بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وال محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
1 - طرق حيدث الثقلين
2 - صحة الحديث عند علماء السنة
3 - معنى الثقلين والعترة تحديداً

• طرق حديث الثقلين :

إن الأحاديث الدالة على لزوم إتباع أهل البيت عليهم السلام كثيرة ، ومن أتمها دلالة وأصحها سندا هو حديث الثقلين ، المروي عن جمع من الصحابة ، كجابر بن عبد الله ، وزيد بن أرقم ، وأبي سعيد الخدري ، وزيد بن ثابت ، وغيرهم . وصححه جمع من حفاظ الحديث من أهل السنة فقد صدر حديث الثقلين بعدة طرق :

أولاً : أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم - في حديث طويل - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( أما بعد ، ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر ، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيك ثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ) صحيح مسلم : 4 / 1873 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

ثانياً : أخرج الترمذي وغيره عن جابر بن عبد الله ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة ، وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول : ( يا أيها الناس ، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) سنن الترمذي : 5 / 622 كتاب المناقب ، باب مناقب أهل بيت النبي .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه . وذكر في مشكاة المصابيح : 3 / 1735 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة : 4 / 356 ، وقال الألباني : الحديث صحيح .

ثالثاً : أخرج الترمذي أيضا عن زيد بن أرقم وأبي سعيد ، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) سنن الترمذي : 5 / 663 .
قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب . وذكر في مشكاة المصابيح 3 / 1735 ، صحيح الجامع الصغير 1 / 482 حديث 2458 وصححه الألباني أيضا .

رابعاً : أخرج أحمد في المسند ، والحاكم في المستدرك ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة ، وابن كثير في البداية والنهاية وغيرهم عن زيد بن أرقم ، قال : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقممن ، فقال : ( كأني دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض (مسند أحمد بن حنبل 3 / 14 ، 26 . المستدرك على الصحيحين 3 / 109 .
قال الحاكم النيسابوري : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله ، شاهده حديث سلمة بن كهيل ، عن أبي الطفيل ، وهو أيضا صحيح على شرطهما . ووافقه الذهبي في كتاب السنة : 2 / 630 ، البداية والنهاية : 5 / 184 ، وقال : قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : ( هذا حديث صحيح ) .

خامساً : أخرج الحاكم في المستدرك أيضا عن زيد بن أرقم ، قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام ، فكنس الناس ما تحت الشجرات ، ثم راح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشية فصلى ، ثم قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ما شاء الله أن يقول ، ثم قال ) : أيها الناس ، إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما ، وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي ) المستدرك على الصحيحين : 3 / 109 - 110 .

سادساً : أخرج الحاكم في المستدرك ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة وغيرهما عن زيد بن أرقم أيضا ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ) المستدرك على الصحيحين : 3 / 148 .
قال الحاكم : ( هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) . ووافقه الذهبي في كتاب السنة : 2 / 630.

سابعاً : أخرج أحمد بن حنبل في المسند ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، والسيوطي في الجامع الصغير ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة ، والمتقي الهندي في كنز العمال وغيرهم ، عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ) مسند أحمد بن حنبل : 5 / 181 ، 189 ، مجمع الزوائد : 9 / 162 .
قال الهيثمي : رواه أحمد وإسناده جيد ، 2 / 170 ، وقال : رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات ، الجامع الصغير 1 / 402 حديث 2631 . ورمز له السيوطي بالصحة . وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير : 1 / 482 حديث 2457 .

ثامناً : أخرج أحمد بن حنبل في المسند ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة ، والبغوي في شرح السنة وغيرهم ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين : أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) مسند أحمد بن حنبل 3 / 59 ، وراجع ص 14 ، 17 ، 26 . كتاب السنة : ص 629، شرح السنة : 14 / 119 ، وقال : حسن غريب .

تاسعاً : أخرج أحمد في المسند ، وابن سعد في الطبقات ، والمتقي الهندي في كنز العمال وغيرهم ، عن أبي سعيد أيضا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروني بم تخلفوني فيهما ) مسند أحمد بن حنبل : 3 / 17 . الطبقات الكبرى : 2 / 194 ، كنز العمال : 1 / 185 .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة : 4 / 357 : وهو إسناد حسن في الشواهد .

