شبكة عراق الخير
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الزهراء (ع) مقامها وعصمتها

Share/Bookmark

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1

    افتراضي الزهراء (ع) مقامها وعصمتها

    الزهراء (ع) مقامها وعصمتها








    بداية وتوطئة:
    سنبدأ حديثنا في هذا الفصل عن تاريخ ميلاد الزهراء(ع)لأن البعض يحاول أن يتحاشى، بل يأبى الالزام أو الالتزام بما ورد عن النبي الكريم(ص)، وعن الأئمة الطاهرين عليهم السلام، من أنها(ع) قد ولدت من ثمر الجنة بعد الإسراء والمعراج، أو يحاول تحاشي الالتزام بأنها عليها السلام قد تزوجت من علي(ع)في سن مبكر، لأنه يشعر بدرجة من الاحراج على مستوى الاقناع، يؤثر أن لا يعرض نفسه له.. وقد لا يكون هذا ولا ذاك، بل ربما أمر آخر، هو الذي يدعوه إلى اتخاذ هذا الموقف والله هو العالم بحقائق الأمور، والمطلع على ما في الصدور.
    ثم نتحدث بعد ذلك، عن أمور لها ارتباط قريب بشأن عصمة الأنبياء، والأوصياء، والأولياء عليهم السلام لا سيما عصمة الصديقة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليها.
    وسيكون حديثنا هذا عن العصمة مدخلا مقبولا وتمهيدا لعرض بعض الحديث عن منازل الكرامة، ودرجات القرب والزلفى لسيدة نساء العالمين عليها الصلاة والسلام، في ظل الرعاية الربانية، والتربية الإلهية، دون أن نهمل الإشارة إلى موضوع ارتباطها بالغيب، الذي تمثل بما حباها الله سبحانه وتعالى به من صفات وخصوصيات
    الصفحة 36
    وكرامات ميزتها عن سائر نساء العالمين. فكانت المرأة التي تحتفل السما ء قبل الأرض بزواجها من علي عليه الصلاة والسلام، وكانت أيضا المرأة الطاهرة المطهرة عن كل رجس ودنس ونقص، حتى لقد نزهها الله عما يعتري النساء عادة من حالات خاصة بهن دون أن يكون لذلك أي تأثير سلبي على شخصيتها فيما يرتبط بشأن الحمل، والولادة.
    ثم إننا: قبل أن نخرج من دائرة كراماتها الجلي، وميزاتها وصفاتها الفضلى، كانت لنا إلمامة سريعة بما حباها الله به من علم متصل بالغيب، أتحفها الله به بواسطة ملك كريم كان يحدثها ويسليها بعد وفاة أبيها، الأمر الذي أنتج كتابا هاما جدا، كان الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام يهتمون، به ويعتزون به، وكانوا يقرأون فيه، وينقلون عنه وهو ما عرف ب‍ مصحف فاطمة عليها السلام، بالإضافة إلى كتب أخرى اختصت بها صلوات الله وسلامه عليها.
    إننا سنقرأ لمحات عن ذلك كله في هذا الفصل، مع توخي سلامة الاختيار ومراعاة الاختصار قدر الإمكان.. وبالله التوفيق، ومنه الهدى والرشاد.
    متى ولدت الزهراء عليها السلام؟
    إن أول ما يطالعنا في حياة الصديقة الطاهرة هو تاريخ ولادتها عليها السلام. حيث يدعي البعض أنها عليها السلام قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات؟!
    الصفحة 37
    ونقول:إن ذلك غير صحيح.
    والصحيح:هو ما عليه شيعة أهل البيت(ع)، تبعا لأئمتهم(ع)(1)ـ وأهل البيت أدرى بما فيه ـ وقد تابعهم عليه جماعة آخرون، وهو: أنها عليها السلام قد ولدت بعد البعثة بخمس سنوات، أي في سنة الهجرة إلى الحبشة، وقد توفيت وعمرها ثمانية عشر عاما. وقد روي ذلك عن أئمتنا(ع) بسند صحيح (2).
    مضافا إلى هذا.
    فمن الممكن الاستدلال على ذلك أو تأييده بما يلي:
    1 ـما ذكره عدد من المؤرخين من أن جميع أولاد خديجة رحمها الله قد ولدوا بعد البعثة (3)، وفاطمة(ع) كانت أصغرهم.
    2 ـالروايات الكثيرة المروية عن عدد من الصحابة، مثل: عائشة وعمر بن الخطاب وسعد بن مالك وابن عباس وغيرهم، التي تدل على أن نطفتها عليها السلام قد انعقدت من ثمر الجنة، الذي

    ____________

    1- راجع ضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 2 مخطوط وجامع الأصول لابن الأثير: ج 12 ص 9 و 10.
    2- البحار: ج 43 ص 101 عن الكافي بسند صحيح، وعن المصباح الكبير، ودلائل الإمامة ومصابح الكفعمي، والروضة، ومناقب ابن شهر آشوب، وكشف الغمة: ج 2 ص 75 وإثبات الوصية وراجع: ذخائر العقبى: ص 52 وراجع أيضا: تاريخ الخميس ج 1 ص 278 عن كتاب تاريخ مواليد أهل البيت للإمام أحمد بن نصر بن عبد الله الدراع، وراجع: مروج الذهب ج 2 ص 289 وغير ذلك.
    3- راجع: البدء والتاريخ: ج 5 ص 16 والمواهب اللدنية: ج 1 ص 196 وتاريخ الخميس: ج 1 ص 272.
    الصفحة 38
    تناوله النبي (ص) حين الإسراء والمعراج(1)، الذي أثبتنا أنه قد حصل في أوائل البعثة (2).
    وإذا كان في الناس من يناقش في أسانيد بعض هذه الروايات

