يحتفل العالم بعد غد الثلاثاء باليوم العالمى لأمن الأرض 2014 تحت شعار "المدن الخضراء"، ويهدف إلى التركيز على المدن الخضراء، وحشد الملايين من الناس لخلق بيئة صحية مستدامة من خلال تخضير المجتمعات فى جميع أنحاء العالم، والتركيز على التحديات البيئية الفريدة فى عصرنا.

ولقد أصبحت الحاجة إلى خلق مجتمعات مستدامة أكثر أهمية من أى وقت مضى، وبخاصة مع وضوح آثار زيادة هجرة السكان إلى المدن وتفاقم تغير المناخ، ويراد من فعاليات يوم الأرض لهذا العام هو وضع موضوع العام قيد التطبيق وعبارة "أمن الأرض" هى عبارة شائعة فى عدد من البلدان والمناطق، ويراد بها كوكب الأرض وتجسد الترابط القائم بين البشر وغيرهم من الكائنات الحية والكوكب الذى نسكنه جميعا.
فالبوليفيون على سبيل المثال، يطلقون على أمن الأرض اسم ’’باتشاماما‘‘، والنيكاراغويون يشيرون إليها باسم " تونانتزين"، وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى قرارها 278/63 فى أبريل عام 2009، اعتبار يوم 22 أبريل بوصفه اليوم الدولى لأمن الأرض.

والإعلان هو اعتراف بتوفير الأرض ونظمها الإيكولوجية لسكانها بأسباب الحياة والقوت، كما أنه اعتراف بالمسئولية الجماعية التى دعى إليها إعلان ريو لعام 1992، لتعزيز الانسجام مع الطبيعة والأرض لتحقيق توازن عادل بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للأجيال البشرية الحاضرة والمقبلة.

وتعتبر المبانى الخضراء منظومة متكاملة من الإجراءات والحلول التى تطبق على مرافق المبنى أو المشروع العقارى فتقلل من مصروفات الطاقة والفاقد، وتحولها إلى عناصر مفيدة للبيئة وللمبنى ولساكنيه، بل وتنقسم إلى 3 أقسام أولا ( حلول الطاقة)، وهى عدة حلول تخص الطاقة التى يحتاج إليها المبنى وتوفير الاستهلاك، كاستخدام بعض منظمات الطاقة الحديثة والاستفادة من الطاقة البديلة كالرياح والطاقة الشمسية، وثانيا حلول المياه والصرف وهى عدة حلول لتوفير المياه التى يحتاج إليها المبنى ومستخدموه ومعالجة مياه الصرف للاستفادة منها فى أمور أخرى كالرى والنظافة.

أما القسم الثالث فهو حلول البيئة وهى عدة حلول تقلل من التلوث الصادر من المبنى وبعض مرافقه والتى تؤثر فى المبنى وفى رواده وفى البيئة العامة، ويجهل الكثيرون أهمية هذه المنظومة وخاصة ملاك العقارات فهم لا يدركون بأن لو طبقت هذه المنظمة على عقاراتهم لوجدوا أنها توفرعليهم ما بين 15 إلى 20 % فيما يخص الكهرباء والماء، بالإضافة إلى أنها تساعد على زيادة عمر المبنى، فضلا على ما ستقدمه من بيئة عمل أو سكن ملائم لمرتادى هذا المبنى وأيضا البيئة العامة.

ويعتقد أن المبانى مسئولة عما يقرب من 45 % من إجمالى استخدام الطاقة فى جميع أنحاء العالم، وعن 35 % من إنتاج ثانى أكسيد الكربون، وعن 80 % من استهلاك ناتج المياه، وعن 50 % من استهلاك المواد والموارد، إضافة إلى الموارد المخصصة للمبانى يعتقد أيضا أن الناس يقضون معظم أوقاتهم وتشير التقديرات إلى قرابة 60 ــ 70 % داخل المبانى .
ومن الواضح أن بعض العوامل الرئيسية التى تؤثر فى صحة الإنسان والبيئة تتأثر كثيرا بخيارات البناء والتصميم مثل أماكن النوافذ، واتجاه المبنى والعزل، وفى الولايات المتحدة هناك نظام تصنيف موحد وضع لقياس " الجوانب الخضراء للمباني" من قبل المجلس الأمريكى للمبانى الخضراء وهو عبارة عن منظمة غير هادفة للربح تعتمد على نظام العضوية.

ووظيفة المجلس هو تعزيز الاستدامة فى كيفية تصميم المبانى وبنائها وتشغيلها، وإضافة إلى المؤتمر والمعرض الدولى للبناء الأخضر الذى يعقده المجلس سنويا، فالمجلس مشهور بوضعه لنظام تصنيف المبانى الخضراء "الريادة فى الطاقة والتصميم البيئي" الذى يعد مزيجا من أنظمة التصنيف المختلفة لتصميم وبناء وتشغيل وصيانة المبانى والمنازل والأحياء السكنية الخضراء ويهدف إلى مساعدة أصحاب المبانى والمسؤولين عن تشغيلها على الاطلاع بمسئولياتهم البيئية وعلى استخدام الموارد بكفاءة.

ويضم المجلس الأمريكى للمبانى الخضراء ما يقرب من 20 ألف عضو ومنظمة تتولى التعديل والمراجعة الدقيقة لمعايير "الريادة فى الطاقة والتصميم البيئي" بشكل علنى.

