ترك الفنان الراحل أحمد زكى فراغاً فنياً كبيراً منذ رحيله عام 2005، من الصعب أن يملأه غيره، الأمر الذى يتضح جلياً مع كل ذكرى لوفاته، ومع كل محاولة من بعض السينمائيين لتشبيه نجم جديد أو فنان صاعد بأحمد زكى، لكن الأمر لا يتعدى مجرد تشابه فى لون البشرة السمراء، وهذا لا يعد تقليلاً من قيمة الفنانين الشباب، بل إن مجرد محاولة المقارنة بينهم وبين «زكى» تبدو عبثية وليست منطقية، فالفراغ الفنى الذى تركه أحمد زكى مازال موجوداً حتى الآن، ومازال لم يجد من يشغله، بل من الواضح أنه لن يجد من يشغله.

فالراحل أحمد زكى يعد حالة فنية من الصعب تكرارها فى السينما المصرية، فشخصياته التى قدمها فى أفلامه باتت ماركة مسجلة باسمه، كما أنه كان قادرا على أن يتمكن من تفاصيل أى شخصية بعد دراستها وتقمصها، لدرجة تجعل البعض يتعجب كيف للنجم الذى جسد شخصية «عبد السميع» فى «البيه البواب» أن يجسد شخصية الضابط «هشام» فى فيلم «زوجة رجل مهم»، فالعملان تم إنتاجهما فى عام واحد هو 1987، ولا يفرق بينهما سوى أسابيع معدودة، لكن عبقرية «زكى» السينمائية جعلته يجسد فى عام واحد شخصيتين مختلفتين تمام الاختلاف، الأولى «عبد السميع» الرجل الصعيدى الذى يأتى إلى القاهرة ليعمل «بواب»، والثانية «هشام» الضابط المهم الذى لا يتوانى فى استخدام العنف ضد كل من حوله، وتتغير حياته بعدما تمت التضحية به، والاستغناء عن حفلاته، واللافت للنظر أن «زكى» قدّم فى العملين مشاهد عديدة تعد من أفضل المشاهد فى السينما المصرية، ويحفظها محبو الأفلام السينمائية عن ظهر قلب، ومنها المشهد الذى يحقق فيه «هشام» مع أحد المتهمين ويقوم بخلع ساعته.

ولم تكن تلك المرة الوحيدة التى يقدم فيها «زكى» شخصيتين متناقضتين فى أعماله الفنية فى عام واحد، بل إنه عندما كان يعرض مسرحيته «العيال كبرت» عام 1979 مع النجوم سعيد صالح، ويونس شلبى، وحسن مصطفى، وقدم من خلالها شخصية الابن «كمال»، قدم أيضاً فى نفس العام مسلسل «الأيام» الذى جسد فيه شخصية عميد الأدب العربى طه حسين، فالفنان الراحل كان يضع نفسه دائماً فى تحدٍ فنى يخوضه ليكسبه فى النهاية، ليبحث دائماً عن شخصيات مختلفة يقدمها فى أفلامه، تعكس ولعاً بالفن، ومحاولة دائمة لإثبات الذات، ففى عام 1993 قدم عملين سينمائيين هما «مستر كاراتيه» و«الباشا»، ليواصل هوايته فى تجسيد شخصيات مختلفة، ففى الفيلم الأول قدم شخصية «صلاح» الشاب الريفى الذى يأتى للقاهرة بحثا عن فرصة عمل ليعمل «سايس»، ويمارس رياضة «الكاراتيه»، أما فى الفيلم الثانى فجسد شخصية الضابط «حازم الشناوى» الذى يعمل بإدارة مكافحة الآداب، عقب نقله من إدارة المخدرات، وفى إحدى المهمات يكتشف أن هناك شبكة دعارة يديرها أحد رجال الأعمال صاحب النفوذ والسلطة.

عناء «زكى» فى تجسيد شخصياته الفنية حول حياته إلى ما يشبه المعمل الفنى لاستخراج شخوص حية من لحم ودم، لكنه مع كل شخصية كان يقدمها فى أفلامه، كان يجد صعوبة فى الخروج منها بعد انتهاء التصوير، حتى أنها كانت تعيش معه وقتا طويلا، لكن ذلك لم يكن ليؤثر على عمله الفنى التالى، فى عبقرية فنية لن تتكرر فى الوسط السينمائى، مهما حاول البعض ذلك، سواء بتقليد بعض حركاته، أو إيماءاته، أو تقديم شخصيات سينمائية، متبعين نفس نهجه وأسلوبه.

بل إن موهبة أحمد زكى الفنية جعلت أغانيه التى قدمها فى أفلامه تعيش بيننا حتى الآن، رغم أنه لم يكن يتمتع بصوت طربى جميل، لكنه كان مجتهداً، ويعرف كيف يقنع الآخر بما يقدمه، لدرجة جعلت أغنيته «أزأز كابوريا» واحدة من أشهر الأغانى وقتئذ.

إنه من الصعب أن نجد فناناً يضع نفسه فى مقارنة بالنمر الأسود، بل عليهم أن يستمعوا لنصيحة أحمد زكى لابنه عندما قال له: ابحث عن ذاتك، ولا تكن نسخة من أحد حتى أنا.



أكثر...