    ____________

    1- تجد هذه الروايات في كتب الشيعة، مثل البحار: ج 43 ص 4 و 5 و 6 عن أمالي الصدوق، وعيون أخبار الرضا، ومعاني الأخبار، وعلل الشرائع، وتفسير القمي، والاحتجاج. وغير ذلك، وراجع: الأنوار النعمانية: ج 1 ص 80. وأي كتاب حديثي أو تاريخي تحدث عن تاريخ الزهراء (عليها السلام). وتجدها في كتب غيرهم، مثل: المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 156 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامش المستدرك) نفس الجزء والصفحة، ونزل الأبرار: ص 88 والدر المنثور: ج 4 ص 153 وتاريخ بغداد: ج 5 ص 87 ومناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي: ص 357 وتاريخ الخميس: ج 1 ص 277 وذخائر العقبى: ص 36 ولسان الميزان: ج 1 ص 134 واللآلئ المصنوعة: ج 1 ص 392 والدرة اليتيمة في بعض فضائل السيدة العظيمة: ص 31. ونقله في إحقاق الحق (قسم الملحقات): ج 10 ص 1 ـ 10 عن بعض من تقدم وعن ميزان الاعتدال، والروض الفائق، ونزهة المجالس، ومجمع الزوائد، وكنز العمال، ومنتخب كنز العمال، ومحاضرة الأوائل، ومقتل الحسين للخوارزمي، ومفتاح النجاة، والمناقب لعبد الله الشافعي، وإعراب ثلاثين سورة، وأخبار الدول. وقد تحدث في كتاب ضياء العالمين: ج 4 ص 4 و 5 مخطوط عن هذا الأمر، وذكر طائفة كبيرة من المصادر الأخرى. وثمة مصادر أخرى ذكرناها حين الحديث حول الإسراء والمعراج في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، فراجع.
    2- راجع كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص): ج 3 مبحث الإسراء والمعراج.
    الصفحة 39
    على طريقته الخاصة، فإن البعض الآخر منها لا مجال للنقاش فيه، حتى بناء على هذه الطريقة أيضا.
    وأما ما يزعم من أن هذه الرواية لا تصح، لأن الزهراء قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات، فهو مصادرة على المطلوب، إذ أن هذه الروايات التي نحن بصدد الحديث عنها ـ وقد رويت بطرق مختلفة ـ أقوى شاهد على عدم صحة ذلك الزعم.
    3 ـ قد روى النسائي: أنه لما خطب أبو بكر وعمر فاطمة(ع) ردهما النبي (ص) متعللا بصغر سنها(1).
    فلو صح قولهم:إنها ولدت قبل البعثة بخمس سنوات، فإن عمرها حينما خطباها بعد الهجرة ـ كما هو مجمع عليه عند المؤرخين ـ يكون حوالي ثمانية عشر أو تسعة عشر سنة، فلا يقال لمن هي في مثل هذا السن: إنها صغيرة.
    4 ـقد روي: أن نساء قريش هجرن خديجة رحمها الله، فلما حملت بفاطمة كانت تحدثها من بطنها وتصبرها (2).
    وقد يستبعد البعض حمل خديجة بفاطمة(ع) بعد البعثة بخمس سنوات، لأن عمر خديجة (رض) حينئذ كان لا يسمح بذلك.
    ولكنه استبعاد في غير محله، إذ قد حققنا في كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسم) أن عمرها كان

    ____________

    1- راجع: خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص 228 بتحقيق المحمودي، والمناقب لابن شهرآشوب: ج 3 ص 393 (ط دار الأضواء) وتذكرة الخواص: ص 306 و 307، وضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 46 مخطوط .
    2- البحار: ج 43 ص 2.
    الصفحة 40
    حينئذ حوالي خمسين سنة، بل أقل من ذلك أيضا، على ما هو الأقوى، وإن اشتهر خلاف ذلك.
    واحتمال أن يكون ذلك ـ أي ولادتها بعد سن اليأس ـ قد جاء على سبيل الكرامة لخديجة والرسول الله (ص) على غرار قوله تعالى: {أألد وأنا عجوز}.
    غير وارد هنا، إذ لو كان الأمر كذلك لكان قد شاع وذاع، مع أننا لا نجد أية إشارة تدل على ذلك.
    5 ـ ويدل على ذلك أيضا الأحاديث الكثيرة التي ذكرت سبب تسميتها بفاطمة، وبغير ذلك من أسماء، حيث تشير وتدل على أن هذه التسمية قد جاءت من السماء بأمر من الله عز وجل.
    وهي روايات كثيرة موجودة في مختلف المصادر، فلتراجع ثمة(1).

    ____________

    1- راجع: ينابيع المودة وكنز العمال: ج 6 ص 219 والمناقب لابن المغازلي: ص 221 و 229 وراجع كتاب ضياء العالمين مخطوط: ج 4 ص 6 / 9 ففيه بسط وتتبع، والبحار: ج 43 ص 13 وفي هامشه عن علل الشرائع: ج 1 ص 178 وراجع: ذخائر العقبى: ص 26 وميزان الاعتدال: ج 2 ص 400 و ج 3 ص 439 ولسان الميزان: ج 3 ص 267 وطوالع الأنوار: ص 112 / 113 ط سنة 1395 ه‍ تبريز ايران، ومعرفة ما يجب لآل البيت النبوي، لأحمد بن علي المقريزي: ص 51 ط دار الإعتصام بيروت سنة 1392، والبتول الطاهرة لأحمد فهمي: ص 11 / 15.
    الصفحة 41
    مريم أفضل أم فاطمة عليهما السلام؟
    قد يجب البعض عن سؤال: أيهما أفضل مريم بنت عمران(ع) أم فاطمة بنت محمد (ص) بقوله:
    هذا علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله، وإنما هو مجرد ترف فكري أحيانا، أو سخافة ورجعية وتخلف أحيانا أخرى. ثم يقول:
    وإذا كان لا خلاف بين مريم وفاطمة حول هذا الأمر، فلماذا نختلف نحن في ذلك؟ فلفاطمة فضلها، ولمريم فضلها، ولا مشكلة في ذلك.
    أما نحن فنقول:
    أولا:لا شك في أن الزهراء عليها السلام هي أفضل نساء العالمين، من الأولين والآخرين، أما مريم فهي سيدة نساء عالمها. وقد روي ذلك عن رسول الله (ص) نفسه، فضلا عما روي عن الأئمة عليهم السلام(1).
    ويدل على أنها أفضل من مريم كونها سيدة نساء أهل الجنة،

