تستوقفك بشرته السمراء وابتسامته الطيبة لتقرأ الكلمات المطبوعة إلى جوار عدة صور لنفس الشخص، على لافتة ملصقة على واجهة مكتبة بأحد شوارع وسط القاهرة، وهى "بهنس فنان كرمته فرنسا وأحبطت السودان آماله وصقيع القاهرة أودى بحياته، تزين لوحاته قصر الإليزيه بباريس، وفى المحروسة افترش شوارعها".. لتعرف ولتتذكر - إن كنت لا تعرف أو خانتك ذاكرتك - أن "محمد بهنس" فنان سودانى من خيرة الشباب السودانى المثقف، مات منذ ثلاثة أشهر من البرد، هى عمر هذه اللافتة التى علقها صاحب المكتبة.

"عادل متولى" صاحب المكتبة لم يكن يعرف الكثير عن بهنس حتى وفاته، فعلاقته به كانت مثل علاقته بأى زائر لمكتبته، اقتصرت على سلام وسؤال لم يعقبه أبدا شراء بسبب ظروف الفنان المادية، يروى "عادل" لمحات من معرفته ببهنس: "كان له طقوس جميلة أول ما يوصل للمكتبة يرفع إيده بالسلام وبعدين ينزل يلمس الأرض بإيده كنوع من التحية، وكان ييجى المكتبة يسأل عن كتاب فنى ويقلب فيه ويعجبه بس مكنش بيشترى حاجة، ولو كان طلب منى فى مرة كتاب يقرأه مكنتش هقوله لا".

خبر وفاة "بهنس" كان مفاجأة صادمة لصاحب المكتبة الذى اعتاد رؤية الفنان الهائم بشكل شبه يومى فى أحد شوارع وسط القاهرة يتبادلان سلاما على طريقة "بهنس" لا يفشل فى كل مرة فى انتزاع ابتسامة صاحب المكتبة، ومن يومها علق اللافتة على واجهة مكتبته: "كنت عاوز الناس تفضل فاكرة بهنس واللى شافه مرة فى الشارع قبل كده ميظنش أنه كان متشرد، ويعرف أنه كان فنان عمل معارض فى السودان وإثيوبيا وفرنسا بس كانت ظروفه سيئة وكل اللى بيشوف اللافتة سواء من الإخوة السودانين أو اللى كانوا يعرفوا بهنس بيدخلوا يتكلموا معايا ويحكوا موقف حصل بينهم وقصة جديدة عنه وحتى اللى ميعرفهوش بيدخل يستفسر وبكده سيرته هتفضل موجودة".

بعد الوفاة، بحث صاحب المكتبة على الإنترنت عن بهنس فعرف الكثير عن فنه وحياته: "عرفت أنه سافر فرنسا وعمل معرض وحقق نجاح وكان متزوج هناك وعنده ابن بس مشى من فرنسا بعد طلاقه، ووالده ووالدته توفوا فحصلت له صدمة نفسية ده غير أنه لما جه فى مصر كان بلا عمل وده خلى حالته تسوء أكتر وعرفت كمان أنه شارك فى ثورة 25 يناير برسم الجرافيتى ولقيت أشعار جميلة له، ومن المؤسف أن فنان زيه بدل ما يتم تكريمه يموت عشان مش لاقى مأوى".


صاحب مكتبة يخلد ذكرى "بهنس" ضحية البرد بلافتة لتبقى عالقة بالأذهان gyrergt.jpg



أكثر...