عندما يبرز القواويد
بقلم: حيدر محمد الوائلي
عند القواويد للشرف حدود مثلما عند الشرفاء للصبر حدود...!
فلربما يستغني أحدٌ عن شرفه لحاجة في نفسه ورغبة مستعرة في داخله أخفاها سنينٍ طوالٍ، ولكن لم يعد يحتمل، ولابد للعهارة أن تبرز سؤتها بعد سنواتٍ عجافٍ من شرفٍ وهميٍ وسترٍ مزيف كان قد غطاه بلباسٍ من كلامٍ وتصريحات أو دعايةٍ أو برنامج تلفزيونيٍ أو ملابس ذات دلالة وطنية ودينية.
كان لشرفه حدٌ صبر على تغطيته بلباسٍ من وهمٍ حيث صبره لا على أساس نيل الحق بل صبراً لأخفاء العهر السياسي والطائفي والمخابراتي، وهو أشد عهراً مما يتهموا به بعض الناس اناساً غيرهم بأن منهم (قواويد وعاهرات)...!
وليست السياسة والطائفة والمخابرات بجريمة، ولكن سوء إستخدامها جريمة، حيث السياسة من المفترض أن ترسم مستقبل أفضل، والطائفة منهج عبادي وديني بما لا يلغي الأخر ويصادر حقه أو يعتدي عليه، والمخابرات جهاز يواضب ويراقب لحفظ حقوق وأمن وأمان الشعوب وإستقرارهم.
ولكن بعض من نراهم من هؤلاء كل يوم بوسائل الأعلام وفي البرلمان وفي الحكومة وفي العملية السياسية وفي المعارضة وجروا معهم لماربهم مظاهرات وجماهير شعبٍ هم من سياستهم مصالحهم وشهواتهم وأحقادهم، وطائفتهم من ينتصروا لها حقاً أو باطلاً ولو على حساب دماء وحقوق من خالفهم، ومخابرات دول أجنبية من تسيرهم وتمدهم بالدعم لتأليب بعضاً على بعض لأضعاف كل قوي ولتغييب كل إستقرار، ولإفشال كل ما هو ناجح أو في طور النجاح.
يبدو أن اولئك الموصوفين شعبياً بـ(القواويد والعاهرات) أشرف بكثيرٍ من بعض من يظهرون على التلفاز وفي الساحات وفي المناصب يريدون أن يحرقوا بلدههم لغاية في أنفسهم وكراهة بغيرهم.
لا بل يزج بعضهم بالناس في مستنقع رذيلته ويعيد صبغ شرفه الوطني الوسخ بطلاءٍ تالفٍ من حب الوطن والمطالب المشروعة والدستور والقانون والعدالة، سرعان ما سيزول عند أقرب فرصة تسنح له لتنغيص كل هدوء ولتخريب كل استقرار ولربما سيصبر إن لم يتحقق له ذلك كما تعلم أن يصبر من قبل على تغطية عهره بلباس الفضيلة.
لا بل ينزل للساحات مطالباً بالعدالة والأنصاف وحق الطائفة، ولكنه (أكبر قواد)...!
يغطي على صفة (القوادة) بالتباكي في بعض وسائل الأعلام التي هي مثله في حجم (قوادته) فيتباكون معاً ويتباكى معهم ويبكي الهمج الرعاع الناعقين مع كل (قواد).
فهذا رئيس برلمان يترك برلمان الشعب لصالح فئة تشتهيها نفسه وكراهة لخلاف سياسي، ومثله ممن خان الأمانة برلمانيين كثر تاركين الشعب والدستور والقانون خلف عوراتهم كي يتستروا بها لاحقاً.
وهذا وزير يترك خدمته الوزارية وواجبه الوطني لصالح دوافع خارجية وداخلية ينصاع لها فاغراً فاه سائلاً لعابه لفرط ما إشتهاه من حقدٍ وكراهية يريد تنفيسها في كل فرصة سانحة.
ومنهم من غاب عن البرلمان منذ فوزه في الأنتخابات ولليوم ومنهم من يتعمد الغياب في أكثر الجلسات ولا يوجد عليهم لا حساب ولا كتاب، ويتقاضون رواتبهم رغم غيابهم بكل صلافة وإستهتار بمال الشعب...!
هو الشعب من إنتخبهم، والكارثة لو أعاد إنتخابهم...!
إي والله هي الكارثة...!
ياليتهم إستقالوا منذ البداية وإنضموا للمعارضة فيصبحون ذوي وجهة نظر، ولكنهم يتقاضون هم والالاف من موظفي مكاتبهم وذويهم وحماياتهم ملايين الدولارات رواتباً ومميزات وأملاك وخدمات وسفرات تستقطع من أموال وقوت الشعب لأشباع غرائزهم وشهواتهم ومشاريعهم، وحتى يوم خروجهم وتعليق أعمالهم في البرلمان والحكومة فما زالوا يتقاضونها بكل صلافة.