عاشراً : أخرج ابن حجر في المطالب العالية ، والبوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة ، والطحاوي في مشكل الآثار وغيرهم ، عن علي عليه السلام ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث - قال : ( وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله ، سببه بيده ، وسببه بأيديكم ، وأهل بيتي ) المطالب العالية : 4 / 65 ، وقال : هذا إسناد صحيح . مختصر إتحاف السادة المهرة : 9 / 194 ، وقال : رواه إسحاق بسند صحيح ، مشكل الآثار 2 / 307 .

الطريق الحادي عشر : أخرج البوصيري في مختصر الإتحاف عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني تارك معكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله عز وجل وعترتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) مختصر إتحاف السادة المهرة : 8 / 461 ، وقال : رواه أبو بكر بن أبي شيبة وعبد بن حميد ، ورواته ثقات .

كما أن هذا الحديث ورد عن عدة طرق أخرى نورد منها على سبيل الذكر لا الحصر :
أخرج هذا الحديث بنحو ما تقدم وبألفاظ أخرى متقاربة : أحمد بن حنبل في المسند ( 3 / 14 ، 4 / 371 ) ، وفي فضائل الصحابة ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، والسيوطي في تفسيره الدر المنثور ، وفي إحياء الميت ، والمتقي الهندي في كنز العمال ، وأبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء ، والنسائي في خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ، والديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب ، وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنده ، والدارمي في السنن ، والبيهقي في السنن الكبرى ، وابن الأثير في جامع الأصول ، والطبراني في المعجم الكبير والصغير ، وغيرهم.
وذكره كثير من الأعلام في مصنفاتهم : كالسيوطي في الخصائص الكبرى، وابن تيمية في منهاج السنة ، والنووي في رياض الصالحين ، والقاضي عياض المالكي في الشفا ، والطبري في ذخائر العقبى ، وابن الأثير في أسد الغابة ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ، وابن حجر في الصواعق المحرقة ، والدولابي في الذرية الطاهرة ، والتفتازاني في شرح المقاصد ، وابن حزم في الإحكام ، وابن المغازلي في المناقب ، وغيرهم .
وذكره من أصحاب المعاجم اللغوية ابن منظور في لسان العرب ، والفيروز آبادي في القاموس المحيط ، والزبيدي في تاج العروس ، والزمخشري في الفائق في غريب الحديث ، وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث ، وغيرهم .

• صحة حديث الثقلين ( القران والعترة ) :

بعد أن تطرقنا لطرق رواية حديث الثقلين من كتب أبناء السنة ، نأتي في هذه الفقرة الثانية لمناقشة صحة سند الحديث .
صحح هذا الحديث جمع من أعلام أهل السنة ، وقد ذكرنا تصحيح بعضهم في الفقرة الاولى من هذه الحلقة ، منهم الحاكم النيسابوري في المستدرك ، والذهبي في التلخيص ، والسيوطي في الجامع الصغير ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، والذهبي في البداية والنهاية ، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية ، والبوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة ، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وصحيح الجامع الصغير ، وحسّنه الترمذي في سننه ، والبغوي في شرح السنة ، وقد مر ذلك كله .
مضافا إلى ذلك فقد صححه أيضا ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة ، وابن كثير في البداية والنهاية وتفسير القرآن العظيم ، والمناوي في فيض القدير وغيرهم .

قال ابن حجر : ( ومن ثم صح أنه صلى الله عليه وسلم قال : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي ) الصواعق المحرقة : ص 145 .

وقال : ( وفي رواية صحيحة : كأني دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما آكد من الآخر : كتاب الله عز وجل وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض . . . ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع وعشرين صحابيا ، لا حاجة لنا ببسطها ) الصواعق المحرقة : ص 228 .

وقال أيضا : ( قال المناوي : قال الهيثمي : رجاله موثقون ، ورواه أبو يعلى بسند لا بأس به ... ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي ) الصواعق المحرقة : 9 / 162 .

وقال ابن كثير بعد أن ساق رواية النسائي السالفـة الذكر : ( قال شيخنا الذهبي : هذا حديث صحيح ) البداية والنهاية : 5 / 184.

