هل المتنبي ابن الإمام المهدي المنتظر
قبل أن تتعصب ضد العنوان اقرأ بتمهل وعناية و لك أن تقتنع أو لا تقتنع ...فالأمر متروك لك ...ولا أحد يملك الحقيقة المطلقة إلا الله .
ليس هناك من الشعر ما هو أفضل من شعر المتنبي وهو بحق نبي الشعر , وقد درس المتنبي من قبل الكثير من الباحثين العرب والمستشرقين والمسلمين , ونحن لسنا بصدد البحث في شعره ومكانته في هذه المقالة ...بل سنناقش جوانب خفية فيما يخص حياة المتنبي تطرق لها القليل من الباحثين ...وسنلخص هذه الجوانب الى أقصى حد ...وعلى من يريد الاستزادة فعليه بالمكتبات بهذا الخصوص...
مـــقــتــلـــــــه
دارت أقاويل كثيرة عن مقتل المتنبي ...فمنهم من يقول ان المتنبي كان عائدا من شيراز محملا بالهدايا من عضد الدولة وابن المعتمد.
ولكن الباحثون اجمعوا على ان قاتل المتنبي هو رجل من بني أسد اسمه (فاتك بن أبي جهل بن فراس بن بداد ) , ومعروف لدى الناس آنذاك باسم ( فاتك الأسدي )...وأنا يساورني شك في الاسم لأن العرب المسلمين لا يسمون باسم أبي جهل لكون يسمى في الإسلام ( برأس الكفر )....
وآخرون يقولون بأن اسم ( فاتك ) ليس سوى كنية لأن هذا الرجل كان قاطع طريق مجرم سفاح ذباح فأطلقوا عليه هذه التسمية ...وليس بمستبعد أن يكون أبيه على هذه الشاكلة مضافا لها الجهل والعنف فسمي بـــ ( أبي جهل ) ...وسبب قتل فاتك للمتنبي ...هو انه قد سبق للمتنبي بأن هجا أخت فاتك أم ( ضبة العتبي ) الذي كان يقطع الطريق في منطقة كربلاء الحالية وسبق أن أغارت عليه الدولة وحاربه الناس ..وقد كان المتنبي حاضرا لأحدى هذه المعارك مع ضبة فطلب منه الناس قول قصيدة في ضبة فامتنع المتنبي ترفعا الا انه قال قصيدة تحت ضغط الناس مملوءة بالكلمات البذيئة والفحش بحق أم ضبة مطلعها :
ما أنصف القوم ضبة .... وأمه الطرطبة
( والطرطبة هي المرأة المسترخية النهدين )
ونعتذر عن إكمالها لما فيها من الفحش , مما لا يتلائم مع سياسة المنتدى ... بالرغم من أن الأمانة التاريخية تفرض على الباحث نقل الحوادث والمقالات على علاتها دون المساس بها بالاقتطاع أو التحوير..والا ضاعت الحقيقة ... وان علم الأدب ليس بعلم الأخلاق ..لأن فيه الهجاء والمدح والغث والسمين .
ويرفض كثير من الباحثين هذه القصة و يعتبرون ان القصيدة مدسوسة على المتنبي من قبل أعداءه وهم كثر...ويستشهدون بركاكتها وفحش كلامها , مما لا يتفق مع أسلوب المتنبي الشعري والأخلاقي ..وهو المتعالي المتفاخر بنفسه ...
وباحثون آخرون يعزون قتل المتنبي الى حمله أمواله كلها معه أينما ارتحل ...وقد كان حينها عائدا من شيراز محملا بالأموال والعطايا من عضد الدولة ,فكان صيدا ثمينا لقطاع الطرق وخصوصا ان طريق المتنبي كان يمر على منطقة سكن فاتك الأسدي...ويقال انه كان يترصد أخبار وصوله الى منطقته....لكي يقتنصه ..وحصل له ذلك فعلا .
وفتك به فاتـــك في منطقة تدعى الصافية ...وتدعى حاليا ( منطقة ابو سورة ) تقع عند بداية طريق ( النعمانية – الهاشمية – الكوفة ) بالقرب من منازل عشيرة بني كلاب ...وقد قتل المتنبي مع ولده ( محسد ) وغلامه ( مفلح ) ...ودفنه أهالي قرية ( جبل _ بضم الجيم – وتشديد مع فتح الباء – وسكون اللام ) في مكان مقتله ...وهناك الكثير من التفاصيل لسنا بصددها .

