الأنساب وعلاقتها بالإنسان
المؤرخ والمحقق حسون حسن الشبخ علي
الحلقة الأولى
النسب من ناحية الحياة الآخرة لا يفيد ولا ينفع ولا يزيد الإيمان أو ينقصه لأن أكرمكم عند الله أتقاكم. ويوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وقوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم)
لكن للنسب إعتبارات معنوية كثيرة تخص الحياة التي نحياها. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بين لنا أسباب النكاح من ذات الحسب والنسب. فقد ذكر زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وعبيدالله سعيد قالوا حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيدالله أخبرني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك).*رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن
والمقصود بالحسب والنسب هو العائلة الكريمة والنسب الشريف المعروف.
فالشوكاني قال: لحسبها أي شرفها والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره. وقيل المراد بالحسب هاهنا: الأفعال الحسنة وقيل المال وهو مردود بذكره قبله. فالحَسَب ما يعده المرء من مفاخر نفسه وآبائه. قال إبن السكيت: الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء. والجمع أحْساب ورجل حَسيب من قوم حُسباء وقد حَسُب حسبا. والحسيب هو الكافي فعيل بمعنى مُفْعِل مِن أَحسبني الشيء إِذا كفاني .وقال شمر في كتابه المُؤَلّف في غريب الحديث الحسب الفَعال الحسن له ولآبائه مأْخوذ من الحِساب إذا حَسبوا مناقبهم.
والنّسب عدد الآباء والأُمهات إِلى حيث انتهى والحسب الفعال مثل الشجاعة والجود وحسن الخُلق والوفاء. قال المتلمس:
ومَن كان ذا نَسْب كريم ولم يكن له حسب كان اللئيم المذمما
وقولهم لا أصل له ولا فصل. قال الكسائي الأصل الحسب والفصل النسب
ونقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كرم المرء دينه ومروءته عقله وحسبه خُلُقه).
وقيل:
كن إبن من شئت واكتسب أدبا يغـنك مـحـموده عن النـســــــب
إن الفــتــى مـن قـال هـا أنـــــــــذا ليس الفتى من يقول كان أبي




الأنساب وعلاقتها بالإنسان
المؤرخ والمحقق حسون حسن الشبخ علي
الحلقة الثانية
أعتقد ويعتقد معي الكثيرون أن نسب النبي عليه الصلاة والسلام يعتبر مفخرة للمرء فنحن نحب كل قرابة النبي عليه الصلاة والسلام ونفتخر بأن نناسبهم فقد نقل عنه:(كل نسب وسبب مقطوع إلا نسبي وسببي فهو موصول إلى يوم القيامة).(*)
* صححه الألباني في صحيح الجامع أنظر حديث رقم: 4527 في صحيح الجامع. والدراقطني وإبن خزيمة وقال إبن حبان وضع أكثر من ألف حديث . راجع تاريخ بغداد ج3ص435 والمجروحين ج2ص213 والميزان ج4ص74 والتهذيب ج9ص539 والتقريب ج2ص222 .
وقد أخرج الإمام أحمد في فضائل الصحابةج2ص 625 - 626 من طريق محمد بن يونس عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب أم كلثوم فقال أنكحنيها فقال علي إني أرصدها لإبن أخي جعفر فقال عمر إنكحنيها فوالله ما من الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصد فأنكحه علي فأتى عمر المهاجرين فقال ألا تهنئوني ؟ فقالوا بمن يا أمير المؤمنين فقال بأم كلثوم بنت علي وابنة فاطمة بنت رسول الله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا ما كان من سبي ونسبي) فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله سبب ونسب. وبرواية أخرى: إن عمر بن الخطاب خطب إلى علي بن أبي طالب أم كلثوم فاعتل عليه بصغرها فقال إني لم أرد الباءة ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي كل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم). أوردها الحاكم في المستدرك ج3ص142 وقال صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي في تلخيصه بقوله منقطع وأورده أيضا البيهقي في مناقب الشافعي ج3ص142 وإبن سعد في الطبقات ج8 ص463 وفي غيرها وكلها من طريق جعفر بن محمد عن أبيه منقطعا وأورده إبن الجوزي في العلل ج1ص258من طريق شيبة بن نعامة والطبراني عن فاطمة الكبرى نحوه. قال الهيثمي رواه الطبراني وأبو يعلى وفيه شيبة بن نعامة ولا يجوز الإحتجاج به مجمع الزوائد ج9ص173. وأخرجه الطبراني عن شيخه محمد بن زكريا الغلابي وقال الألباني في الضعيفة ج2ص213 محمد بن زكريا كذاب. وضعفت القصة بوجود محمد بن يونس الكديمي فإنه متروك وقد اتهمه بالكذب كل من أبو داود وإبن حبان .