وقال في تفسيره : ( وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله (ص) قال في خطبته بغدير خم : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) تفسير القرآن العظيم : 4 / 113.

وقد ذكر الألباني هذا الحديث ضمن أحاديث سلسلته الصحيحة ، وخرج بعض طرقه وأسانيده الصحيحة والحسنة ، وذكر بعض شواهده وحسنها ، ووصف من ضعف هذا الحديث بأنه حديث عهد بصناعة الحديث ، وأنه قصر تقصيرا فاحشا في تحقيق الكلام عليه ، وأنه فاته كثير من الطرق والأسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة ، فضلا عن الشواهد والمتابعات ، وأنه لم يلتفت إلى أقوال المصححين للحديث من العلماء ، إذ اقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة دون غيرها ، فوقع في هذا الخطأ الفادح في تضعيف الحديث الصحيح .. سلسلة الأحاديث الصحيحة : 4 / 355 حديث . 1761


• معنى الثقلين والعترة :

1 - الثقلان في الحديث كما اتضح هما : الكتاب والعترة .
قال ابن حجر : ( سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وعترته - وهي الأهل والنسل والرهط الأدنون - ثقلين ، لأن الثقل كل نفيس خطير مصون ، وهذان كذلك ، إذ كل منهما معدن العلوم اللدنية ، والأسرار والحكم العلية ، والأحكام الشرعية . ولذا حث صلى الله عليه وسلم على الاقتداء والتمسك بهم ، والتعلم منهم ، وقال : الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت .
وقيل : سميا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما ) الصواعق المحرقة : ص 151 .

هذا المعنى للثقلين ذكره أصحاب المعاجم اللغوية ، ومنهم ابن منظور في لسان العرب ، وابن الأثير في النهاية ، والهروي في غريب الحديث ، وغيرهم .

قال ابن منظور : ( قال ثعلب : سميا ثقلين لأن الأخذ بهما ثقيل والعمل بهما ثقيل ، قال : وأصل الثقل أن العرب تقول لكل شئ نفيس خطير مصون : ثقل . فسماهما ثقلين إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما ) لسان العرب : 11 / 88 ، مادة ( ثقل ) .

وقريب من ذلك كلام ابن الأثير ، راجع النهاية في غريب الحديث : 1 / 216 ، والفيروزآبادي في القاموس المحيط : ص 875 ( ط جديدة ) .

وقال القاري في مرقاة المفاتيح : ( سمى كتاب الله وأهل بيته بهما لعظم قدرهما ، ولأن العمل بهما ثقيل على تابعهما ) مرقاة المفاتيح : 10 / 516 .

وقال الزمخشري في الفائق : ( الثقل المتاع المحمول على الدابة ، وإنما قيل للجن والإنس الثقلان ، لأنهما ثقال الأرض ، فكأنهما أثقلاها ، وقد شبه بهما الكتاب والعترة في أن الدين يستصلح بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين ) الفائق في غريب الحديث : 1 / 150 .

***

2 - العترة في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( ... وعترتي أهل بيتي ) ...

قال ابن منظور في لسان العرب : ( عترة الرجل : أقرباؤه من ولد وغيره ... وقال أبو عبيد وغيره : عترة الرجل وأسرته وفصيلته : رهطه الأدنون . وقال ابن الأثير : عترة الرجل أخص أقاربه . وقال ابن الأعرابي : العترة : ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه ، قال : فعترة النبي صلى الله عليه وسلم ولد فاطمة البتول عليها السلام . وروي عن أبي سعيد قال : العترة ساق الشجرة ، قال : وعترة النبي صلى الله عليه وسلم عبد المطلب وولده . وقيل : عترته أهل بيته الأقربون ، وهم أولاده وعلي وأولاده . وقيل : عترته الأقربون والأبعدون منهم ... ) لسان العرب : 4 / 538 مادة ( عتر ) .

