حين يقرر البورد أو المجلس المسؤول عن التعليم فى أمريكا أن يُضاف إلى مناهج التعليم فى الولايات المتحدة الأمريكية بداية من سبتمبر القادم فيلم بعنوان «12 عاماً من العبودية» فنحن أمام حدث له دلالة اجتماعية وسياسية وتربوية، وليس أمام مجرد فيلم سينمائى حتى لو كان قد حصل على كم كبير من الجوائز العالمية والتقدير منذ عرضه.

الفيلم يبنى قصته على مذكرات شخصية تم نشرها عام 1853 بقلم بطلها سليمان نورثاب، كتب له السيناريو واحد من أهم وأشهر الروائيين الأمريكين وهو جون ريدلى، وحصل على سبع جوائز أوسكار وجولدن جلوب وبافتا، ولكن يظل السؤال، لمَ تقرر أمريكا تدريسه فى مناهجها التعليمية؟ هل لأنه فيلم جيد بل رائع أم لأنه يبدو كاعتراف بالخطأ من مسيحى متدين أمام كاهن الكنيسة؟

الفيلم مبنى على قصة حقيقة لنجار أسود أمريكى عاش فى نيويورك فى الشمال الذى كان ضد العبودية، وبالتالى فكان سليمان نجار وعازف كمان رجلا حرا ولكن تم خطفه من الشمال لولاية لويزيانا فى الجنوب ليصير عبداً يُباع ويشترى من قبل السادة البيض أصحاب المزارع والذين يعمرون أمريكا، فنرى كيف كانت حياة عبيد أمريكا فهم كانوا ماكينة العمل ووقود نهضة وتعمير هذا البلد وهم كانوا أيضاً حائط شهوات وعقد وأمراض وغيرة السادة البيض، فى مشاهد من أقسى مشاهد الإنسانية نرى باتس عبدة من عبيد البيض تطلب الموت من البطل لأنها لا تستطيع قتل نفسها، ويظل البطل فى محاولة يائسة لإثبات حريته وتأتيه فرصة على يد رجل أبيض كندى يبلغ السلطات فى الشمال بالحكاية فيذهبوا ليفرجوا عنه ويعود لأسرته التى تركها فيجد ابنته كبرت وتزوجت وأنجبت أبناً أطلقت عليه اسم الجد ويكمل حياته فى الدفاع عن السود ومحاولة كشف العمليات المنظمة لخطفهم للجنوب ومحاولة إدانة من خطفوه، ولكنه يموت قبل أن ينال منهم.

الفيلم قام بإنتاجه النجم براد بيت مع آخرين بميزانية وصلت 20 مليون دولار، وتلك كانت من دواعى حنقى وغيظى طوال مشاهدة الفيلم فكأنى كنت قاسم السماوى أردد جتنا نيلة فى حظنا الهباب، فنجم بحجم براد بيت وغيره كثيرون يتقاضون الملايين، ولكنهم أبدا لا ينسون أن جزءا من دورهم وأموالهم يجب أن يتجه لصناعة فنهم ولا ينتظرون أن ينتجوا بعد انحسار الأضواء عنهم وقلة طلبهم ولكنهم يفعلون ذلك فى أوج شهرتهم، ويقدم بيت دوراً لا يتعدى المشهدين فى الفيلم كضيف شرف.

قام ببطولة الفيلم ممثل إنجليزى من أصل نيجيرى وهو شيواتال إيجيوفور الذى كانت بدايته السينمائية مع ستيفن سبيلبرج، وشارك معه البطولة مايكل فاسبندر فى دور سيده الأبيض القاسى فى دور شديد الصعوبة والتعقيد، أما لوبيتا نيونجو الممثلة الصغيرة السمراء التى قامت بدور باتسى العبدة التى يغتصبها سيدها ويحبها ويكرهها فى آن واحد فهى مكسيكية من أصل كينى تعيش فى أمريكا.

ومن الظواهر الغريبة حول هذا الفيلم أن إيراداته إلى حد ما كانت هزيلة داخل الولايات المتحدة فهى لم تتعد الخمسين مليون دولار، وبذلك فهو ليس من الأفلام التى تكالب على مشاهدتها الجمهور، ورغم ذلك فقد فاز برضاء النقاد وحتى جمهوره القليل نسبياً فدفعوا به لصفوف الأوسكار ليحصل على أكبر قدر من الجوائز فهل أغلب أهل أمريكا الآن ربما يقاومون مشاهدة تاريخ أجدادهم المخزى.. ربما وربما هناك أسباب أخرى ولكن على كلًّ فإن إيرادات الفيلم ارتفعت بعد فوزه بالأوسكار وجذب مشاهدين جددا حتى إن إيراداته عالميا وصلت لـ140 مليون دولار.

وتبقى الإشارة إلى أهم عنصر فى هذا الفيلم، وهو المخرج البريطانى الأسمر ستيف ماكوين وواضع الموسيقى هانز زيمر اللذان قدما معا سيمفونية، ولكنها توجع القلب فتظل تسأل نفسك طوال مشاهدة الفيلم لماذا يظلم ويقسو وينكل الإنسان بأخيه الإنسان بكل هذه الوحشية؟ ثم تعود لتسأل أو ربما تكون وجدت إجابة سؤالى الأول: لماذا قررت أمريكا أن يكون فيلم 12 عاماً من العبودية ضمن مناهج الدراسة؟



أكثر...