لم يفكروا كثيرا قبل أن يتسلموا راية "الأمومة" من زوجاتهم الراحلات، مغالبين الوحدة، ومتحملين أعباء المنزل الثقيلة من طبخ وغسيل وتنظيف عن طيب خاطر، حتى يجنبوا أطفالهم "زوجة أب"، قاموا وحدهم بالدور المزدوج، فهم آباء مسئولون عن نفقات المنزل ورعاية شئونه فى الوقت نفسه، تربية الأطفال بيد تضرب وأخرى تربت لتعويضهم عن حنان أمهاتهم.

فى عيد الأم يستحق "أسعد عبد الحميد محمود" أيضًا هدية فهو واحد من آباء قليلين قاموا بدور "الأب" و"الأم"، بعد أن توفت زوجته قبل ما يزيد عن 20 عامًا، ولم يفكر فى الزواج رغم كونه وقتها فى العقد الأربعين من عمره فقط.

"أسعد"، المدير العام لإحدى شركات المقاولات قبل أن يتقاعد، خاص تجربة "الأمومة" بداية من عام 1988 وهى السنة الأليمة التى رحلت فيها زوجته وأم أبنائه الخمسة، وهم على الترتيب "سحر" و"عبير" و"هيثم" و"هناء" و"إسلام"، يحكى عن هذه التجربة "حياتنا اتغيرت كتير من بعد وفاة زوجتى، وما كنش ينفع استسلم للحزن كتير وأسيب أولادى من غير رعاية، خصوصا أن فى نفس السنة دى كانت واحدة من بناتى فى الثانوية العامة وكل واحد منهم كان عنده امتحانات، وكانت أعمارهم مختلفة وطلباتهم كتير وعرفت ساعتها قد إيه كانت بتتعب".

يضحك وهو ويتذكر أول مرة دخل فيها المطبخ ليعد لهم الطعام قبل أن يعودوا من المدرسة: "طبعا كنت بعمل عك لحد ما اتعودت وكنت بنضف الشقة وأغسل هدومهم بس لما كانوا بيرجعوا ويخلصوا مذاكرة، كان اللى بيقدر يعمل حاجة عشان يساعدنى بيعملها".

ربما كان الحل الأمثل لكثير من الرجال فى هذا الوقت العصيب أن يتزوج مرة ثانية من تتحمل عنه مسئولية خمسة أبناء، لكن "أسعد" لم يفعلها وفاءً لزوجته واحتراما لمشاعر أبنائه: "أولادى كانوا هيحسوا كأنى طردت أمهم واتجوزت عليها ومش هيتقبلوا فكرة أنى ممكن أتجوز مرة ثانية حتى لو عشان أجيب لهم واحدة تراعيهم لأن الأولاد بيعتبروا أبوهم ملكهم".

"أسعد" حاول أن يعوض أبناءه فقدان أمهم ليس فقط بالاهتمام بشئون المنزل: "الأطفال فى مرحلة المراهقة خصوصا البنات بيكونوا محتاجين لأمهم، وحاولت أعوضهم عنها بأننا نكون أصدقاء".

يعيش "أسعد" الذى بلغ 71 عامًا وحيدًا الآن بعدما تزوج أبناؤه وسافر بعضهم للعمل، يعتنى بنفسه رغم ظروفه الصحية الصعبة لكنه راض عن حياته وفخور بما قدمه لأبنائه: "الوحدة مش سهلة بس أنا بقدر أتعايش مع أى ظروف عندى تليفزيونى وكتبى بيسلونى، والحمد لله لسه قادر أعمل كل حاجة لنفسى وأروح أعمل جلسات العلاج الطبيعى".

والد "ياسمين أسامة محمد" الفتاة العشرينية كان إلى جوارها فى كافة الأوقات التى احتاجت فيها إلى حنان الأم وتفهمها منذ رحيل والدتها، الذى لم يخفف وطأته سوى أب متفان يفعل كل ما يقدر عليه ليرى ابتسامتها تتحدث عنه بحب قائلة: "لما ماما توفت بابا كان أول واحد فاق من الصدمة رغم حزنه الكبير عشان خاطرى أنا وأخويا محمد، وكان بيعمل كل حاجة عشان خاطر يخفف عننا، ويعوضنا عن حنان ماما واهتمامها بينا، مش هنسى أبدا أنه بينزل بنفسه يشترى طلبات البيت ويصحى بدرى يعملى الساندوتشات قبل ما أروح الشغل ويأكل كمان القطة بتاعتى".

والد ياسمين ضابط الجيش المتقاعد كان خير سند لياسمين، التى تمت خطبتها قبل شهر: "شغلى كان واخد كل وقتى ومكنتش قادرة أهتم بكل تجهيزات حفلة الخطوبة وبابا هو اللى عمل كل التجهيزات زى ما كان نفسى فيها، وبيحاول طول الوقت يعوضنى بحنانه عن ماما الله يرحمها".



أكثر...