حيدر حسين الاسدي لا تخلو حياة الشعوب على مر تاريخها من الانتصارات والأعياد كما لا تخلو من النكبات والمصائب أما الانتصارات فقد دونتها الشعوب وخلدتها للأجيال اللاحقة … التعبير عن الانتصار و الانتصار هنا إما على العدو من البشر أو على الطبيعة باكتشاف أسرارها فكان يتم بإقامة الأفراح والولائم بحسب الطقوس والأعراف السائدة والتي تغيرت باستمرار بمرور الزمن أو بالاختلاط مع الآخرين. قصة نوروز عند بعض الشعوب تحمل كل هذه المعاني التي تمس حياة البشر فالبطل في روايات “نوروز” هو عامل حداد والعدو طاغية متجبر والمكان بقعة واسعة من ارض المشرق والنهاية تتمثل في القضاء على الشر والأشرار وإحلال عهد الخير والازدهار وبزوغ فجر جديد . فيحتفل “الكرد والفرس والأفغان والطاجيك والبل وش و الاوزبك والقرغيز” بعيد نوروز وهؤلاء جميعا لا يختلفون في تسمية وأهمية هذه الذكرى ولا يختلفون كذلك في توقيتها المصادف في الحادي والعشرين من شهر آذار كل عام كما لا يختلفون كثيرا في طريقة وطقوس الاحتفال . تقاليد الشعوب التي تحتفل بنوروز الشعوب التي تحتفل بأعياد “نوروز” لهم طقوس مشتركة وتقاليد خاصة وتستعد لهذه الاحتفالات منذ فترة طويلة وتخصص اسبوع كامل في الاستعداد والتحضير لها. وتشترك اغلب الشعوب المحتفلة بهذه العادات وخصوصاً في تحضير مائدة “عيد نوروز” والتي تدعى ( هفت سين ) وتتكون من سبعة اشياء تبدأ بحرف السين ومصدرها الأرض هي : ( سبزي : الخضرة / سمنو : نوع من الحلويات /سير : الثوم / سيب : التفاح / سنجد : ثمره تشبه العناب / سماق : حب حامض الطعم / سيب زميني : البطاطس ) اضافة الى سكه اي النقود كذلك (البيض المسلوق الملون )وهذه موجودة عند شعوب اخرى.. وكل هذه الاشياء ترمز الى الحظ الجيد والسعادة والسلامة والسخاء نوروز في العراق مع تميز العراق بتنوع طوائفه يحتفظ مجتمعه بخزين من التراث الحضاري المنبثق من عمقه التاريخي لذا فأن ارثه الضخم من العادات والتقاليد يحفظ ديمومته وتواصله وبقاءه متآخي وسالم من كل عواصف التفريق. ومع احتفالات العالم بعيد الربيع المسمى “عيد الدخول” عند العراقيون الذي يعتقدون بان الساسانيين والسومريين اول من احتفل بهذا العيد فيما يدعي المصريين بأنها فرعونية الأصل وفي كل الاحوال فانها ترتبط بحكم توقيتها في 21 /آذار حيث يدخل الشمس في برج الحمل وهو السبب في تسميتها لدى العراقيون بـ (الدخول ) كما ان لاتفاقها مع اطلالة الربيع بعد انصرام ايام الشتاء الباردة وازديان الوديان والسهول بالخضرة وتفتح الازهار واعتدال المناخ له الاثر في التشجيع على الخروج الى الحدائق والمتنزهات حيث يشارك الانسان الطيور والنحل الطبيعة في فرحتها بقدوم الربيع ففي الربيع تبتهج النفوس وتقام الاحتفالات على مر العصور . تولي العوائل العراقية اهمية كبيره بدءا بالاسواق حيث تظهر الاباريق الخزفية الملونة والشموع وخلطات المكسرات والزبيب فيما تطغي الالوان الصارخة على معروضات الملابس. وتشكل الاباريق الخزفية الملونة أعمالا فنية محلية ترمز لمعاني البركة والسعادة والتفاؤل فيما يتم إعداد اكلات خاصة مثل “الزردة” و”البحت” وأنواع أخرى من الحلوى والفستق واللوز والدارسين فتكون الزردة صفراء اللون والبحت ابيضا متناصفة في كل اناء ويتركان ليلا الى صبيحة 21 آذار محاطا بالشموع واعواد الياس والزهور وآنية اخرى تحوي الحلويات الاخرى والمكسرات والحناء وبعض الحبوب وغيرها. اعتقادات المجتمع بسطاء المجتمع العراقي يعتقدون ان ملكا صالحا يدخل البيوت الطاهرة ويزور العوائل المؤمنة ويشاركهم الاحتفال بتذوقه هذه الأكلات ويبارك لهم إيمانهم وأرزاقهم وصحتهم ، أما حكاية صينية (السبع سينات ) هي الأشهر في العراق وتجمع عليها جميع النساء ويكون هم اغلب الرجال توفير مستلزماتها قبل ليلة الحادي والعشرين من اذار والا فان المرأة ستشعر بان زوجها غير مهتم بسعادة العائلة . وهي عبارة عن صينية كبيرة تجمع فيها سبع اشياء تبدأ بحرف السين او تحتوي على هذا الحرف واولها سمكة صغيرة نوع (حرش) او مايسمى عند الجنوب (الزوري او ابو خريزة) وهذه السمكة في صبيحة يوم عيد الدخول تعلق في باب البيت الى العام القادم لطرد العين وجلب الرزق. اما باقي مكونات الصينية فهي على الغالب اعواد من نبات الياس ، الملبس (وهي حلوى كروية )،وسكر ، وسمسم ، وسلق ،وخس وغيرها وتوقد فيها الشموع في ليلة عيد الدخول الى ان تنطفيء لوحدها اعتقادا من الاهالي ان هذه الصينية تبعد الارواح الشريرة عن ابناء البيت. وتبقى العادات والتقاليد المتوارثة امتداد تراثي يزرع الأمل والطمأنينة لدى الناس وتزيد من تواصلهم والفتهم وتفاهمهم.

أكثر...