الدكتورعبدالقادر محمد القيسي بداية ما دفعني بالكتابة في هذا الموضوع هو تصريح المحامي (بديع عارف) حول عدم السماح له بلقاء موكله النائب احمد العلواني من قبل محكمة الموضوع مؤخرا، واستغربت كثيرا من ذلك؛ حيث عانينا من هذه التصرفات في سنوات 2004 والى عام 2010 عندما كانت القوات الامريكية هي من تمنع لقاء المحامين بموكليهم وفي وقتها . وعندما كنت رئيس غرفة المحامين والى بداية عام 2012، دفعني هذا الانتهاك الخطير لقواعد حق الدفاع المقدسة الى اللقاء بأحد أعضاء مكتب التنسيق الخاص بالمعتقلين العراقيين التابع للقوات الامريكية وكنت انا ممثله من جانب المحامين، وطلبت منه توضيح لهذا المنع، حيث اخبرني احد الضباط الامريكان القانونيين ؛ بان من يمنع لقاء المحامين بموكليهم ليس نحن، بل هو امر صادر من القضاء العراقي، ولدى لقائي برئيس محكمة التحقيق المركزية في حينها للتأكد من ذلك؛ اخبرني بوجود هذا التوجيه من بعض القضاة لاعتقادهم ان المحامي يقوم بتلقين المتهم وهذا يؤثر على افادة المتهم بالاعتراف، وفي حينها جرى نقاش حامي الوطيس مع رئيس المحكمة (اقدره واحترمه كثيرا) واخبرته كيف لاجتهادات وتأويلات ليس لها سند قانوني تسقط حق الدفاع المقدس المنصوص عليه بقواعد دستورية امرة، واذا كان هذا الاعتقاد السائد لدى بعض القضاة فهذا يؤشر على ان الأدلة المتحصلة بحق المتهم ضعيفة وتهتز بمجرد لقاء المحامي بالمتهم؛ مما يؤشر ان التحقيقات غير شفافة وترتكن لأدلة ضعيفة لا تبعد اكثر من اعتراف قد يكون قسريا للمتهم؛ والا لماذا يتم اسقاط حقوق المتهم الدستورية؛ بعدم لقاء وكيله المحامي الذي يرفع عنه التوجس، لغرض ان يستجمع حججه ويرتب اسانيده وجلب شهود نفي أو تقديم أية أدلة أخرى تنفي التهمة عنه، لا سيما ان المتهم يشعر بالقلق والخوف مما يجعله يسقط ضحية هذا الخوف والقلق مع احتمالية تعرضه للإكراه والتعذيب مما يجعل تأكيد الاتهام بحقه وادانته نتيجة شاخصة في نهاية المطاف، ونكون قد ارتكبنا جريمة اسقاط حقوق دستورية أساسية في باب الحريات والحقوق، وخالفنا نص المادة( 123) من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ، وطلبت من السيد رئيس المحكمة في حينها ان يقوم بدوره لوقف هذه الممارسة التي لا تستند لأي نص او قاعدة عرفية ووعدني، لكن الامر لم ينفذ نهائيا، وبتصريح المحامي (بديع عارف) تأكدت بان هذه الممارسة باقية ولم تنتهي، وهذا مؤسف بحق قضائنا الذي يجب ان يغادر تلك الأمور لأنها أسأت للقضاء العراقي، ان التضييق على حق الاستعانة بمحام له مساس بالاستقلالية. وعليه، هل يمكننا الحديث عن حصانة للمحامي في القانون العراقي باعتبارها مؤسسة قانونية ثابتة تسمح بتدعيم آليات المحاكمة العادلة؟ ان الحق في الاستعانة بمحام حقا محوريا في شروط المحاكمة العادلة والإشكال المطروح ليس في تعيين محام ولكن في تمكين المحامي من القيام بمهامه في أطار قانوني وواقعي مريح أو مقبول. إن حق الدفاع مقدس في كافة مراحل التحقيق والمحاكمة ويجب عدم الإخلال بحقوق المتهم والضمانات اللازمة له للدفاع عن نفسه التي ثبتت بمبادئ دستورية آمرة لا يجوز مخالفتها بأي حال من الأحوال حيث أورد القانون العراقي جملة حقوق وردت في المادة (19) من الدستور منها حق الاستعانة بمحامي وقانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي النافذ أيضا في المادة (123) أوجبت حضور محامي في مرحلة التحقيق وقبل المباشرة بالتحقيق وكذلك المادة (144/أ) أوجبت حضور محامي عن المتهم في مرحلة الجنايات انطلاقا من أهمية وجود المحامي بجانب المتهم، وهي من ابسط حقوق المتهم على المحكمة، لذا فان من حقوق المتهم الحصول على محاكمة علنية عادلة إمام قضاء مستقل محايد تحوطه الضمانات وينأى بإجراءاته وتصرفاته عن الشبهات، ومن حق المتهم الاستعانة بمحام يحضر معه جلسات التحقيق والمحاكمة ينبهه إلى حقوقه القانونية ويرعى شؤونه القانونية ويساعده في دحض أدلة الاتهام وتجميع أدلة النفي بما له من خبرة قانونية، وحضور المحامي في فترة التحقيق والمحاكمة وجوبيا في القانون العراقي حيث نصت المادة (123) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على : ( أ – قبل إجراء التحقيق مع المتهم يجب على قاضي التحقيق إعلام المتهم ما يلي : أولا : أن له الحق بالسكوت، ولا يستنتج من ممارسة هذا الحق أي قرينة ضده 0ثانياً : أن له الحق أن يتم تمثيله من قبل محام وان لم تكن له القدرة على توكيل محام تقوم المحكمة بتعيين محام منتدب له 0000 ب – على قاضي التحقيق أو المحقق حسم موضوع رغبة المتهم في توكيل محام قبل المباشرة بالتحقيق وفي حالة اختيار المتهم توكيل محام فليس لقاضي التحقيق آو المحقق المباشرة بأي إجراء حتى توكيل المحامي المنتدب)0 ان المادة 123 الأصولية اكدت على حصول الاندماج بين شخصية المتهم ومحاميه من حيث الحضور، فهما يعتبران شخصاً واحداً كما يقرر بذلك الفقه الجنائي المقارن، ولا يتصور صحة حضور أحدهما عن الآخر وصار ذلك من المسلمات القانونية، إلا في بعض استثناءات خاصة نص عليها القانون، كما في حالتي الخوف والاستعجال بسبب الخوف من ضياع الأدلة والاستثناء لا يتوسع في تفسيره، ولا يقاس عليه، ولاسيما في قانون العقوبات وما ارتبط به من تشريعات؛ لضرورة تفسير كل شك لصالح المتهم، وصالح المتهم هو حضور المحامي الذي اختاره أو قبله، وعلى المحقق والقاضي أياً تكن مرحلة التحقيق إجابة المتهم إلى ذلك؛ لأن حضور المحامي الذي اختاره أو ارتضاه المتهم ضمانة دستورية أقامها القانون للمتهم فلا يجوز حرمانه منها، فضلاً عن أنها في صالح محكمة التحقيق نفسها، فهي شهادة أو قرينة على صحة التحقيق وسلامته، فإن لم يكن المحامي حاضراً، وجب تأجيل الاستجواب إلى وقت آخر لإعلانه بالموعد؛ لأن غياب المحامي شهادة أو قرينة على بطلان التحقيق. ولكن يظل ( وكما هو حاصل احيانا) من حق القاضي والمحقق أن يقرر عدم تلبية هذا الطلب إذا اقتضت ضرورة التحقيق ذلك على نحو الاستثناء، وعندئذ عليه أن يبين ذلك بقرار مسبب حتى تشرف محكمة الموضوع على مدى الضرورة، فإذا وجدت تلك المحكمة أن إجراءات التحقيق بمعزل عن المحامي لا تبرره مصلحة الكشف عن الحقيقة فإنها تقرر بطلان الإجراء الذي قامت به محكمة التحقيق لهدره الضمانة الدستورية، وهي وجوب حضور المحامي الذي اختاره […]

أكثر...