    ____________

    1- راجع: ذخائر العقبى: ص 43 وسير أعلام النبلاء: ج 2 ص 126 والجوهرة: ص 17 والاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة): ج 4 ص 376 وتاريخ دمشق (ترجمة الإمام علي بتحقيق المحمودي : ج 1 ص 247 ـ 248 والمجالس السنية: ج 5 ص 63 عن أمالي الصدوق والاستيعاب وشرح الأخبار: ج 3 ص 56 ومقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 79 ونظم درر السمطين: ص 178 و 179 ومعاني الأخبار: ص 107 وعلل الشرائع: ج 1 ص 182، والبحار: ج 43 ص 37 و ج 39 ص 278 و ج 37 ص 68، ومناقب ابن شهر آشوب.
    الصفحة 42
    ومريم من هؤلاء النسوة(1).
    ويدل على أفضليتها أيضا، ما روي عن الصادق(ع): لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على ظهر الأرض من آدم ومن دونه (2).
    وهذا الخبر يدل على أفضلية أمير المؤمنين (عليه السلام)أيضا.
    ثانيا:إن سؤالنا عن الأفضلية لا يعني أننا نختلف في ذلك، بل هو استفهام لطلب المزيد من المعرفة بمقامات أولياء الله تعالى التي ورد الحث على طلب المزيد منها، لأنه يوجب مزيدا من المعرفة بالله تعالى.
    ونحن لو اختلفنا في ذلك فليس هو خلاف الخصومة والعدوان، وإنما هو الخلاف في الرأي، الذي يأخذ بيدنا إلى تقصي الحقيقة وازدياد المعرفة، وتصحيح الخطأ والاشتباه لدى هذا الفريق أو ذلك.
    ثالثا:إن علينا أن ندرك ـ كل بحسب قدرته ـ إن كل ما جاء في كتاب الله تعالى، وكل ما قاله رسول الله (ص) وأوصياؤه عليهم السلام، وأبلغونا إياه، وكل ما ذكر في كتاب الله العزيز، لا بد أن نعرفه بأدق تفاصيله إن استطعنا إلى ذلك سبيلا، وهو علم له أهميته، وهو يضر من جهله، وينفع من علمه. ولا ينحصر ما ينفع علمه بما

    ____________

    1- راجع الرسائل الاعتقادية: ص 459 عن صحيح البخاري: ج 5 ص 36 وعن الطرائف: ص 262 عن الجمع بين الصحاح الستة ومرآة الجنان: ج 1 ص 61 وضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 19 / 20 و 21.
    2- راجع الكافي: ج 1 ص 461 والبحار: ج 43 ص 10 و 107 وضياء العالمين مخطوط: ج 2 ق 3 ص 11 عن عيون المعجزات: وص 48 عن كتاب الفردوس.
    الصفحة 43
    يرتبط بالأمور السياسية فقط، أو المالية، أو الاجتماعية، أو التنظيمية، والممارسة اليومية للعبادات أو ما إلى ذلك.
    وذلك لأن للانسان حركة في صراط التكامل ينجزها باختياره وجده، وبعمله الدائب، وهو ينطلق في حركته هذه من إيمانه، ويرتكز إلى درجة يقينه، وهذا الإيمان وذلك اليقين لهما رافد من المعرفة بأسرار الحياة، ودقائقها، وبملكوت الله سبحانه، وبأسرار الخليقة، ومن المعرفة بالله سبحانه، وبصفاته وأنبيائه وأوليائه الذين اصطفاهم، وما لهم من مقامات وكرامات، وما نالوه من درجات القرب والرضا، وما أعده الله لهم من منازل الكرامة، كمعرفتنا بأن الله سبحانه هو الذي سمى فاطمة(1)، وهو الذي زوجها في السماء قبل الأرض (2)، وبأنها كانت تحدث أمها وهي في بطنها (3)، وغير ذلك.
    وهذه المعرفة تزيد في صفاء الروح ورسوخ الإيمان، ومعرفة النفس الموصلة إلى معرفة الرب سبحانه.
    ومن الواضح: أن مقامات الأنبياء والأوصياء والأولياء، ودرجات فضلهم قد سمت وتفاوتت بدرجات تفاوت معرفتهم بذلك كله.

