رغم أنى وُلدت وتربيت وأعيش فى مجتمع يقولون عنه مجتمعا ذكوريا فإننى أحب كونى امرأة، ولكن حبى يزيد لما خلقنى عليه الله حين أشاهد بعضاً من أفلام محمد خان وأحدثها فتاة المصنع، فالمرأة فى أغلب أفلام محمد خان أكثر آدمية وأجمل وأرق وأذكى من الرجل حتى لو كانت أقل منه تعليماً وشأناً وفى نفس الوقت هى الأقوى وإن ضعفت وهى الأغنى وإن أفقرها المجتمع.. وتلك هى الحكاية.

فى أحد مصانع الملابس الجاهزة المنتشرة فى مصر تعمل هيام وأختها مع عشرات أخريات من البنات يتقاسمن اللقمة والضحكة والحلم فى أن يأتى رجل يشعرهن بأنوثتهن قبل أن يمر الزمان ويحصلن على لقب عانس، وينتقل السيناريو بين نماذج أخرى من النساء مثل أم هيام التى تزوجت بآخر بعد موت زوجها وأنجبت بنتا ثانية وتعمل فى الدلالة، وأختها المطلقة التى تعمل فى وظيفة بسيطة وتساعد فى البيوت متخفية لتستطيع الإنفاق على ابنتها، والجدة والجارة ثم يدخل عالم النساء الرجال على استحياء وحتى بحوار قليل متمثلين فى مهندس ومشرف المصنع الشاب الذى تتمناه الفتيات جميعاً ولكن هيام وحدها تجاهد فى الفوز به وكذلك يتمثل الرجل فى زوج الأم وابن عمها والأب الغائب الذى تزوج ولا ينفق على ابنته.

خلاصة الأمر أن الرجل فى فتاة المصنع عنصر يدفع أحياناً الأحداث ولكن بسلبيته ولكن المرأة هى التى تحرك الحدث حتى وإن كان ضدها كما جاءت النهاية حين ترقص هيام فى فرح من أحبته رغم خداعه وزواجه من أخرى.

فيلم فتاة المصنع لا تتوقع كمشاهد أنك سترى فيه صراعا أو أحداثا بالمعنى العنيف السينمائى ولكنه فيلم ينقل لك كمشاهد حالة إنسانية واجتماعية واقتصادية وحتى ثورية دون أن يصرخ ولكنه يفعل ذلك همساً كما فى مشهد يجمع بين مظاهرة تصرخ عيش حرية عدالة اجتماعية وصوت المرأة مش عورة وبين البطلة وحبيبها وهو يقهرها ويواجهها بحقيقة مشاعره، وإن كان المصريون قد تعبوا من السياسة طوال السنوات الماضية ويريدون أن يهربوا منها فإن خان وكاتبته الأثيرة حالياً وسام سليمان ربما شعرا بذلك فقدما لهما فيلما ثائرا بلا سياسة.

شارك فى إنتاج هذا الفيلم عديد من الجهات على رأسها وزارة الثقافة وعدد من المهرجانات العربية ولم يخيب خان ظنهم فقد شاركوا فى عمل سيحسب لهم جميعاً.

فى حياة الفنان الصادق جزء كبير من عمله يصنعه ليستمتع هو به قبل المشاهد خاصة حين يكبر ومحمد خان الذى وصل للسبعين يبدو لى من وراء الكاميرات وأنا أجلس أشاهد فيلمه مستمتعا بنفس قدر متعتى كمشاهدة إن لم يكن أكثر، فهو محب لشخصياته وللمدينة التى يعيشون فيها حتى وإن انتقد كثيرا فيها بالتلميح والتصريح وربما يؤكد وجهة نظرى إهداء الفيلم لسعاد حسنى وارتباط أحداثه بمقاطع من أغانيها.

ياسمين رئيس بطلة هذا العمل حصلت على فرصة عمرها بعملها بطلة مع مخرج مثل خان يعشق ممثليه ولم تضيع هى الفرصة بل عملت جاهدة مجتهدة على أداء الشخصية بصورة جديدة فوضعت اسمها غالباً بين نجمات السينما المصرية الشابات.

سلوى خطاب وسلوى محمد على فى دور الأم والخالة علامات على جبين السينما المصرية فى أدوار منحاها روحا وبصمة تستحقان عليهما جوائز وليست جائزة واحدة.

هانى عادل الذى بدأ مغنياً فى فرقة وسط البلد ثم اتجه للتمثيل على استحياء فى أدوار قليلة ولكنه استطاع فى سنوات قصيرة أن يجد لنفسه مكاناً كممثل مجتهد لو أحسن المخرجون استخدامه وقد فعلوا كذلك حتى الآن وهو أيضاً.

بنات المصنع كل منهن وكأنهن حقيقة ساعدتهن التفاصيل التى تعود للسيناريو ولعين مخرج يعشق التفاصيل.

فيلم فتاة المصنع ليس فيلما عالى التكلفة ولا متكلفاً ولا عالى الصوت فى زمن صاخب لكنه حكاية تنساب داخلك كمشاهد تحكى عن ناس يعيشون بيننا قد نراهم كل يوم ولكننا لا نتوقف أمامهم ولكن محمد خان جذبنا من أيدينا لنتعرف عليهم ونحبهم.

محمد خان مبروك عليك فتاة المصنع ومبروك علينا أنك أصبحت منا بالمستندات فقد صرت مصرياً أعانك وإيانا الله.



أكثر...