سالم مشكور يتحدث البعض باستغراب عن تصاعد عمليات التسقيط بين الفرقاء السياسيين مع إقتراب موعد الانتخابات البرلمانية. استغرابهم هذا يثير، هو أيضاً، الاستغراب. التسقيط ليس مرتبطا بالانتخابات فقط، ولا يمارسه السياسيون فقط، بل هو سلوك عام تفشى في المجتمع العراقي، بل لنقل انه طفح الى السطح خلال العقود الاخيرة. يقول البعض ان ما مرّ به العراقيون من ظروف سياسية وامنية واقتصادية هو الذي خلق هذا السلوك في المجتمع، لكن دارسي الشخصية العراقية قبل هذه الظروف تحدثوا عن ميول هذه الشخصية، منذالقدم، الى الخلاف والعنف الذي يتجاوز العدوانية الى مرحلة التدمير. التدمير هنا لا يتوقف عند الاخر بل يتحول الى تدمير الذات أيضا. فالسياسي الذي يدمّر ما يبنيه الخصم، أو يحول من دون اقدامه على البناء خوفا من ارتفاع اسهمه، و»المثقف» والصحافي الذي يهاجم كل مسؤول وينتقص من كل أداء ولا يذكر الا السلبيات، مسهم في تدمير صورة الدولة ، والذين يقفون بوجه عملية مكافحة الارهاب، انتقادا او سكوتا، انما يسهمون جميعا في تدمير البيت الذي يسكنونه جميعا، فينهار على رؤوس الجميع من دون تمييزهم عن خصومهم. يقول البعض ان التسقيط هو سمة بشرية عامة  وأداة في التنافس الصراع السلمي، لكنها بالتأكيد، أدوات مجردة من الاخلاق والضمير والانصاف وبالتالي فانها تضع مستخدميها من السياسيين والاعلاميين وغيرهم أمام أسئلة حول صدقية وعودهم وحديثهم. تفشي نزعة التسقيط ووصولها الى التدمير تطرح وبالحاح أهمية اعادة ترتيب الاولويات في عملية البناء، وحيث ان هذه النزعة باتت أحد أمراض الشخصية العراقية عموما ، باختلاف مستوياتها وأصنافها، فان البناء لا بد ان يبدا من الانسان أولا، عبر معالجته من أمراضه الفتاكة هذه والتي تجعل كل بناء اقتصادي وسياسي هباء منثورا، وضحية سهلة لمعاول التهديم والتسقيط. المعالجة هذه لا تأتي عبر الوعظ والتوجيه والتحذير فقط، انما تحتاج الى إجراءات اقتصادية وخدمية واجتماعية لمعالجة العوامل المساعدة على تصاعد حدة هذا المرض الفتاك. من دون التخلص من نزعة التسقيط والتدمير لن يبنى العراق، وما لم نتخل عن معاول الهدم، فان سقف البيت سينهار علينا جميعا.

أكثر...