ويبقى القول الفصل ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسّر المراد بعترته في كل الأحاديث التي سقناها وغيرها بأنهم أهل بيته (ع) ، والأحاديث الأخرى الكثيرة أوضحت ببيان شاف أن أهل البيت هم علي وفاطمة وأبناؤهما عليهم السلام ، ولذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غنى عن بيانهم هنا ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أحالهم في هذه الأحاديث على ما هو معلوم عندهم ، وواضح لديهم .. ولوضوح المراد بالعترة عند القوم لا نرى في كل تلك الأحاديث سائلا يسأل : من هم عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أو من هم أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم ؟
وأما الأحاديث التي دلت على أن المراد بأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم هم علي وفاطمة وأبناؤهما عليهم السلام ، فهي كثيرة جدا :

منها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، وأحمد في مسنده ، والترمذي في سننه مختصرا ، وكذا الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في حديث طويل : ( ولما نزلت هذه الآية آية المباهلة الشريفة ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) آل عمران / الآية 61 ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي ) صحيح مسلم : 4 / 1871 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه . مسند أحمد بن حنبل : 1 185 / ، سنن الترمذي : 5 / 225 ، وقال : هذا حديث حسن غريب صحيح . المستدرك : 3 / 150 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي .

ومنها : ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة ، قالت : ( خرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه مرط مرحل - المرط : كساء من صوف ، أو من خز أو غيرهما ، والمرحل : الذي نقش فيه تصاوير الرحال - من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، والحديث مشهور بحديث الكساء ) صحيح مسلم : 4 / 1883 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .

ومنها : ما أخرجه الترمذي في سننه وحسنه ، والحاكم في المستدرك وصححه ، والهيثمي في مجمع الزوائد وغيرهم عن أنس بن مالك وغيره : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : الصلاة يا أهل البيت ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ) سنن الترمذي : 5 / 225 ، قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه . المستدرك : 1 / 358 ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين . مجمع الزوائد : 9 / 168 .

ومنها : ما أخرجه الحاكم عن عامر بن سعد ، قال : ( قال معاوية لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب ابن أبي طالب ؟ قال : فقال : لا أسب ما ذكرت له ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم . قال : ما هن يا أبا إسحاق ؟ قال : لا أسبه ما ذكرت حين نزل عليه الوحي فأخذ عليا وابنيه وفاطمة ، فأدخلهم تحت ثوبه ، ثم قال : رب إن هؤلاء أهل بيتي ... ( المستدرك : 3 / 108 - 109 ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه بهذه السياقة ، وقال الذهبي : على شرط مسلم فقط . وأخرجه أيضا بلفظ قريب مما مر في حديث طويل آخر : 3 / 133 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه بهذه السياقة . ووافقه الذهبي .

ومنها : ما أخرجه الحاكم في المستدرك حديث الكساء عن طريق أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( في بيتي نزلت ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، قالت : فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : هؤلاء أهل بيتي ) المستدرك : 1 / 346 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ، ولم يخرجاه . ووافقه الذهبي . وأخرجه أيضا في : 3 / 147 عن واثلة بن الأسقع وعن عائشة ، وصححه في الموضعين ووافقه الذهبي فيهما .

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الدالة على ما قلناه ولمن يريد المزيد فليراجع الكتب التالية : مسند أحمد بن حنبل : 1 / 185 - 330 ، و 4 / 107 ، مجمع الزوائد : 9 / 166 - 174 ، الدر المنثور : 6 / 603 في تفسير آية التطهير ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان : 9 / 61 ، السنن الكبرى : 2 / 149 - 150 ، مسند أبي داود الطيالسي : ص 274 ، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : ص 30 ، 47 ، كتاب السنة : 2 / 588 ، مشكاة المصابيح : 3 / 1731 ، تاريخ بغداد : 10 / 278 وغيرها .

ثم إن المراد من العترة هاهنا هم أئمة الدين من أهل البيت النبوي ، لا كل من انتسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق فاطمة عليها السلام ، وقد نص غير واحد من أعلام أهل السنة على أن المراد بالعترة هم العلماء لا الجهال :

قال المناوي : ( قال الحكيم : والمراد بعترته هنا العلماء العاملون ، إذ هم الذين لا يفارقون القرآن ، أما نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي عن المقام ) فيض القدير : 3 / 14 .

وقال ابن حجر : ( ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله ، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض ، ويؤيده الخبر السابق : ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء ، لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة ، وقد مر بعضها ) الصواعق المحرقة : ص 151 .