    ____________

    1- البحار: ج 43 ص 13 ح 7 عن علل الشرائع: ج 1 ص 178 ح 2.
    2- ذخائر العقبى: ص 31 وراجع كشف الغمة: ج 2 ص 98 وكنوز الحقائق للمناوي بهامش الجامع الصغير: ج 2 ص 75 والبحار: ج 43 ص 141 و 145.
    3- فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد للقزويني: ص 39 والبحار: ج 43 ص 2 ونزهة المجالس: ج 2 ص 227 وضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 27. 38 مخطوط.
    الصفحة 44
    غير أن بعض المعارف قد تحتاج إلى مقدمات تسهل علينا استيعابها، وتؤهلنا للاستفادة منها بالنحو المناسب، فتمس الحاجة إلى التدرج في طي مراحل في هذا السبيل، تماما كطالب الصف الأول، فإنه لا يستطيع عادة أن يستوعب ـ بالمستوى المطلوب ـ المادة التي تلقى على طلاب الصف الذي هو في مرحلة أعلى كالطالب الجامعي مثلا، بل لا بد له من طي مراحل تعده لفهم واستيعاب ذلك كله تمهيدا للانتفاع به.
    وكلما قرب الإنسان من الله، زادت حاجته إلى معارف جديدة تتناسب مع موقعه القربى الجديد، واحتاج إلى المزيد من الصفاء، والطهر، وإلى صياغة مشاعره وأحاسيسه وانفعالاته، بل كل واقعه وفقا لهذه المستجدات.
    وهذا شأن له أصالته وواقعيته ولا يتناسب مع مقولة: هذا علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله.
    وإذا كان الإمام الصادق عليه السلام لم يترفع عن الخوض في أمر كهذا، حين سئل عن هذا الموضوع فأجاب. فهل يصح منا نحن أن نترفع عن أمر تصدى للإجابة عنه الإمام(ع) دونما اضطرار، وهو الأسوة والقدوة؟!.
    إذن..نحن بحاجة لمعرفة ما لفاطمة(ع) من مقام علي وكرامة عند الله، ومعرفة ما لها من فضل على باقي الخلائق، وبحاجة إلى معرفة أنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وأنها أفضل من مريم(ع)، ومن كل من سواها، حتى لو كانت مريم(ع) سيدة نساء عالمها.
    الصفحة 45
    إننا بحاجة إلى ذلك، لأنه يعمق ارتباطنا بفاطمة عليها السلام، ويدخل فاطمة إلى قلوبنا، ويمزجها بالروح وبالمشاعر وبالأحاسيس، ليزداد تفاعلنا مع ما تقول وما تفعل، ونحس بما تحس، ونشعر بما تشعر، ونحب من وما تحب، ونبغض من وما تبغض، ويؤلمنا ما يؤلمها ويفرحنا ما يفرحها، فيزيدنا ذلك خلوصا وطهرا وصفاء ونقاء، ومن ثم هو يزيد في معرفتنا بحقيقة ظالميها والمعتدين عليها، ويعرفنا حجم ما ارتكب في حقها، ومدى سوء ذلك وقبحه.
    قيمة الزهراء عليها السلام:
    قد يتساءل بعض الناس، ويقول:
    إن إشراك الزهراء(ع) في قضية المباهلة لا دلالة له على عظيم ما لها(ع) من قيمة وفضل، فإنه (ص) إنما جاء بأهل بيته(ع)، لأنهم أعز الخلق عليه، وأحبهم إليه، ليثبت أنه على استعداد للتضحية حتى بهؤلاء من أجل هذا الدين، ولا دلالة في هذا على شئ آخر.
    ونقول في الجواب: لقد أشرك الله سبحانه الزهراء في قضية لها مساس ببقاء هذا الدين، وحقانيته، وهي تلامس جوهر الإيمان فيه إلى قيام الساعة، وذلك لأن ما يراد إثباته بالمباهلة هو بشرية عيسى عليه السلام، ونفي ألوهيته.
    وقد خلد القرآن الكريم لها هذه المشاركة لكي يظهر أنها عليها السلام قد بلغت في كمالها وسؤددها وفضلها مبلغا عظيما، وبحيث جعلها الله سبحانه وتعالى بالإضافة إلى النبي والوصي والسبطين، وثيقة على صدق النبي (ص) فيما يقول، حيث إن الله سبحانه هو
    الصفحة 46
    الذي أمر نبيه (ص) بالمباهلة بهؤلاء، ولم يكن ذلك في أساسه من تلقاء نفسه (ص).
    إذن، لم يكن ذلك لأنهم عائلته، وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، بل لأن فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، والنبي (ص) وعلي والحسنان عليهم السلام، كانوا ـ وهم كذلك ـ أعز ما في هذا الوجود، وأكرم المخلوقات على الله سبحانه، بحيث ظهر أنه تعالى يريد أن يفهم الناس جميعا أن التفريط بهؤلاء الصفوة الزاكية هو تفريط بكل شئ، ولا قيمة لأي شئ في هذا الوجود بدونهم، وهو ما أشير إليه في الحديث الشريف(1).
    ثم إن إخراج أكثر من رجل وحصر عنصر المرأة بالزهراء عليها السلام في هذه القضية إنما يشير إلى أن أيا من النساء لم تكن لتداني الزهراء في المقام والسؤدد والكرامة عند الله سبحانه وتعالى فلا مجال لادعاء أي صفة يمكن أن تجعل لغيرها عليها السلام امتيازا وفضلا على سائر النساء.
    فما يدعي لبعض نسائه (ص) ـ كعائشة ـ من مقام وفضل على نساء الأمة، لا يمكن أن يصح خصوصا مع ملاحظة ما صدر عنها بعد وفاة رسول الله (ص)من الخروج على الإمام أمير المؤمنين(ع)، والتصدي لحرب وصي رسول رب العالمين، مما تسبب بإزهاق عدد كبير جدا من الأرواح البريئة من أهل الإيمان والإسلام، فأطلع الشيطان قرنه من حيث أشار النبي (ص) وصدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم.

