أسعد العزوني للوهلة الأولى ،فإن الرائي للمشهد العبثي في سوريا ،يظن أن ما يحدث هناك ،ما هو إلا مطالبة شعبية بالإصلاح والديمقراطية ،لكنه وفي حال إعمال العقل وتغليب المنطق ،فإنه سيكتشف فورا أن ما يجري هناك ، هو عبارة عن مؤامرة مبيتة ،جرى تجهيز بارودها بعيد صمود حزب الله الأسطوري أمام الجيش الإسرائيلي صيف العام 2006 ،وتمريغه أنف إسرائيل في الوحل. هذا يعني أن ما يجري في سوريا ،فعل دولي خططت له إسرائيل جيدا ووظفت له العديد من الأطراف ، بغض النظر عن اللغة التي يتحدثون بها ،والهيئة التي يظهرون بها ،وعن صلاتهم إن كانوا أصلا يصلون . هذه الحرب التي مضى على إندلاعها ثلاث سنوات دموية مريرة، وخرجت عن نطاق المقاييس المعروفة والمتفق عليها ، ناهيك عن الأطراف الغنية القوية العديدة التي دخلت فيها ،تدل على طبيعة هذه الحرب وما هيتها ،ومآلاتها . الملاحظة الخرى التي تدلل على مشبوهية هذه الحرب ،هي عدم وجود دور لما تسمى زورا وبهتانا “هيئة الأمم المتحدة”، وأداتها القطعية المسماة أيضا زورا وبهتانا “مجلس الأمن الدولي”، التي كانت تستكلب عند المواجهة المرسومة أصلا بين الجيوش الرسمية العربية وإسرائيل، وتجبر العرب على مهزلة وقف إطلاق النار مع إسرائيل عندما ينهي الجيش الإسرائيلي مهمته المحددة ويتسلم الأرض المتفق عليها من الجيوش العربية أيا كانت هويتها. حتى اللحظة خسر نحو 140 ألف سوري أرواحهم في هذه الحرب المشبوهة ، و رأينا ملايين المهجرين السوريين الذين باتوا يرون حرائرهم تستباح دون أن يفعلوا شيئا لرد هذا العدوان الأخلاقي الغاشم ،ناهيك عن حجم الدمار الذي تشهده سوريا يوما بعد يوم، وهي التي كانت الدولة العربية الوحيدة التي لا ترتبط بالبنك وصندوق النقد الدوليين بصلة ،إضافة إلى صورتها الجميلة قبل العبث بها ،وتشويه صورتها هذه الأيام. ما يتوجب على الباحث أن يركز عليه هذه الأيام في مشهد العبث السوري ،هو هذا الإستنفار “الجهادي الإسلامي” من الشرق والغرب والشمال والجنوب، مع أننا لم نر ذلك إبان المواجهات الغربية الإسرائيلية ،وخاصة تلك المواجهة المصيرية الكبرى التي جرت بين الفلسطينيين واللبنانيين من جهة وبين جيش السفاح الإرهابي شارون صيف العام 1982 ،وجرى محاصرة بيروت ومن ثم إحتلالها ،على مرآى ومسمع القريب والجميع. يجب أن نتحدث بصراحة ونحلل بشفافية مطلقة ،خاصة وان الأمر مصيري ،وسيطال ما تبقى منا جميعا، فما يجري في سوريا عبارة عن تتويج فاقع للخلاف الشيعي – السني المفتعل منذ أيام اليهودي عبد الله بن سبأ ،وشهد ذروته على إثر صمود حزب الله وإنتصاره على إسرائيل صيف العام 2006 ،في مواجهة ردت إلينا أرواحنا وإعتبارنا جميعا ،وإستمرت 35 يوما ،وقام حزب الله بتمريغ أنف إسرائيل بالوحل السياسي والعسكري – على غير المعتاد عربيا- ولقنتها درسا لن تنساه أبدا. الصراع الآن في سوريا يتجلى بأبشع صوره ، بين الشيعة ممثلين بحزب الله الذي خاض غمار الحرب وصمد وحقق النصر المبين ،وإيران التي وفرت أسباب الصمود والنصر لحزب الله ،وسوريا التي كانت قناة للدعم الإيراني لحزب الله، والسنة الذين وعلى ما يبدو سلموا لإنقيادهم لإسرائيل ودخلوا معها في حلف معلن ،واظن ذلك من علامات الساعة والله اعلم. هناك من يتحدث عن عودة الإمام المهدي المنتظر “الشيعة”، وقيادته للحرب في الشام بعد المرور على العراق واليمن، ويتحدث السنة عن إقامة دولة إسلامية – ولا أدري ما هي مواصفات هذه الدولة ،ونحن نستورد حتى عود السواك من الخارج-ويوردون أحاديث نبوية منسوبة لرسول الهدى والنور إلى العام أجمع، وأنه صلى الله عليه وسلم تنبأ بأحداث سوريا الحالية . الأغرب من كل ذلك ، أن هؤلاء المدعين والخوارج الجدد ، الذين يكثرون من هذه الأحاديث التي تتعلق بسوريا ،لم يوردوا حديثا واحدا عن القدس التي أسري إليها صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة ،وصلى في الأنبياء إماما ومن ثم عرج من المسجد الأقصى إلى السموات العلى ،ومع ذلك يسمون ما يقومون به من عبث دموي في سوريا جهادا في سبيل الله، ولا يتذكرون أن القدس وفلسطين والمسجد الأقصى تحت الإحتلال وقيد التهويد ،فعن إسلام وجهاد يتحدث هؤلاء الخوارج؟ الهدف الأكبر من العبث الجاري بتوجيه شيطاني في سوريا ،هو إغراق حزب الله في الدم السوري وتفجير لبنان بواسطة أتباع إسرائيل ،وهذه المرة أجد نفسي مضطرا لإستثناء اليمين المسيحي اللبناني من قيادة هذا العبث ،لأنه وجد اليمين الأسلم متحفزا للعب هذا الدور. كما يهدف هذا العبث إلى تدمير الجيش السوري وتقسيم سوريا ،حسب وما ورد على لسان رئيس وزراء إسرائيل الأسبق ديفيد بن غوريون عام 1953 حيث قال: “إن تدمير الجيش العراقي وتقسيم العراق ،وتدمير الجيش السوري وتقسيم سوريا ،وتدمير الجيش المصري وتفتيت مصر، هو احد أهم ضمانات بقاء إسرائيل قوية في المنطقة “. وسيكون في نهاية المطاف النيل من إيران لأنها خرجت من الإطار الإسرائيلي بعد خلعها الشاه أواخر ثمانيات القرن المنصرم ،ودعمها لحزب الله، وتكون إسرائيل قد ضمنت لنفسها السيادة المطلقة ،ظنا منها أن الله سوف لن يبدل مسلمي هذه الأيام المتخاذلين برجال مؤمنين غيرهم. خير ما أختم به هو التأكيد على أن السنة والشيعة في وضعهم الحالي، بعيدون عن نهج الله ،لأنهم تركوا المواجهة مع عدوهم الرئيس إسرائيل ،وتفرغوا لقتال أنفسهم، وهذا ما لا يرضي الله عز وجل.  

أكثر...