في السادس من فبراير/ شباط، نفذ عبد الواحد مجيد، وهو من كراولي في ويست ساسيكس ببريطانيا، عملية انتحارية في سوريا حيث اقتحم سجن حلب المركزي بشاحنة محملة بالمتفجرات. وأبرز هذا الهجوم ومقتل مجيد مدى ما ينتاب الحكومة البريطانية من قلق مكن تنامي التشدد بسبب الانخراط في ميادين قتال أجنبية؟ وقف الصبي الصغير، عبد الواحد، إلى جوار شقيقه على رصيف ميناء شاطئ برايتون في بريطانيا، مثل ملايين من المواطنين الآخرين مع اسرهم خلال سبعينيات القرن الماضي. لكن العقود الأربعة الماضية والصورة الأخيرة في حياة عبد الواحد مجيد كانت شيئا مختلفا للغاية. وصل الطريق بمجيد إلى حد الوقوف في أحد الطرق تلفحه أشعة الشمس وسط الأنقاض وحالة الفوضى، يرتدي الشارة السوداء والجلباب الأبيض البسيط، لالتقاط صورة له (قبل تنفيذ هجوم). ويبدو أن الرجل الذي كان يحمل الكاميرا طلب من مجيد أن يقول شيئا، لكنه (مجيد) رفض ذلك معلنا أنه لا يتحدث. بعد ذلك أعلن عن مقتل ذلك المهندس الذي كان يعمل يوما لدى شركة (هاي وايز) لبناء الطرق السريعة، بعد أن قاد شاحنة محملة بالمتفجرات واقتحم بوابات سجن حلب في سوريا. وأظهر تصوير العملية تهليل المقاتلين الذي صوروا الهجوم مكبّرين بعبارة “الله أكبر”، لقد كان التفجير شديدا لدرجة أنه أحدث اهتزازا للكاميرا. كان “أبو سليمان البريطاني” عاشر مواطن بريطاني يموت في جبهة القتال السورية، وأول من يموت خلال تنفيذه عملية انتحارية بسيارة مفخخة. دفع مقتل مجيد إلى تنامي أزمة داخل وكالات الأمن البريطانية، كما أثار تساؤلا بشأن أسباب تضحية أب لثلاثة أطفال يبلغ من العمر 41 عاما وينحدر من بلدة هادئة في ويست ساسيكس بنفسه في حرب خارجية، وماذا يمثل ذلك؟ تربى مجيد في منطقة كراولي لأبوين ولدا في باكستان. ويقول شقيقه الأكبر، حافظ، نيابة عن أسرته، إن حياتهم لم تختلف عن سائر الأطفال في المنطقة. وأضاف :”كنا نذهب في الصغر لركوب الدراجات معا، وكنا نذهب إلى الحدائق العامة ونطعم البط ونذهب إلى المدينة، كنا نرتاد المطاعم لتناول السمك والبطاطس، كنا نستمتع بعمل الأشياء معا. وكنا نذهب إلى جزر وايت ونقضي وقتا جميلا.” تزوج مجيد ورزق بثلاثة أطفال. كان مستقرا في عمله لدى شركة (هاي وايز) لبناء الطرق السريعة، إذ طالما كان يعمل مع طاقم الطوارئ المكلف بإصلاح الطرق بعد وقوع حوادث السيارات. لكنه اتخذ قرارا في يوليو/ تموز العام الماضي لعمل “شيء كبير”. كان الصراع السوري يتصدر الأنباء، وكانت الجاليات المسلمة تنظم حملات هائلة لجمع التبرعات بغية إرسال قوافل إلى مخيمات اللاجئين على الحدود السورية مع تركيا. عبد الواحد مجيد وشقيقه حافظ على رصيف ميناء شاطئ برايتون في بريطانيا رحلة تطوعيةوكانت مؤسسة (برمنغهام) الخيرية تنسق لإرسال قافلة وتحتاج إلى سائقين، حينها قال مجيد لأسرته إنه يريد أن يتطوع. وقال حافظ مجيد، شقيقه الأكبر، “رأى عبد الواحد أن هناك من يتعرضون للظلم، ولا يتوفر لديهم الغذاء، إنهم أناس تقطعت أواصرهم الأسرية، أناس يزج بهم إلى السجون.” وأضاف: “كان يعتقد أن