    ____________

    1- راجع الكافي: ج 1 ص 179 و 198 والغيبة للنعماني: ص 139 و 138 وبصائر الدرجات: ص 488 و 489 وراجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص): ج 8 ص 359 عنهم.
    الصفحة 47
    إذن، فلا يصح اعتبار ما صدر عنها من معصية الله مسوغا لممارسة المرأة للعمل السياسي ـ كما ربما يدعي البعض ـ ولا يكون قرينة على رضى الإسلام بهذا الأمر، أو عدم رضاه.
    أما ما صدر عن الزهراء(ع) فهو المعيار وهو الميزان لأنه كان في طاعة الله وهي المرأة المطهرة المعصومة التي يستدل بقولها وبفعلها على الحكم الشرعي، سياسيا كان أو غيره.
    سيدة نساء العالمين:
    من الواضح: أن التنظير، وإعطاء الضابطة الفكرية، أو إصدار الأحكام لا يعطي الحكم أو الفكرة أو الضابطة من الثبات والقوة و التجذر في النفوس ما يعطيه تجسيدها، وصيرورتها واقعا حيا ومتحركا، لأن الدليل العقلي أو الفطري مثلا قد يقنع الإنسان ويهيمن عليه، ولكن تجسد الفكرة يمنح الإنسان رضا بها، وثقة وسكونا إليها، على قاعدة: {قال: أو لم تؤمن قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي}(1)
    فالقناعة الفكرية والعقلية والعملية، التي تستند إلى البرهان والحجة القاطعة متوفرة وليس فيها أي خلل أو نقص، ولكن سكون النفس قد يحتاج إلى تجسيد الفكرة في الواقع الخارجي ليتلائم السكون النفسي ويتناغم مع تلك القناعة الفكرية والعقلية الراسخة، ليكونا معا الرافد الثر للمشاعر والأحاسيس.
    وقد كانت الزهراء عليها السلام أول امرأة تجسدت فيها الأسوة

    ____________

    1- سورة البقرة: 260.
    الصفحة 48
    والنموذج والمثل الأعلى لكل نساء العالمين، بعد مسيرة طويلة للإنسانية، كمل فيها عدد من النساء حتى كانت فاطمة ذروة هذا الكمال. وكما تجسد الإنسان الكامل بآدم عليه السلام أولا ليكون واقعا حيا، يعيش إنسانيته بصورة متوازنة، لا عشوائية فيها، يعيشها بكل خصائصها وميزاتها، وبكل خلوصها وصفائها وطهرها، وبكل طاقاتها: فكرا، وعقلا، وأدبا، وحكمة، وتدبيرا، حتى كان أسوة وقدوة للبشر كلهم من حيث هو آدم النبي والانسان، لا آدم التراب من حيث هو تراب، بل التراب الذي أصبح إنسانا كاملا بما لهذه الكلمة من معنى.
    واستمرت المسيرة نحو الكمال في الإنسانية، فكمل رجال أنبياء(ع) كثيرون، وكملت أيضا نساء، مثل آسية بنت مزاحم، ومريم، وخديجة(ع)، ثم بلغ الكمال أعلى الذرى في رسول الله صلى الله عليه وآله، الرجل، وفي الزهراء المرأة، ولم تستطع أهواء النفس وشهواتها، وكذلك الطموحات والغرائز وغير ذلك من مغريات وتحديات، بالإضافة إلى الضغوطات البيئية والاجتماعية وغيرها، ثم بغي وجبروت الطواغيت، لم يستطع ذلك كله أن يمنع الإنسان من أن يجسد إنسانيته، ويعيش حياة الإيمان، وحياة الكمال والسلام الشامل.
    وكانت أسوة بني البشر وقدوتهم هذه النماذج الماثلة أمامهم التي استطاعت أن تقنع الإنسان بأن عليه أن يتحدى، وأن يواجه، وأن يقتحم، وأن باستطاعته أن ينتصر أيضا، ومثله الأعلى هم الأنبياء والأولياء بدءا من آدم، وانتهاء برسول الله (ص) وأهل بيته الطاهرين، فهو لا يتلقى الفكرة فقط، بل هو يرى الحركة والموقف في الرسول والوصي، والولي.
    الصفحة 49
    ولأجل ذلك فهو لم يقتصر على الأمر والزجر كما في قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}(1)، بل تعداه ليقول: {{ولكم في رسول الله أسوة حسنة}(2)، فهو يريه الحركة والموقف والصفاء والطهر متجسدا أمامه في النبي والوصي، وفي نسوة واجهتهن أعظم المحن والبلايا كامرأة فرعون، وفي الزهراء فاطمة(ع)، وحيث واجهتها أجواء الانحراف والشدة والظلم، وفي مريم بنت عمران التي واجهت ضغوط البيئة في أشد الأمور حساسية بالنسبة لجنس المرأة بصورة عامة.
    النشاط الاجتماعي للزهراء عليها السلام:
    قد يورد البعض ملاحظة ذات مغزى! تقول: إننا لا نجد في التاريخ ما يشير إلى نشاط اجتماعي للسيدة فاطمة الزهراء في داخل المجتمع الإسلامي إلا في رواية أو روايتين.
    وتعليقا على هذا نقول:
    كل زمان له متطلباته وتقنياته، وأطر نشاطه. وإنما يطالب كل من الرجل والمرأة ويحاسب وفقا لذلك، ويتم تقويم نشاطاته أيضا على هذا الأساس، من حيث حجم تأثيرها في الواقع الإسلامي كله.
    وبالنسبة لعصر النبوة، فإن تعليم الزهراء القرآن للنساء، وتثقيفهن بالحكم الشرعي، وبالمعارف الإلهية الضرورية. ثم مشاركتها الفاعلة والمؤثرة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في المواقع المختلفة،

