بداية وقبل أى كلام لست من هؤلاء الذين يجتاحهم الخوف أو الدهشة من عمل فنى ما يتميز بالجرأة فى عيون عموم الناس أيا كانت جرأته، ذلك أن معيارى فى تقييم الأعمال الفنية هو كيف تم تقديمها ولماذا، أما مسألة الجرأة التى يعتبرها البعض اتهاما وآخرون يعتبرونها ميزة فإنها بالنسبة لى لا هذا ولا ذاك، لأن الأصل فى الفن الجيد هو الجرأة على اقتحام خيال الناس وعقولهم بأفكار ورؤى لم يعهدوها ودوره أن يلفت انتباههم لما يغفلون عنه حتى فى أنفسهم إذا فالجرأة ميزة وليست عيبا ولكن يعتمد ذلك على تعريفنا للجرأة، ودعونى أطرح لكم مثلا فلو اعتبر صانع العمل الفنى الجرأة فى أن تظهر امرأة عارية تماما أو رجل فى عمله الفنى دون هدف آخر فتلك ليست جرأة ولكنه هبل أو جنون أو بحث عن وسائل للفت الأنظار، أما لو أنه فى إطار فضحه لظاهرة التحرش مثلاً صور مجموعة رجال تنزع ملابس امرأة عنها بقسوة ليصدمنا فهنا أصبح للعرى معنى وقيمة وصدمة لها هدف.

«محتاجين نتصدم علشان نفوق»، «أنا مش عايز أطبطب» كانت تلك عبارات قالها مؤلف مسلسل قلوب هانى كمال فى حوار تلفزيونى جمعه مع بعض أبطال المسلسل فى محاولة للرد على هجوم واستياء كثير من مشاهدى التلفزيون على المسلسل، وللحق لم أفهم ما هى الصدمة التى أراد أن يصدمنا بها المؤلف لكى نفوق وبعدين مش فاهمة كيف سيساعدنا هذا المسلسل على الإفاقة، المسلسل الذى تدور حلقاته حتى الآن حول حياة خمسة نماذج من النساء الصغيرات كلهن ينتمين إلى الشريحة العليا جدا من المجتمع التى تمثل %5 أو أقل من المصريين، وهذا أمر لا يعيب المسلسل بداية فليس مطلوبا من كل عمل فنى أن يعبر عن السواد الأعظم من الشعب وكم من مسلسلات تدور فى الحارة وهى لا تعبر عن أى شىء، إذا ليس آفة المسلسل أنه يعبر عن حياة الناس المرتاحة ماديا لأن هؤلاء لهم مشاكلهم أيضا والتى لم ير منها المؤلف حتى الآن سوى أن إحداهن حملت سفاحا من علاقة برجلين فى نفس الوقت وبالتالى لا تعرف الأب لجنينها وتريد أن تحتفظ به فى مقابل صديقاتها اللاتى يرفضن ذلك، ونموذج آخر من مشاكل النساء الصغيرات أن إحداهن أمها جاهلة وأبوها رجل متيسر ولكن من أصول بسيطة مما يجعل أى عريس من عائلة مرموقة يرفضها، وأخرى مشكلتها تتمثل فى أن زوجها مدمن مشاهدة أفلام إباحية وهى ترفض هذا السلوك وتعتبره خيانة منه فتمتنع عنه وهو لا يكف عن مطالبتها بالنوم معها فى تعبير فج عن العلاقة الحميمة، وهناك نموذج الفتاة التى تعمل فى مجال الإعلام مع مذيع صفيق صاحب لسان زالف على رأى عمنا مصطفى حسين ورغم هذا تستمر علاقتهما غير المفهومة، والأهم أن هذه المجموعة من النساء لا يجتمعن إلا فى أيديهن سيجارة حشيش وكأس، ويضم المسلسل نماذج هامشية من رجال تتزوج عرفيا لتسرى عن نفسها، وقد تكون كل هذه النماذج بالفعل موجودة فى المجتمع بل وأكثر ولكن أن تجتمع كل هذه النماذج شبه المشوهة فى عمل فنى واحد طوال الوقت يُعرض فى السابعة مساء على التلفزيون ويتم تداول ألفاظ وعبارات شديدة القبح والأباحة فتلك هى المشكلة.

لم يُعرض حتى الآن من المسلسل إلا عشرون حلقة وأعلن صُناع العمل أن حلقاته ستصل إلى الخمسين ورغم أنى من الذين يتجنبون الكتابة عن عمل فنى لم يكتمل إلا أننى دُفعت دفعا للتعليق على ذلك المسلسل قبل نهايته أولاً لوضوح فجاجته، ثانيا لأن دفاع صانع العمل كان أكثر استفزازا من المسلسل ذاته، فالمؤلف الشاب فى إطار دفاعه عن المسلسل ولغته وتفاصيله راح يقول إن لغة الناس فى الحديث تغيرت وصارت جريئة ومتجاوزة وأن الإعلام صار ذا لغة متجاوزة أيضا والمؤلف على حق فالناس صارت قليلة الأدب والإعلام والعاملون فيه بالفعل صاروا سليطى اللسان وحتى الضيوف، ولكن ذلك ليس مدعاة لأن نقبل حالة جماعية مرتبة من قلة الأدب والوقاحة، الفن يا أيها البشر مهمته أن يرتقى بالبشر يأخذ منهم ليجعلهم أفضل لا أن يهوى بهم فى الدرك الأسفل.

قد يكون عنصر التمثيل كالعادة فى مسلسلاتنا أحيانا أفضل العناصر كما هو فى هذا المسلسل فمجموعة النساء الصغيرات علا غانم ونجلاء بدر وإنجى المقدم وغادة شريف وإن كانت أقلهن أداءً جيهان عبدالعظيم الممثلة السورية الوافدة، أما المخرج حسين شوكت فقد افتقد الإيقاع كثيرا فبدا فى لحظات كثيرة مملاً، ولو صدقت جريدة المصرى اليوم فيما نقلته على لسانه من أنه لا يرى تجاوزا فى حوار المسلسل وأن لا حياء فى العلم فأقول له ويا سلام سلم على شرباتك إذ اعتبرت أن مسلسل قلوب علم يجب أن نتجاوز فيه عن الحياء!!



أكثر...