مولده ومماته ونسبه
--- اسمه : أبو الطيب أحمد بن الحسين الكندي التميمي ( هذا ما يكتب عند تعريفه )
--- ولادته ومماته : ولد في الكوفة عام 303 هجرية وتوفي قتلا عام 354 هجرية ( 965 ميلادية ) .
نسبه : - لم يعرف للمتنبي نسب متفق عليه ...فلا يوجد خبر مؤكد عن تسلسل نسبه ...والغريب انه لم يطعن به أحدا بسبب ذلك ...فقد اكتنف الغموض هذا الأمر طيلة حياة المتنبي وبعد موته رغم ذياع صيته وشهرته الواسعة....إلا ان الكثير من الباحثين اللذين استهواهم البحث في نسب المتنبي ...لم يوصلونا الى قناعة تامة مؤكدة لنسبه ...
ففي كتاب للمؤرخ والباحث الكبير عبد الغني الملاح اسمه ( المتنبي يسترد أباه ) ذكر ما يلي :-
(( ان المتنبي الذي ولد في الكوفة عام 303 هجري هو من اسرة كريمة ...ومن اب جليل ..وهو ليس أقل من آخر الأئمة ألاثني عشر... الإمام المهدي المنتظر ))...؟؟؟؟
وهو طرح جريء نحمد الله ان الباحث غير موجود بين ظهرانينا في هذه الأيام وإلا لقطع اربأ ووزع لحمه في الغرب ووزعت عظامه في شرق المعمورة ...
علما ان الشيعة أنفسهم ليس لديهم تفاصيل عن حياة الإمام محمد المهدي بن الحسن العسكري ... فيما يقول آخرون ان الإمام الحسن العسكري لم يعقب ولهم أسبابهم الخاصة بهم .
.... وليس عبد الغني الملاح أول من أشار الى هذه الفرضية مثل العريض والباحث المصري ( محمود محمد شاكر ) الذي نشر دراسات وأبحاث مطولة عن المتنبي في ثلاثينيات القرن الماضي نقتطف منها ما نشره في مجلة المقتطف عدد كانون الثاني ( يناير ) عام 1936 حث يقول بخصوص نسب المتنبي :-
{ .... ووجه القضية عندنا هو هذا .... تزوج رجل من العلويين ( ولا جرم أن يكون من كبارهم ) بنت جدة المتنبي فحملت ووضعت الطفل ( أحمد –نعني المتنبي ) ...ولأمر ما أريد لهذا الرجل المهم طلاق امرأته و, وفراقها...فطلقها , وفارقها ...فعادت المرأة الى أمها بطفلها وحزنت حزنا أهلكها , فاستلها الموت , وذهب بها ...وبقى الطفل فكفلته جدته وأخذ اسم الجد فصار ( أحمد بن الحسين ) , وعندما كبر الصبي صرحت له بحقيقة أمره وصحيح نسبه ...وحذرت الفتى من عواقب التصريح بنسبه ....حتى كان امر ادعاءه العلوية في الشام فقبض عليه , فاضطر الى الإخلاد والتسليم } .
....كذلك يذكر الباحث إبراهيم العريض ان ( حسين ) أبو المتنبي هذا ليس إلا حسين الجعفي جده لأمه وليس أبوه وكان يعمل سقاء للماء .
....أما الباحث عبد الغني الملاح فيصر في كتابه المذكور أعلاه على ان المتنبي هو ابن الإمام محمد المهدي بن الحسن العسكري ( المهدي المنتظر حسب قول الشيعة الامامية ) ويستند في ذلك على ان الإمام محمد المهدي بن الحسن العسكري ولد عام ( 255 )هجرية في سامراء ...وان المتنبي ولد عام 303 هجرية ولم يكن هناك من هو مهم لدى العلويين غير محمد المهدي بن الحسن العسكري آنذاك ...وهذه الفترة تسمى بالغيبة الصغرى لدى الشيعة وكان عمر الإمام 48 سنة عند ولادة المتنبي ..وكان اتصاله بأتباعه من خلال وكلاءه مما يدل على صعوبة الظرف الذي كان يعيشه الإمام ...حيث قام الخليفة المقتدر بهدم (جامع براثا ) في بغداد لأنه أصبح مقرا للطالبيين وأتباع الإمام ...كما ان الدولة العباسية كانت قد ضعفت وشاعت الفوضى في أرجاءها وقسمت بغداد الى دويلات تحكمها المليشيات والعصابات وسادت النزاعات الطائفية وكثر صناع الحديث ...واستتر العقلاء في بيوتهم واستتروا عن الناس ...وكان الإمام محمد المهدي من ضمن المستترين كونه يقود قضية عادلة تحارب الظلم وتهدد مصالح العباسيين وأصحاب النفوذ خصوصا وان مولد الإمام محمد المهدي كان في نفس العام الذي قتل في الخليفة المعتز بالله آخر خليفة كان يجلس للقضاء , وبوفاته سيطر قواد الجيش من الأتراك على الدولة وتقسمت البلاد كما أسلفنا ...وحدثت ثورة الزنج في البصرة التي قمعها الخليفة الموفق بالله بعنف لتعاطفها مع الطالبيين ....كل هذا جعل تخفي الإمام محمد المهدي بن الحسن العسكري أمرا محتوما ....