    ____________

    1- سورة الحشر: الآية 7.
    2- سورة الأحزاب: الآية 21.
    الصفحة 50
    حتى في المباهلة مع النصارى. ثم دورها الرائد في الدفاع عن القضايا المصيرية، ومنها قضية الإمامة. ثم خطبتها الرائعة في المسجد، التي تعتبر مدرسة ومعينا يرفد الأجيال بالمعرفة...
    هذا، عدا عن إسهامها المناسب لشخصيتها ولقدراتها، ولظروفها في حروب الإسلام المصيرية. وعدا عن طبيعة تعاملها مع الفئات المحتاجة إلى الرعاية كاليتيم، والأسير، والمسكين، وهو ما خلده الله سبحانه قرآنا يتلى إلى يوم القيامة.
    وأعظم من ذلك كله.. موقفها القوي والمؤثر، الذي وظفت فيه حتى فصول موتها ودفنها لصالح حفظ ثمرات الجهاد، في سبيل قضية الإسلام الكبرى، تماما فعلته ابنتها زينب(ع) في نطاق حفظها القوي والمؤثر لثمرات الجهاد والتضحيات الجسام للإمام الحسين عليه السلام وصحبه في كربلاء..
    نعم، إن ذلك كله، ونظائره، يدل على أن الزهراء (عليها السلام)، قد شاركت في العمل الإنساني، والسياسي، والثقافي، والإيماني بما يتناسب مع واقع، وحاجات، وظروف عصرها. وفي نطاق أطر نشاطاته، وفقا للقيم السائدة فيه..
    وقد حققت إنجازات أساسية على صعيد التأثير في حفظ الدعوة، وفي نشرها، وتأصيل مفاهيمها، وسد الثغرات في مختلف المجالات التي تسمح لها ظروف ذلك العصر بالتحرك فيها.
    وهنا الذي حققته قد لا يوازيه أي إنجاز لأية امرأة عبر التاريخ، مهما تعاظم نشاطها، وتشعبت مجالاته، وتنوعت مفرداته، لأنه استهدف تأصيل الجذور. فكان الأبعد أثرا في حفظ شجرة الإسلام، وفي منحها المزيد من الصلابة والتجذر، والقوة. وفي جعلها أكثر غنى
    الصفحة 51
    بالثمر الجني، والرضي، والهني..
    فيتضح مما تقدم:أن الاختلاف في مجالات النشاط وحالاته، وكيفياته بين عصر الزهراء عليها السلام وهذا العصر، لا يجعل الزهراء في دائرة التخلف والنقص والقصور. ولا يجعل إنجاز المرأة في هذا العصر أعظم أثرا، وأشد خطرا. حتى ولو اختلفت متطلبات الحياة، واتسعت وتنوعت آفاق النشاط والحركة فيها.. لأن من الطبيعي أن يكون عصر التأصيل لقواعد الدين. والتأسيس الصحيح لحقائق الإيمان، وقضايا الإنسان المصيرية هو الأهم، والأخطر، والانجاز فيه لا بد أن يكون أعظم وأكبر..
    وهكذا يتضح: أنه لا معنى للحكم على الزهراء عليها السلام بقلة النشاط الاجتماعي في عصرها قياسا على مجالات النشاط للمرأة في هذا العصر..
    وبعد ما تقدم فإننا نذكر القارئ الكريم بالأمور التالية:
    أولا:ليته ذكر لنا الرواية أو الروايتين لنعرف مقصوده من النشاط الاجتماعي. فإن كان المقصود به هو أنها قد تخلفت عن وظيفتها ولم تقم بواجبها كمعصومة وبنت نبي، وزوجة ولي.
    فقد كان على خصومها أن يعيبوها بذلك وكان على أبيها وزوجها أن يسددوها في هذا الأمر وإن كان المقصود بالنشاط في داخل المجتمع الإسلامي هو إنشاء المدارس، والمؤسسات الخيرية، أو تشكيل جمعيات ثقافية، أو خيرية، أو إقامة ندوات، واحتفالات، أو إلقاء محاضرات، وتأليف كتب تهدى أو تباع، فإن من الممكن أن لا تكون الزهراء (عليها السلام) قد قامت بالكثير من هذا النشاط كما يقوم به بعض النساء اليوم، ولا يختص ذلك بالزهراء عليها السلام، بل
    الصفحة 52
    هو ينسحب على كل نساء ذلك العصر، والعصور التي تلته. فإن طبيعة حياة المجتمع وإمكاناته وكذلك طبيعة حياة المرأة آنذاك كانت تحد من النشاط الذي يمكنها أن تشارك فيه إلا في مجالات خاصة تختلف عن المجالات في هذه الأيام، بقطع النظر عن المبررات الشرعية التي ربما يتحدث عنها البعض بطريقة أو بأخرى.
    أما إذا كان المقصود هو أن التاريخ لم يذكر: أنها كانت تجهر بالحق، لمن أراد معرفة الحق، ولا تقوم بواجباتها في تعليم النساء وتوجيههن وفي صيانة الدين، وحياطته، على مستوى قضايا الإسلام الكبرى، وغيرها خصوصا ما أثير عنها من معارف نشرتها، حتى ولو في ضمن أعمالها العبادية وغيرها. فإن ما أنجزته في هذا المجال كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار.
    وإن خطبتها في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومع نساء الأنصار تعتبر بحد ذاتها مدرسة للأجيال، ومنبعا ثرا للمعرفة على مدى التاريخ لو أحسن فهمها، وصحت الاستفادة منها.
    هذا مع وجود أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وابن عمها أمير المؤمنين عليه السلام، اللذين هما محور الحركة الاجتماعية، والإنسانية والاسلامية وكان نشاطها(ع) جزءا من مجموع النشاط العام الذي كان آنئذ.
    على أن قوله إلا في رواية أو روايتين يبقى غير واضح وغير دقيق. فهناك العديد من الروايات التي ذكرت مشاركتها في أنشطة مختلفة، إجتماعية وسياسية وثقافية وتربوية، وقد ذكرنا بعضا من ذلك فيما سبق، بل إن بعض الروايات تذكر: أنها كانت تشارك حتى في مناسبات غير المسلمين. وذلك حينما دعاها بعض اليهود إلى
    الصفحة 53
    حضور عرس لهم.
    وثمة رواية تحدثت عن ذلك الأعرابي الذي أعطته عقدها، وفراشا كان ينام عليه الحسن والحسين(ع)، فاشتراهما عمار بن ياسر.. في قصة معروفة.
    بل إن الله سبحانه قد تحدث أنها وأهل بيتها(ع) من طبيعتهم إطعام الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا.
    وحين خطبت خطبتها في المسجد جاءت في لمة من النساء كانوا يؤيدونها في ما تطالب به، بل ويتحدث البعض عن وجود تكتل نسائي لها(ع) في مقابل تكتلات مناوئة.
    هذا كله عدا عن أن اهتمامها (بالجار قبل الدار) يعطينا صورة عن طبيعة اهتماماتها، وأنها لو وجدت أية فرصة لأي نشاط اجتماعي أو نشاط إنساني أو ثقافي فستبادر إليه بكل وعي ومسؤولية وحرص.
    وثانيا: إن تأكيدات النبي (صلى الله عليه وآله) للمسلمين بصورة مستمرة قولا وعملا، على ما لها من مقام ودور، وموقع في الإسلام والإيمان، والمعرفة، قد جعل لها درجة من المرجعية للناس، وأصبح بيتها موئلا للداخلات والخارجات(1)وكان .. يغشاها نساء المدينة، وجيران بيتها (2).وصار الناس يقصدونها لتطرفهم بما عندها من العلم والمعرفة (3).