ومن الحكومة والفساد في بعض مشاريعها وخططها يضيع الحساب، فمن يحاسب لا يحاسب على أساس الأصلاح بل على أساس تدمير الاخرين والتسقيط السياسي وما أكثر الصفقات السرية بعدم كشف المستور فلكل واحدٍ منهم فضيحة يمسكها على الأخر يتداولونها من حينٍ واخر للتسقيط السياسي فقط وليس للمطالبة بحق الشعب...!
دماء شعبٍ هُدِرت وأملاكٍ دُمِّرت ورعبٍ وتفجيراتٍ سادت وإنتشرت وشعبٍ محبطٍ بائسٍ قضى عمره مكسور الخاطر حزيناً منكسراً حائراً بسبب صراعات السياسيين ونشرهم للأحقاد والخوف وعدم الأستقرار بسببهم ومن يسول لهم ذلك ويدعمهم من دولٍ ومنظماتٍ وشخصيات.
ضاع الوطن والمواطن والوطنية في خضم الصفقات والمحاصصات والتوزيع الفئوي والحزبي للمناصب حتى أصبحت شيئاً عادياً رغم فداحة هذه السياسات البائسة.
في العادة تتهم الراقصة بالعهارة ولكنها أنبل وأشرف من عاهرٍ قوادٍ سياسي يتاجر بدماء بني جلدته.
هي أنبل وأشرف من بعض الزعماء السياسيين والقيادات الحزبية والرموز الدينية والتجمعات الجماهيرية ممن يحرقون بلادهم وشعبهم لأشباع أهوائهم، والتنفيس عن غيضهم الطائفي وحقدهم السياسي.
أنت ترقصين بكل صراحة ولا تكذبين ولا تنافقين وهواك على الوحدة ونص، ولكنهم لا هوى لهم إلا النار والحرب والمؤامرات والرعب وعدم الأستقرار، فهاهم يرقصون على جماجم الموتى مطالبين بحق المجرم لا حق الضحية ويجرون بحبالهم رقاب الهمج الرعاع الأحياء الذين وضعوا طوق الحبل بأيديهم حول رقابهم فصاروا يتبعونهم على وحدة ونص.
هم السياسيون وصراعاتهم على مصالحهم أكثر من كونها مصالح الشعب الذي زاد سوءه سوءاً أكثر كل يوم.
بعض دبلماسيينا وسياسيينا لا يعرفون من الدبلماسية والسياسة إلا أنها عمل يدر ربحاً ويجلب متعة ومكانة ويسد غيضاً ويستحصل مكاسباً فئوية وحزبية على حساب مناوئين ومعارضين بغض النظر عن الشعب وهمومه وتطلعاته...!
هو عمل يرفضون به ويتقاتلون به ويحرقون به الأخضر واليابس، في الوقت الذي نرى فيه الدبلماسية والسياسة فنون وصناعة ولم يزجوا بلدانهم وشعوبهم لا بحروب ولا بفتن داخلية، فهم غنموا وسلموا والناس بفضلهم غنموا وسلموا، وصاروا قبلة في السلام والحرية والعدالة.
بينما بعض دبلماسيينا وسياسيينا غنموا وسلموا وعادوا على الناس بالويل والثبور أنهم لم يقبلوا أن سياسييهم سرقوا الغنائم فلا غنم الناس ولا منهم سلموا.
في الدبلماسية والسياسة لا يوجد شيء إسمه (لا) فقال عنها فولتير مقولةَ شهيرة: عندما يقول الدبلماسي (نعم) فهو يعني (ربما)، وعندما يقول (ربما) فهو يعني (لا)، وعندما يقول (لا) فهو ليس دبلماسي...!
فتبين لي أنهم لا سياسيين ولا دبلماسيين، فهم أصحاب مبدأ (لا)، ليست تلك (لا) للظلم والغبن وسرقة حقوق الشعب، بل (لا) لكل من يعارضني و(لا) لكل من ينتقدني و(لا) لكل من يخالفني في الطائفة والجهة الحزبية و(لا) لكل من لا يسير وفق هواي ومشتهاي و(لا) لمن قيل لي أن أقول (لا) بوجههم فقد تم الدفع به لذلك، فعليه الأنصياع.
(القوادة) كلمة عامية وتسمى باللغة العربية الفصحى (قيادة)...!
ما أروع بلاغة اللغة العربية...! ففي بعض الأحيان تصبح (القيادة) بالمعنى المشهور لها قوادة (قيادة)...!