بتمديد فترة مرابطة أسطول البحر الأسود الروسى فى مدينة سيفاستوبول، فى شبه جزيرة القرم بعد عام 2017، ونصت الاتفاقية على تمديد بقاء الأسطول 25 عاما إضافية، مع إمكانية إضافة خمس سنوات أخرى.

ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أن أسوأ الصراعات التى شهدتها شبه جزيرة القرم، كانت حرب القرم فى الفترة بين عامى 1853-1856 التى خلفت على الأقل 750 ألف قتيل.

وكانت الحرب بين روسيا والإمبراطورية العثمانية فى إطار النزاع الإقليمى، غير أن فرنسا وبريطانيا ومملكة سردينيا الإيطالية وقعت فى شركها أيضا، وامتدت ساحة المعركة من البحر الأبيض فى الشمال إلى البحر الأسود فى الجنوب.

ونوهت الصحيفة إلى أن التتار، الذين تم ترحيلهم فى العام 1944 بشكل جماعى من قبل ستالين إلى آسيا الوسطى، ومنذ أن عادو إلى موطنهم، لديهم القليل من المودة لموسكو.

وأشارت الصحيفة إلى أن العلاقات التاريخية العميقة بين روسيا وشبه جزيرة القرم، وخاصة المصالح العسكرية فى القواعد البحرية تساعد فى تفسير سبب معارضة الرئيس فلاديمير بوتين والكرملين بشدة لجهود أوروبا لتوطيد العلاقات مع أوكرانيا.

وتزامنت الاضطرابات فى كييف فى نوفمبر الماضى مع تراجع يانوكوفيتش، تحت ضغط من روسيا، عن اتفاقيات للتقارب مع أوروبا كان قد زعم فى وقت سابق أنه سيوقعها.

واختتمت الصحيفة بالإشارة إلى أنه إذا كانت روسيا تمتلك مصالح اقتصادية كبيرة فى شرق أوكرانيا، فإن أعظم اهتماماتها العسكرية الإستراتيجية تقع فى شبه جزيرة القرم.



أكثر...