    ____________

    1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي: ج 9 ص 198.
    2- المصدر السابق: ج 9 ص 193.
    3- ستأتي حين الحديث عن مصحف فاطمة قصة مجئ أحدهم يطلب منها شيئا تطرفه به، فطلبت صحيفة كان رسول الله (ص) قد أعطاها إياها، فلم تجدها في بادئ الأمر. فانتظر.
    الصفحة 54
    وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه يوجه حتى بأصحاب الحاجات المادية إلى بيت فاطمة (عليها السلام)، كما في قضية الإعرابي الذي أعطته عقدها، وفراشا للحسنين كما أسلفنا.
    وكان الناس يترددون عليها لطلب المعرفة أيضا، وكل ذلك من شأنه أن يملأ حياتها عليها السلام بالحركة والنشاط، الذي يضاف إلى نشاطاتها البيتية، حيث كانت تطحن حتى مجلت يداها..
    ثالثا: إنه لا يمكن تقييم إنسان ما على أساس إنجازاته ونشاطاته الاجتماعية، أو ذكائه السياسي، فهناك أذكياء سياسيون كثيرون، ولكنهم لا يتمتعون بالقيمة الحقيقة للإنسان، لأن النشاط الاجتماعي والذكاء لا يعطي الموقف السياسي أو غيره قيمة، وإنما تتقوم السياسة بمنطلقاتها ومبادئها، وهي إنما تؤخذ من المعصوم: كالنبي والوصي، ومن الزهراء أيضا. فهي عليها السلام تحدد لنا ما به تكون القيمة للسياسة، أو لأي عمل آخر، اجتماعيا كان أو غيره، ولا تكتسب الزهراء قيمتها من سياساتها، أو من نشاطاتها الاجتماعية، وإلا لكان بعض المجرمين أو المنحرفين أعظم قيمة حتى من الأنبياء، والأولياء، والأصفياء، إذا قام بنشاط اجتماعي أو سياسي كبير، بسبب توفر المال، أو الجاه، أو السلطة له، مع عدم توفر ذلك للنبي أو الولي عليهم السلام.
    والحقيقة: أن قيمة الإنسان إنما تنبع من داخل ذاته، ومن قيمه التي يجسدها، ومن مثله وإنسانيته، ومن علمه النافع المنتج للتقوى والخشية من الله سبحانه، وما سوى ذلك فهو في سياق الأسباب والنتائج، وقد يكون في الطرف الآخر من المعادلة.
    رابعا:إننا لا بد أن نتحقق أولا من حقيقة موقع الزهراء عليها
    الصفحة 55
    السلام فيما يرتبط بإيمان الإنسان المسلم، ونتحقق أيضا من حقيقة المهام التي يفترض فيها أن تضطلع بها في تأييد هذا الدين وتشييده، فنقول:
    إن ولاء الإنسان المسلم للنبي والأئمة والزهراء(ع) له دور أساسي ومفصلي في بلورة إيمانه، وتحقيق هويته وشخصيته الرسالية والإنسانية، فوجود الزهراء ـ المرأة ـ التي ليست هي بإمام ولا نبي، بصفتها المرأة الكاملة في إنسانيتها هو الذي نحتاجه كضرورة حياتية، واعتقادية، وسلوكية، وحتى منهجية في حياتنا، أما نشاطها الاجتماعي أو السياسي، فليس له هذه الدرجة من الأهمية أو الحساسية مع وجود أبيها وزوجها.
    إننا نحتاج إلى هذا الوجود لنرتبط به، وتحنو عليه قلوبنا، وهو يجسد لنا القيم والمثل، والكمال الإنساني الذي نحتاج إليه هو الآخر، لتحتضنه قلوبنا من خلال احتضانها للزهراء(ع)، وليسهم ـ من ثم ـ في بناء عقيدتنا، وتركيز المفاهيم الإسلامية والقيم والمثل في قلوبنا وعقولنا، لتنتج ولتصوغ عواطفنا وأحاسيسنا وكل وجودنا، هذا هو دور فاطمة عليها السلام، وليس دورها ودورهم هو بناء المؤسسات، أو إنشاء الجمعيات الخيرية أو الإنسانية، أو ما إلى ذلك!!.
    خامسا:إنه لا شك في أن للزهراء عليها السلام الدور الكبير والحساس في بقاء هذا الدين ونقائه، ولولاها لطمست معالمه وعفيت آثاره، فالزهراء هي نافذة النور، وهي برهان الحق، وهي ـ كما هو زوجها. علي أمير المؤمنين(ع) ـ مرآة الإسلام التي تعكس تعاليمه، وأحكامه، ومفاهيمه، ونظرته للكون وللحياة. فهي مع الحق يدور معها كيفما دارت وتدور معه كيفما دار.
    الصفحة 56
    إنها المعيار والميزان الذي يوزن به إيمان الناس، ودرجة استقامتهم على طريق الهدى والخير والخلوص والاخلاص. ونعرف به رضا الله ورسوله، وغضب الله ورسوله (ص). وهذا ما يشير إليه قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: هي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله، أو يرضيني ما أرضاها ويسخطني ما أسخطها، أو نحو ذلك.
    والملاحظ: أنه (ص) قد جعل المرتكز لمقولة يرضيني ما يرضيها أو من آذاها فقد آذاني هو كونها بضعة منه (ص)(1).