ومنذ أن وضعت هذه المعايير عام 1998، تم تطبيقها على أكثر من 7000 مشروع فى الولايات المتحدة و30 دولة أخرى، بما يغطى أكبر من 1.5 مليار قدم مربعة من المناطق المطورة، كما يتبع المجلس الأمريكى للمبانى الخضراء معهد يحمل اسم "معهد تصديق المبانى الخضراء والذى يقدم العديد من الشهادات للأشخاص الذين يمتلكون المعرفة المهنية بنظام التصنيف "الريادة فى الطاقة والتصميم البيئى بما فى ذلك شهادات الاعتماد المهني،وشهادات الشريك الأخضر.

ووفقا للتقارير فإن المبانى الخضراء الموافقة لمواصفات "الريادة فى الطاقة والتصميم البيئى تستهلك طاقة بمعدل 30 % أقل مقارنة بنظرائها غير الخضراء، مما يؤدى إلى متوسط وفر سنوى مقداره 60 ألف دولار أمريكى لكل 100 ألف قدم مربعة من المبانى.

وتشمل المزايا الأخرى زيادة عوامل الصحة والسلامة للعاملين والقاطنين مما يؤدى إلى انخفاض الأيام المرضية، وزيادة الإنتاجية، وارتفاع معدلات احتفاظ الشركات بالعاملين لديها، وأشارت بعض الشركات إلى وصول مكاسب إنتاجيتها إلى 16 %، ولكن معظم الدراسات التى توثق العمالة تشير إلى أن أثر المبانى الخضراء فى زيادة إنتاجية العمل يمكن أن يصل إلى 1 ــ 7 %.

وبدأت حكومة الولايات المتحدة بتقديم حوافز على المستوى الاتحادى لتشجيع ممارسات البناء الأخضر، ومن أمثلة هذا الاتجاه مشروع قانون "سميث ــ فاينشتاين" الذى اقترح عام 2001، وعرض مشروع القانون وضع حوافز ضريبية لدمج عناصر المبانى الخضراء فى المبانى التجارية والسكنية، وتعد هذه الحوافز الضريبية ضرورية ومرغوبة لتشجيع الابتكار لتحسين جودة الحياة عموما وتشجيع الشركات على اعتماد المكونات الموفرة للطاقة مثل المصابيح الكهربائية والأجهزة المستدامة، مما يؤدى فى النهاية إلى زيادة الوعى وإلى انخفاض كبير فى استخدام الطاقة، وتعد بوسطن الأميركية أول مدينة تطبق نظام المبانى الخضراء لكل مبنى بمساحة أكبر من 5000 م 2 .

وترتكز فكرة المدن أو المبانى الخضراء على محاولة الاستفادة من الطاقة البديلة والتى لا تبعث غاز ثانى أكسيد الكربون فى الجو وبذلك فإنها تحاول التوفير فى الطاقة بمحاولة التخفيف من الاستهلاك عن طريق مواصفات قياسية لبعض مواد البناء مثل الأسطح العازلة لحرارة الشمس أو برودة الجو حسب موقع كل دولة من خط الاستواء أو القطبين.

ويبدو أن التركيز فى المبانى الخضراء سيكون على الأسطح العلوية للمبنى والتى تتلقى حرارة الشمس، ولذلك فإن آخر ما توصلت إليه بعض الشركات الأمريكية هو تبنى فكرة الأسطح الخضراء التى توفر 25 % من طاقة التكيف، وهى أسطح عبارة عن حديقة عادية فى السطح بعمق نحو 10سم وتزرع عليها نباتات معينة لا تطول وليس لها جذور تخترق السطح ويتم عادة سقيها من مياه المطر وشبكة رى احتياطية فى حالة قلة المطر، وبذلك فإن الحديقة من الرمل والنباتات تعمل كعازل حرارى جيد فى الصيف وكذلك لحفظ الحرارة داخل المبنى فى الشتاء.

وللحديقة فوائد كثيرة، فهى إضافة إلى العزل تساعد على امتصاص مياه المطر وبذلك تمنع التسربات، وتقوم بحماية المبانى من الأشعة فوق البنفسجية التى تؤثر فى سلامة السقف، وتقوم النباتات بامتصاص الثلوث أو حبسه، إضافة إلى أنها إضافة جمالية لأسطح المبانى فى المدينة وخاصة لمن ينظرون إلى المبانى التى أقل ارتفاعا منهم بدلاَ من رؤية سكن الخدم وملابس منشورة أو مكيفات.

وتعد فكرة الأسطح الخضراء فكرة قديمة وبدأت فى ألمانيا التى بلغ عدد تلك المبانى فيها ما يقارب 3000 فدان من المبانى عام 2003، وأخيراً قام مجلس مدينة تورنتو الكندية بالأخذ على عاتقه أن تغطى الأسطح الخضراء 50 إلى 70 % من أسطح مدينة تورونتو، لدرجة أن أحد الفنادق أصبح يوفر إضافة إلى الطاقة ما مقداره 40 ألف دولار سنوياَ من الاستفادة من زراعة بعض الخضراوات والأعشاب التى يستعملها المطعم من تلك الحديقة على السطح.

ويرافق فكرة المبانى الخضراء مبدأ طول حياة المبنى أو دورة حياته وذلك باستعمال مواد صديقة للبيئة وفى الوقت نفسه تدوم مدة أطول ليعمر المبنى، وأخيراً بدأ المجلس الأمريكى للمبانى الخضراء فى التوجه إلى ترخيص للمبانى السكنية ( منازل وشقق) وفق مواصفات واعتبارات تمس مدى التوفير فى الطاقة وطول عمر المبنى وتقليل مدى ما يبعثه إلى الهواء الخارجى من تلوث، ومدى تنقيته للجو الداخلى لسكان المنزل.



أكثر...