(المستقلة)/مروان الفتلاوي/..الرصافة، الباب الشرقي، رئة بغداد النابضة. خليط من جنسيات متعدّدة، أسواق شعبية حيّة مكتظة بحركة الزبائن والباعة من ذوي الدخول المحدودة. ثمة لافتات معلقة على بعض المحال تقول “حافظ على نقودك”، و”احذر النشالة”، توحي هذه العبارات بأنها المنطقة الأشهر بوجود اللصوص الصغار أو ما يطلق عليهم شعبياً “النشالون”. إنه المكان الأشهر فعلاً، طبقاً لما يقول قاضي تحقيق ينظر في جرائم هذه المنطقة. جميع من يرتاد هذه الأسواق يبدو حذراً للحفاظ على ممتلكاته، فاللصوص هنا لا يمتازون بخفة اليد وسرعة الحركة فحسب، بل بابتكار وسائل جديدة لإشغال المارة وأصحاب المحال تمهيداً لخطف نقودهم. يقول قاضي تحقيق الكرادة علي عبد الرزاق إن “ظاهرة السرقة البسيطة أو ما يسمى بـ”النشل” مازالت حاضرة بكثرة”. وفي حديث نقله (المركز الإعلامي للسلطة القضائية) يرى القاضي أن “الجرائم التي دخلت البلاد بعد 2003 كالإرهاب وغسيل الأموال والمتاجرة بالبشر لم تخفف من مستويات السرقات الصغيرة”، ويُرجع السبب إلى أن “جريمة السرقة هذه من أبسط الجرائم وعملية القيام بها بسيطة جدا لا تحتاج سوى شخص واحد”. وعن أبرز الحاجيات الأكثر تعرضاً للسرقة قال “المبالغ البسيطة والحقيبة النسائية ومحفظة النقود والهواتف النقالة وجوازات السفر”، مشددا على أن “الجوازات هي الأكثر تعرضا للنشل في شارع السعدون بحيث يتم استخدامها من قبل المجرمين في التزوير”. وأشار إلى أنه “غالبا ما يكون هؤلاء اللصوص في مقتبل العمر من الأحداث أو الشبان”، لكنه أفاد بأن “النساء لا يمارسن هذه الجريمة إلا ما ندر”. وبشأن الأساليب التي تتبعها هذه الشريحة من اللصوص بيّن عبد الرزاق “إنها كثيرة وبعضها غريب، أحيانا يستقل السارق دراجة نارية ويختطف الحاجيات مسرعا، أو أن يفتعل اللصوص مشاجرة مع الضحية يسرقونه بعدها ناهيك عن سرقة الجيوب من قبل بعض الاشخاص المحترفين في خفة اليد”. وعن أغرب الحالات والأساليب التي واجهها عبد الرزاق يروي أن “شابا بعمر 18 عاماً يدّعي أنه يرتدي حزاماً ناسفاً ويستجلب الأموال بعد تهديد التجمعات البشرية في الاسواق”، مشيراً إلى أنه “كان يخدع المارة بحزام ناسف مزيّف مكون من قماش وقنينة ماء وأسلاك بلاستيكية، إلى أن شاءت الصدف أن يلقى القبض عليه في إحدى السيطرات بعد تفتيشه”، وأكد أنه “اعترف بأنه استجلب أموالا أكثر من 5 مرات بواسطة هذه الخدعة”. ويعتقد قاضي التحقيق أن الدوافع التي تُلجئ هؤلاء “النشالة” إلى السرقة هي “العامل المادي كمحور أساس، لكن أكثر ما ألاحظه أن مرتكبي هذه الجريمة من أصحاب السوابق، لذلك نحن، قضاة التحقيق، غالبا ما نشدد على ربط السوابق”. وأشار عبد الرزاق إلى أن “دافعاً نفسيا خفياً وراء هذه السرقات، فبعض ممن يسرقون لا يحتاجون الأموال، ولا يمكن تسمية “النشل” بالهواية أو المهنة، هي أقرب إلى الاعتياد، فكثير من المتهمين نجد في سوابقهم 4-5 سرقات”. ولفت إلى أنه في بعض الأحيان “الاستدلال على المجرم إذا كان مجهولا، يأتي بعد مدة طويلة، فمثلاً أن أحد محال الساعات تمت سرقته، وبعد مدة وجدت بضاعة هذا المحل في السليمانية، وبواسطة اعتراف البائع جلب السارق إلى المحكمة”. ويبيّن عبد الرزاق “أن إحالة هذه الجرائم على الجنح أو الجنايات خاضعة لظروف السرقة إن كانت ليلية أم نهارية، بسلاح أم من دونه”. وحول ما إذا كانت هناك شبكات تدير هذه الجريمة يظن أنها “موجودة، فلا بد أن هذا الشخص السارق يلتقي مع بيئة محرضة ومساعدة وقد تكون منظمة”. أما سرقة الدور فيؤكد عبد الرزاق أن “هذه ظاهرة قديمة، لكنها لا تموت أبداً.. وفي كل يوم تردنا حالات إلى المحاكم”، وأوضح أن “هذه المنطقة يندر أن يحدث فيها سطو مسلح على البيوت والسرقات التي تحدث بسيطة في أغلبها كسرقة قناني الغاز أو الأجهزة الكهربائية والمنزلية الأخرى”. سراق يجوبون الكرخ من الرصافة إلى الكرخ، منطقة شعبية أخرى، وأسواق مزدحمة كذلك. البياع. حيث يلعب العامل الاقتصادي دوراً في مستويات هذه الجريمة، لكن على ما يبدو أن “النشالين” هنا يخبو بريقهم لكن يرتفع اللصوص إلى جرائم أكثر خطورة. القاضي سعد طاهر، في محكمة تحقيق البياع يعرف “النشل” بانه هو نوع من أنواع جريمة السرقة، معتبراً إياه “من جرائم السرقة البسيطة التي تناولتها المادة 646 من قانون العقوبات العراقي. والنشل استخراج المال والحاجيات الأخرى من المجنى عليه في غفلة منه سواء كان من الجيوب أو سوار من المعصم أو حقيبة وغيرها من الأساليب”. ويؤكد طاهر أن “جريمة النشل البسيط لا تقترن بظروف مشددة كمكان الجريمة وعائدية المال المسروق إذا ما كان للدولة وتعدد الجناة ووقت الجريمة”. وعن أساليب اللصوص قال “إن السارق يلجأ إلى عدة وسائل أحيانا لإشغال ضحيته، فأحيانا تكون الجريمة مرتكبة بواسطة سارقين اثنين أحدهما يشاغل الضحية بسؤال أو استفسار مفتعل والآخر يسرقه في غفلة منه، والنشالة معروفون بالاحتراف في خفة اليد”. وتابع طاهر “تمر علينا دعاوى كثرة بهذا الشأن، إحداها كانت مسجلة ضد متهم مجهول الهوية حيث أفادت الضحية بأن شخصا يستقل دراجة نارية اختطف حقيبتها وهي على كتفها ولم تستطع تشخيصه لسرعة الحدث، وهذا اسلوب اخر ايضاً”.  وعن نسبة هذه السرقة في منطقة البياع قال “إنها قليلة”، مشيرا إلى أن “السرقات التي تحدث في هذه المنطقة غالبا ما تكون مقترنة بظروف مشددة”. ويرى أن “السرقات هنا غالبا ما تتعلق بظروف اقتصادية”، ويؤكد أنه من “خلال التحقيق يتبيّن أن أغلب السارقين من الشباب حيث يبددون اغلب الأموال التي سرقوها في الملذات الشخصية”. وكشف القاضي عن اسلوب جديد في سرقة البيوت وهو “منتشر بمعدلات كبيرة”، كما يؤكد. يقول “كشفنا عصابات عديدة تمارس سرقة البيوت، إحداها ارتكبت جرائم في البياع وحي العامل والدورة وهي كلها عبارة عن سرقات نهارية يقوم بها مجموعة شبان”. وعن الآلية التي يتبعّها هؤلاء يقول إن “اللصوص عادة ما يتجولون ويقومون بمراقبة البيوت لحين خروج العائلات فيتم السطو على الدور واغلب الحاجيات المسروقة تكون أموالا وأجهزة الكترونية ومصوغات ذهبية”. وانتهى قاضي التحقيق إلى القول أن “القضاء يطبق القانون بحذافيره على مرتكبي هذه الجرائم”، مطالباً بـ”اتخاذ إجراءات أمنية احترازية في عمل مكاتب مكافحة الاجرام وأن يكون العمل أكثر مهنية حتى إن استدعى الأمر نصب كاميرات في الشوارع بغطاء قانوني”.

أكثر...