    ____________

    1- هذا الحديث لا ريب في تواتره وصحته. وصرح بتواتر نقله بين الفريقين الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه المعروف كشف الغطاء: ص 12 فراجعه. وبما أن هذا الحديث قد ذكر في مختلف المصادر التي تحدثت عن الزهراء، فإن استقصاء مصادره متعسر لنا الآن بل متعذر، ولا نرى حاجة إلى ذلك، ولذا فسوف نكتفي هنا بذكر ما تيسر منها. ومن أراد المزيد، فعليه بمراجعة الكتب التي تتحدث عن سيرة الزهراء(ع) أو عن كراماتها ومزاياها، فسيجد هذا الحديث أمامه أينما توجه. أما المصادر التي نريد الإشارة إليها فهي التالية: فرائد السمطين: ج 2 ص 46، ومجمع الزوائد: ج 9 ص 203، ومقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 52 و 53، وكفاية الطالب: ص 364 و 365، وذخائر العقبى: ص 37 و 38 و 39، وأسد الغابة: ج 5 ص 522، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وينابيع المودة: ص 173 و 174، و 179 و 198، ونظم درر السمطين: ص 176، و 177 ومستدرك الحاكم: ج 3 ص 154 و 158 و 159، وتلخيصه للذهبي مطبوع بهامشه، وكنز العمال: ج 13 ص 93 و 96 و ج 6، ص 219، و ج 7 ص 111، والغدير: ج 7 ص 231 ـ 236، وسير أعلام النبلاء: ج 2 ص 132 والصواعق المحرقة: ص 186 و 188 وشرح المواهب للزرقاني: ج 4 ص 335 وغير ذلك كثير.

    الصفحة 57
    ومن الواضح:أن كونها جزءا من كيانه الجسدي والمادي من حيث بنوتها النسبية له، ليس هو السبب في كون ما يرضيها يرضيه، وذلك لأمرين:
    الأول:إنه (ص) لا ينطلق في مواقفه من موقع العصبية للقرابة أو للعرق أو ما إلى ذلك، بل هو (ص) إنما يريد أن يكون كل ما لديه من خصوصيات، أو امتيازات، أو قدرات مادية أو معنوية في خدمة هذا الدين، ومن أجله، وفي سبيله.
    الثاني:إن البنوة النسبية أو بالتبني لا تكفي بحسب طبيعتها لاكتساب امتياز بهذا المستوى من الخطورة، وإن كانت لها أهميتها من حيث أنها تشير إلى صفاء العنصر، وطهارة العرق، لأنها(ع) كانت نورا في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة، ولكن من الواضح إن الحفاظ على هذا الطهر بحاجة إلى جهد، وحين لم يبذل ابن نوح(ع) ـ الذي تحدثت بعض الروايات عن أنه ابن له(ع) بالتبني لا بالولادة(1)ـ هذا الجهد هلك وضل، حتى قال الله عنه لأبيه نوح: {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح}، ولذلك لم يكن رضا ابن نوح رضا الله ورسوله، ولا غضبه غضب الله ورسوله.

    فالمراد بكونها (بضعة منه) لا بد أن يكون معنى يصلح أن يكون مرتكزا لكون رضاها رضاه (ص)، وأذاها أذاه، خصوصا مع علمنا بأنه (ص) قد قال ذلك حينما أجابت عن سؤال: ما خير للمرأة؟
    يتبع ان شاء الله

    التعديل الأخير تم بواسطة الجشعمي بني لخم ; 04-02-2013 الساعة 11:33 AM سبب آخر: jتصحيح وترتيب

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. بستان الزهراء
    بواسطة ماجد الجبوري في المنتدى منتدى الوثائق والصور والمشجرات
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-10-2014, 09:26 PM
  2. الشيخ عبد الزهراء الكعبي
    بواسطة الفراتي في المنتدى منتدى الشخصيات الاسلامية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-30-2014, 02:10 PM
  3. نتنياهو يبلغ ليفنى أن لقاءها بعباس "لا يمثل" دولة إسرائيل
    بواسطة لقى الورد في المنتدى منتدى المواضيع العامة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-18-2014, 03:41 AM
  4. قوات الحرس الوطنى الفنزويلية تهاجم حواجز أقامها المتظاهرون
    بواسطة rss_net في المنتدى منتدى المواضيع العامة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-10-2014, 12:21 PM
  5. بعض من خصائص الزهراء(ع)
    بواسطة ابومحمد العلوي في المنتدى منتدى الشخصيات الاسلامية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 07-10-2013, 05:35 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكل من الاشكال عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى