اعتاد الجلوس فى ركن يختفى بعيدًا عن الكاميرا، منتظرًا لحظة دخوله الخاطفة، بعينين اعتادتا حساب المسافات والارتفاعات، جلس محدقًا فى المكان من حوله، استعدادًا لأداء منفرد اشتهر به "الكابتن عبد الرازق" كما عرفه الجميع فى عالم السينما، كشيخ مهنة "الدوبلير" التى احترفها منذ أفلام الأبيض وأسود، ينتهى بحرفة من ارتداء "ملابس الشغل" ووضع ماكياجه المطابق لوجه البطل، ينتظر الإشارة التى يدخل بعدها مكان التصوير، لأداء الحركات المطلوبة بدقة وحرفية عالية، ينفصل عن الأصوات من حوله، مركزًا حواسه على القفز من أعلى بناية شاهقة أو الجرى وسط حريق مشتعل، يحرص على البقاء بعيدًا عن مواجهة الكاميرا التى لم يحظ وجهه بالنظر إليها يومًا، ويكتفى بإعطائها ظهره كبطل سينمائى عاش وجهه فى الظل بعيدًا عن الأضواء.

الكابتن أو "عبد الرازق أكروبات" كما يعرفه الجميع كحكاية من البطولات الخفية التى لم تستكمل ظهورها بطلة من وجهه أو حوار صغير فى السيناريو الذى اكتفى دائمًا بوضعه نجمًا صامتًا فى أكبر الأعمال السينمائية، حكايته التى بدأت منذ ظهوره دوبليرًا لفريد شوقى نجم "الأكشن" فى الأبيض والأسود، هى الحكاية التى لم تنهيها إصاباته المتعددة التى اعتاد التعامل معها بعد كل مشهد، وهى الحكاية التى ما زالت ممتدة فى خليفته "إبراهيم عبد الرازق" كابتن سينما التسعينات وأفلام "أكشن اليومين دول".

المهنة الأخطر، وبطولة الظل والمشاهدة الصامتة التى تحكيها الحركة واللقطات السريعة، هى ما تحدث عنها الكابتن لـ"اليوم السابع" محاولًا جمع تاريخه فى كلمات، قليلًا من الصمت، لاستعادة تاريخ مضى، بدأ بعده الكابتن حديثه قائلًا: "الحكاية بدأت من سنة 63 فى فيلم (حب وسلاح) كان فيلم أجنبى بيتصور فى مصر، أول نطة كانت 28 مترًا، بعدها بدأت رحلة الشغل فى السينما".

فرقة من الدوبليرين، وشهرة فى عالم الحركات الخطيرة هى ما اكتسبها شيخ منفذى المعارك فى السينما المصرية بعد فترة قصيرة من بدايته التى يحكى عنها قائلًا: "اشتغلت مع محمود المليجى وتوفيق الدقن، وفريد شوقى، ورشدى أباظة، ونور الشريف، وعادل أمام، ومحمود مرسى، وفاروق الفيشاوي، ونجوم كتير طلعت مكانهم فى المشاهد الصعبة، كان النجم بيعمل الدور كله ويجى عند الأكشن ويطلب عبد الرازق"، يبتسم مستعيدًا ذكرياته مع البطولات السينمائية التى طالما نفذها صامتًا ثم يستكمل قائلًا "عملت أفلام كتير، زى مهمة فى تل أبيب، والإرهاب، وسلام يا صاحبى، والبحث عن سيد مرزوق، وأرزاق يا دنيا، والمحترفون، وخلى بالك من عقلك وحاجات تانية كتير، ولسه عندى فرقتى كلهم دوبليرات زى الفل، النجوم والمخرجين بيتصلوا بيا عشان مشهد أو فيلم كامل ما ينفعش يتصور من غير دوبلير".

باقى القصة يحكيها خليفة الكابتن وابنه الأصغر "إبراهيم" الذى ورث عنه حب المهنة واستكمل مشواره بداية من سينما التسعينات منذ عمر الخامسة عشر: "من وأنا صغير وأنا مع الكابتن فى كل فيلم يروحه، كنت بتفرج عليه دايمًا وهو بيعمل حركات الأكشن فى الأفلام واتعلمت منه أصول الشغل، وأنا عندى 15 سنة عملت مشهد فى فيلم فخ الجواسيس واشتغلت بعدها فى مسلسلات تاريخية مع أحمد عبد العزيز وأحمد ماهر، وبعد فترة بقيت الدوبلير الرئيسى لأحمد عبد العزيز".

لم يكن قد أكمل عامه السادس عشر بعد، أثناء مشاركته فى فيلم "رسالة إلى الوالى" بطولة الزعيم، تبعتها مشاركات أخرى فى "أمير الظلام، ورجل الأقدار، والتجربة الدنماركية، وأفلام حديثة مثل "خارج عن القانون، وواحد من الناس، وتيتو، وأبو على، ووش إجرام، وكده رضا" وغيرها من مئات الأعمال التى حضرها "إبراهيم" بوجه اختفى عن الكاميرا.

وعن علاقته بنجوم الأكشن يقول "علاقتى طيبة بعادل أمام، ونجوم الجيل الحالى فى منهم اللى بيحب ينفذ الشغل بنفسه زى "أحمد السقا" بس معروف عنه أنه جرىء زيادة عن اللزوم عشان كده بيتعور كتير، وعنده عقدة الخواجة دايمًا يحب يجيب دوبلير من برا، كريم عبد العزبز جدع وبيحب يعمل الحركات بنفسه وما بيحتاجش منى غير المشاهد الصعبة أوى، أما هنيدى وأحمد حلمى فمالهمش فى الأكشن خالص".

أحلام التمثيل أو الظهور فى دور كامل هى ما وضعوها جانبًا، بالنسبة للكابتن وفرقته وأولاده فن أداء الحركات وتنفيذ المعارك من أهم الأعمال السينمائية التى لا تحتاج سوى قليلًا من الاهتمام من المخرجين والمنتجين بالتأمين عليهم من الإصابات وزيادة الأجور، أما الشغلانة فى حد ذاتها فهى ليست مجرد مهنة فحسب كما يعتبرها "إبراهيم" الذى يصفها قائلًا "دى خبرة فى الحياة، وعالم تانى فى السينما ما يعرفوش غير الدوبلير".



أكثر...