ذلك بمثابة ظلم كبير، لم يكن شقيقي من الأشخاص الذين يرسلون الأموال داخل مظروف بريدي. كان يفضل أن ينهض بدور ويساعد.” استطاع مجيد إقناع أحد أقرب أصدقاء الطفولة، رشيد محمود، بالانضمام إليه في الرحلة. وقال محمود متحدثا للمرة الأولى عن وقتهما في سوريا “سألت نفسي ما الذي يمنعني من الذهاب.” وأضاف :”لم أرغب في أن تظل حياتي مقتصرة على الذهاب باستمرار إلى العمل وجمع المال وانفاقه وتناول الأكل والنوم. عقيدتنا تدعو إلى هذا النوع من العمل، كان يعرفني كصديق يمكنه معرفة رد فعلي.” ذهب الرجلان في القافلة وبدأ في إرسال تقارير دورية وصور، بعضها سعيد وبعضها حزين، وتفاصيل عن الظروف الصعبة التي يواجهها السوريون. وتقول أسرة مجيد إنه على مدار أشهر أرسل رسائل تظهر كيف يزاول عمله في بناء المخيمات وتحسين الظروف الصحية في تلك الخيام. ويقول محمود إنه هو ومجيد كانا يستمعان إلى قصص مؤثرة لأسر عادية تروي كيف دمر الصراع حياتها. وأضاف :”لم يكن بالإمكان عمل أي شئ سوى أن ترى عينه تلمع وبإمكانك أن ترى دمعة تتلألأ لأن بعض هذه القصص كانت صادمة. سواء أقر بها أم لا، كنت أرى أن إحساسه يزداد.” وبحلول نهاية العام الماضي، كانت الأسر تحث الرجال على العودة من سوريا. وقال حافظ مجيد :”كانت تلك هي اللحظة التي قال فيها أبواي (نعتقد أنك أديت دورك في سوريا)، وكان رد مجيد أن هناك على الدوام المزيد الذي يمكن تقديمه وقال (رحلتي لم تنته بعد).” عاد محمود إلى بريطانيا في يناير/ كانون الأول الماضي ضمن مجموعة أخرى عائدة. وظل على اتصال مع مجيد من خلال الإنترنت حتى تلقى منه رسالة أخيرة وغريبة. ويقول محمود: “أبلغني بأنه ربما يكون غير متاح للاتصال لفترة، لكنه طلب مني أن أسامحه على أي خطأ وأن أطلب من إخواننا الآخرين أن يتذكروه بالخير. شعرت أنه متأثر للغاية، لكني لم أكن متأكدا تماما. لقد كانت رسالة من القلب، واعتقدت أنه قد يعود للاتصال قريبا”. ومضى نحو أسبوع دون أن يتصل مجيد، أو يسمع أحد من الأصدقاء أو عائلته شيئا عنه. وفي يوم الخميس السادس من فبراير/ شباط الماضي ركب مجيد في ما يبدو شاحنة مدرعة محملة بالمتفجرات. وكانت هناك فتحات ضيقة في الغطاء الخارجي المدرع من الشاحنة تسمح له برؤية الطريق أمامه وإلى جانبه. ووسط إطلاق كثيف للنيران قاد مجيد الشاحنة مباشرة باتجاه بوابات السجن. ويعتقد المقاتلون المحليون الذين التحق بهم مجيد أن الانفجار سمح لمئات السجناء بالهرب، لكن لا يمكن التحقق من ذلك بطريقة مستقلة. أصدقاء في سوريا: عبد الواحد مجيد وصديقه رشيد محمود خبر مٌفجعلم يكتشف أي من أفراد أسرة مجيد أو الأصدقاء أنه متورط في ذلك التفجير إلا بعد أيام. وكان محمود أول من ربط بين مجيد والهجوم، وذلك بعد أن اتصل بعمال الإغاثة في المخيم الذي كان يقيم به مجيد، وأكدوا له أنه اختفى في ما يبدو للانضمام إلى إحدى الجماعات المسلحة. ويقول محمود: “أمر ما دفعني الى التحقق من الموضوع. وبعد ذلك تأكدت أن ما حدث قد حدث بالفعل. كيف أتصرف؟” ويضيف: “لم استطع احتواء مشاعري، لقد […]

أكثر...