كان لدى آمال عريضة وأنا فى طريقى لدار العرض لمشاهدة فيلم «حلاوة روح»، رغم أن التريلر الخاص به هو نسخة مكررة من تريلر الفيلم الإيطالى مالينا الذى تم عرضه عام 1991 وقامت ببطولته النجمة الإيطالية الأشهر والأجمل مونيكا بيلوتشى عن قصة الكاتبة النمساوية إنجيبورج باخمان، ولكنى قلت فى عقل بالى مش مشكلة، فكم من أفكار لتريلر أو أفيش تكون مسروقة، ولكن الفيصل هو العمل ذاته، خاصة أن مخرج الفيلم هو سامح عبدالعزيز الذى قدم عددا من أفضل أفلام السبكى السينمائية، وهى «الفرح، وكباريه» كما قدم مسلسلاً شديد التميز فى عالم الدراما وهو «الحارة»، إذاً فيه أمل.... باختصار دخلت أشاهد الفيلم دون أفكار أو عداء أعوذ بالله مسبق.

يبدأ الفيلم بمشاهد لهيفاء وهبى بطلة الفيلم وهى تستعرض أنوثتها بكل السبل وكأنها تعرض بضاعتها للمشاهد، وعلى فكرة هذا أمر لا أتوقف أمامه وأقول ياللهول والكلام الكبير عن الأخلاق، ببساطة لأنى أنتظر ما سيأتى بعده لعله يكون ذو مغزى درامى، وتتوالى الأحداث التى تدور حول روح جميلة جميلات الحارة التى سافر زوجها وتركها مع أمه ويطمع فيها كل الرجال، وقبل أن أستطرد فى حكاية الفيلم أتوقف أمام هذه السرقة الفنية والفكرية المتبجحة التى سمحت لصناع الفيلم أن يكتبوا أن «حلاوة روح» من تأليف وسيناريو على الجندى، لأن الفيلم كما التريلر مسروق من قصة مالينا الإيطالية، دون إشارة من قريب أو من بعيد لأصل القصة، وهذا هو المأزق الأول للفيلم، فكم من أفكار فى أفلامنا تكون مقتبسة من أعمال أجنبية وتكون أحياناً أفضل أو أسوأ، ونحترم صناعها إذا أعلنوا الاقتباس، ولكن أن نخفى الاقتباس ثم يتم تقديم العمل وإفساده، فهذا هو المأزق الثانى للفيلم، فمالينا الإيطالية يحكى فى زمن الحرب العالمية الثانية عن إمرأة ذهب زوجها للحرب وتركها وحيدة، وتغار منها نساء القرية فيتهمنها بأنها «ماشية على حل شعرها» بينما روح المصرية «فى حارة كل نسائها ماشيين على حل شعرهم ورجالها لا مؤاخذة عادى يساعدوهم وبعبارة أخرى يسرحوهم»، فلا أدرى لماذا فقط تتمسك روح بالشرف دون كل النساء، ولماذا تعيرها النساء بفساد الخلق وهن جميعا من نفس الفئة، والغريب والمثير أنها أكثرهن عرياً ومحاولة لإغواء الرجال، ولكن صناع الفيلم أرادوا ذلك ولا رد لقضائهم فى فيلمهم، وذلك لأن هيفاء وهبى الجميلة هى بطلة فيلمهم، وتلك هى الأزمة الثالثة فى الفيلم، ففى فيلم مالينا الإيطالية كانت مونيكا بيلوتشى جميلة جميلات الشاشة العالمية هى البطلة، ولكن هم كاتب السيناريو والمخرج، صناعة فيلم جيد قصته تحكى أن بطلته جميلة، مما يثير غيرة نساء القرية، أما فى فيلم «حلاوة روح» فالأصل أن بطلته هيفاء وهبى، فلابد من استغلال جمالها ودلالها أولاً، ولا يهم تفاصيل صناعة الفيلم بينما كان أمامهما فرصة لأن يعمل الاثنان على صناعة فيلم يحترم عقل المشاهد وإبراز مفاتن هيفاء فى محلها، ولكن هيفاء وجمالها ودلالها ومفاتنها يبدو أنهم جميعا ذهبوا بعقل صناع الفيلم ونسوا أنهم بصدد صناعة فيلم، وليس فيديو كليب طويل حبتين لهيفاء.

فى تجربتها التمثيلية الوحيدة فى فيلم «دكان شحاتة» استطاع خالد يوسف أن يستخدم حلاوة هيفاء، ولكن دون أن ينسى أنه بصدد صناعة فيلم وليس «كليب»، مما فرض على هيفاء أن تحاول إتقان دورها وإن أخفقت أحياناً، ولكن حين ينسى المخرج فى «حلاوة روح» الهدف من فيلمه، فلا يكون أمام بطلته الرئيسية إلا أن تنسى هى الأخرى مهمتها كممثلة، وتركز فى جمالها وقدرتها على الإغراء.

باسم السمرة ومحمد لطفى كعادتهما ممثلان مجتهدان يمنحا أدوارهما قيمة، ولكن ما قيمة محاولة أداء دور جيد فى عمل غير جيد، الطفل كريم الأبنودى وأوشا من العلامات القليلة الإيجابية فى الفيلم، ولكنه مرة ثانية جهد مهدر فى محيط سيئ.

لم يستطع سامح عبدالعزيز أن يُبقى من روحه ولمساته كمخرج إلا ظل الحارة التى يبدو أنها مكانه المفضل، وإن افتقدت حارته فى «حلاوة روح» أى حلاوة أو حتى روح.

فيلم آه من حواء ونهر الحب ومئات أخرى من الأفلام المصرية الشهيرة الجميلة، كانت مقتبسة من أصل أجنبى فى زمن كان يَصعُب فيه اكتشاف السرقات، ورغم هذا كان كبار الكتاب لا يخجلون من أن يضعوا إلى جوار أسمائهم عبارة مقتبس عن كذا، ولكن فى زمن الإنترنت كبسة زر تفضح السرقة، ورغم هذا فيا ليت السارق استطاع أن يتجاوز المسروق، ولكنه هوى بالعمل من أجل حلاوة هيفاء وليس حلاوة روح.



أكثر...