رحم الله الرصافي عندما شخص حالة العراقي في علاقته مع أبناء جلدته حين قال :-

كلاب للأجنبي لكنهم على ....أبناء جلدتـــهم أسود
أخذتني الصدفة لأقرأ هذا المقال ...الذي عبر تعبيرا صادقا عما اعتدنا أن نلاقيه في ما نسميه والغصة في صدرنا وطننا العراق ...لقد علمنا أبونا ان وطننا هو المكان الذي نجد فيه كرامتنا ..فكيف للناس ان يسموه وطن وكرامتهم مهانة فيه...ماذا لو كان عبد الرزاق الربيعي عراقيا يحمل الجواز الأمريكي او البريطاني او أي جواز غير عراقي ....هل كانت وزارة الثقافة التي هي بدون ثقافة ..أن تتصرف معه مثلما تصرفت ....أم هم يبقون كما وصفهم الرصافي...
في عام 1979 سافرت الى باريس ةكنت حجزت في فندق على ما اذكر اسمه ( جنيفا) في منطقة سانت لازار...لما وصلت الفندق طلب مني عامل الاستقبال أن أنتظر في الصالة لأنه يتكلم مع مجموعة فرنسية بدا عليها انها من الريف...وعندما انتهى منهم وصعدوا الى غرفهم ...اشار لي ان آتي اليه فقال لي بانه سيرسلني لفندق آخر ...ولما اعترضت بأنني حجزت في هذا الفندق منذ اكثر من شهر ...قال لي ...بأنه اعطى كل الحجوزات لفلاحين الفرنسيين الذي جاؤا لقضاء وقت راحتهم في باريس....ولما كررت عليه بأنني أحق منهم لأني حجزت قبلهم أجابني بكلام خرست بعده قال لي بلهجة مؤكدة ومستعلية (They are Frenches ) ( انهم فرنسيون )...هكذا تحترم الدول لأنها تحترم شعوبها ...وعندما يهان المواطن يهان البلد ...فقيمة البلد من قيمة أبنائه...
...أين المواطنة ...هل نهاجر الى السويد او الدنيمارك او هولندا ..لكي نحس بها ..عملا بقول الامام علي (ع)
ولا تقيمن بــدار لا انتــفاع بهــا....... فأرض الله واسعة والرزق مبسوط
اليكم ما كتبه عبد الرزاق الربيعي
ساعة في مطار بغداد


لم يستمر عرس الإحتفاء بوصولنا الى بغداد من قبل اللجنة المنظمة لمهرجان المربد السادس الذي أقيم الشهر الماضي طويلا ,وأعني بها وزارة الثقافة , ففي صباح اليوم التالي حين هيأنا حقائبنا لمغادرة بغداد الى البصرة جاء أحد المنظمين وسلم الصديق الشاعر السوري بيان الصفدي تذكرته على الخطوط العراقية وحين سألته عن تذكرة سفري للبصرة قال :" الأدباء العراقيين يسافرون برا"
وأردف "السفر جوا فقط للعرب والأجانب"
قال الدكتور سعيد الزبيدي:ولكننا مقيمون في الخارج !فكيف تفصلوننا عن زملائنا الذين جئنا معهم ؟"
أجاب"هذا ما أبلغونا به"
قلت لمحدثي :"لو كنا نعرف هذا أمس لقطعنا تذاكرنا على حسابنا الشخصي , فأجاب:" ستتمتعون برحلة ممتعة بحافلات جديدة ومكيفة "
قال الزبيدي:لا نشك بهذا , لكن نختلف على المبدأ !
وتساءل بشيء من المرارة : ما الذي تغير إذن؟
في إشارة الى ما كان يتعرض له الشعراء العراقيون من تهميش وإهمال في مرابد الثمانينيات بينما ينصب كل الإهتمام على العرب والأجانب !
لم يجبه , بل مضى ليوزع بقية التذاكر على بقية زملائنا من الشعراء العرب
قلت للزبيدي : دكتور ..لا نريد أن يعكر صفو مزاجنا شيء في أول صباح لنا ببغداد بعد 16سنة من الغياب , ثم سنجد في الطريق الطويل للبصرة فرصة جيدة للقاء أصدقائنا الشعراء والتحدث اليهم "
وهذا ما كان ,حيث وفر لنا الطريق اللقاء بأصدقاء قريبين من القلب بعيدين عن مرمى البصر , فكانت فرصة أنستنا رفاق رحلتنا لبغداد الذين لم نرهم منذ تلك اللحظة الا في الجلسات! ذلك لأن اللجنة المنظمة للمهرجان حجزت لهم في فندق "مناوي باشا" ذي النجوم الخمس , بينما توزعنا مع إخواننا الشعراء والنقاد العراقيين على فندقين هما "العيون" و"المربد" وكانت إقامتي في الأول , قال لي الدكتور سعيد الزبيدي :علمت أن كل إثنين من المشاركين يقتسمان غرفة واحدة وأريد أن أستأذنك لأنني سأقيم مع "أبي ياسر" ويعني به الشاعر الجنوبي عيسى حسن الياسري العائد مع أدويته وأوجاعه من كندا
قلت له:"مو مشكلة " سيكون معي عدنان الصائغ! وضحكت لأن الصائغ بعد ماجرى له المربد الثالث عام2006 تجنب المشاركة به رغم إنه قبل يوم من توجهي للعراق إتصل بي من "أدنبرة"حيث كان مشاركا في مهرجان هناك وحملني تحياته للشعراء المشاركين

إتجهت للشاعر (علي وجيه) وإتفقت معه وحين أبلغت موظف الاستقبال بذلك فتش عن إسمه فلم يجده لأنه من المقيمين في فندق "المربد"
قال لي:اختر رفيقا آخر
فرأيت إسم الصديق الشاعر حميد قاسم في القوائم , قلت له: ليكن معي
وكنت قد تواصلت مع الأخ حميد هاتفيا فأخبرني إنه سيصل قبل يوم من الختام , ثم اعتذر لاحقا عن الحضور فأتاح لي فرصة الإنفراد بغرفة والخروج من هذه المشكلة !
كان أجمل مافيها أن جاري هو الصديق الناقد بشير حاجم فأمضينا وقتا طيبا نتجاذب أحاديث شتى قبل أن يدوي فجأة صوت إنفجار!
سكتنا , تظاهرت بتجاهل مصدر الصوت
لكن الأخ بشير قال:من الغريب أن يحدث هذا !
قلت:ماذا تظن قد حدث؟
أجاب:إنه إنفجار!
إتضح في اليوم التالي أن مجموعة من المتشديين قاموا بتفجير محل لبيع الخمور
لكن في الصباح كانت الأضرار قليلة فأزاح العمال الحطام وفي المساء نفسه,فتح المحل أبوابه للزبائن !

عموما تلك التفاصيل البسيطة لم تنل من سعادتي بزيارتي الأولى لبلدي ولقائي أهلي وأصدقائي , وكلنا نعرف أن العدد المشارك في المهرجان كان أكبر من أن تتسع له فنادق البصرة التي أغرقتنا بكرم أهلها وجمالها وهي تنفض عن جسدها تراب الدمار والإقتتال الطائفي والأوجاع ,و الأمر معروف بالنسبة للوزارة كما أخبرني صديقي الشاعر د.حامد الراوي المستشار بالوزارة , وهو يشرح لي حلمه بمهرجان فضاؤه العراق كله , فقد كانت سعادتي أقوى من أي منغص يعترضني , ومهما يكن فإن شعوري إنني بين أهلي يجعلني أواجه الظروف الصعبة بإبتسامة , فقد وضعت برأسي قبل توجهي للعراق إنني لن أكون بنزهة, هذه المقدمة جعلتني أتحمل كل ما أواجه , لكن الذي واجهنا أنا والزبيدي عند مغادرتنا بغداد عائدين الى مسقط فاق كل توقعاتنا!!
* * *
ففي اليوم الذي سبق موعد السفر قلت للزبيدي علينا أن نؤكد حجزنا فأيدني ,حيث كنت منشغلا بالجلسة التي خصصها لي نادي الشعر بإتحاد الأدباء والكتاب العراقيين وسط حفاوة الأحبة : فاضل ثامر وعلي حسن الفواز وعمر السراي وحسين الجاف وجواد الحطاب وحسب الله يحيى وبشير حاجم وزاهر موسى وعلياء المالكي ود.سعد التميمي ومنذر عبدالحر وأسعد الهلالي ومحمد غازي الأخرس ود.حمد دوخي ود.صادق رحمة وسهيل نجم وعلي وجيه ومحمد جبار حسن وآخرين حاول الزبيدي الاتصال بفرع مكتب طيران الخليج ببغداد, فلم يتمكن , لذا إتصل بزوجته بمسقط فأكدت الحجز لكلينا ,على الرحلة200 التي كانت ستنطلق في الساعة العاشرة و25دقيقة من مساء28 آذار(مارس) فطمأنني ,أن كل الأمور تسير بشكل جيد .
قبل موعد السفر بساعات قليلة كنت ضيفا على برنامج "أبواب" بقناة الحرة عراق الذي يعده الشاعر محمد غازي الأخرس وتقدمه هبه باسم وحال إنتهاء التسجيل إتصلت بإدارة المهرجان لأسأل عن مندوب منها يمكنه إيصالنا للمطار , فأجابني أحد المكلفين بمتابعة شؤون الضيوف :إننا منشغلون بالأجانب ويمكنكما كراء سيارة أجرة , قلت لمحدثي :أخي ,المشكلة ليست في السيارة بل في دخول المطار لأن أية سيارة أجرة لن تستطيع تجاوز ساحة عباس بن فرناس , قال :هذا صحيح , أمهلني بعض الوقت ,لعلني أجد سيارة ,إنتظرنا , لم يتصل فكررت اتصالي وكرر علي اعتذاره واقتراحه !
أعاد الزبيدي على مسامعي تساؤله :ما الذي تغير إذن؟

* * *
لم نكن بحاجة الى كراء سيارة أجرة فأخي عدنان كان معنا, ركبنا سيارته مع عائلته الصغيرة وأخي عادل وودعت الأهل بعيون متقرحة , في الطريق مررنا بساحة أم النسور, قال أخي عادل: في هذا المكان حدثت جريمة بلاك ووتر الشركة الأمنية الأمريكية التي أطلقت النار على عدد من المدنيين العراقيين فخلفت مجزرة ذهب ضحيتها حوالي عشرين شهيدا!
يا للبلد الذي أينما يممت وجهك في أنحائه تجد ذكرى مجزرة !
تذكرت بيتا لصديقي الشاعر عدنان الصائغ هو :

"لا تبصق فوق الأرض
فتراب بلادي معجون بدم الشهداء"

واصلنا سيرنا , حين بلغنا ساحة عباس بن فرناس , هتف بنا رجل أمن عبر مكبر صوت؟ الى أين تمضون؟
التفتنا لم نجد أحدا , سادنا الإرتباك , ظل يكرر النداء ثم قال: لينزل أحدكم , نزلت من السيارة , مستذكرا مشاهد من أفلام كلاسيكية كان يطلب خلالها من أحد المطلوبين التجرد من كل شيء والسير منفردا بإتجاه ما يصدر من تعليمات !
قال الصوت:اصعد في السيارة القادمة,نظرت الى الخلف , شاهدت سيارة قادمة , وقفت , فتح سائقها الباب , صعدت ,لم أتبادل مع صاحبها حتى التحيات فقد عقدت الدهشة لساني وشلت تفكيري , فقط تذكرت الإستقبال الحافل الذي عملته لنا وزارة الثقافة عند وصولنا بغداد وكان يقف في مقدمته الصديق الشاعر منعم الفقير وآخرون !!
قلت لنفسي"لقد ذهبت السكرة وعادت الفكرة , وعلينا أن نواجه الموقف بروح ايجابية وواقعية "

كلما تقدمت السيارة التي تقلني كلما إتضح مصدر الصوت وعلى بعد حوالي خمسين مترا نزلت وأفهمت رجل الأمن إنني وصديقي من المدعوين من قبل وزارة الثقافة , وحكيت له بقية القصة ,عارضا عليه رسالة الدعوة وباج المشاركة وجواز سفري

قال:كل هذا صحيح ومفهوم لكن غير مسموح بدخول أية سيارة غير مرخصة , سألته: والحل؟ أجاب: ليعد شقيقك من حيث أتى وإنتظر مع صاحبك عند الساحة لعل حافلة تصل بعد حين لتنقلكما الى داخل المطار
عدت سيرا على الأقدام لأبلغ أخويّ بما جرى لي مع رجل الأمن
ودعتهما , ثم مضيت مع الزبيدي نبحث عن حافلة فوجدنا إحداها واقفة ,
هممنا بالصعود قال السائق :إنها مخصصة لنقل المعتمرين, نزلنا منها لكن إحدى النسوة أشفقت علينا , وقالت للسائق:ليصعدا معنا , فوافق , صعدنا , وبعد قليل جرى تفتيش دقيق جدا لحقائبنا بإستخدام كلب بوليسي .
ثم صعدنا الحافلة وبعد عدة أمتار نزلنا ثانية وتم فحص الحقائب بعد إنزالها بشكل دقيق أيضا , سارت الحافلة بعد أكثر من ساعة تحركت الحافلة لدقائق قليلة ثم دخلت المطار, وهناك أنزلنا الحقائب من جديد وجرى تفتيشها بالإستعانة بكلب بوليسي جديد مع التأكيد على ضرورة إبتعادنا عن الكلب , فابتعدنا مسافة , مراقبين النتيجة التي سيخرج بها الكلب , وكان الإرهاق قد بدأ يتمكن منا لكثرة إنزالنا الحقائب المليئة بالكتب , والصعود والنزول والتفتيش الدقيق.

* * *
أخيرا تمكنا من دخول المطار , ولم تستمر سعادتنا سوى لحظات لأن رجال الأمن حين سألونا عن الرحلة :أجبناهم طيران الخليج المتجهة للبحرين , كان الرد صاعقا!
- الطائرة أقلعت قبل خمس ساعات
*كيف؟
- أين التذكرة؟
-هذه
*غريبة
-وأنت؟
-هذه
*مضبوط ....يبدو أن تغييرا حصل في جدول الشركة
- لكننا أكدنا الحجز
* مسؤول الخطوط غير موجود والمكتب الآن مغلق
- والحل؟
* عليكم إنتظار الرحلة القادمة التي ستنطلق بعد يومين !!!!
- أووووووووووووووووووووووو

خارت قوانا عند سماع هذا الجواب , خصوصا أن الدكتور سعيد كان سيترأس جلسة بمؤتمر كان يعقد في جامعة نزوى في اليوم التالي كما أبلغه الدكتور غالب المطلبي و الدكتورثابت الألوسي رئيس قسم اللغة العربية بالجامعة التي أقامت مؤتمرا في النقد الأدبي كان من المشاركين به الدكتور حاتم الصكر القادم من صنعاء والدكتور محمد صابر عبيد القادم من جامعة تكريت , والدكتور صالح هويدي القادم من الشارقة , وكنت مرتبطا بدوام في جريدتي "الشبيبة" إضافة الى حرصي على اللقاء بالصكر وعبيد وهويدي بعد سنوات من الغياب
إتصلت بأهلي لأبلغهم بما آل اليه الوضع , ففرحوا لأنني سأبيت ليلة أخرى ببيتنا وبدأوا إستعداداتهم للقاء ثانية بساحة عباس بن فرناس , لكن طلبت منهم التريث حتى نعثر على سيارة توصلنا الى الساحة , ثم اتصلت بمسقط لأبلغ زوجتي بعدم إنتظاري في مطار مسقط الليلة بسبب ماجرى , فزاد ذلك من قلقها وحين سألتني عن موعد عودتي الجديد؟
قلت لها : سأصل غدا إن شاء الله في كل الاحوال وسأتصل بك من المنامة .
بعد قليل جاء مسافر بريطاني ثالث حصلت معه المشكلة نفسها , ورابع أما الخامس فقد أسرع بالعودة من حيث أتى , فقال المسافر الرابع وهو عراقي إسمه فارس مهدي حسين يشغل موقع مدير مركز لرعاية التوحد وبطيئي التعلم :لدي غدا مشاركة بمؤتمر دولي بالمنامة , وأنا حريص على هذه المشاركة لذا لابد للشركة من ان تجد لنا حلا, فأيدناه , ومضينا الى غرفة مدير النقل الجوي الخفر, طرحنا عليه أمرنا , وبعد أن إطلع على تذاكرنا وهي مستخرجة من مكاتب مختلفة وكلها تشير الى موعد إقلاع واحد , ثم تحقق من موعد إقلاع الطائرة فوجد أن الشركة قدمت موعد الرحلة دون أن تبلغ المسافرين , قال:من حقكم أن ترفعوا شكوى على الشركة, ومقاضاتها , قلنا: هذا أمر سنقوم به لاحقا, المهم الآن كيف نعالج المشكلة ؟
حاول الإتصال بمدير الشركة , كان هاتفه مغلقا , وبعد عدة محاولات دب اليأس في نفوسنا , لذا لم يكن امامنا سوى المبيت في المطار , لعلنا نجد حلا في الصباح خصوصا أن المدير وزملاءه في النقل الجوي أبلغونا أن طائرة تابعة للشركة نفسها ستنطلق في الواحدة من ظهر الغد الى المنامة من مطار النجف ,سألناه : وأين يمكننا النوم ؟
أجاب:لايوجد في المطار فندق, يمكنكم ذلك في مصلى المطار!
وحين سألنا عن مكان الكافتيريا علمنا بعدم وجود كافتيريا في المطار
بالنسبة للمسافر البريطاني وكان مدعوا من قبل أمانة العاصمة للمشاركة في ندوة حول العمارة أتاحت لي فرصة اللقاء بأخي الدكتور علي ثويني مصادفة في فندق المنصور ميليا وكان يسير بصحبة الصديق الإعلامي عادل العرداوي , فقد إتصل باللجنة المنظمة فجاء مندوب منها وأعاده الى الفندق
دخلنا المصلى كان خاليا الا من ثلاث سجادات وقرائين , قال رفيقاي:فندق خمسة نجوم !!
ضحكنا ثم غادرنا سريعا لوجود مسافرين إحتلوا المكان قبلنا
قال الزبيدي: سيخلو لنا المكان بعد إقلاع الطائرة المتجهة لجدة
بعد قليل جاء أحد رجال الأمن بثلاثة أكياس من الأكل الجاهز وقال : هذا عشاؤكم,
وضعناه جانبا , شاكرين كرمه
إسترجعت جلسات المسائية في البصرة على شط العرب مع د.لؤي حمزة وضياء الجبيلي وعلي عباس خفيف ومرتضى و أحاديث شتى حول المشغل السردي الذي أسس في البصرة أوائل عام 2005 م
تذكرت وجوها التقيت بها في البصرة ..تذكرت كاظم الحجاج ومحمود عبدالوهاب ود.مالك المطلبي وموفق محمد وعبدالكريم كاصد وجاسم عاصي وحسين عبداللطيف وحميد المختار وفوزي السعد ومقداد مسعود وعلي نوير و حيدر عبدالرضا وعبدالسادة البصري وجميل الشبيبي وعباس حساني وأحمد عبدالحسين وطه الشبيب وشوقي كريم وعالية طالب وسلمان داود وكريم جخيور وصدام الجميلي وووو
وآخرين التقيت بهم في الحلة :د.علي الشلاه ود.صادق الطريحي وباقر جاسم ومحمد جواد كاظم وعباس السلامي ورياض الغريب ووووو
وطريق عودتنا من البصرة للحلة برفقة الشاعر موفق محمد وأحاديثه التي لا تمل

تذكرت أغانينا التي نثرناها على طريق بغداد البصرة مع عمر السراي وجاسم بديوي وعلاء المسعودي وحسين القاصد وزاهر موسى وعلي وجيه
"أعد محاط ... محاط للبصرة
رجع نام وهدل شعره
ولك ياريل لا تصرخ
أخاف تفزز السمرة
يروني النهر موكاف حبنه
وليلة العشرة
يكلي اصبر
"
تذكرت زيارتنا لبيت السياب في جيكور ومنزل الأقنان بصحبة د.عادل الثامري وبشير حاجم وعلي الفواز وسهيل نجم وموسى أحمد ..
تذكرت رحلتنا التي قمنا بها في شط العرب بواسطة"الشختورة"مع الشاعرين علي الفواز وموسى أحمد وزيارتنا لتمثال الفراهيدي والسياب الذي كنت قد زرت تمثاله ذات مساء بصري بصحبة د.لؤي حمزة حيث جلسنا عند أقدام السياب وكنا فرحين للحركة الطبيعية في الشارع والهواء العليل ونقاش سمعنا جزءا من تفاصيله كان يدور قرب عربة لبيع اللبلبي كانت حول نتائج الإنتخابات
قلت للؤي: حتى بائع اللبلبي يدلي بدلوه في القوائم الفائزة
قال:نعم , إنها حالة ايجابية صرنا نشهدها
فجأة وقفت سيارة أمامنا نزل رجل يحمل بيده مسدسا وبحركة إستعراضية وضعه على جانبه الأيمن بشكل واضح للعيان وحين أشحنا بنظرنا عنه قال:السلام عليكم شباب
أجبنا: وعليكم السلام
همس لؤي بأذني: لا تهتم , هذه مشاهد مألوفة
قلت له: هل هي مألوفة أيضا للسياب؟
لم يجبني بل قادني من يدي وأشار الى ثقب ببدلة السياب وقال: هل رأيت الثقب, إنه أثر رصاصة !
وضعت يدي على كتفه وطلبت منه مغادرة المكان ....
* * *

واصلنا جلوسنا في المطار بقاعة المغادرين بإنتظار مغادرة الليل الطويل
* * *

كانت لائحة حركة الطائرات خالية الا من رحلة واحدة متجهة لجدة لذا لم أسمع نداءات عبر مكبرات الصوت تنبه المسافرين للرحلات كالتي أسمعها في المطارات الأخرى الا من بعض النداءات القليلة التي تخص مسافري تلك الرحلة , تذكرت أول لقاء لي بالسفر والطائرات وكانت إنطلاقا من هذا المطار صيف 1979م متجها الى بودابست برحلة مع أصدقاء تفرقوا اليوم "أيدي سبأ " , كانت حينها الحركة ضاجة بالمسافرين العراقيين الذين كانوا يفضلون يحبون الإصطياف في بيروت أو القاهرة أو أوروبا ومعظمهم من المعلمين الذين يتمتعون بالعطلة الصيفية !!
لكن هذه الحركة بدأت تهدأ مع إشتعال شرارة الحرب العراقية الإيرانية وصدور قرارات بالحد من سفر العراقيين بإستثناء كبار السن والذين أعمارهم أقل من المشمولين بأداء الخدمة العسكرية الإجبارية ,وظل السفر محدودا , وكان يستقبل أكثر مما يودع , وخلال ذلك بنيت قاعات المطار التي حملت أسماء الوانها , وكانت تثير إعجاب جميع من كان يزور بغداد من العرب والاجانب , ثم أوقف السفر الجوي تماما بعد حرب الخليج الثانية في التسعينيات , ليصبح من النادر جدا أن ترى طائرة محلقة في السماء بإستثناء الطائرات العسكرية والهليوكوبتر !
قطع شريط ذكرياتي رنين هاتفي , كان الأهل على الخط الثاني قلقين على وضعي , أبلغتهم بما آلت اليه الأمور وأوضحت لهم قرارنا ,وكانوا يتمنون لو عدنا الى البيت لكنني حدثتهم عن صعوبة ذلك وعمليات التفتيش الطويلة والمتعبة ونباح الكلاب البوليسية وعدم رغبتنا بتكرارها ثانية صباح الغد , فاقتنعوا بوجهة نظرنا على مضض .
قال الزبيدي : سنواصل الليل بالحديث أنا والأستاذ فارس , ويمكنك أن تسترخي على أحد كراسي الانتظار الحديدية
حاولت فلم أتمكن من النوم الا قليلا , حين فتحت عينيّ كان ظهري متشنجا , مددت بصري حولي وجدت رفيقيّ قد دخلا في نقاش بصوت مرتفع مع شابين كانا من المتجهين لأداء العمرة , الأول , كما علمت لاحقا , من أنصار الصدريين والثاني من أنصار قائمة ائتلاف دولة القانون, وكل له وجهة نظر مختلفة تماما عن الآخر , وبعد أن أزف موعد إقلاع الطائرة ودعا رفيقيّ ومضيا كصديقين حميمين!
هذه الحالة , وأعني حالة الإختلاف بالرأي وقبول الرأي الآخر , وهي حالة جديدة , لاحظتها في أكثر من مكان ,كدليل عافية فكرية وحالة متطورة جعلتني أتفاءل خيرا وأنا أتابع بنظراتي الصديقين اللذين سارا يساعد أحدهما الآخر في حمل حقائبه !

* * *
حين إنطلقت طائرة خطوط الطيران العراقية متجهة الى جدة , أصبح المطار خاليا الا منا نحن الثلاثة ورجال الأمن, لذا قمت بإرتداء ملابس النوم والتجول في المطار وكأنني ببيتي , تشجع فارس وأرتدى الدشداشة أما الدكتور سعيد فقد بقي محافظا على أناقته ولم يتخل حتى عن ربطة العنق !!!
كانت سفينة الليل تبحر بإتجاه الضفة الأخرى من يوم جديد وهي ضفة مجهولة بالنسبة لنا !
إفترشت إحدى السجادات ووضعت حقيبة من الكتب تحت رأسي اخترت كتابا لعصام محفوظ عنوانه "مع الشيخ الأكبر إبن عربي"كنت قد حملته معي من مسقط لأزجي به الوقت ,توقفت عند أبيات لابن عربي كنت قد أشرت عليها بقلم الرصاص:
زفرات قد تعالت صعدا
ودموع فوق خدي ّسجام
حنّت العيس الى أوطانها
من وجى السير حنين المستهام
ما حياتي بعدهم الا الفنا
فعليها وعلى الصبر السلام
واصلت القراءة حتى شعرت بثقل برأسي وضعت منشفة فوق وجهي لتحجب عني الأضواء , تساءلت مع نفسي :لو حاولت الكتابة , هل سأكتب شيئا ؟ كان إحساسي بما حولي بدأ يضعف ونمت ,إسترجعت نصا لي حمل عنوان"غيوم مسافرة" كتبته في مطار مسقط عندما كنت أنتظر أخي الأكبر بعد سنوات طويلة للمشاركة في اجتماعات المجلس العربي لتدريب طلاب الجامعات العربية الذي أقيم بجامعة السلطان قابوس خلال الفترة من 9-11/3/2004م قادما من لندن لينوب عن رئيس جامعة بغداد ,وطال إنتظارنا حينها كتبت على قصاصة جريدة كانت معي:
"اصطحبنا الحقائب
وصاحبنا الجوازات
وشرطة الحدود
وقلنا: نسافر
ولم نعرف
إننا تزوجنا الغيوم المسافرة
لننجب مسافات قاحلة
وشيئا فشيئا
صرنا نسافر بلا دموع
ولا مودعين
ولا مستقبلين
ذلك لأننا نسافر
داخل السفر
مثل رحلة داخلية
لطائر وحيد
والأكثر مرارة
إننا لا نعرف متى نصل
ولا متى نعود !!
ولا الى أي جهة
تمضي بنا الجهات
نسافر لنعبث بالتقاويم
حسب مقياس رختر
نسافر لنجس برودة الخرائط الضالة
نسافر لنركل كرات المنافي
لعلها تدخل في مرمى الوطن
نسافر لنكون تحت رحمة الرجوع
و لا رجوع
إلا الى سفر جدد
نسافر لنضع رؤوسنا على مخدات الأمل
نسافر لنقول إنها الخاتمة
لكننا نكرر المطارات
بمجرد الوصول
ذلك لأننا
اصطحبنا الحقائب
وصاحبنا الجوازات
وشرطة الحدود
وتزوجنا الغيوم المسافرة

لكنني عبثا اليوم أحاول الكتابة , ذلك لأننا لا نعرف ماذا ينتظرنا غدا من متاعب !

(فصل من كتاب قيد الإنجاز يحمل العنوان نفسه)
http://www.iraqoftomorrow.org/culture/81051.html

خالص تحياتي