ذكر الإمام أبو بكر الآجري في كتابه الشريعة باب إيجاب حب بني هاشم أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جميع المؤمنين مانصه: واجب على كل مؤمن ومؤمنة محبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بنو هاشم علي بن أبي طالب وولده وذريته وفاطمة وولدها وذريتها والحسن والحسين وأولادهما وذريتهما وجعفر الطيار وولده وذريته وحمزة وولده والعباس وولده وذريته رضي الله عنهم هؤلاء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب على المسلمين محبتهم وإكرامهم واحتمالهم وحسن مداراتهم والصبر عليهم والدعاء لهم.(1)
وذكر الحافظ إبن كثير في تفسيره: ولا ننكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخرا وحسبا ونسبا ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحية الواضحة الجلية كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وأهل ذريته رضي الله عنهم أجميعن.(2) وقد ثبت عن الإمام مالك بن أنس أنه قال : من انتسب إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم – يعني بالباطل – يضرب ضربا وجيعا ويُشَهّر ويحبس طويلا حتى تظهر توبته لأنه استخفاف بحق الرسول صلى الله عليه وسلم(3)
وذكر البقاعي في تاريخه الموسوم بإظهار العصر لأسرار أهل العصر في حوادث شهر محرم سنة861هـ أن قاضي القضاة وشيخ الإسلام السعد الديري الحنفي ضرب أحمد المغربل المشهور بالمدني ضرباً شديدا وطوفه في القاهرة ينادى عليه هذا جزاء من يريد أن يدخل في النسب الشريف بغير حق. وقيل أنه اتفق مع بعض شهود الزور وادعى أنه من قرية الجعفرية وأن أهلها من أولاد جعفرالصادق مع أن المذكور من أولاد نصارى بعض قرى دمياط وأنه كان يحترف بالغربلة في بولاق.(*)
وأما النقل الدال على فضل العرب فقد روى الطبراني والبيهقي وأبو نعيم والحاكم عن إبن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إن الله خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم واختار من بني آدم العرب واختار من العرب مضر واختار من مضر قريشا واختار من قريش بني هاشم واختارني من بني هاشم فأنا خيار من خيار فمن أحب العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم).
وروى الإِمام أحمد هذا الحديث في المسند ورواه الترمذي وحسَّنه قال جاء العبَاس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكأنّه سمع شيئاً فقام النبيُ على المنبر فقال: (من أنا؟ فقالوا أنت رسول الله. فقال: أنا محمدُ بن عبد الله بن عبد المطلب ثمَّ قال: إنَ الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة ثمَ جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ثم جعلهم بيوت فجعلني في خيرهم بيتا وخيرهم نفسا) .
وروى الإِمام أحمد ومسلم والتّرمذي من حديث الأوزاعي عن شداد عن واثلة بن الأسقع قَال سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: (إن الله اصطفى كِنانة من وَلد إسماعيل واصطَفى قريشا من كنانةَ واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم).
1- الشريعة أبو بكر الآجري باب إيجاب حب بني هاشم ج 5 ص2276
2- تفسير بن كثير ج6 ص199
3- أورده السمهودي في جواهر العقدين ص 470 – 471

الهامش
نقل عن مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب ج1ص36 ـ