كذلك بالنسبة للمتنبي فان أية معلومة كانت تدل على للمتنبي صلة نسب بآل البيت ستكون كافية لإنهاء حياته في لحظات...وتحت هذه الظروف الصعبة كان المتنبي يتجنب التصريح بنسبه إلا مرة واحدة ادعى فيها العلوية في الشام ودفع حينها ثمنا غاليا كما أسلفنا ...
.....ويستند الباحثون والمؤرخون على شرف نسب المتنبي , واحتمال صلته بالنسب العلوي , الى ان جدته التي تكفلت به بعد وفاة جده لأمه ( حسين الجعفي ) ساقي الماء ...أصرت على إدخاله الى مدارس إشراف العلويين وهي مدارس خاصة بعلية القوم من أشراف العلويين ..وقد أكد الأصفهاني المعاصر للمتنبي دخول المتنبي الى مدارس أبناء أشراف العلويين ...والسؤال كيف لابن سقاء الماء من عامة الناس أن يقبل في مدارس مقفلة القبول على أبناء أشراف العلويين ...لو لم تكن للمتنبي صلة نسب بأشراف العلويين لا بل صلة بعليتهم...ممن لا يمكن رد من ينتسب له في مطلبه ...وقد بقى فيها لغاية 317 هجرية ..ولم يكن في وقتها غير الإمام محمد المهدي بن الحسن العسكري مهم في العلويين ...
.... لكل الأسباب المذكورة أعلاه , فان المتنبي حرص حرصا شديدا على إخفاء نسبه ..ولم يرفدنا التاريخ بما يدل على نسب مؤكد للمتنبي بالرغم من ذياع صيته وشهرته الواسعة ومجالسته للملوك والأمراء والقادة ...إضافة الى شهرته كشاعر فذ لا يلحق به فحول الشعراء ...فكيف لم يسأله واحد من هؤلاء عن نسبه وهو سؤال مشاع ليومنا هذا ...ولماذا لم يعيره أعدائه بعدم معرفته لنسبه ...
وعلى ما يبدوا ان كتمان المتنبي لنسبه كان للأمر جلل ...وعلمه ان معرفة الناس بنسبه يؤدي به الى المهالك كما أوصته جدته ..
....وقد لمح المتنبي الى سمو أصله ونسبه في أكثر من مناسبة من خلال قصائده في الأوقات الحرجة منها قوله :
وبهم فخر من نطق الضاد..... وعوذ الجاني وغوث الطريد
ويتفاخر أمام سيف الدولة في مجلسه وأمام أعيان الدولة وقادتها وكبار شخصيات المجتمع قائلا :-
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا .... بأنني خير من تسعى به قدم
وهو تفاخر يضع كل من حوله بوضع حرج ....وإلا لكان ردوه وأنكروا عليه ذلك لو يكن ذا حسب يخرس الألسن
....ان عظمة المتنبي وزهوه وتفاخره بنفسه لا يمكن ان يكون غير عالم بنسبه واسم أبيه الحقيقي ...وان إخفاء نسبه واسم أبيه كان لأمر عظيم جلل..وان ذكر نسبه كان ليورده الهلاك...وهو القائل في شبابه :-
لم أعرف الخير إلا مذ عرفت فتى ....لم يولد الجود إلا عند مولده
ان الخوف من إظهار المتنبي لنسبه تدعمه أحوال البلاد آنذاك كما ذكرنا سابقا ...ولو صحت فرضية الملاح وشاكر والعريض يكون الإمام المهدي قد تزوج سرا في الكوفة عام (301-302 هــ ) في زمن الوكيل الثاني أبو جعفر سعيد بن عثمان الاسدي وأنجبت له زوجته عام ( 303 ) الصبي ( أحمد ) الذي عرف فيما بعد بأبي الطيب المتنبي ....والله أعلم
وأخيرا أقول لكم ...
( فــرض الــمحــال لــيس بـمـحــال )
و ( نـاقـل الـكـفــر لــيس بـكــافــر )
مع خالص حبي وتقديري